قد لا يحتاج المرء إلى سبب مقنع لزيارة أمستردام، وهي التي اشتهرت بقنوات مائية كثيرة تحرس ضفافها بيوت عتيقة من الآجر الأحمر، وجسور تحتشد بالمارة والدرّاجات الهوائية وألف لون من ألوان الزهور، ومتاحف تزخر أروقتها بروائع كبار الرسامين أمثال رامبرانت ويوهانس فرمير، إلى جانب مظاهر حياة صاخبة أثرتها في السنوات الأخيرة ثقافة مبتكرة في عالمي الطهي والتصميم.
لكنك إذ تحط الرحال في أمستردام، لا يسعك إلا أن تقف مأخوذًا بما تبوح به معالمها من تلاحم بديع بين معاني الحداثة وأمارات تاريخ حفرت خطوطها عميقًا في هذه الوجهة التي تحوّلت من قرية صغيرة للصيادين، ازدهرت بسبب التجارة في العصر الذهبي الهولندي في القرن السابع عشر، إلى عاصمة لهولندا.
وعلى نسق هذا التقارب، تشكلت هناك بمرور السنين واحة للضيافة تحمل اليوم اسم فندق Anantara Grand Hotel Krasnapolsky المنضوي تحت مظلة علامة أنانتارا.
نزور فندق أنانتارا غراند كراسنابولسكي أمستردام مطلع الصيف، وأول ما يستأثر بانتباهنا تماهي هذه الملكية مع موقعها المتفرّد في قلب أمستردام، قبالة القصر الملكي الوطني وساحة دام التي تحتشد بالسائحين.
فالفندق يتباهى أيضًا بمزيج من إرث تاريخي ومظاهر ترف عصري، إلى جانب نبض حيوي ينضبط عليه إيقاع طاقم الموظّفين وضيوف نصادفهم في الردهة ونرى فيهم خليطًا من رجال الأعمال والسائحين، فضلاً عن زوّار من أهل المدينة التي احتضنت هذا المعلم جزءًا من تاريخها على مر 155 عامًا: هناك أقام الخياط البولندي أدولف فيلهلم كراسنابولسكي في عام 1856 مقهى ازدهرت شهرته، فأضاف إليه غرفًا للإيجار قبل أن يحوّله إلى فندق عصري يلبي توقعات ضيوفه.
وفي عام 1902، جرى تجديد الفندق الذي بات يُعرف باسم فندق كراسنابولسكي، ويُقال إنه من أوائل فنادق أمستردام التي وصلتها الكهرباء والمياه. وبالرغم من أن هذه الوجهة استُخدمت لاحقًا خلال الحرب العالمية الثانية ثكنة للقوات الألمانية، إلا أنها عادت لتستعيد أمجادها سنة 1947.
وإلى حكاية هذه الأمجاد التي اختبرتها بمرور السنين النخبة من ضيوف أمستردام، من الملكة فيكتوريا وتشارلي شابلن وألبرت أينشتاين إلى الملكة إليزابيث الثانية ونيسلون مانديلا ومايكل جاكسون، أضيف فصل جديد خطته أخيرًا علامة أنانتارا التي أخضعت الفندق لمشروع تجديد شامل قبل أن تعيد افتتاحه في سبتمبر من عام 2022.
Anantara
يحتضن الفندق 402 فسحة إقامة بتصميم عصري، بينها غرف فاخرة مثالية للعائلات.
بين التاريخ والحداثة
فيما نجول في رحاب الفندق - بل في متاهاته التاريخية، إذا ما أخذنا في الحسبان أن مرافقه تتوزّع على أبنية عدة كانت تشكل في ما مضى مجموعة من 55 بيتًا على ضفاف القنوات المائية – نستكشف نتاج عملية تجديد أغدقت على الملكية طابعًا عصريًا يحمل جينات علامة أنانتارا، لكنها لم تتنكر للإرث الهولندي أو لحكاية المؤسس الأول، على ما تشهد صور بالأبيض والأسود للخياط ولرحلة الفندق تتوزّع في الأرجاء، شأنها في ذلك شأن مؤثرات تصميمية مستلهمة من حرفته وتحاكي في أشكالها قصاصات الأقمشة، والمقصات، وكشتبان الخياطة وغيره، وواجهة زجاجية في أحد الأروقة، حُفظت بداخلها كنوز عتيقة مثل نموذج من أول المصابيح الكهربائية في هولندا، وقائمة طعام قديمة لحفل عشاء.
Anantara
تشمل التجارب التي ينسقها الفندق جولات ماتعة على متن القوارب التي تعبر قنوات أمستردام المائية.
أما فسحات الإقامة، والبالغ عددها 402 غرفة وجناح لكل منها طابع متفرّد فرضه ترتيب الأبنية الكثيرة، فتنبسط بتصميمها الحديث على النقيض من معالم القدم التي تشرف عليها، لتستدرج الزائرين إلى ملاذات هادئة تأثثت بلوحة ألوان دافئة ومفروشات تستلهم تصاميم أواسط القرن الماضي، وتراكيب إنارة بأشكال هندسية بديعة.
وإذا كنتم تؤثرون أعلى درجات التميّز في إقامتكم، فلا بد أن يكون خياركم الجناح الرئاسي المكوّن من حجرتي نوم والممتد على مساحة 70 مترًا مربعًا موفرًا إطلالات حصرية على مجاري أمستردام المائية، أو الجناح الملكي الذي أفردت له مساحة 150 مترًا مربعًا في مواجهة ساحة دام والقصر الوطني.
Anantara
غرفة الجلوس في الجناح الملكي الممتد على مساحة 150 مترًا مربعًا.
وليمة في الحجرة البيضاء
هذا التناغم المتقن بين الأضداد نختبره أيضًا ذات أمسية فيما نولم على إحدى موائد مطعم The White Room أو "الحجرة البيضاء" والذي يُعد أقدم مطعم في أمستردام ما فتئ يحتفظ بحالته الأصلية. فالمطعم الراقي افتُتح في الأصل سنة 1885، وتلك البدايات لا تزال حاضرة في معالم تصميمه التي تتدثر بكسوة بيضاء وتفاصيل وزخارف مصقولة بلون الذهب.
لكن على النقيض من هذه الخلفية، تتجلى ابتكارات جايكوب جان بورما مفاجآت من عالم مستقبلي. فصحيح أن الطاهي، الذي يحمل في جعبته ثلاث نجوم ميشلان، يرتكز في إبداعاته إلى أفضل خيرات الطبيعة في هولندا، إلا أنه يصوغها فسيفساء من المذاقات الحلوة والحامضة، أو المرة والمنعشة، فيما يثريها بإيحاءات من مختلف أنحاء العالم مبتكرًا لضيوفه في كل موسم قائمة طعام للعشاء من تسعة أصناف تكشف عن حسه الإبداعي.
أما إذا كنتم تنشدون تجربة طعام أكثر عملية، لا سيّما وقت الغداء، فلا تفوّتوا فرصة اختبار أطباق كلاسيكية أعيدت صياغتها بأسلوب عصري في مطعم ومقهى Grand Café Krasnapolsky الذي أفردت مساحة في الجزء الخلفي لحجرة زجاجية تزخر بأصناف من الحلويات التي ابتُكر معظمها على شكل منحوتات بديعة تستثير في النفوس انبهارًا طفوليًا.
وتتكامل مقاصد تناول الطعام في الفندق بحديقة شتوية يظللها سقف زجاجي من القرن التاسع عشر، تشكل في الصباحات وجهة لتناول وجبات الفطور وتتحول في ليال كثيرة إلى مسرح لحفلات زفاف مبهجة.
Anantara
تجربة عشاء مبتكرة يعد بها مطعم The White Room الذي يُعد أقدم مطعم في أمستردام ما فتئ يحتفظ بحالته الأصلية.
كنوز خفية
إذا ما زرتم فندق أنانتارا غراند كراسنابولسكي أمستردام، فإنكم ستكتشفون سريعًا أن تجارب الطعام عنصر رئيس في منظومة الاستكشاف المتاحة للضيوف. فإلى جانب وجهات الطعام التقليدية، يوفّر الفندق تجارب حصرية متنوعة تشمل وجبة عشاء شاعرية على ضوء الشموع في الجناح الملكي، تُصمم حسب طلبكم من خلال برنامج Dine by Design، ورحلة على متن قارب تقليدي يجوب بكم القنوات التاريخية ساعة الغروب فيما تختبرون أطايب مبتكرة يعدها لكم طهاة الفندق لوجبة عشاء مبكرة.
على أنكم قد تجدون ألا شيء يعلو فوق تجربة ينسقها لكم الفندق لاستكشاف كنوز أمستردام الخفية. ننطلق سيرًا على الأقدام (يمكنكم القيام بهذه التجربة التي تستمر نحو ثلاث ساعات على متن الدرّاجات الهوائية أيضًا) رفقة مرشد محلي يكشف لنا عن خبايا المدينة، والمتغيّرات التي صنعت تاريخها، وحكايات معالمها العمرانية، وأيضًا حكايات مأكولات محلية تشكل جزءًا لا يتجزأ من مطبخها، بداية من فطائر الزبدة والشوكولاته Stoopwafels، وفطيرة التفاح الأشهر في أمستردام، وليس انتهاء بمصنع ومتجر نتذوّق في رحابه أصنافًا من الجبن الذي تنتجه هولندا.
نستحق في أعقاب تلك المغامرة جلسة تدليك خاصة في رحاب نادي أنانتارا الصحي المشرف على حديقة الفندق الصيفية، والذي يتكامل مع مركز للياقة البدنية مجهّز بأحدث المعدات من تكنوجيم.
Anantara
في كواليس محترفات علامة غسان للألماس التي يمكن للفندق أن ينسق لكم جولة استكشافية في أرجائها.
في يوم آخر، وعلى ما يليق بفلسفة أنانتارا القائمة على تعزيز روابط المسافر العصري بوجهات أصيلة وحكايات متجذرة في أرضها، ينسّق لنا الفندق جولة حصرية في كواليس محترفات علامة غسان للألماس Gassan Diamonds (الشهيرة بابتكار القطع الألماسي Gassan 121")، هناك حيث نستكشف عن كثب إرث أربعة أجيال من عائلة واحدة ما فتئت تتفوق في قطع الألماس وصقله، ونتعرّف معايير تصنيف هذا الحجر النفيس الذي شكلت أمستردام على مر 500 عام ملتقى لتجاره من مختلف أنحاء العالم.
هي كنوز خفية أو على مرأى من العين، تارة تتوهّج بضياء الألماس وطورًا بألوان ربيع مبهج يزيّن تجربة أخرى من فندق أنانتارا لاستكشاف متحف الزنابق، نرتبها قبل الرحيل في حقائبنا أو في ذاكرتنا شاهدًا على ألف وجه آخر لأمستردام.