طائرة تأخذك من سياتل إلى طوكيو في أربع ساعات، ومن نيويورك إلى لندن في ثلاث ساعات. يعتقد كثيرون في قطاع الطائرات أن الطيران بسرعة تفوق سرعة الصوت لن يغير السفر الجوي فحسب، بل سيوفر للركاب الرفاهية المطلقة: الوقت.

لدى شركات Boom وSpike وExosonic مفاهيم مختلفة لطائراتها الأسرع من الصوت، المصممة للسفر بسرعة تراوح بين 1074 ميلاً في الساعة و1381 ميلاً في الساعة، بينما يمكن للطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت من Destinus وHermeus نظريًا السفر بسرعة 3836 ميلاً في الساعة.

ولكن تظل هذه الطُرز بمعظمها في مرحلة المفهوم التصور، فيما دخلت طائرة Boom XB-1 مرحلة اختبارات الطيران الأولية، ومن المقرر أن تخضع لاختبارات تفوق سرعة الصوت في وقت لاحق من هذا العام.

تجري عملية تطوير XB-1 ببطء، وذلك بسبب تكاليف البحث والتطوير الباهظة الناجمة عن التحديات التقنية الفريدة المتمثلة في الطيران بسرعة أكبر من الصوت. ويشير فيك كاتوريا، الرئيس التنفيذي لشركة سبايك إيروسبيس، التي تعمل على تطوير طائرة أسرع من الصوت تتسع لاثني عشر راكبا إلى 18 راكباً تسمى  Diplomat: "إن العقبات كبيرة، وتشمل الضوضاء الأرضية، والسلامة، والمعايير التنظيمية، والبيئية، والبنية التحتية".

ويقول ديفيد ريتشواين، نائب مدير مشروع ناسا للتكنولوجيا، إن دوي الصوت يظل أكبر عائق أمام تطوير إكس - 59، وهي طائرة تجريبية مصممة لتخفيف ضجيج واهتزازات دوي الصوت، ويوضح: "عندما جمعنا التحديات التي تواجه الطائرات الأسرع من الصوت، كان حل الطفرة هو الأكبر. إن القيام بذلك من شأنه أن يحرر المشغلين التجاريين للعمل على بعض القضايا الأخرى".

أسرع من الصوت وهادئة إلى حد كبير.. ناسا تكشف عن طائرة إكس - 59

NASA

كانت طفرات الصوت موجودة منذ أن كسر الطيار تشاك ييغر Chuck Yeager حاجز الصوت في عام 1947 بطائرة Bell X-1. كان يُنظر إلى الطفرة - وهي ضجيج عالٍ ناجم عن موجات صدمية تتشكل عندما تتجاوز سرعة الطائرة سرعة الصوت - في البداية، كعلامة على التقدم منذ أن كانت إيذانا ببدء عصر النقل الأسرع من الصوت. في عام 1963، أطلق الرئيس جون كينيدي مبادرة تسمى النقل الأسرع من الصوت (SST) التي جمعت الحكومة والقطاع الصناعي معًا، بهدف بناء طائرة تجارية أسرع من الصوت قادرة على حمل 300 راكب، وتحلق بسرعة 2301 ميلاً في الساعة.

ولكن بحلول نهاية العقد، كان معظم الناس ينظرون إلى الانفجارات الصوتية على أنها مصدر إزعاج عام. في عام 1968، أدى تحليق طائرة من طراز F-105 في أكاديمية القوات الجوية إلى تدمير 200 نافذة في الكنيسة، ما أدى إلى إصابة عشرات الأشخاص. من عام 1956 حتى عام 1968، كان على القوات الجوية التعامل مع حوالي 40 ألف مطالبة ضد طائرتها الحربية الأسرع من الصوت، لتغطية الخسائر الناجمة عن النوافذ المكسورة والتصدع في المنازل، إلى تأكيدات على أن الطفرة الصوتية دفعت الماشية إلى الجنون.

ثم جاءت كونكورد Concorde، أول طائرة تجارية أسرع من الصوت في العالم، التي طورت بشكل مشترك بين البريطانيين والفرنسيين، وغالبًا ما كانت رحلاتها تنتهي عبر المحيط الأطلسي في المدن الأمريكية بنوافذ مكسورة واهتزازات أثارت قلق السكان المحليين. في عام 1973، حظر الكونغرس والعديد من السلطات حول العالم السفر الجوي الأسرع من الصوت، ما قلل من قدرته على تسريع السفر الجوي التجاري.

كانت طائرة كونكورد دائمًا باهظة الثمن وتستهلك الكثير من الوقود، وقامت برحلتها الأخيرة في المملكة المتحدة في عام 2003، وهبطت في متحف الطيران في بريستو، حيث تُعرض حاليًا.

طائرة X-59 المقدمة من ناسا

في الوقت الحالي، تتعاون ناسا مع شركة لوكهيد مارتن، في مشروع لإعادة تأهيل السفر الجوي التجاري الأسرع من الصوت من خلال التخفيف من الطفرة. يروج الفريق المشرف على مهمة X-59 Quesst لفكرة تحويل الانفجارات الصوتية إلى مجرد صوت "ضربة قوية"، ما يمهد الطريق لجيل جديد أكثر هدوءًا من الطائرات الأسرع من الصوت. 

وقال بيتر كوين، مدير المهمة المتكاملة لبرنامج X-59: "بدلاً من قاعدة تعتمد على السرعة فحسب، نقترح أن تعتمد القاعدة على الصوت. إذا لم يكن صوت الطيران الأسرع من الصوت مرتفعًا بما يكفي لإزعاج أي شخص بالأسفل، فلا يوجد سبب يمنع الطائرة من التحليق بسرعة تفوق سرعة الصوت".

أثبتت طائرات أخرى، بما في ذلك طائرة نورثروب Northrop F-5E المعدلة، في عام 2003 أن شكل الطائرة يمكن أن يقلل من شدة طفرات الصوت. لذا صممت X-59 لمنع موجات الصدمة من الاندماج معًا، وجعلها تنتشر بدلاً من ذلك بمساعدة الأسطح الديناميكية الهوائية الموضوعة بشكل استراتيجي. 

أسرع من الصوت وهادئة إلى حد كبير.. ناسا تكشف عن طائرة إكس - 59

NASA

كما وضع المحرك الوحيد أيضًا في الجزء العلوي من الطائرة بدلاً من السفلي، وذلك للحفاظ على سلامة الجانب السفلي الذي يمنع موجات الصدمة من الوصول إلى اليابسة.

ونتيجة لذلك، تعتقد ناسا أن الطائرة ستنتج 75 ديسيبل فقط - وهو صوت الرعد البعيد، أو باب السيارة وهو ينغلق على بعد 20 قدمًا- عند السفر بسرعات تتجاوز سرعة الصوت، مقارنة بالصوت الناتج من طائرة كونكورد، والذي بلغ 105 ديسيبل.

قدمت ناسا مفهوم X-59 لأول مرة في عام 2018، بعد منحة بقيمة 248 مليون دولار لشركة لوكهيد مارتن لتطوير الطائرة. وبعد عمليات ابتكار النماذج الحاسوبية المكثفة واختبار نفق الرياح، قدمت X-59 رسميًا للعالم في منشأة Lockheed's California Skunk Works في يناير.

يبلغ طول الطائرة النحيلة ذات الأنف الإبري 99.7 قدم وعرضها 29.5 قدم، وتبدو كأنها طائرة مقاتلة مستقبلية أنيقة، مع قمرة قيادة في المنتصف على طول جسم الطائرة. من المتوقع أن تحلق طائرة X-59 بسرعة تتجاوز سرعة الصوت بنحو 1.4 مرة، أو 925 ميلاً في الساعة. وقد أخضعت الطائرة لاختبارات أرضية، على أن تُجرى اختبارات الطيران بحلول نهاية العام. 

فور أن تحلق X-59، ستخضع لاختبارات السلامة، ثم فترة من التقييمات الصوتية قبل أن تشرع ناسا في سلسلة من الرحلات التجريبية فوق مدن مختارة حيث سيقدم المواطنون الذين جرى إطلاعهم مسبقًا تعليقاتهم للمساعدة في تحديد ما إذا كانت التكنولوجيا تحقق ضوضاء مقبولة المستويات.