تفاجئك تايلند بمقدرتها على احتواء عالم من التناقضات المتآلفة، بداية من مدنها التي تضج بصخب مريديها في تعارض بديع مع جزرها الوادعة التي تفرد مفاتن طبيعتها الغناء وشواطئها الرملية لسكينة تستأنس بها النفوس، وليس انتهاء بمزاج مناخها الاستوائي الذي يباغت طقسها المشمس على مدار السنة تقريبًا بوابل من الأمطار المتفرّقة.
وهذا المزاج المتقلب كان أول ما خبرناه في رحلتنا الأخيرة من مرسى Ao Po Grand Marina، الذي يبعد مسافة 30 دقيقة بالسيارة عن مطار بوكيت الدولي، على متن زورق سريع كان يشق بنا طريقه وسط زخات المطر إلى وجهتنا في جزيرة "كو ياو نوي" Koh Yao Noi.
قد تتيح لك عملية بحث سريعة عبر الإنترنت استشراف ما تعد به هذه البقعة الوادعة في قلب متنزّه "أو بان ناه" Ao Phang Nga National Park الوطني، حيث تشكل واحدة من 42 جزيرة تتناثر في رحاب خليج "بان ناه" وهي مدرجة على لائحة اليونسكو لمواقع التراث العالمي.
ستقرأ حتمًا أنها ملاذ لمظاهر الحياة البرية التي أفردت لها امتدادات طبيعتها البكر، من حقول الأرز الآسرة والغابات الغناء ومحميات أشجار القرم إلى الشواطئ التي تتباهى بعزلتها.
غير أن ما تختبره لحظة تحط قدماك على أرض هذه الواحة الفردوسية يتجاوز ما اختزنته في ذاكرتك من معلومات وتوقّعات ليستلبك إلى شعور راسخ بالانبهار والبهجة يتقن منتجع آني في تايلند Àni Thailand تركيب صيغته مثل قطع أحجية تترتب في مواقعها وتتكامل يومًا تلو يوم وتجربة بعد أخرى طيلة مدة إقامتك.
ملاذ حصري
على مساحة فدّانين من الحدائق المنسقة في جزيرة "كو ياو نوي" البكر، ينبسط منتجع آني تايلند واحة تتباهى بعزلتها فيما تأويك إلى أنس يستحضر في الذاكرة والنفوس دفء منزلك البعيد. بل إنك ستشعر حتمًا بأنك سلطان مكانك فيما تستأثر مع أفراد العائلة أو الأصدقاء بكامل مرافق المنتجع وفسحات الإقامة فيه.
فما يميز منتجع آني في تايلند، على ما هو عليه حال منتجعات العلامة الأخرى، الموزّعة على سريلانكا، وجمهورية الدومينيكان، وأنغيلا الكاريبية، هو أنه متاح حصريًا للاستحواذ الكامل.
هنا تختبر مجموعة من 20 ضيفًا بالحد الأقصى (بسعر يبدأ من 14 ألف دولار في الليلة الواحدة لخمس ليالٍ على الأقل) عيشًا ماتعًا في واحة تحاكي بهندستها المعمارية ومعالمها التصميمية تفاصيل قرية تايلندية قديمة تشكلت عناصرها مزيجًا من أسقف مستدقة الخطوط مستلهمة من طراز لانا المعماري القديم شمال تايلند، وحجارة جيرية محلية تتدثر بها أرضيات الشرفات الخارجية والأسطح والمسارات، وتفاصيل من خشب الساج، وأخشاب استوائية صيغت منها قطع الأثاث للمساحات الداخلية والمجالس الخارجية.
تحضر هذه الفسيفساء التصميمية في المرافق العامة للمنتجع، وفي فسحات الإقامة التي تميّز تصميمها جماليات معاصرة، والتي تتوزّع في محيط حوض السباحة الرئيس على فيلتين مطلتين على المحيط، وفيلتين عائليتين، وأربعة أجنحة تحتضن أحواض سباحة داخلية. لكنك أينما حللت ستظل قادرًا على الانغماس في فتنة الأفق البحري المتمدد بسحره من شاطئ رملي بطول 100 متر تقريبًا وصولاً إلى جزر الحجارة الجيرية لخليج "بان ناه".
مقاربة متفردة للضيافة
لكن ما تختبره من أنس في منتجع آني بتايلند لا يقتصر على الخصوصية التامة التي تحظى بها في رحابه، أو على موقعه المتفرّد الذي تنأى بك سكينته عن هموم الحياة والأعمال. فأكثر ما تجذل به الأفئدة هنا هو ذاك البعد الإنساني الذي يتيحه مفهوم مبتكر للضيافة يهز قواعد المألوف. ففي هذا المنتجع الذي يشكل منذ افتتاحه في عام 2016 مقصدًا للعائلات الملكية وكبار الشخصيات ونخبة أثرياء العالم، يُبتكر كل تفصيل على قياس رغبات الضيف وصحبه.
في اليوم الأخير من إقامتنا بالمنتجع، وفي لقاء جمعني بالرئيس التنفيذي لمنتجعات آني، ييشي فونشتو، اختزل لي فلسفة الضيافة المعتمدة قائلاً: "سياستنا باختصار هي ما يريده الضيف، والمفهوم الذي نعتمده يشكل خيارًا مثاليًا لتجربة عيش متفرّدة قد تجمع بين ثلاثة أجيال مختلفين من عائلة واحدة".
والحقيقة هي أن ما قاله فونتشو بدا لي أقرب إلى خلاصة موجزة عما خبرته على مرّ بضعة أيام من تجارب تولّى تنسيقها بعناية طاقم متفان من 22 فردًا لا يسعك إلا أن تثني على ما يبدونه في سياق خدمتهم الرفيعة من احترافية وكياسة، ومن شغف راسخ بتحقيق أصغر أمنيات الضيف وأكبرها.
أحد أجنحة المنتجع التي استُحدث في كل منها حوض سباحة داخلي لمزيد من الخصوصية.
أُدرك لما تعُرف تايلند بأرض الابتسامات وأنا أراقب أفراد عائلة آني يعكفون بفرح على مهامهم، فيما المدير العام آندرو جيانفرانكو – كوتل، بوجهه البشوش وضحكته المميزة، يتنقل في رحاب المنتجع بحيوية لا تهدأ، فأصادفه مرة يراقب الأفق البحري معاينًا مزاج طقس قد يهدد مخططاته لنا، ومرة يساعد فريقه في تعليق زينة تضفي بعدًا دراميًا على تجربة غداء أو عشاء.
لا يشبه آندرو، الذي تمرّس على فن الضيافة في مجموعة من فنادق فرنسا الفاخرة، أي مدير عام نموذجي في فندق أو منتجع. إلا أنك تستكشف السر في هذا التمايز في قوله: "أدركت في وقت مبكّر أن معاني الخدمة الرفيعة تختلف باختلاف الوجهات.
لكن ما نفعله هنا هو أننا نوائم بين أعلى المعايير العالمية للضيافة ومقاربة متفردة من شرق آسيا، أصيلة ووادعة وفيها كثير من التواضع. فغايتي هي أن أمنح ضيوفنا تجربة يعز نظيرها في أي وجهة أخرى".
لا يعود مستغربًا إذاً أن تعلم أن علاقة آندرو بالضيوف تبدأ حتى قبل أن يحلوا في المنتجع من خلال تواصله مع الضيف الرئيس لاستكشاف توقعات المجموعة وتفضيلاتهم والتخطيط لبرنامج إقامة لن يخلو من مفاجآت وفيرة تمتلئ بها جعبته.
تجارب يندر مثيلها
إلى جانب جلسات للرفاه مسرحها النادي الصحي الكائن في بناء يحتجب في حديقة سرية ويضم مركزًا للياقة البدنية وحجرة للعلاجات مجهزة بحوض جاكوزي، فضلاً عن فسحة للتأمل مشرعة على أفق الخليج من موقعها فوق السطح، يوفّر المنتجع ما ألفناه في وجهات أخرى من أنشطة تقليدية مثل صفوف اليوغا، والنزهات على متن الدرّاجات الهوائية، ورحلات الغوص، والجولات البحرية ساعة الغروب، والمشاهدات السينمائية على ضوء القمر.
فنون الطهي التايلندية مع "شيف ياو".
لكن ما تتيحه لك عائلة منتجع آني يتجاوز المألوف والمتوقع إذ تضع في متناولك فرصة حصرية لخوض تجارب مصممة لك وحدك، سواء أكنت تخطط لرحلة تسوقية في مقصد آخر تصله على متن طائرة مروحية، أو لاستكشاف الجزر المحيطة على متن قارب طويل الذيل، أو لزيارة محمية الفيلة في بوكيت.
لن يفوتكم أيضًا الانغماس في مظاهر الحياة المحلية التي خبرناها في مجموعة من الأنشطة شملت صفًا لتمارين الملاكمة التايلندية Muay Thai، وآخر لتعلم فن صناعة أطواق الياسمين، ورحلة إلى مزرعة لتربية الأسماك في البحر، وإلى أخرى على البر لاستكشاف التقنيات التقليدية لجمع نسغ المطاط الطبيعي.
صف لتمارين الملاكمة التايلندية Muay Thai
بعد ظهيرة أحد الأيام، كنّا على موعد أيضًا مع إعادة اكتشاف قدراتنا الفنية في سياق صف لفن رسم الباتيك، هذه الحرفة الراسخة في ثقافة البلاد. وفيما كنا عاكفين على الرسم والتلوين فوق الخامات القماشية، استدعانا شون، مدير التجارب في المنتجع، لنشاهد بانبهار شديد سربًا من طيور "أبو قرن" النادرة كانت تتنقل بين الأشجار مطلقة نداءاتها الأقرب إلى مزيج من القهقهة والزعيق. يخبرنا شون أن "كو ياو نوي" تكاد تكون الجزيرة الوحيدة التي تعيش فيها هذه الطيور في أوساط المجتمع المحلي.
فن رسم الباتيك.
لكن هذه الطيور لم تكن الكائنات الغريبة الوحيدة التي صادفناها. ففي سياق رحلة استكشافية إلى جزر كرابي، تسنت لنا الفرصة لنراقب قرودًا راحت تسبح برشاقة بمحاذاة قاربنا الخشبي الطويل لالتقاط ما نسخو به عليها من أطايب.
أثرت تلك الرحلة أيضًا تجربة غداء فاخرة فوق رمال شاطئ خاص أعدها لنا الطاهي كانوات لادنوش، المعروف أكثر باسم "شيف ياو"، والذي كان يستحضر خبراته المديدة في كل وجبة نتذوقها، ولكل وجبة موقع مختلف (تسبق تجارب العشاء دومًا مفاجأة خاصة من أندرو، مثل درس في الطهي، أو عرض للرقص بالنار أو للرقص التايلندي التقليدي) ليجعل منها نافذة تطل منها ذائقتنا على عوالم مختلفة، من تايلند إلى اليابان واليونان.
عندما تزورون منتجع آني في تايلند، لا تفوّتوا فرصة الاستمتاع بوجبة فطور أصيلة في أحد حقول الأرز التي تنتقلون إليها على متن درّاجات نارية بمقعد جانبي تعد برحلة تملأ النفوس بهجة.
لكل تجربة طعام موقع مختلف، بما في ذلك الحديقة.
أغراض نبيلة
كانت تلك الدراجات وسيلتنا أيضًا لزيارة أكاديمية الفنون Àni Art Academy القريبة من المنتجع والتي تشكل على الأرجح جزءًا لا يتجزأ من حكايته. ففي عام 2010، أطلق تيم رينولدز، المؤسس المشارك في شركة Jane Street Capital في وال ستريت، منتجعات آني الخاصة، ومثلها الأكاديميات الفنية غير الربحية (يبلغ عددها اليوم ست أكاديميات) بإلهام من تجربة شخصية بامتياز.
فبالرغم من تعرض رينولدز، الناشط رياضيًا والمحب للسفر، لحادث خطير أقعده في كرسي مدولب، إلا أنه ظل يواظب على ممارسة التزلج، والمشاركة في سباقات الماراثون، واستكشاف وجهات عالمية.
وكان جزء من مساره العلاجي ينطوي على صفوف فنية، ما ألهمه لإطلاق مشروع يتيح للأفراد الأقل حظوة أن يتحوّلوا من خلال الدراسة إلى فنانين يحققون فائدة لأنفسهم ولمجتمعاتهم. في تايلند، تتيح الأكاديمية برنامجًا دراسيًا مدته ثلاث سنوات يصقل الطلاب خلالها مواهبهم بالمعرفة ويستفيدون بعد التخرج من دعم الأكاديمية.
جلسات تدليك للأزواج في النادي الصحي.
بل إن عائدات بيع أي لوحة تُخصص بالكامل للفنان الناشئ الذي يبدعها. إذا كنتم تخططون للإقامة في المنتجع وزيارة الأكاديمية، فإنكم قد ترغبون في سؤال أحد فنانيها ابتكار رسم شخصي لكم أو لقريب أو صديق يستحق هدية احتفالية.
فيما يواصل رينولدز، الداعم أيضًا للأبحاث البيئية، مخططاته لافتتاح مزيد من الأكاديميات والمنتجعات التي توفر فرص عمل للمجتمعات المحلية في البلدان النامية، بموازاة ابتكار مسار للسفر يتيح للضيوف الانتقال من منتجع إلى آخر، نودّع عائلة آني في تايلند وقد فاضت أفئدتنا بمباهج تجربة ابتُكرت على قياسنا في سياق مفهوم "الرحلة قدمًا" أو The Journey Ahead الذي تعتمده هذه العلامة وتحقق من خلاله تمايزها.