بهدف دراسة أكثر البيئات الواعدة في النظام الشمسي والتي ربما تكون مناسبة للحياة، أطلقت وكالة ناسا مهمة أوروبا كليبر Europa Clipper لاستكشاف قمر أوروبا التابع لكوكب المشتري وتحليل محيطه المائي المحتمل وتحديد إمكانية توفر ظروف ملائمة للحياة.
انطلق المسبار على متن صاروخ فالكون هيفي التابع لشركة سبيس إكس من مركز كينيدي للفضاء التابع لناسا في ولاية فلوريدا، وذلك في رحلة تستغرق سنوات، وتهدف إلى دراسة السطح الجليدي للقمر وقياس عمق محيطه وملوحته باستخدام أدوات متقدمة.
تأخرت الرحلة عن موعدها الأصلي الذي كان في 10 أكتوبر بسبب إعصار ميلتون. ولكن الفرق الموجودة في المركز قيّمت مرافق الإطلاق بعد العاصفة وأجازت عودة المركبة إلى منصة الإطلاق.
دخلت المركبة المدار بنجاح، وأكدت ناسا أنها تلقت إشارة من أوروبا كليبر بعد حوالي ساعة وعشر دقائق من الإطلاق، إذ إن مركز التحكم في المهمة يتواصل مع المركبة ويتلقى البيانات.
كما نشرت الألواح الشمسية الكبيرة لأوروبا كليبر، التي ستساعد في تزويد المركبة بالطاقة خلال رحلتها، بعد ثلاث ساعات من الإطلاق.
أوروبا كليبر
أوروبا كليبر هي أول مركبة فضائية تابعة لناسا مخصصة لدراسة عالم محيطي مغطى بالجليد في نظامنا الشمسي، وهي تُستخدم لتحديد ما إذا كان القمر يمكن أن يكون صالحاً للحياة أم لا.
قالت جيني كامبماير، مهندسة نظم العلوم في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في باسادينا، كاليفورنيا، خلال البث المباشر لناسا: "هذه بداية رحلتنا الاستكشافية. كل ما سنتعلمه من أوروبا سيكون مذهلاً، إذ يمكن لمختلف التخصصات العلمية الاستفادة من ذلك. سيتغيّر فهمنا لمكاننا في الكون إذا كان هذا عالماً يمكن أن يدعم الحياة".
وقال روبرت بابالاردو، العالم الرئيس للمهمة في مختبر الدفع النفاث، في بيان: "تعمل المهمة للإجابة عن أسئلتنا الأكثر إلحاحاً حول أوروبا. سنتعلم ما الذي يجعل هذا القمر مميزًا، بدءاً من داخله الصخري، إلى محيطه وقشرته الجليدية، وصولاً إلى غلافه الجوي الرقيق والبيئة المحيطة به".
NASA
تحمل المركبة أيضاً أكثر من 2.6 مليون اسم قدمها أشخاص من دول حول العالم، بالإضافة إلى قصيدة للشاعرة الأمريكية آدا ليمون. تبلغ تكلفة المهمة 5.2 مليار دولار، وقد بدأت منذ عام 2013، لكن الطريق إلى الإطلاق لم يكن خالياً من التحديات.
اكتشف المهندسون أن مكوّنات المركبة ربما لا تتحمل بيئة الإشعاع القاسية لكوكب المشتري. ومع ذلك، تمكن الفريق من إجراء الاختبارات اللازمة في الوقت المناسب وحصل على الموافقة للإطلاق، ما منع تأخير الإطلاق لمدة 13 شهراً دون أي تغييرات في خطة المهمة أو أهدافها أو مسارها.
قال كورت نيبور، عالم برنامج أوروبا كليبر: "لم يكن هناك عام أصعب من هذا لتحقيق نجاح مهمة أوروبا كليبر، ولكن الشيء الوحيد الذي لم نشك فيه قط هو أن هذه المهمة ستكون جديرة بالجهد.
إنها فرصة لنا للاستكشاف، ليس لعالم يمكن أن يكون صالحاً للسكن بعد مليارات السنين، بل لعالم سيكون صالحاً للسكن اليوم. إنها فرصة للقيام بأول استكشاف لهذا النوع الجديد من يختلف تماماً عن أي شيء رأيناه من قبل. هذا ما ينتظرنا في أوروبا".
المتوقع بعد الإطلاق
بعد الإطلاق، ستسافر المركبة 2.9 مليار كيلومتر ومتوقع أن تصل إلى المشتري في أبريل 2030. خلال الرحلة، ستحلق المركبة بالقرب من المريخ ثم الأرض، مستخدمةً جاذبية كل كوكب لمساعدتها على تقليل استهلاك الوقود وزيادة سرعتها في رحلتها إلى المشتري.
ستنسق أوروبا كليبر مع مركبة الفضاء Jupiter Icy Moons Explorer، التي أُطلقت في أبريل 2023 بوساطة وكالة الفضاء الأوروبية، والتي من المتوقع أن تصل لدراسة المشتري وأكبر أقماره في يوليو 2031.
كليبر هي أكبر مركبة فضائية بنيت على الإطلاق من قبل ناسا، إذ يبلغ عرضها 100 قدم (30 مترًا ونصف متر) وذلك بسبب ألواحها الشمسية الضخمة التي ستساعد على تخزين كمية كافية من ضوء الشمس لتزويد أدوات المركبة وإلكترونياتها بالطاقة خلال استكشافها لقمر أوروبا الذي يبعد عن الشمس بخمس مرات أكثر من الأرض.
بمجرد وصولها، ستنفذ المركبة 49 تحليقًا بالقرب من أوروبا بدلاً من الهبوط على سطح القمر.
في البداية كان فريق المهمة يشعر بالقلق من أن كليبر لن تتحمل البيئة القاسية لكوكب المشتري، نظرًا لأن المجال المغناطيسي للكوكب، الذي يحتجز ويعجل الجسيمات المشحونة ويولد إشعاعات ضارة بالمركبات الفضائية، أقوى بنحو 20 ألف مرة من المجال المغناطيسي للأرض، لكن المهندسين وجدوا طريقة للتغلب على هذه المشكلة.
من المتوقع أن تحلق المركبة بالقرب من أوروبا كل أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، ما سيجعل المركبة تتعرض للإشعاع القاسي لكوكب المشتري لمدة تقل عن يوم واحد قبل أن تعود إلى الفضاء.
الوقت بين التحليقات سيسمح لترانزستورات المركبة، التي تتحكم في تدفق الكهرباء، في التعافي من الإشعاع الذي تعرضت له. ومع ذلك ستقوم غرفة محصنة مصممة من التيتانيوم والألمنيوم بحماية الإلكترونيات الحساسة للمركبة من الإشعاع.
ستطفو أوروبا كليبر على ارتفاع 16 ميلاً (25 كيلومتراً) فوق السطح، مع التحليق في مواقع مختلفة لأوروبا في كل مرة، ما سيسمح برسم خريطة تقريباً لكل القمر.
ويحتمل أن تنتهي الرحلة بالاصطدام بسطح غانيميد، أكبر أقمار كوكب المشتري، ولكن ذلك لم يحدد بعد.
NASA
أدلة وجود حياة
لا تهدف أوروبا كليبر إلى البحث عن أدلة لإمكانية الحياة في أوروبا فحسب، إذ إنها ستستخدم أيضًا مجموعة من الأدوات للتحقق مما إذا كان من الممكن وجود حياة داخل محيط على كوكب آخر في نظامنا الشمسي.
يعتقد علماء الفلك أن مكونات الحياة، من مياه وطاقة وكيمياء مناسبة، ستكون موجودة بالفعل في أوروبا، ولكنهم ينتظرون أن تجمع المركبة أدلة لمعرفة ما إذا كانت تلك المكونات تتواجد بطريقة تجعل بيئة القمر قابلة للحياة الفعلية.
ستتحقق المهمة من سُمك القشرة الجليدية التي تغلف القمر وكيفية تفاعله مع المحيط الذي أسفله، بالإضافة إلى وصف جيولوجيا القمر.
يسعى العلماء لمعرفة التركيب الدقيق للمحيط وما الذي يسبب الانفجارات التي رصدت مسبقاً وهي تصعد عبر الشقوق في الجليد، ما يطلق جزيئات إلى الفضاء. كما أنهم يرغبون في تحديد ما إذا كانت المواد من سطح أوروبا تتسرب إلى المحيط.
زودت كليبر بكاميرات وأجهزة قياس لالتقاط صور عالية الدقة ورسم خرائط لسطح القمر وغلافه الجوي الرقيق، بالإضافة إلى أنها تحمل جهازاً حرارياً لرصد المواقع التي تحدث فيها الانفجارات وأماكن الجليد الأكثر دفئاً. القشرة الخارجية يُقدَّر سمكها بحوالي 10 إلى 15 ميلاً (15 إلى 25 كيلومتراً)، وسينظر الرادار أسفلها للبحث عن أدلة على محيط القمر.
وقال هاج كورت، نائب العالم الرئيس لمهمة يوروبا كليبر في مختبر الفيزياء التطبيقية بجامعة جونز هوبكنز: "إذا كانت هناك انفجارات نشطة تطلق جزيئات إلى الفضاء من محيط أوروبا، فإن مطياف الكتلة ومحلل الغبار الخاص بالمركبة سيكونان قادرين على استشعار الجزيئات وتحليل تركيبها".
وأضاف كورت: "ستظهر بيانات مطياف الكتلة وكاشف الغبار ما إذا كان قمر أوروبا يحتوي على التركيب الكيميائي المطلوب لاستضافة الحياة".
ستكون مختلف الأدوات مفعّلة وستعمل خلال كل تحليق لجمع أكبر قدر ممكن من البيانات. كثيراً ما يُسأل فريق أوروبا كليبر عن آمالهم بشأن ما ستكشفه المركبة، وكيف يمكن أن تمهد الطريق للاستكشافات المستقبلية في البحث عن الحياة خارج كوكبنا.
قال بابالاردو: "بالنسبة لي، سيكون الأمر كالعثور على نوع من الواحة، إذا جاز التعبير. في أوروبا توجد أدلة على وجود مياه سائلة ليست بعيدة عن السطح، وأدلة على وجود مواد عضوية على السطح.
ربما تكون هذه المنطقة دافئة، أو تكون مصدراً لانفجار. سيكون ذلك مكاناً يمكن أن ترسل إليه ناسا في المستقبل مركبة هبوط لتجريف ما تحت السطح والبحث عن علامات الحياة".