حينما اقتحم فيروس كورونا العالم في نهاية عام 2019 وشهد ذروة تفشيه في عام 2020، لم يفرق بين غني وفقير في العالم، أو بين دولة وأخرى في التأثير الاقتصادي. كذلك تأثر سوق الفخامة والرفاهية الذي بات صناعة كبرى في العالم بهذا الحدث المفاجئ.
لم يعد البشر يستطيعون الذهاب والمجيء بحرية حول العالم لحيازة بضائعهم المفضلة، كما بات إيصال البضائع أمرًا شاقًا في ظل إجراءات الحظر ومنع السفر وكل ما اتخذته الحكومات للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد، وباتت التأثيرات واضحة ومحاولات الهروب بالابتكار بين الزبائن والعلامات التجارية نقطة محورية ومؤثرة في سوق الفخامة العالمي.
تأثير بالغ
رجح تقرير "ألتاجاما" السنوي فيما يتعلق بأسواق المنتجات الفاخرة، الذي قدم بالتعاون مع "دراسة بيرنشتاين" و"مجموعة بوسطن الاستشارية" أن يتسبب فيروس كورونا بشكل عام في انخفاض مبيعات هذا القطاع ما بين 30 مليار يورو و40 مليار يورو، وهي خسائر ضخمة بكل تأكيد.
تراجعت مبيعات علامات الرفاهية الخاصة بالأزياء بنحو 70% في عام 2020 منذ اشتداد المخاوف بشأن فيروس كورونا في شهر مارس بالتحديد وفقا لموقع "إيكونوميك تايمز". وفي ظل عدم اليقين المتمثل في مبيعات التجزئة، وتخفيض ساعات عمل الموظفين في أثناء فترات عدم الإغلاق، مع عدم عملهم أصلا في أثناء الإغلاق، وتقييد دخول الزبائن، مُني هذا الجانب من سوق المنتجات الفاخرة بنكسة كبيرة في 2020 على وجه الخصوص.
دخل عامل آخر خط المعادلة بقوة: ماذا عن المخزون الذي تراكم لدى العلامات التجارية في أثناء الإغلاق بسبب تداعيات فيروس كورونا؟هنا اتخذت العلامات التجارية قرارا بتأجيل موسم مهم وهو ربيع 2021 وصيفه إلى شهر أكتوبر بهدف تصفية المخزون الذي تراكم في أثناء الإغلاق والذي يعد تراكمه دون بيع خسارة محققة وغير مسبوقة لدى كثير من تلك العلامات. لقد أثر فيروس كورونا في هذا العالم حتى النخاع.
إعادة البيع
لم يكن يدور بخلد كبار عمالقة الأزياء وصنّاع المنتجات الفاخرة في العالم أن تكون عمليات إعادة البيع بهذه الكثافة، ولكن الأرقام التي كشفت عن حقائق عديدة أكدت أن الزبائن حول العالم لم ينتظروا فترة طويلة قبل التعاطي مع الوباء بكفاءة كبيرة.
قبل تفشي فيروس كورونا، كان قد نما سوق توصيل شحنات الملابس والكماليات الفاخرة حول العالم إلى حدود 24 مليار دولار، وكانت التوقعات تشير إلى وصولها إلى 51 مليار دولار بحدود عام 2023، فالأجيال الجديدة تفضل الحصول على منتجاتها عبر الطلب، حتى لو كانت تلك المنتجات قادمة من أنحاء مختلفة من العالم. لكن أتى فيروس كورونا بما لا تشتهي سفن الزبائن والعلامات التجارية في الوقت نفسه. فطفا مفهوم عمليات إعادة البيع على السطح بشكل واضح.
ارتفع الطلب على موقع "ثريد أب" الذي يعد من بين الأشهر عالميا فيما يتعلق بمبيعات "اليد الثانية" أو البضاعة المستعملة بشكل لا يؤثر كثيرا على الجودة، ارتفع الطلب عليه بنسبة 50% خلال عام 2020، الأمر الذي يفسره كثيرون بأنه "تأثير مادي مباشر" على المستهلكين جعلهم يفكرون في أسواق أخرى أكثر رخصا وأمانا.
وفي مايو 2020، شهد الموقع زيادة تاريخية بواقع 31% في عدد الزيارات، حيث قضى المتسوقون ما يفوق مليوني ساعة على موقع "ثريد أب" وذلك وفقا لتقرير صادر عن الموقع نفسه عن عام 2020.
في تصريحات نقلها موقع "سي إن بي سي" نهاية عام 2020، قال ميلتون بيدرازا مؤسس معهد "لاكجري إنستيتيوت" إن عمليات إعادة البيع باتت ضرورة في عصر كورونا، وإن الأمر اشتمل أيضا على "الأشخاص الأكثر غنى ولكن ممن فقدوا وظائفهم" مؤكدا أن كثيرا من هؤلاء في ظل الجائحة اضطر إلى بيع ممتلكاته باهظة الثمن في ظل القلق وانعدام اليقين بشأن المستقبل.
ذهب بيدرازا إلى أن تأثير فيروس كورونا من الناحية الاقتصادية على سوق الفخامة "أسوأ من عام 2008" في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي اجتاحت العالم في ذلك التوقيت، متوقعا أن ينخفض الطلب على أسواق السلع الفاخرة في الولايات المتحدة الأمريكية "السوق الأكثر فاعلية في هذا العالم" بشكل أكبر خلال 18 شهرا إلى 36 شهرًا، كما أن هذا سيكون مؤثرا إيجابيا على أسواق مثل الصين التي باتت العلامات التجارية تعتمد عليها أكثر من أمريكا وأوروبا، رغم أنها مهد الوباء.
التقنية
طفا عامل آخر إلى السطح من جديد، هو الخدمات التي تقدمها التقنية في ظل عصر فيروس كورونا للراغبين في البيع والشراء، حيث باتت التقنية وسيلة سهلة لبيع آلاف العناصر من شتى أنحاء العالم في ظل وجود مستخدمين يملكون الوقت الكافي في أثناء العزل المنزلي كي يقوموا بتلك العمليات وآخرين يستهدفون زيادة أرباحهم.
أعلنت بعض الشركات المختصة بعمليات إعادة البيع تدوير أكثر من 100 مليون عنصر في الآونة الأخيرة، بينما يرى البعض الآخر أن إطالة فترة تداعيات فيروس كورونا قد يدخل الذكاء الاصطناعي طرفا في المعادلة التقنية وحينها سيكون متغيرا بالغ الأهمية.
المستقبل
من المؤكد أن سوق المنتجات الفاخرة سوف يتعافى بتأثيرات عودة المستهلكين إلى الشراء من جديد بعد كثرة اللقاحات، ولكن استبعاد العوامل التي دخلت في خط هذه الصناعة لن يكون أمرًا منطقيًا بحال.
يعود بيدرازا ليؤكد أن "العالم سيعود لشراء الجديد بكل تأكيد" لكنه ليس متأكدا من استثناء العوامل التي ذكرناها وفي مقدمتها إعادة البيع، وقد يكون هناك تنسيق في المستقبل بين العلامات التجارية الأشهر في عالم الفخامة ومتاجر إعادة البيع الإلكترونية من باب المسؤولية الاجتماعية.
أجرى "ثريد أب" دراسة بالتعاون مع "غرين ستوري" أفادت بأن عمليات إعادة البيع لها تأثيرات طبيعية أخرى على الكوكب بأسره مثل تقليل الانبعاث الكربوني وعمليات الإهدار العام، وزيادة أجل مواد التصنيع بمتوسط 2.2 عام، وقد يكون التعاطي الجيد مع هذه الحقائق في ظل أزمات التغير المناخي وما شابهها بوابة عودة علامات سوق السلع الفاخرة إلى المستخدمين من جديد، وطريقة لكسب ولائهم بعد انقضاء تداعيات الجائحة.