على ضفاف بحيرة كومو الواقعة في شمال إيطاليا، وبين الأشجار الكثيفة المحيطة بفندق فيلا ديستي الذي افتتح في عام 1873، توزعت مركبات كلاسيكية عتيقة الطراز من مختلف الأزمان، واحتلت كل واحدة منها موقعًا في الحديقة الغناء التي استقبلت الضيوف وهواة السيارات القادمين من جميع الأقطار.
وكان ما جمعهم هو حضور مسابقة فيلا ديستي للأناقة Concorso d’Eleganza Villa d’Este، هذه المناسبة العريقة التي أعيد إحياؤها في تسعينيات القرن العشرين في حلة جديدة، والتي تواظب إلى الآن على إبهار الحضور بمجموعة السيارات التي تستقطبها عامًا تلو الآخر، حتى أن بعض الشركات الشهيرة تنتظر هذه المسابقة بفارغ الصبر لتكشف عن آخر ما تفتقت عنه جهود مهندسيها.
سيارات من حقبات مختلفة تزين حديقة فيلا ديستي
في نسخة هذا العام من مسابقة Concorso d’Eleganza Villa d’Este، التي جرت أحداثها بين 20 و22 مايو، تنافست أكثر من 50 سيارة كلاسيكية على لقب أجمل سيارة عتيقة الطراز ضمن سبع فئات مختلفة.
وخلال مهرجان الأناقة هذا الذي دام ثلاثة أيام، عكفت اللجنة التحكيمية التي ضمّت بعض أبرز الأسماء في مجال تقييم السيارات الكلاسيكية، على تقليص عدد الاختيارات المتنافسة، ثم التداول المكثف بشأن السيارات التي تستحق التربع على عرش كل فئة.
اعتمد هؤلاء المحكّمون الثلاثة عشر، الذين يحركهم شغف شديد بالمركبات عتيقة الطراز، على الخبرة التي اجتمعت لديهم على مدار سنوات من أجل تحديد السيارات الفائزة استنادًا إلى معايير عالية.
انصب التركيز في كل فئة من الفئات السبع على جزئية بعينها. فُتحت الفئة A أمام المركبات التي تعود لحقبة العشرينيات والثلاثينيات، أي العصر الذهبي الذي أصبحت فيه المركبات رموزًا للأناقة، يختار صاحبها هيكلها ومظهرها الخارجي.
واشتملت الفئة B على طرازات مرسيدس - بنز المزودة بشواحن فائقة والتي نجحت في التوفيق بين القوة والأناقة في وحدة متكاملة بداية العشرينيات. أما الفئة C، فقد جمعت تحت مظلتها السيارات التي انعكست فيها أبّهة فندق فيلا ديستي. وفي المقابل، ضمّت الفئتين E وG السيارات التي تبدّت فيها مقدرة المهندسين على ترجمة السرعة إلى براعة جمالية، فيما احتفن الفئتان D وF بتاريخ طرز فيراري وبي إم دبليو إم.
CONCORSO D‘ELEGANZA: تتويج فرائد الماضي وتطلع لروائع المستقبل
فيديو يعرض فعاليات مسابقة Concorso d’Eleganza Villa d’Este
بعد تفقد المركبات كافة، وأمام أنظار الجماهير التي أتت إلى هذا المهرجان الفوّاح بعبق الماضي، أعلن الحكام في اليوم الأخير من المسابقة عن الفائزين. في الفئة A، تُوج طراز BUGATTI 57 S الذي كان حصيلة التعاون البديع بين بوغاتي وفانفورن Vanvooren. عملت بوغاتي على الشق الهندسي من المشروع، وقدمت منجزًا هندسيًا مبهرًا يتمتع ببعد جمالي واضح مثير للإعجاب، بينما صممت فانفورن الهيكل الأنيق المكشوف. والنتيجة كانت سيارة انسيابية الشكل، استُغني فيها عن البذخ والزخرفة البراقة. تشكل هذه المركبة واحدًا من بين أربعة نماذج فقط عملت فانفورن على هيكلها المكشوف، وقد انتقلت ملكيتها بين عشرة أشخاص، قبل أن تجد طريقها إلى أندرو بيسكر.
وفي الفئة B، فازت سيارة MERCEDES-BENZ 540 K CABRIOLET A، لمالكها هانز هولزبرغن. كانت هذه السيارة تجسيدًا للأناقة والنجاح خلال ثلاثينيات القرن الماضي، ولهذا جذبت إليها المشاهير، ومنهم أيقونة الغناء إديث بياف وعازف البيانو الأمريكي وقائد أوركسترا الجاز ديوك إلينغتون، وكذلك عازف الجاز الأسطوري لويس أرمسترونغ.
أما الفئة C، فعرفت فوز سيارة CHRYSLER BOANO COUPÉ SPECIALE. جهزت هذه الكوبيه من كرايسلر بنوافذ كهربائية وسقف قابل للطي، وكُسيت مقصورتها بجلد فاخر وسجاد من الصوف الأخضر، وألواح من خشب الورد.
ظلت السيارة تحت ملكية فرنسية لثلاثين عامًا، وانتقلت إلى ملكية أمريكية أواخر الثمانينيات، قبل أن يستحوذ عليها ستيفن برونو في عام 2018.
أما في الفئة D، فكان الفوز من نصيب سيارة FERRARI 365 P BERLINETTA SPECIALE TRE POSTI، نجمة نجوم صالون باريس لعام 1966. كانت هذه أول سيارة فيراري معدة للطرقات بمحرك وسطي، وأعطى ذيلها الطويل مساحة كافية لاحتواء محرك V12، لكن ما ميزها أكثر كان تصميم مقصورتها غير التقليدي، والذي جعل مقعد السائق بين مقعدين للركاب.
وعن الفئة E فازت سيارة PORSCHE 356 B CARRERA ABARTH GTL، التي تحتل مكانة مميزة بين طرز 365 من بورشه بفضل محركها رباعي المحاور. كان السائق السويدي كارل هامارلوند أول مالك لهذه السيارة، ومكنته من الفوز بلقبين في بطولات جي تي الوطنية، وهي مثال لما ينبغي أن تكون عليه السيارات صغيرة الهيكل.
توجت أيضًا سيارة BMW 3.0 CSL عن الفئة F، وهي أول سيارة داخلية ابتكرتها بي إم دبليو بالتعاون مع ألبينا في عام 1971. هدِف هذا التعاون إلى تصميم سيارة كوبيه رياضية خفيفة، وهذا ما كان. وبسبب نجاحها الباهر، قل أن تجد طرازا محتفظا بحالته الأولى، ومن هنا تأتي فرادة هذه السيارة. أما الفئة G فشهدت فوز سيارة PORSCHE 959 SPORT. أنتج الصانع 29 نموذجًا فقط من هذا الطراز، ودعّمها بقوة تصل إلى 515 حصانًا وسرعة قصوى تبلغ 339 كيلومترًا في الساعة. ولأن السيارة المشاركة في المسابقة لم تذرع الطرقات إلا لمامًا، إذ إنها قيدت مسافة 885 كيلومترًا فقط، فإنها تمثل نموذجًا مرجعيًا ينقلنا عبر الزمن.
على أن مسابقة هذا العام لم تقتصر على إحياء سيارات الزمن الماضي، بل إنها خصصت فئة جمعت فيها النماذج الأولية التي صدرت أو ستصدر في قادم الأعوام لسيارات يتلهف عشاق السرعة لتجربتها. ومن بين هذه الطرز، سيارة MOSTRO B. ZAGATO المزودة بمحرك مازيراتي، وسيارة P72 من دي توماسو أوتوموبيلي، وسيارة MARC PHILIPP GEMBALLA MARSIEN.
ولا ننسى أن نذكر الطراز الثاني من سيارة رولز - رويس بوت تيل، التي أزيح عنها الستار خلال هذه المسابقة، وهي واحدة من ثلاثة نماذج يطلقها الصانع. وكل هذا يأتي ليؤكد أن مسابقة Concorso d’Eleganza Villa d’Este ليست فقط استدعاء حميميًا للماضي، بل نظرة متألقة على المستقبل أيضًا.