تغمرني سعادة بالغة عندما أكون محاطا بالأعمال الفنية وأجد الإلهام في الفنون. هذه البهجة هي تحديدًا ما أرغب في مشاركته مع الآخرين
- أكسل فيرفورت Axel Vervoordt
بالحديث عن تمثال مصنوع من الخشب المطلي بالذهب وطلاء اللك يعود إلى حقبة سلالة سونغ، يقول أكسل فيرفورت مستذكرًا اقتناءه هذه القطعة من أحد المزادات منذ أكثر من عقد من الزمن، «عرفت للتو أن منتهى هذا التمثال هنا. رأيت صورة له بحجم طابع بريدي في الفهرس ووجدتني بكل بساطة مفتونًا به». على مدى العقود الخمسة الماضية، بنى هذا الرجل البلجيكي، الخبير في الارتقاء بالذائقة الفنية، سمعة هائلة في مجال استحداث فضاءات راقية واكتناز مجموعات فنية مهمة لصالح آخرين. وهو يصف مقاربته الفلسفية لحرفته قائلاً: «تكمن مهمتي في التخلص من الأشياء غير الضرورية والكشف عن جوهر المقتنيات وتوفير مكان أفضل لعرضها بما يتيح استحداث مساحات يسعد الأفراد فيها وبها».
يشكل تمثال خشبي من حقبة سلالة سونغ واحدا من
أغلى مقتنيات فيرفورت وأعلاها شأنا
يُعد التمثال الخشبي واحدًا من أكثر من 30 عملاً فنيًا وضعت حديثًا في مجمع كانال، وهو منشأة متعددة الأغراض تضم وحدات سكنية وتجارية ومعارض فنية تتناثر على مساحة مقدارها 600 ألف قدم مربعة على ضفاف قناة ألبرت التي تبعد نحو عشرة أميال شرقًا عن وسط مدينة أنتويرب التاريخي في بلجيكا. كان فيرفورت قد أزاح الستار عن المنشأة في أواخر شهر نوفمبر تشرين الثاني من العام الفائت، وذلك في أعقاب مشروع التجديد وإعادة التصميم والتطوير الذي استغرق سبع سنوات واكتمل بمساعدة نجلي الخبير، بوريس وديك، وأيضًا المهندس المعماري المولود في طوكيو والمقيم في بروكسل تاتسورو ميكي.
يشكّل مجمع كانال مقرًا للمؤسسة التصميمية متعددة الأوجه التي أنشأها فيرفورت، كما أنه يوفر في الوقت نفسه مساحات واسعة لمعارض تُباع فيها إبداعات الفنانين الذين يمثلهم. لعل الأهم من ذلك كله هو أن مجمع كانال قد شكّل منصة دائمة ومتاحة لعامة الناس لعرض كثير من قطع المجموعة الفنية الواسعة التي راكمها على مدى نصف قرن من الزمن وعهد بها مع زوجته ماي إلى مؤسسة عائلية. في سياق إجابته عن سؤال حول مشروعه الأخير هذا، قال فيرفورت: «تغمرني سعادة بالغة عندما أكون محاطًا بالأعمال الفنية وأجد الإلهام في الفنون. هذه البهجة هي تحديدًا ما أرغب في مشاركته مع الآخرين».
تشتمل مقتنيات فيرفورت على أكثر من 600 عمل فني تمتد جذورها عبر ستة آلاف عام من التاريخ البشري. تتمثل القطع الفنية الأقدم ضمن المجموعة في علب لزينة النساء ترجع إلى حقبة ما قبل السلالات المصرية الحاكمة، وتحديدًا إلى أوائل الألفية الرابعة قبل الميلاد. أما أحدث المقتنيات، فتضم ابتكارات جرى إبداعها لأجل مواقع محددة من قِبل بعض الفنانين أمثال أنيش كابور الذي ثُبتت منحوتته At the Edge of the World «عند تخوم العالم» من عام 1998، وهي قبة ضخمة يكسو فراغها لون قرمزي، في صومعة للحبوب تحتل وسط المجمع. خلال جولة في أرجاء المنشأة، تحدث فيرفورت عن هذا العمل قائلاً: «إنه لا يشغل موقعًا مركزيًا في مجمع كانال فحسب، بل يجسّد أيضًا قلبه النابض بالحياة».
تزخر المجموعة على وجه الخصوص بأعمال من مرحلة ما بعد الحرب تحمل تواقيع فناني حركة «زيرو» على غرار هاينز ماك وغانثر أوكر وأوتو بييني، وأخرى لفنانين مرتبطين بمؤسسة غوتاي للفنون في أوساكا. تبرز ضمن أعمال هؤلاء الفنانين لوحات أبدعها كازو شيراغا، وشوزو شيماموتو، وسابورو موراكامي، ونوريو إماي، فضلاً عن رائعة فنية مهمة ابتكرها فوجيكو شيراغا باستخدام أوراق واشي اليابانية. يذكر أن فيرفورت كان قد أعار عددًا من القطع الفنية للمعارض التي أقامتها مؤسسة غوتاي للفنون في عام 2013، ومن بينها لوحة Splendid Playground «ملعب رائع» التي عُرضت في متحف غوغنهايم في نيويورك، وكتاب Destroy the Picture: Painting the Void «تفكيك الصورة: رسم الفراغ» الذي عُرض في متحف الفن المعاصر في شيكاغو. (لا غرابة في أن يكون تبصّر فيرفوت لجهة إدراكه المبكر للقيمة الفنية لهذه الأعمال قد بدأ يؤتي ثماره بسخاء مع تنامي سوق بيع هذه القطع اليوم).
Signal «إشارة» من عام 1968 للفنان اليوناني تاكيس. تركيبة حركية بصرية صيغت من الحديد والألمنيوم والبرونز والفولاذ
واحتلت واحدة من صوامع الحبوب الثماني في مجمع كانال.
عند الطرف الشرقي للمجمع، خُصصت مساحة فريدة لعرض التركيبة الفنية الضوئية Red Shift التي شكّلها جيمس توريل في عام 1995، والتي كانت معروضة، إلى وقت قريب، في متحف بالاتزو فورتشوني في البندقية. وإلى الغرب توزعت مجموعة من ثماني صوامع حبوب تضم أعمال فنانين مثل تاكيس وأنغيلا فيرغارا وأوتو بول. تشمل أبرز المساحات التي تبهر الأبصار في المجمع مبنى أطلق عليه فيرفورت اسم «الكرنك» تيمنًا بالمعبد الملكي الأثري الذي يقع على الضفة الشرقية لنهر النيل في مدينة الأقصر. يضم الكرنك غرفة رئيسة يدعمها نحو 12 عمودًا من الأعمدة الخرسانية التي تشبه في تصميمها الأعمدة نفسها التي يرتكز إليها المعبد الأثري في مصر. لكن الأعمدة في مجمع كانال تحرس أربعة تماثيل تعود إلى القرنين السابع والثامن.
توثّق إعادة استخدام هذا المبنى وغيره من المباني في مجمع كانال النهج الذي يعتمده فيرفورت لجهة عرض المقتنيات، فضلاً عن سعيه الدؤوب لإيجاد أوجه استخدام جديدة لأشياء قديمة. عبر كامل أرجاء المجمع، حرص فيرفورت على إبراز نوع من التعارض الفني الذي يلحظه عبر الأماكن والأزمنة. لعل خير مثال على نهجه هذا يتجسّد في مواءمته بين الكرة البرونزية Concetto Spaziale Natura التي ابتكرها لوتشيو فونتانا بين عام 1959 وعام 1960، وعمل من ستة ألواح للفنان الياباني الشهير كانو تانيو يعود إلى القرن السابع عشر. يقول فيرفورت: «أستخدم المصطلح الفلمنكي volledig لتوصيف رؤيتي لحياتي ومهنتي. هذا المصطلح يعني تحديدًا امتلاء الفراغ. فالأمر عندي يتعلق بالحفاظ على الأفضل والتخلص من كل ما لا يُعد ضروريًا أو جوهريًا».
لوحة يابانية من القرن السابع عشر لكانو تانيو معروضة إلى جانب الكرة البرونزية Concetto Spaziale Natura التي أبدعها الفنان لوتشيو فونتانا بين عام 1959 وعام 1960.