بالرغم من أن الأسود يمثّل فراغًا لونيًا، إلا أنه يزخر بدلالات كثيرة. فلطالما كانت الظلال السوداء الخيار المفضل عند مغني الروك، والمتمردين والمتأنقين في عالم الموسيقا، من جوني كاش إلى سيد فيشوز وبوب ديلان وأوزي أوسبورن، فضلاً عن المثقفين من أصحاب الحركة التمردية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأصحاب الصالات الفنية وغيرهم. أما في عالم الأزياء التقليدي، فنادرًا ما كنّا نرى الأسود خارج نطاق بدلات التوكسيدو.

وفي هذا يقول باولو مارتورانو، خبير قص البدلات المبتكرة حسب الطلب: "إنه على الأرجح اللون الأكثر إثارة للجدل عندما يتعلق الأمر بالأزياء الرجالية". وبسبب هذه الدلالات، المتناقضة في غالب الأحيان، تعلّم معظم الرجال مقاربة اللون الأسود بحذر.

لذا احتجت إلى التفكير لبعض الوقت عندما اقترح عليّ مارتورانو، خلال جلسة استشارية جمعتنا أخيرًا، أن أوصي بحياكة بدلة باللون الأسود، ليس بهدف ارتدائها في مناسبة مسائية أو لحضور جنازة، بل لأنها ستبدو رائعة. والحقيقة هي أن مارتورانو ليس الوحيد الذي يعيد اليوم تقييم هذا اللون.

فالمحكّمون في عالم الأناقة، مثل هيرميس وبوليولي، قدموا إطلالات كاملة باللون الأسود لموسم الخريف. كذلك فعل رالف لورين الذي استخدم في أزيائه، على نحو حصري تقريبًا، ظلال لون الأبنوس واللون العاجي.

لا يُعد استخدام اللون الأسود بالطبع حالة مستجدة. فبذلات ديور الرجالية السوداء مثلت إطلالة بارزة في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة. لكنها كانت أيضًا من الأسباب التي أضفت على هذا اللون وصمة سلبية. يقول نيكولا غابار من علامة هازبندز Husbands: "إن الصنّاع الذين ينتجون أزياء سريعة مقلّدة شوّهوا الإطلالة عندما قدموها في تصاميم ضيقة القصات ومتدنية الجودة.

ولا بد لي من الاعتراف بأن اللون الأسود ظل يخلّف، حتى وقت غير بعيد، تأثيرًا منفرًا". لكن مجموعة هازبندز الأخيرة تتمايز ببذلات تليق بسيرج غينسبورغ، محبوكة من الأقمشة المضلعة والمخططة. يبدو أن اللون الأسود قد بدأ أخيرًا يتجاوز سمعته السيئة.

يقول نِك راغوستا، من علامة ستوفا Stòffa، التي دمجت أخيرًا اللون الأسود في لوحة ألوانها التقليدية التي تغلب عليها تدرجات حيادية ترابية: "لا أعتقد أن بالإمكان توصيف الأمر على هذا النحو".

وإذ يستعيد راغوستا ذكرى زبون في الخمسينيات من العمر كان يتساءل عما إذا كانت سترة جلدية باللون الأسود تُعد "رائعة إلى حد المبالغة" لرجل في مثل سنه، يستطرد قائلاً: "صحيح أن سراويل الجينز السوداء والأحذية السوداء العالية ذات المقدمة المستدقة قد توحي بمظهر موسيقيي الروك أند رول، إلا أن ثمة إطلالات أكثر أناقة أو أشد فخامة يمكن اعتمادها باللون الأسود".

بدلة من الصوف من Husbands (1,490 دولارًا).

Gamma-Rapho/GETTY IMAGES
بدلة من الصوف من Husbands (1,490 دولارًا).

يتمايز اللون الأسود بإمكانات عدة لا تتيحها تدرجات لونية أخرى. وفي هذا يقول سيمون كرومبتون، مؤلف كتاب Permanent Style (الأسلوب الذي لا يشيخ) الذي يميل إلى الأزياء الرجالية الكلاسيكية، والذي بدأ أخيرًا يرتدي العديد من القطع باللون الأسود: "لا يوحي اللون الأسود على الفور بمظهر رسمي.

فأي شخص في بيئة الأعمال سيختار في العادة بدلة باللون الكحلي أو الرمادي". في البدلات أو في القطع المنفردة إذاً، يتمايز اللون الأسود وسط أزياء الموظفين في المكاتب.

يقول مارتورانو: "أعتقد أن كثيرًا من الرجال يبحثون عن سترة باللون الأسود، لكنهم لا يدركون ذلك". والحقيقة هي أن السترة السوداء تشكل، على نحو مفاجئ، قطعة عملية متعددة الاستخدامات، إذ إنك تستطيع تنسيقها مع أي قطعة أخرى، من القمصان القطنية بلون الفحم إلى سراويل الدنيم أو السراويل المشغولة من النسيج المضلع باللون الترابي، بموازاة الحفاظ على مظهر أنيق لا يتيحه في العادة اللون الأزرق التقليدي.

يلفت مارتورانو إلى أن "ارتداء سترة باللون الكحلي مع سروال جينز يغدق عليك مظهر رب الأسرة. أو كأنك مصرفي من نيويورك يزور الغرب الأوسط".

الموسيقار الفرنسي سيرج غينسبورغ.

Bertrand LAFORET

يكمن السر في اختيار أقمشة ذات طابع متفرّد واضح، مثل الكشمير، أو الكتان، أو حرير دوبيوني. في الحديث عن التصاميم المشغولة من الأقمشة النموذجية، يقول كرومبتون: "عندما يفكر المرء في أن البدلات سوداء اللون قد تبدو مبتذلة، فالسبب في ذلك يُعزى إلى أنها سرعان ما تكتسي بمظهر لامع. لكن إذا ما كان القماش المختار هو مثلاً المخمل أو مزيج الصوف والقطن، فإن اللون الأسود سيبدو فجأة فاخرًا ويوحي بالثراء".

يقترح غابار أيضًا اختيار قصة محددة لا تجعل البدلة تبدو "أشبه بزي النادل في المطعم". وهو يوصي، شأنه في ذلك شأن كرومبتون، الرجل غير المستعد بعد لتبني إطلالة كاملة باللون الأسود، باعتماد هذا اللون بداية في سروال، أو كنزة محبوكة، أو في الكماليات مثل الحذاء المشغول من الجلد المقلوب الذي يحاكي مظهر حذاء أكسفورد من الجلد المصقول.

وبالحديث عن التحول إلى إطلالة باللون الداكن، يقول أغيش مادان من ستوفا إن الظلال العميقة التي يولّدها اللون الأسود عندما ينسدل القماش على الجسم "تجعله يبدو أكثر جاذبية نوعًا ما". ثمة أيضًا سلوك متمرد بغير تكلف في اختيار ملابس عملية بلون لطالما ارتبط بالأزياء الأكثر رسمية. وإن كان ثمة عبرة يمكن استنباطها من أفضل المتأنقين في عالم الموسيقا، فهو أن كسر القواعد يشكل وصفة رابحة لتحقيق إطلالة جذابة.