منذ أن شارك جاريد أيزاكمان في معسكر صيفي لتحدي الطيران وهو في سن الثانية عشرة، صار هدفه أن يطير بسرعة. أيزاكمان، المولود في نيوجيرسي والبالغ من العمر 39 عامًا، هو اليوم مؤسس شركة Shift4 ورئيسها التنفيذي، وبعد الطرح الأولي للاكتتاب العام للشركة في عام 2020، صار مليارديرًا.

لكنه كان قد أصبح طيارًا متمكنًا قبل ذلك التاريخ بوقت طويل، إذ إنه حاز رخصة الطيران في عام 2005 عن عمر يناهز 22 عامًا، وبعد أربع سنوات فحسب – في أعقاب تدرجه من قيادة مركبات أحادية المحرك إلى قيادة مركبات متعددة المحرك، وصولاً إلى قيادة الطائرات الخاصة - حطم الرقم القياسي العالمي للسرعة على متن طائرة من طراز Citation CJ2.

أتاحت له شهادة "التصنيف الاختباري" قيادة الطائرات المقاتلة من طرازي L-39 Albatros وA-4 Skyhawk، وفي النهاية تشكيل فريق لطائرات الاستعراضات الجوية - مثل فريق Thunderbirds وفريق Blue Angels - سمّاه Black Diamond Jet Team.

قدم الفريق الذي كان يتألف من أيزاكمان وستة طيارين آخرين أكثر من مائة عرض جوي بين عامي 2011 و2014. وفي هذا يقول أيزاكمان: "كُنا نحلق بسبع طائرات مقاتلة، يفصل بين الواحدة والأخرى نحو 45 سنتيمترًا، ونطير في دوائر وحلقات ونقوم بمناورات شتى"، مضيفًا: "كان الفريق يضم طيارين سابقين من فريق القوات الجوية الأمريكية Thunderbirds وطيارين مدنيين مثلي. كانت الأخوة التي جمعتنا أخوة عظيمة".

شارك أيزاكمان في تأسيس شركة درايكن إنترناشيونال Draken International في أواخر عام 2011 وحوّلها إلى أكبر قوة جوية خاصة في العالم، إذ باتت تضم أكثر من مائة طائرة مقاتلة تُستخدم في تدريب الطيارين من مختلف فروع القوات العسكرية الأمريكية الرئيسة.

ويقول أيزاكمان إن طائرته المفضلة هي طائرة "A-4N Skyhawk، وهي في الأساس الطائرة التي حلقت بها الشخصيتان الشريرتان فايبر وجيستر في فيلم "توب غان" Top Gun".

لكن ما كان يستأثر باهتمام أيزاكمان أخيرًا هو الفضاء، حتى أنه موّل في العام الماضي أول بعثة مدارية مدنية بالكامل، في رحلة دامت ثلاثة أيام على متن صواريخ  Falcon 9 من سبايس إكس SpaceX.

وقد جمع أيزاكمان، بمعية الطاقم الذي شارك في بعثة Inspiration4، أكثر من 240 مليون دولار لمستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال في ممفيس، منها 100 مليون دولار تبرّع بها أيزاكمان من ماله الخاص.

أما البعثة التالية، التي تحمل اسم Polaris Dawn، فمدتها خمسة أيام، ومن المقرر أن تنطلق في وقت لاحق من هذا العام. قابلنا رائد الفضاء المدني ومحطم الأرقام القياسية جاريد أيزاكمان للحديث عن إعداداته للبعثة ومستقبل السفر المدني إلى الفضاء.

هل توقعت يومًا أن تصل إلى الفضاء بوصفك رائد فضاء مدنيًا؟

يرجع شغفي بالطيران، وسعيي المستمر إلى خوض تجارب طيران شاقة وصعبة بمقدوري تنفيذها، إلى رغبتي منذ أن كنت في رياض الأطفال في أن أصبح رائد فضاء. ولكنني كنت أعتقد أن التحليق بالطائرات المقاتلة وتقديم العروض الجوية سيكون أقصى الممكن.

لم أتخيل يومًا أن الفرصة ستتسنى لي لأقود بعثة إلى مدار الأرض.

يؤسس أيزاكمان لنموذج جديد للسفر إلى الفضاء.

John Kraus/Polaris Program
يؤسس أيزاكمان لنموذج جديد للسفر إلى الفضاء.

كيف ستختلف بعثة Polaris Dawn عن بعثة Inspiration4؟

لم أتصور في بداية بعثة Inspiration4 أنني سأقود أول بعثة مدنية إلى مدار الأرض، إذ إن الفكرة تشكلت في غضون أسابيع. وبمجرد أن وصل إلى علمي أنها البعثة "الأولى"، توليت المسؤولية بمنتهى الجدية. لقد جمعنا طاقمًا قويًا ووضعنا أهدافًا جادّة لنحققها في الفضاء جنبًا إلى جنب مع ما أردنا تحقيقه هنا على الأرض.

أهداف.. مثل ماذا؟

أردنا أن نبيّن أن بمقدور رواد الفضاء الذين لا تربطهم صلات بالحكومة أن يكونوا سعداء وأصحّاء ومنتجين في الفضاء.

لقد كنا نعلم أن نجاح بعثة Inspiration4 سيفتح الأبواب أمام بعثات أكثر إثارة للاهتمام. الآن، وبعد أن شُرعت الأبواب، ينتظرنا الكثير مما يجب أن نبنيه في الفضاء حتى يتسنى لنا القول إننا تخطينا هذه العتبة حقًا.

إن بعثة Polaris Dawn هي سلسلة من الرحلات الإنمائية التي تحتاج إلى الكثير من الجهود التقنية، وستختتم بإرسال مركبة الإطلاق الجديدة Starship في رحلتها الأولى.

نتوخى من خلال بعثة Polaris Dawn أن نطير أعلى مما طار أي إنسان، منذ آخر مرة حططنا فيها على سطح القمر، فنحلق في أعلى مدار أرضي حلّق فيه إنسان على الإطلاق.

وإلى جانب ذلك، سنختبر تصميم بدلة فضاء مخصصة للأنشطة خارج المركبة الفضائية تُعد الأحدث منذ 50 عامًا [يُقصد بهذه الأنشطة طبعًا السير في الفضاء]، بالإضافة إلى بروتوكولات تشغيل جديدة للتنفس المسبق [يتنفس رواد الفضاء الأكسجينَ النقي قبل السير في الفضاء لتفادي الإصابة بداء الغواص].

كما سننشر أقمارا صناعية مكعبة [أقمار صناعية مصغرة تُستخدم للاستشعار عن بعد وفي الاتصالات السلكية واللاسلكية]. وآخر الأمر، سنتواصل عبر كوكبة جديدة من أقمار ستارلينك التي تستعمل الليزر [يستمر اختبارها لضمان صلاحيتها لإجراء الاتصالات في الفضاء الخارجي].

وستكون هذه الأقمار مفتاح الرحلات الفضائية بعيدة المدى.

كيف اخترت طاقم البعثة؟

تنطوي بعثات Polaris Dawn على مخاطر أكبر بكثير مما كان عليه الحال في بعثة Inspiration4، لذا كان على الطاقم التقيد بمقاصدها المحددة.

وتجدر الإشارة إلى أن البعثة برنامجٌ مشترك مع سبايس إكس، ولذلك استعنّا بمهندستيْن موهوبتيْن من سبايس إكس سبق لهما العمل معنا في بعثة Inspiration4.

أتحدث هنا عن سارة جيليس، المدربة المسؤولة عن رواد الفضاء في سبايس إكس، وآنا مينون، المهندسة المسؤولة ومديرة قسم التحكم في الرحلات والتي عملت سابقًا في قسم الطب الحيوي في وكالة ناسا.

واستعنّا أيضًا بسكوت "كيد" بوتيت، الذي حلّقت معه على مر ما يزيد على عشر سنوات والذي عمل سابقًا في شركة درايكن إنترناشيونال. شغل بوتيت أيضًا منصب مدير بعثة Inspiration4.

هل ثمة بعثات أخرى مخطط لها بعد Polaris Dawn؟

ستحدد أهداف بعثة Polaris II بناءً على ما نتعلمه من بعثة Polaris Dawn والرحلات التجريبية غير المأهولة لمركبة الإطلاق Starship. وستكون Polaris III أول بعثة تتضمن طاقمًا على متن مركبة Starship وصاروخها المعزز.

على أن هذه المركبة أكبر وأقوى من صاروخ Saturn V الذي أوصل البشر إلى القمر منذ نصف قرن.

سنختبر المركبة، وفي حال نجحت، فإنها ستكون المركبة التي ستعيد البشر إلى القمر وتُوصل، في مرحلة تالية، أول إنسان إلى المريخ. ولعلها تصبح في يوم من الأيام مكافئة لطائرة 737، لكن في رحلات الفضاء.