لقد وصلنا أخيرًا إلى هنا، إلى بداية النهاية، أو بمعنى أصح إلى نهاية النهاية. أمامي تقف سيارة جاغوار الكوبيه من طراز F-Type R75 Coupe بلون أسود لامع أنيق، مثل عقرب منتصب على صخرة ساخنة.
مواصفات سيارة F-Type R75 Coupe
بإمكان هذه السيارة، المجهزة بمحرك V-8 من ثماني أسطوانات بسعة 5 لترات، معزز بشاحن خارق، إنتاج قوة تبلغ 567 حصانًا. تبدو رائعة كأنها متأهبة للقتال. إنها أيضًا آخر سيارة رياضية بمحرك احتراق داخلي تُنتجها العلامة البريطانية، بعد 75 عامًا من إصدارها سيارة XK120 المتفردة. كم هو صعب وغريب أن أكتب هذه الجملة.
كنا نعلم لسنوات أن قطاع السيارات في طريقه إلى هجْر المركبات المجهزة بمحركات الاحتراق الداخلي، تمامًا مثلما هُجرت السجائر وأسرّة تسمير البشرة. غير أن استراتيجية جاغوار الرامية إلى فتح صفحة جديدة تبدو سابقة لأوانها.
فمن المقرر أن يبدأ إصدار أولى سياراتها المجهزة بمحركات كهربائية في عام 2025، وذلك في إطار رؤية تسعى إلى تجديد صورة العلامة بالكامل، وهي خطة لا نعلم عنها الكثير، في ما خلا أن متوسط أسعار المركبات المُعدّة للسير على الطرقات سيكون في حدود مئات آلاف الدولارات. لقد تناقصت مبيعات سيارات جاغوار خلال السنوات الماضية، ولذلك ارتأت الشركة أن الطريقة الوحيدة لتخليص نفسها من هذا المأزق هي باستخدام بطاريات الليثيوم.
Jaguar © Mark Fagelson
الكاتب وهو يستمتع بالموسيقى المنبعثة من محرك سيارة الكوبيه F-Type R75.
إذا كان السياق المذكور قاتمًا، فالمنظر أمامي أكثر إثارة للبهجة. في انتظاري قرابة 500 ميل من الطرقات الإسبانية المُعبّدة المؤدية إلى شواطئ سان سيباستيان، وسيارة تأبى أن يطويها النسيان. عندما تسلّمت سيارة F-Type R75 Coupe في مطار برشلونة، كنت أدرك أن بإمكاني الوصول إلى الساحل الشمالي في غضون ست ساعات إذا سلكت مسارًا مستقيمًا. لكن جاغوار اختارت عوضًا عن ذلك مسارًا يستغرق قطعه يومين، ويبدو على الخريطة مثل خربشات شخص يحمل القلم للمرة الأولى في حياته.
سأنطلق شمالاً باتجاه جبال البيرينيه، مارًّا عبر الوديان الشاهقة والممرات الجبلية شديدة الانحدار، ومتوقفًا بين الفينة والأخرى للتزود بالوقود والإسبريسو، مع أنني في غنى عنهما. إثر تشغيل محرك السيارة الهائج، تنطلق قرقعة عدوانية كامنة، تُرسل موجة من الحماس تهتز لها روحي وأضلعي.
وعندما أباشر القيادة، تبدو مدينة المعماري أنطوني غاودي عبر مرآة الرؤية الخلفية كأنها نقطة متناهية الصغر. لكن ما يلفت الانتباه في سيارة F-Type R75 ليس السرعة مع أنها تُحقق تسارعًا من صفر إلى 60 ميلاً/الساعة في غضون 3.5 ثانية، وذلك على غير ما هو عليه حال السيارات الكهربائية التي يُلتفت فيها إلى السرعة والرياح فحسب.
فإذ أنتقل إلى التحكم اليدوي وأستخدم أذرع تبديل السرعة، تُطلق السيارة صوت طقطقة وفرقعة حادًا، كأنها دب مسعور فاته العشاء. كما أن سرعة دوران المحرك عظيمة، وهذا ما يتضح إذ تصل بها إلى 6000 دورة/الدقيقة ثم إلى 7000 دورة/الدقيقة، ثم عند الانتقال من السرعة الثانية إلى السرعة الثالثة. والحقيقة هي أني لا أتذكر شعوري بمثل هذه الحيوية عند قيادة سيارة تعمل بالبطاريات.
في العادة، يكون الغداء في مطعم "لي نو" Les Nous الريفي الواقع على ضفاف النهر، في بلدة ريالب Rialp الجبلية المتواضعة، أمرًا ممتعًا. لكن أمامي جبلاً لأتسلقه، ارتفاعه يتجاوز 6,700 قدم، وبعدها معبر "بورت دي لا بونايغوا" Port de la Bonaigua، حيث يستمتع عدد من المتزلجين بما تبقى من الثلوج في يوم ربيعي معتدل. إن الطرق جافة ومغطاة بطبقة من الملح، ولكن سيارة F-Type R75، التي تعمل بنظام دفع كلي، تثبت كفاءتها إذ لا تنفك تعود إلى مسارها المحدد عند المنعطفات الحادة المتتابعة.
Jaguar
من اليسار، سيارة XK120 وسيارة F-Type R75 اللتان تمثلان بداية حقبة استخدام جاغوار لمحركات الاحتراق الداخلي ونهايتها.
وإذا كانت المناظر الخارجية جميلة، فكذلك هو حال المقصورة الداخلية للسيارة. على أن السقف العريض والمقاعد المنخفضة المكسوة بالجلد الأسود الناعم تكاد تجعل منها سيارةً تجوال فاخرة، حتى للسائقين طوال القامة. وإذ أصل إلى فندق Viñas de Lárrede في قرية صغيرة شمال هويسكا، بعد سبع ساعات من القيادة، تبقى عيناي متيقظتين على الرغم من أنني مستيقظ منذ الرابعة صباحًا. إنها المتعة التي تتغلب على التعب.
أنطلق في اليوم الثاني إلى ممر "كوروناس" Coronas وأعبر طريقًا متعرجًا يمتد على طول ثلاثة أميال تقريبًا، يبدو كأنه من إنشاء طفل في الثانية عشرة من عمره حين كان يلعب على جهاز الإكس بوكس، أو أنه استُحدث خصوصًا لسيارة F-Type R75 . ولأننا في منطقة منعزلة بشمال إسبانيا، فالطرق المُتعرجة المُعبدة فارغة مثل السماء، وبما أن الشمس تُلقي بظلالها عبر أشجار الصنوبر، فقد حان الوقت لإطلاق صوت المحرك الثماني الأسطوانات من عقاله لتُرجع الصخور الوشيكة صداه. في القمة، والابتسامة تعلو مُحيّاي، لا يبقى أمامي إلا شيء واحد: أن أستدير في الاتجاه المعاكس وأكرر التجربة مرة أخرى.
بداية النهاية
يأخذني الطريق الواقع شمالاً بقرب بحر كانتابريا، المُسطّح المائي الذي يصب في خليج بِسكاي ثم في المحيط الأطلسي، إلى بامبلونا، حيث تستقطب السيارة وابلاً من التلويح من أطفال صغار معتادين أكثر رؤية الثيران وهي تعدو. ومع اقتراب نهاية الرحلة، تعود الأفكار المثيرة للدموع.
فهذه الآلات الشرسة المزمجرة ستغادر العالم قريبًا، في الفصل الأخير من عهد السيارات القديم. إن عهد الكهرباء على الأبواب، ومعه ربما خلاص الأرض. ولكنني، مع ذلك، أتمنى لو كان الأمر مختلفًا. لأن هذا يجعل من سيارة جاغوار الكوبيه F-Type R75 أمتع سيارة قدتها على الإطلاق وأكثرها بعثًا على الحزن.