قال إنزو فيراري ذات مرة: "أعتقد أن معظم الأشياء يمكن أن تقال في بضعة أسطر". ولو أنه كان حيًّا اليوم، لاعتقدنا أنه كان يقصد بذلك المنحنيات الممتدة لسيارة "دايتونا إس بي 3" Daytona SP3، أحدث إضافة إلى سلسلة آيكونا Icona المتاحة حصريًا لأولئك الذين يتلقون دعوة من فيراري لابتياعها.
فسيارة الكوبيه هذه، التي تبلغ قوتها 828 حصانًا، تضفي شكلًا حديثًا على إرث يمتد 75 عامًا، وتنسج خيوط واحدة من أروع قصص الثأر في عالم السيارات الرياضية.
بل إنها تفعل ذلك كله بالأسلوب المتهكم والمتمرد الذي تشتهر به فيراري.
يقتصر إنتاج طراز Daytona SP3 على 599 نموذجًا بسعر 2.2 مليون دولار، وتأتي احتفاءً بالنماذج الرياضية الاختبارية التي ابتكرها الصانع الإيطالي في ستينيات القرن الفائت، وأبرزها السيارات من طُرز Ferrari 330 P3/P4 و350 Can-Am و512 S.
أما اسم السيارة، فمشتق من سباق دايتونا للساعات الأربع والعشرين في عام 1967، عندما قلبت فيراري الطاولة على فورد بعد أن أذلها الصانع الأمريكي قبلها بعام في سباق لومان، ليكرر الانتصار في المنافسة الثلاثية الشهيرة في طريقه إلى إحراز بطولة العالم للسيارات الرياضية ذاك الموسم، في ما يعد واحدة من أعظم المنافسات حامية الوطيس في عالم سباقات السيارات.
كان ذلك العصر الذهبي للصانع هو مصدر الإلهام وراء تطوير سيارة Daytona SP3 التي تعمل بمحرك من 12 أسطوانة، والتي تمثّل أحد أهداف ابتكارها بردّ الجميل لأوفى جامعي سيارات فيراري، في وقت يتوجّه فيه قطاع السيارات الخارقة نحو الطاقة الكهربائية ويزدهر من خلال صنّاع جدد.
ولا ننسى أيضًا الثور الهائج ومجموعته من المركبات التي تزهو يومًا بعد يوم بتحديثات مبتكرة. ولكن على غير ما هو عليه حال سيارة كونتاش Countach الهجينة من لامبورغيني، التي تبلغ قوتها 802 حصان، تقترب سيارة دايتونا ذات الدفع الخلفي من المصدر الأصلي الذي ألهم مزايا الديناميكية الهوائية ومجموعة الحركة فيها.
بالحديث عن هذه التأثيرات، لا يخفى على عين الناظر أن الجزء الخلفي من السيارة مستلهم من الخلفيات المكتنزة التي ظهرت في طرز مثل Ferrari 330 من عام 1963، فيما استُلهمت المقدمة من تصميم سيارة لافيراري LaFerrari، التي اعتُمدت منصّتها في هذا الطراز الجديد (بالرغم من أن ثلاثة مكونات فقط أو نحوها هي القابلة للتبديل).
لكن غطاء محرك دايتونا أكثر مرونة، وتعلوه فتحتان فقط تشبهان المنخر، وفوقهما مصابيح أمامية مصغرة تتكامل مع ألواح قابلة للطي.
أما الجنيحات الأمامية التي تذكرنا بجنيحات سيارة 330 P4 الكلاسيكية، فلا تكتفي بمقاومة الهواء، بل تعمل أيضًا بوصفها مصداتٍ للصدمات، وهي إحدى حلول السلامة الذكية العديدة التي ابتكرت لجعل السيارة مجازة للقيادة على الطرقات في مختلف أنحاء العالم.
يتطلب الدخول إلى مقصورة القيادة المنخفضة التروّي والمرونة، حتى عند إزالة السقف المكشوف، إذ إن المقاعد المنحوتة مثبّتة مباشرة في الهيكل المصنوع من ألياف الكربون، بغرض تقليل الوزن وخفض مركز ثقل السيارة. في المقابل، يمكن تعديل الصندوق الذي يحتوي دواسة الوقود.
ومن وضع الجلوس الغائر، تُشعرك أقواس العجلات الأمامية البارزة والمهيمنة على حواف الزجاج الأمامي المنحني عند الأطراف بأنك جالس وسط الطريق.
لكن أكثر ما يحملنا إلى زمن السباقات التقليدية هو بالطبع محرك V-12 المهيب المكوّن من 12 أسطوانة بسعة 6.5 لتر، والذي يُعد محرك السحب الطبيعي المخصص للإنتاج على نطاق واسع الأقوى في تاريخ فيراري، ويتمايز بصوته الهادر خلف السائق مباشرة.
قمت بجولة اختبارية على متن واحد من أول نماذج هذا الطراز، فانطلقت من فندق شاتو سانت غيرلاش الهولندي الذي يعود تاريخ بنائه إلى قرون وعبرت الحدود نحو حلبة سباق زولدر البلجيكية، حيث فازت فيراري بالجائزة الكبرى أربع مرات.
تتميز الحلبة بمسارها غير المستقيم، ما يتيح الفرصة للتحقق من قدرات المحرك وناقل الحركة المعزز بجهاز تعشيق مزدوج، المستلهم من سيارات الفورمولا 1 والمكوّن من سبع سرعات في الوضع الآلي أو الوضع اليدوي.
تخطيت بسهولة سيارات العائدين من أعمالهم عندما اخترت وضع القيادة الرياضي، ثم غيرت إلى وضع السباق واستخدمت ذراع التبديل على امتداد المسارات الريفية الفارغة، وهو مزيج مثالي أتاح لي اختبار استجابة الخانق الفورية وتسارع السيارة المذهل.
في ظل إنتاج المحرك قوة عزم دوران تساوي 696.9 نيوتن متر وتحقيقه 9500 دورة في الدقيقة، يمكن لسيارة دايتونا التي يبلغ وزنها نحو 1,470 كيلوغرامًا (الوزن الجاف) أن تتسارع من صفر إلى 62 ميلًا/الساعة في غضون 2.85 ثانية، لتبلغ سرعة قصوى تساوي 211 ميلاً/الساعة.
وعند كل تغيير لذراع التبديل، تطلق السيارة صوتًا مُرضيًا وشبه ميكانيكي، وحتى عند القيادة بسرعات خاطفة والسقف مكشوف، يظل اضطراب الهواء داخل المقصورة طفيفًا، إلى حد أن قبعتي تبقى ساكنة فوق رأسي.
صحيح أن سيارة دايتونا أكبر من سيارة لافيراري بنحو بوصتين، غير أنها تتخطى المنعطفات بثبات مدهش رغم غياب مزايا الديناميكية الهوائية النشطة.
فالسيارة تعتمد بدلاً منها على هيكل سفلي يزيد التأثير الأرضي، فضلاً عن جناح خلفي وناشر هوائي يمتدان على عرض السيارة (دون أن ننسى إطارات Pirelli P Zero Corsa المخصصة).
Eric van Vuuren/Ferrari
زُودت سيارة Daytona SP3 بمحرك السحب الطبيعي المخصص للإنتاج على نطاق واسع وهو الأقوى في تاريخ فيراري.
وتكمّل هذه العناصر قنوات الباب المجوفة، وغطاء المحرك الممشوق، والمبرّد متعدد الأغراض، ومسالك المكابح الهوائية، وكلها تستطيع مجتمعة توليد معادل للقوة السفلية الهوائية النشطة في سيارة لافيراري وتبريد الأجزاء كافة.
كما تحتوي السيارة على عدد من التجهيزات الإلكترونية الموجودة في طراز SF90 القياسي، مثل أحدث إصدارات نظام التحكم في الانزلاق الجانبي، ونظام التحكم الإلكتروني في الاتزان، ونظام الكوابح المانع للانزلاق ABS.
قد نقول إن فيراري نجحت في تحقيق الموازنة بدقة بين مختلف العصور، لولا تطفل لوحة العدادات الرقمية بالكامل، إذ إن غياب عدادات تناظرية زلة تُحسب للعلامة، خصوصًا أن السيارة اجتهدت لاستحضار مميزات بعض طرزها الفاتنة التي تعمل بالنظام التناظري.
لا شك في أن لفة واحدة بسرعة منخفضة حول حلبة زولدر البالغ طولها 2.49 ميل لفتةٌ احتفالية تليق بالسيارة.
فخلال السنوات الأخيرة، ركنت فيراري إلى حالة من الاستسلام إذ عُرضت للتداول العام وأُجبرت على تغيير السعة الحجمية لمحركاتها واعتماد المحركات الهجينة، فضلاً عن رضوخها لمطالب السوق بإنتاج سيارة دفع رباعي لطالما كانت تنأى عن صنعها، وهي السيارة التي ستكشف عنها لأول مرة هذا الشهر.
لكن يبدو أنها ردت على منافسيها بقوة مع سيارة Daytona SP3 التي تُذكر الجميع بما جعل فيراري تنال مكانتها في المقام الأول.