يحتفي متحفان للفنون بذروة فخامة تصاميم السيارات، ودورها في تشكيل الثقافة والخيال الجماعي.
هل يمكن لسيارة أن تكون فنًا؟ لا يزعم ذلك منسقو معرضين جديدين، يُعنيان بالفن، سينطلقان في متحف الفن الحديث في نيويورك ومعهد ديترويت للفنون. لكن قد يصحّ القول إن السيارات هي أكثر الأشياء تميزًا في القرن العشرين، حيث يمكن بكل تأكيد أن تُعد تصاميمها فذة. إذ يتجاوز أفضلها المظهر الجميل، أو العرض الذكي للمكونات الميكانيكية، ليعكس الثقافة من حوله ويجسّدها. ينبغي النظر إلى زعنفة الذيل وكيف أمست مقاربة بصرية سهلة تختصر أمريكا في خمسينيات القرن المنصرم.
نموذج لعام 1959 من سيارة Volkswagen Type 1 Sedan، التي أبدعها المهندس فرديناند بورشه في عام 1938،
التي ستعرض في متحف الفن الحديث في نيويورك.
لذلك تُعد السيارات حقا موضوعًا مناسبًا للمعارض الكبرى، ومن قبيل المصادفة السّارة للمتحمسين أنه تقرر افتتاح معرضين هذا العام. لربما يشكل معرض Detroit Style: Car Design in the Motor City, 1950–2020، المقرر انطلاقه في شهر نوفمبر تشرين الثاني في معهد ديترويت، مفاجأة ضمن المعارض التي ستزين أكبر متحف في المدينة، ذلك أنه المعرض الأول الذي يختص بالمركبات على مدى 35 عامًا، باستثناء معرض تصويري جرى في عام 1996. إنه يجمع نحو اثنتي عشرة سيارة من السيارات التصورية وسيارات الإنتاج التي صُممت في ديترويت منذ عام 1950 حتى يومنا هذا، بموازاة رسوم أولية وافرة دائمًا من قِبل مصممي ديترويت، وما وصفه المنسق بن كولمان بأنه «مجموعة قليلة منتقاة بحصافة» من لوحات ومنحوتات وأشياء أخرى توضح مدى عمق ترسّخ تصاميم ديترويت في الثقافة الشعبية الأمريكية.
لوحة Bosch التي أبدعها الفنان لوسيان برنهارد في عام 1914، في متحف الفن الحديث.
يقول بن كولمان: «شكّل اختيار اثنتي عشرة سيارة فقط من تلك المدة بأكملها تحديًا هائلًا. لم يكن الهدف هو التحدث عن تاريخ ديترويت الموسّع على الإطلاق، بل اختيار عدد قليل من سياراتها الأبرز والأكثر تأثيرًا.»
يقول كولمان: «تحدثنا إلى أكبر عدد ممكن من مصمّمي السيارات لقياس ذلك التأثير. إن ما يثير اهتمامنا ليس أسرع منتج يباع أو أعظمه، لكن ما يراه المصممون عندما يغمضون أعينهم، أو عندما يحلمون ليلاً.»
قرر كولمان وفريقه، من أجل إضفاء بعض التناسق البصري على المعرض، التركيز فقط على سيارات كوبيه وسيدان، وليس على الشاحنات الصغيرة أو المركبات الرياضية متعددة الاستعمالات التي تنتجها ديترويت أيضًا، والتي كان لتزايد شعبيتها على مدى السنوات الأخيرة تأثير اجتماعي وبيئي أكبر.
سيارة Firebird III لعام 1958 من شركة جنرال موتورز، عام 1958، في معهد ديترويت للفنون.
لكن اختياراته الدقيقة تخبرنا بقصة معبّرة. يشكل النموذج التصوري Firebird III من شركة جنرال موتورز لعام 1958 ذروة مفهوم زعانف الذيل. تزدان السيارة بسبع منها، وهي بالإضافة إلى هيكلها وسقفها الذي يأخذ شكل فقاعة، تبدو وكأنها طائرة أكثر من كونها سيارة. يعكس رونق طراز Firebird III التفاؤل في ذلك الزمن، كما يعكس على نحو أكثر وضوحًا الهوس بالطيران وسباق الفضاء آنذاك.
«إن ما يثير اهتمامنا ليس أسرع منتج يباع أو أعظمه، لكن ما يراه المصممون عندما يغمضون أعينهم، أو عندما يحلمون ليلاً»
أما المفهوم المضاد فهو الطراز Probe IV لعام 1983 من شركة فورد: يستلهم التصميم الأملس المحبب (حتى العجلات محتجبة خلف لوح معدني) الحاجة إلى تحسين الكفاءة الديناميكية الهوائية وتقليل استخدام الوقود بعد الصدمات النفطية في حقبة سبعينيات القرن المنصرم. يعكس طراز Ford GT الجديد قدرة ديترويت على إبداع سيارة خارقة عالمية المستوى إذ فازت بسباق لو مان، لكن الجزء الخلفي الذي صيغ على نحو أنيق يجسّد وجود محرك V-6 مدمج من ست أسطوانات، وليس محرك V-8 من ثماني أسطوانات الذي فُتنتْ به ديترويت في حقبة.
تُعد السيارات درسًا من دروس التاريخ، وكذلك التصاميم. يقول براندون فوروتي، رئيس محترف Precision Design Studio وبرامج الشركاء في شركة FCA للسيارات في أمريكا الشمالية، والذي عمل عن قرب مع الفريق الذي قدم النصح لمعهد ديترويت للفنون بشأن اختياراته: «يمكن أن ترى وتستشعر طاقة تلك الأوقات من خلال هذه السيارات. أثرت الثقافة الشعبية في السيارة، وكانت السيارة نفسها جزءًا من تلك الثقافة وأثرت فيها كثيرًا. كانت علاقة متبادلة.»
سيارة Toronado Proposal، التي صممها روجر هيوغت Roger Hughet عام 1968 في معهد ديترويت للفنون.
يقول كولمان: «إنها رسالة محبة إلى الصناعة، وتقدير لتصميم السيارة بوصفه تحفة فنية، إن لم يكن فنًا بكل ما تعنيه الكلمة. من المثير للدهشة أن كثيرًا منه حدث على مسافة غير بعيدة من المتحف.» يلقى معرض أوتومانيا في متحف الفن الحديث، الذي لا يزال من المقرر افتتاحه في شهر يونيو حزيران، شهرة كبيرة سواء فيما يتعلق باختيار السيارات والفن الذي يعرضه، أو رغبته في معالجة الجانب المظلم لشغفنا بالسيارات. إن أول ما تقع عليه أعين الزوار هو منحوتة Baboon and Young التي أبدعها بيكاسو عام 1951 وثبت في رأسها نموذج لعبة سيارات ابنه، في استعارة بصرية واضحة على مدى ترسّخ الأشياء الحقيقية في وعينا الجماعي.
يعقب ذلك مجموعة متنوعة على نحو مذهل من فنون وقطع متعلقة بالسيارات، من مكابس بسيطة إلى لوحة Orange Car Crash Fourteen Times التي أبدعها الفنان وارهول عام 1963، والتي استندت فكرتها إلى صورة مزعجة في صحيفة لحادث مميت، وكذلك صور للمصورة مارغريت بورك-وايت، ولوحات قماشية لفنانة النسيج آني ألبيرز، ورسومات أولية أبدعها فرانك لويد رايت، وملصقات فنية، وحتى لافتات إرشادية على الطرق.
لوحة 711Barracuda Front End Facelift Concept التي أبدعها دونالد هود في عام 1968 في معهد ديترويت للفنون.
هناك أيضًا سيارات: عددها سبع، من بينها سيارة فولسفاغن بيتل، وسيارة فيراري فورمولا 1، مع خمس سيارات أخرى معروضة في حديقة المنحوتات في المتحف، التي اعتادت استضافة أعمال لفنانين لامعين أمثال ألكسندر كالدر، وإيزا غينزكن. وقد جرى انتقاؤها من السيارات التسع في مجموعة متحف الفن الحديث الدائمة، مع سيارة بورشه 911 لعام 1965، وسيارة سيتروين DS لعام 1973، اللتين تظهران لأول مرة في المعرض.
تقول المنسقة جولييت كينشين التي نظمت المعرض: «يفاجأ الناس أحيانًا بوجود سيارات في مجموعتنا. إلا أن هذا يعد دائمًا جزءًا مهما من رسالة متحف الفن الحديث لتقديم النطاق الكامل للممارسات الفنية. كان معرضنا الأول للسيارات في عام 1951- الذي نسقه المعماري فيليب جونسون - حين جرى عرضها بوصفها منحوتات جوفاء متدحرجة. في عام 1934 كان لدينا معرض ماشين آرت، الذي عرض قطعًا لسيارات مثل أغطية الإطارات ومصابيح أمامية. لذلك فنحن مستمرون في هذا التقليد.»
«ننظر إلى الجاذبية المثيرة للسيارة بوصفها تزيد من الرغبة في اقتنائها وتجسد هويتها، لكن ننظر أيضًا إلى الجانب المظلم لتلك الظاهرة»
إن حصر الاختيار على مجموعة متحف الفن الحديث الدائمة كان معناه أن مركبات كينشين، بحسب قولها، «محددة مسبقًا». لكن يا له من اختيار! إذ تشتمل تلك السيارات السبع على بعض أعظم تصاميم السيارات في العالم، وليس في ديترويت فقط. إن كينشين مسرورة على نحو خاص لإضافة سيارة سيتروين DS. كانت تلك السيارة معروفة باسم Goddess (أو Déesse) بالفرنسية، حيث أشار الفيلسوف الفرنسي رولان بارت في مقالته عن طراز عام 1957 إلى أنه «فن راق» و«شيء بالغ الإتقان» قد «سقط من السماء». بالإضافة إلى تفاصيل إطلالة السيارة الفذة، أبدعت شركة سيتروين مجموعة من التطورات التقنية على مدى السنين، مثل المصابيح الأمامية التي تتمايل مع منعطفات الطرق وأنتجت بمقادير كبيرة، ونظام ثبات مجهز للغاية حتى إنه يمكن قيادة السيارة لو أزيلت إحدى العجلات.
سيارة Ferrari Formula 1 Racing Car التي صممها جون برنارد عام 1990 في متحف الفن الحديث.
تقول كينشين: «إنها سيارة مرموقة حقًا. لقد تحدثت إلى عدد كبير من المصممين، يعملون في مجالات أخرى لا تتعلق بتصاميم السيارات، وهم يستشهدون بهذا التصميم على أنه نموذجهم الأرقى.» لم تعزف كينشين عن الإشارة إلى التأثير الاجتماعي والبيئي للسيارة. فهناك صور ووسائل إعلام أخرى تتفحص التلوث، والازدحام، وضحايا حوادث السير الناتجة عن السيارة، كما يشتمل المعرض على فيلم الرسوم المتحركة القصير، أوتومانيا، الذي اقتُبس اسم المعرض منه، وأنتجته شركة Halas & Batchelor ورشح لجائزة أوسكار عام1964 .
تقول كينشين: «ننظر إلى الجاذبية المثيرة للسيارة بوصفها تزيد من الرغبة في اقتنائها وتجسّد هويتها، لكن ننظر أيضًا إلى الجانب المظلم لتلك الظاهرة.»
لوحة سیارة Lincoln XL-500 Concept Car، التي أبدعها تشارلز ي. بالوغ Charles E. Balogh عام 1952، في معهد ديترويت للفنون.
لكن هل هذان المعرضان يشكلان تأبينًا لتصميم السيارة بدلاً من الاحتفاء به؟ يستاء بعض المصممين المعاصرين من القيود المفروضة عليهم من قِبل المشرعين، الذين تحدد مطالبهم بشأن معايير السلامة من الصدمات، ومدى الرؤية، والانبعاثات (ونتيجة لذلك، كفاءة الديناميكية الهوائية) شكل سياراتنا تمامًا بقدر ما يحدده الإبداع. في عصر «التنقل بوصفه خِدمة»، حيث نستدعي سيارات (ربما ذاتية القيادة) بدلاً من امتلاكها، هل ستظل بالجاذبية نفسها التي كانت عليها في عصر خمسينيات القرن المنصرم حينما جُمعت السرعة، والقوة، والإثارة، والجرأة في جعبة سيارة هادرة بألوان زاهية طولها 18 قدمًا تزدان بزعانف على الذيل؟
صورة شركة كرايسلر Chrysler Corporation التي أبدعتها المصورة مارغريت
بورك-وايت عام 1932، في متحف الفن الحديث.
يقول فوروتي: «حتى لو تغيرت علاقتنا بالسيارة، وأصبح لدينا اشتراك في خدمة نقل، أو إذا ما كنا نستخدم تطبيقًا لخدمة التوصيل، فإن الناس لن يتغيروا. سوف نظل بحاجة إلى شيء جاذب يعمل جيدًا. في الحقيقة، إن التحول إلى القيادة الذاتية في ظل المرونة في إبداع تصاميم لمقصورات على نحو مختلف، ومساحة الخيارات التي توفرها لنا السيارة الكهربائية، بموازاة محركاتها الكهربائية وبطارياتها الأصغر حجمًا التي تسكن أسفل أرضية المقصورة، قد يوفر لنا فرصًا أكثر من القيود.
يقول فوروتي: «أعتقد أن عملنا لا يزال مهمًا بوصفنا مصممي سيارات. وأن وظائفنا لا تزال آمنة.»