تتراكم التحديات المناخية أمام منتجعات التزلج التي يزيد عددها على 600 في جبال الألب. فبعد تقلص موسمها نحو 38 يومًا ليبدأ بعد 12 يومًا وينتهي قبل 26 يومًا، أصبح الآن ثلثها مهددًا بالإغلاق في حال ارتفعت الحرارة درجة ونصف درجة. فهل تنقرض هواية التزلج في المستقبل؟
أفاد سورين رونج، الناشط المناخي في منظمة Protect Our Winter الأمريكية، أن أغلب المنتجعات المهددة بالإغلاق في جبال الألب يقل ارتفاعها عن 1500 متر، ولن تتمكن من الصمود أمام درجات الحرارة المرتفعة التي وصلت إلى مستويات قياسية خلال موسم الأعياد ورأس السنة الجديدة، وبلغت نحو 20.9 درجة مئوية في شمال غرب سويسرا.
كما أوضحت ماري كافيت، عالمة الجليد وباحثة المناخ في الجامعة الكاثوليكية في بلجيكا، أنه عندما ترتفع درجات الحرارة، يزداد بخار الماء، ما يؤدي إلى مزيد من الأمطار، وهطول الأمطار على منتجعات التزلج منخفضة الارتفاع (1600 متر) سيزيل الثلوج الموجودة. وأضافت أن عمق الثلوج في المنتجعات المنخفضة في أوروبا يتقلص بمقدار 3 إلى 4 سنتيمترات كل 10 سنوات.
ووفقًا لدراسة أجراها معهد أبحاث الثلوج والانهيارات الثلجية في سويسرا عام 2017، يمكن أن تفقد جبال الألب ما يصل إلى 70% من الغطاء الثلجي بحلول عام 2100، إذا واصلت درجات الحرارة العالمية الارتفاع بالمعدل الحالي. وإذا لم تتخذ الدول تدابير استثنائية، فإن الاحترار العالمي سيصل بحلول عام 2100 إلى 2.7% فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.
ولكن في حالة الإبقاء على الاحترار أقل من 2 درجة مئوية، فإن الانخفاض في الغطاء الثلجي لن يتخطى 30%.
والحقيقة هي أن انبعاثات الاحتباس الحراري تتزايد بسرعة كبيرة في مختلف أنحاء العالم، لدرجة أن خبراء في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية يقدرون أن الأرض قد تسجل أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق خلال السنوات الخمس المقبلة، متجاوزة الرقم القياسي السابق المسجل في عام 2016.
أساليب حفظ الثلوج
تلجأ بعض المنتجعات الراقية منخفضة الارتفاع في جبال الألب إلى أساليب عديدة للحفاظ على أعمالها مثل "زراعة الثلوج" أو كما يسميها البعض "تخزين الثلوج".
في نهاية موسم التزلج، تُجمع الثلوج في أكوام وتُلقى عليها نشارة الخشب لعزلها عن دفء الربيع والصيف، وهي طريقة مُستخدمة في سويسرا والنمسا منذ 2008، ولكنها تنطوي على عملية مكلفة جدًا.
تدفع بلدة مثل كتسبويل النمساوية مثلاً ما يعادل 165 ألف دولار في الموسم الواحد لتنفيذ هذه العملية. وفي الوقت نفسه، تلجأ بعض المنتجعات مثل منتجع كورشوفيل في فرنسا إلى أساليب عالية التقنية لحفظ الثلوج تُستخدم فيها الألواح العازلة.
كما ظهرت أخيرًا قاذفات الثلوج التي تطلق قطرات مياه تتحول إلى بلورات ثلجية في درجات الحرارة المنخفضة، لتضمن استمرار أعمال المنتجع. ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة، لن تتمكن هذه القاذفات من صناعة الثلوج بل قد تتحول إلى نافورة أو نظام ملطّف لدرجات الحرارة العالية كما يحدث في الشرق الأوسط.
مكافحة التغير المناخي
يلجأ المغامرون إلى منتجعات التزلج في الفترة من نوفمبر إلى أبريل للاستمتاع بالبساط الأبيض. ولكن رحلتهم لا تكون في العادة صديقة للبيئة، إذ تستخدم المنتجعات الوقود في عمليات تسوية المنحدرات ونقل الزوار ومراقبي المنتجع، هذا إلى جانب الكهرباء المستخدمة في تشغيل المصاعد التي لا تتوقف تقريبًا طوال الموسم، ما يؤدي غالبًا إلى التسبب في انبعاثات كربونية هائلة.
وفي هذا أوضحت الهيئة الوطنية لشركات مصاعد منتجعات التزلج في فرنسا Domaines Skiables de France أن 94% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في قطاع التزلج تنجم عن الديزل المستخدم في تشغيل آلات تسوية المنحدرات، فيما أنظمة المصاعد تساهم في هذه الانبعاثات بنسبة 4% وأنظمة صناعة الثلوج بنسبة 2% فقط. وأشارت الهيئة إلى أن هذه النسبة لا تتضمن الانبعاثات التي ينتجها أكثر من 7 ملايين متزلج يزورون المنتجعات الفرنسية سنويًا (25% من الانبعاثات مصدرها الزوار من خارج البلاد).
لحسن الحظ، بدأت منتجعات التزلج حول العالم في إنفاق ملايين الدولارات على عدد لا يحصى من المبادرات الخضراء التي تهدف إلى إنقاذ القطاع من الاندثار ونشر الوعي، ودعم الاستراتيجيات الداخلية طويلة المدى للتحول إلى صافي انبعاثات كربونية أقل.
في فرنسا، حيث تصل أرباح منتجعات التزلج إلى 1.6 مليار دولار، تعهدت الهيئة المحلية لمشغلي هذه المنتجعات بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول 2037، ولكن دون أن يشمل ذلك الانبعاثات التي ينتجها الزوار.
يقول جيل ديلارويل، رئيس السياحة في Courchevel، أحد أفضل منتجعات التزلج الفرنسية، في حوار مع CNN: "إنها مسؤولية عالمية. لا بد أن نفعل شيئًا". ويضيف: "نلاحظ بوضوح التغير المناخي على الجبال.. لا تتساقط الثلوج في الوقت نفسه أو بالمستوى نفسه على ما كان عليه الحال في الماضي، ودرجات الحرارة ترتفع. يشهد القطاع الكثير من التغيرات، ولا بد أن نتحرك. إذا لم نحم الطبيعة، فلن يكون هناك تزلج في المستقبل".
على الجانب الآخر من المحيط، اتفق أكبر 4 مشغلين أمريكيين بإجمالي 71 منتجع تزلج في أمريكا الشمالية على التعاون للحد من استخدام الطاقة والسعي بقوة نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتقليل النفايات ونشر الوعي. وتمثل هؤلاء المشغلون بشركات Alterra Mountain Company وVail Resorts و Boyne Resorts و POWDR.
مستقبل من دون ثلوج
"منتجع التزلج الأكثر اخضرارًا في أوروبا"، هذا هو الاسم الذي أطلقه المتزلجون على منتجع أنزير في سويسرا، بعدما اضطرت إدارة المنتجع إلى غلق العديد من منحدراته نهاية العام الماضي وبداية يناير، بسبب قلة الثلوج وتساقط الأمطار.
تقول ستيفاني ديجكمان، مديرة السياحة في أنزير، لموقع Future Planet: "كان الجو حارًا بشكل استثنائي خلال موسم الأعياد ورأس السنة الجديدة. اختفت الثلوج تقريبًا في القرية، ولم يتمكن الزوار من التزلج".
رغم عودة الثلوج مرة أخرى إلى المنتجع بعد أيام، إلا أن الإدارة شعرت بالقلق من مستقبلها في القطاع، وبدأت دراسة خطة أعمالها من جديد، لتجد أنها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإغلاق أو تغيير نموذج أعمالها بشكل كلي.
إلى جانب اتخاذ تدابير عدة تهدف إلى الحد من الانبعاثات، مثل الاستثمار في الطاقة المتجددة وبناء أكبر محطة تدفئة بالحطب في أوروبا، بدأ المنتجع في التخطيط لمستقبل من دون ثلوج.
تقول ديجكمان: "نحتاج إلى التكيف مع ما قد يحدث في السنوات المقبلة، ولهذا نستثمر أكثر في مسارات الدراجات، وفي مسارات التسلق والمشي، ونسلط الضوء على كل ما نقدمه، سواء كان ذلك في الصيف أو الشتاء".