عندما انقطع الاتصال بالغوّاصة تايتن Titan، التي طورتها شركة أوشنغايت Oceangate، في 18 يونيو الفائت، أَثارَ الخبر ضجة إعلامية عالمية، ما دفع رجال الإنقاذ إلى المُسارعة في تحديد مكان ركابها الخمسة ومحاولة إنقاذهم قبل نفاد الأكسجين.

وفي النهاية، خلصت التحقيقات إلى أن الغوّاصة قد انفجرت داخليًا، ما أثار انتقادات واسعة طالت تصميمها غير التقليدي - وغير المُرخّص - كما طالت فكرة السياحة على عمق 12,500 قدم لمطالعة حطام سفينة RMS Titanic مقابل 250,000 دولار للفرد الواحد. بعد أشهر من الحادث، تظل بعض الأسئلة مُلحة: كيف ستؤثر هذه المأساة على صناعة الغوّاصات؟ وما نوع القوانين التي ستترتب على ذلك؟

ثمة حاليًا نحو مائة غوّاصة متنوعة قيد الاستخدام، من الغوّاصة نيمو Nemo التي طورتها يُو بوتْ وُركس U-Boat Worx والتي يبلغ سعرها 500,000 دولار، إلى الغوّاصات الخاصة باستكشاف الأعماق والتي تُكلف عشرات الملايين من الدولارات. يتنوع أيضًا مستخدمو هذه الغوّاصات، من المغامرين أصحابِ الثروات الطائلة إلى الباحثين من علماء المحيطات ومالكي اليخوت الفاخرة.

وبالرغم من الكارثة التي تعرضت لها تايتن، إلا أن الخبراء يقولون إن مستويات الاهتمام بالرحلات على متن الغواصات ظلّت على حالها، بل إنها زادت في بعض الحالات، كما يعترفون بغياب مبرر منطقي يُفسر ذلك. 

غواصة U-Boat Worx UNWEP

U-Boat Worx

يقول إريك هاسِلْمان، المدير التجاري لشركة يو بوت وركس: "لم نتلقّ أي إشعارات بالإلغاء، سواء بخصوص بيع الغوّاصات أو بشأن رحلات الغوص السياحية التي ننظمها في كوراساو". بل إن بعض شركات تنظيم الرحلات أبلغوا عن زيادة استفسار الزبائن عن الغواصات.

ويقول رئيس إحدى هذه الشركات، الذي فضّل إبقاء هويته مجهولة: "بعد واقعة Titan، تَلقّينا مكالماتٍ تستفسر عن تنظيم رحلاتٍ منفردة بالغوّاصات عوضًا عن الاكتفاء بإدراجها في نهاية الرحلات البحرية، وهذا أمر نادر جدًا". ويُتابع: "أَرى أن التغطية الإخبارية قد أثارت اهتمام كثيرين".

أما باتريك ليهي، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة ترايتون سَبْمارينز Triton Submarines، فيقول إن "شخصيات نافِذة" قد اتصلت به "لمناقشة بناء غوّاصات لاستكشاف الأعماق، وذلك بهدف إحباط الآثار السلبية الناجمة عن الأحداث الأخيرة فحسب". ويرى هيلي أن التغطية الإعلامية الواسعة للحادثة كانت مفيدة نوعًا ما، إذ يتوقع "زيادة الاستثمار في الغوّاصات التي تروم استكشاف أعماق المحيطات"، وليس تراجعه. 

لا غرابة في قولهم ذاك، غير أن الخطاب الذي ساد بعد واقعة Titan والذي يُفيد بأن صناعة الغوّاصات ستعود بقوة قد لا يكون أكثر من حالةِ إجماعٍ للصانعين على القول نفسه لتفادي مزالق أكبر. ولكن فيكتور فيسكوفو، الذي غاص بأمان باستخدام غوّاصة DSSV Limiting Factor إلى خندق ماريانا حيث أعمق نقطة على هذا الكوكب والتي تبعد 35,853 قدمًا، له رأي مختلف، فهو يقول: "ينبغي أن نتذكر أن إصابةً واحدةً لم تحدث على متن الغوّاصات التجارية خلال 40 عامًا، فضلاً عن حالة وفاة". ومع ذلك، يبدو أن هذه الحُجة لم تنجح في تغيير آراء مَن تابع حادثة الغوّاصة تايتن، فقد وقعت على آذانٍ داهمها الصّمم. 

بالإضافة إلى خبراء من المملكة المتحدة وفرنسا وكندا، يتحرّى مجلس التحقيق البحري التابع لخفر السواحل الأمريكي عن الكارثة في محاولة لكشف ما حدث، كما يتحرّون عن شبهاتٍ حول "سوء الإدارة وعدم الكفاءة والإهمال وقلة المهارة والانتهاك المتعمد للقانون" من قبل شركة أوشنغايت. لهذا يتساءل العديد من المطلعين عمّا إذا كانت السلطات ستُطبق معايير أكثر صرامة.

غواصة Project Hercules

triton

تَبْني يو بوت وركس U-Boat Worx وترايتون سبمارينز Triton Submarines غوّاصاتها وفقًا لمعايير الهيئة الدولية لإصدار الشهادات DNV، الرائدة في هذا المجال، والتي تُحدد قوانين صارمة تَخصّ اختبارات الضغط وسماكة المعدن ونوعية اللحام، وتُلزِم كذلك باتخاذ تدابير احترازية تَخص الغذاء والهواء وإجراءات السلامة.

وفي هذا يقول كارل ألين، مؤسس شركة ألين إكسبلوريشن Allen Exploration التي يتضمن أسطولها غوّاصة من طراز ترايتون: "لقد تجنبت شركة أوشنغايت قوانين السلامة الأمريكية عن طريق المرور بكندا". ويُتابع: "لا أؤمن كثيرًا بهذه القوانين، ولكنني أؤمن بضرورة اتخاذ بعض الإجراءات في قادم الأيام، خصوصًا في ما يتعلق بسلامة الهيكل والتي أُرجّح أن تُمثّل مشكلة كبيرة مستقبلاً".

على أن المعضلة الحقيقية تقع في نطاق السياسات العامة. يقول ويليام كونين، رئيس لجنة الغوّاصات القابلة للقيادة في جمعية التكنولوجيا البحرية: "في ما يتعلق بالقوانين، نعرف كيف تُبنى الغوّاصات الآمنة. ولهذا ينبغي أن نُعلِم خفر السواحل، الذي يتمتع بالصلاحية في هذا المجال، بوجود هذه القوانين السليمة، وبضرورة التوصل إلى طريقة تسمح بإنفاذها". عندها سيقتصر التحدي على إقناع الدول الأخرى بالتوقيع على الاتفاقيات نفسها. ويُضيف كونين: "ستكون هذه المحادثات على مستوى الجلسات المعقودة في الأمم المتحدة".

في هذا الصدد، رجّح فورست بوث، المحامي في شركة Kennedys Law التي يقع مقرها في سان فرانسيسكو، أن تكون حقوق التعدين عائقًا أمام تلك المحادثات، وأَخبَر وكالة أسوشيتد برس بأن القوانين الصارمة "سَتلقى مقاومة شديدة من البلدان التي تُريد التنقيب في أعماق البحار". ولذلك يميل إلى التشاؤم بشأن أي إجراءاتٍ مستقبلية، ويقول: "لا أتوقع فرض تدابير جليلة بعد انحسار اهتمام وسائل الإعلام بهذا الحدث".

مع ذلك، لن ينسى قطاع الغوّاصات المتضافر كارثة شهر يونيو في المدى القريب. وفي هذا يقول ألين: "لم أركب غوّاصة منذ حادثة أوشنغايت، ولكنني سأفعل. وعندما أُغلق عَليّ باب الغوّاصة، سأفكر في أولئك الذين قضوا نحبهم داخل تايتن".