إذا ما أخذنا في الحسبان الكثافة السكانية في مدينة مكسيكو سيتي، فإننا لن نستغرب ميل الزوّار والسكان المحليين على حد سواء إلى ذكر حي بولانكو، الذي تداعب نسائم الهواء المنعش أرجاءه وارفة الظلال، بوصفه الملاذ المفضّل عندهم.
يقع هذا الحي الأنيق على مقربة من متنزّه تشابولتيبيك وشارع باسيو دي لا ريفورما الرئيس، محتضنًا وجهات تسوّق راقية، ومطاعم متنوّعة، ومتنزهات صغيرة، وشوارع هادئة تتراصف على جوانبها بيوت تاريخية مهيبة ومبان سكنية.
وهذه الشوارع تحديدًا هي الدروب التي يمضي عبرها أوكتافيو أغيلار، المستثمر والمطوّر العقاري المقيم في بولانكو منذ 25 عامًا، في سياق بحثه عن مشروعه التالي.
منذ مطلع الألفية الثالثة، سعى أغيلار وراء مبان مصنّفة تاريخية ومحمية، وعمل على استعادتها وإحياء أمجادها الأصلية بموازاة استحداث غرض جديد لاستخدامها: أبنية لمكاتب الأعمال على سبيل المثال أو متاجر.
لذا، عندما علم أغيلار أن ثمة دارًا خاصة رائعة من أربعينيات القرن الفائت قد تكون متاحة قبالة متنزه لينكون بارك - حيث شُيّدت على الطراز الذي عُرف سابقًا بطراز كاليفورنيا المعماري وازدانت بالعديد من عناصر إحياء الحقبة الاستعمارية الإسبانية - حرص على أن يشعر صاحب الدار آنذاك بالطمأنينة لانتقال ملكيته إلى الشخص المناسب.
يقول أغيلار إن فريقه عمل، ما إن أنجزت صفقة البيع، على "إعادة المنزل إلى حقبته الأصلية وتجريده من العناصر الكثيرة التي أضيفت بمرور السنين، وإعادة إحيائه".
وفي أثناء هذه العملية التي استغرقت ثلاث سنوات ونصف سنة، طُرحت بعض الأفكار حول ما يمكن أن يصبح عليه هذا الحيّز المتمايز. بل جرى الحديث في مرحلة ما عن إمكانية تأجيره إلى السفارة الدانماركية.
يقول أغيلار: "لكن خطر لي فجأة أن هذا المكان ينبغي أن يشكل وجهة يمكن للآخرين الإقامة فيها. أقصد المجيء واختبار التجربة التي يتيحها حيّ بولانكو".
Natalie Cerrill
تزهو حجرة المكتبة بمفروشات من خشب الجوز من ابتكار هيكتور إسراوي.
يصف أغيلار الفندق الصغير الجديد، المكوّن من 19 غرفة فقط، بأنه "مشروع شغف أكثر منه مشروع أعمال"، زاعمًا "ألا وجهة إقامة أخرى هنا تمنحك هذا الإحساس بروح المكان". والحقيقة هي أن ولعه بالهندسة المعمارية، والفن والتصميم، إلى جانب الأسفار التي اختبرها على مر عمره، غذّى كل تفصيل في هذا المشروع، من فُرش الأسرّة المصنوعة يدويًا والرخام أخضر اللون الذي يزيّن المدخل، إلى الأعمال الفنية والصور الفوتوغرافية رفيعة المستوى التي تثري الحجرات والمساحات العامة والتي جيء بمعظمها من مجموعة أغيلار الخاصة.
أما المفروشات، فتشمل قطعًا مبتكرة حسب الطلب أبدعها المصمم الصناعي الحائز جوائز عدة هيكتور إسراوي، والنجّار الشهير ألفونسو مارينا، وثنائي التصاميم الداخلية مونيكا رومو وابنتها مونيكا نوفيلو. يقول أغيلار: "لم أرغب في الإتيان بالمستلزمات من مزوّدي الفنادق. أردت التعامل مع شركاء يبتكرون قطع أثاث للمنازل".
لم يسبق أن تولى أغيلار تشغيل فندق من قبل، لذا أوكل مهمة تنفيذ رؤيته إلى مجموعة فنادق هانماك Hanmak Hotels التي تدير عددًا من الملكيات الفندقية الصغيرة في أنحاء مختلفة من المكسيك.
وكانت هذه المهمة تقتضي أن يشعر الزوّار بأنهم يمكثون في منزل خاص. لذا يخلو الفندق مثلاً من أي مطعم تقليدي. بدلاً من ذلك، ابتكرت الطاهية مارتا بروكمان الشهيرة في الحيّ قائمة طعام متاحة طيلة اليوم ويمكن للضيوف اختبار الأطايب المدرجة فيها في أي مكان، من الشرفات التي أقيمت فوق السطح إلى بيت الدفيئة في الطابق الأرضي.
Natalie Cerrill
بوّابة من الحديد المطرّق تُفضي بكم إلى ملاذ كازا بولانكو الخاص.
تبدأ أسعار الإقامة من 560 دولارًا تقريبًا، وتشمل وجبة فطور غنية بالأطباق الباردة والساخنة - التي يمكن للضيوف "الحضور لاختبارها فيما يرتدون مآزر الحمام" على ما يقول أحد أفراد طاقم الفندق – فضلاً عن تجربة شاي بعد الظهيرة.
وفي الصباح، يجد الضيف عند باب حجرته إبريقًا من الشاي أو القهوة وبعض الحلويات في ما يشبه مقبلات للاستيقاظ قبل الفطور. توحي هذه التفاصيل كلها بأن فندق Casa Polanco أشبه بناد خاص حقيقي.
تتوزع حجرات الإقامة على الدار الأصلية ومبنى معاصر أضيف إليها، وتتفاوت في الحجم والإطلالة، لكنها كلها مؤثثة بملاءات للأسرّة من القطن المصري (بعدد 600 خيط في البوصة)، وأنظمة صوتية من بانغ أند أولفسون، ومرذاذ للاستحمام يحاكي الغابات المطيرة.
سطح يزهو بخضرة النباتات ويصلح أيضًا مجلسًا لتناول الطعام.
احرصوا على حجز جناح متنزه لينكون الذي ألحقت به شرفة مؤثثة فسيحة تطل على المساحات الخضراء.
يمكن أيضًا لطاقم الفندق أن ينسّق لكم تجارب خاصة في أرجاء المدينة، وجلسات يوغا وبيلاتس في الفندق، فضلاً عن جلسات تدليك في كوخ النادي الصحي فوق السطح. أما السمة المفضّلة عندنا، فتتمثل بكون الفندق يتيح للضيوف تصفّح مجموعة من قوائم الطعام في مطاعم الحيّ الفاخرة وطلب وجبة يتولّى طاقم كازا بولانكو إحضارها وتقديمها في أطباق، تماماً كما لو أنكم تمكثون في منزل أحد الأصدقاء.