في مياه أمريكا الشمالية، ظهر توجّه جديد في تصميم قوارب الرحلات السريعة، يعتمد على قارب صيد إيطالي عمره قرون. يسهل تمييز مؤخرة هذا القارب من طراز غوتزو Gozzo ومقدمته المستديرة، ولكن فيما كان الطراز الأصلي يحتوي على صوارٍ وأشرعة، تمتاز القوارب الحالية المستمدة منه بهياكل انسيابية الخطوط ومحركات عالية الأداء.
على أن أشد المعجبين بالتاريخ الرومانسي لهذا القارب، وبتصميمه الشبيه بأسلوب لوحات الرسام روبنز، سيفتنون أيضًا بتجهيزاته الحديثة، إذ يحقق طراز غوتزو رغبتهم في امتلاك قارب بتصميم متفرد، عوضًا عن امتلاك قارب شبيه بغيره من الطُرز الرائجة في السوق.
وفي هذا يقول جيوفاني أبريا، مدير المبيعات في شركة أبريا ماري Apreamare التي تعمل في هذا المجال منذ عام 1849: "نقضي وقتًا طويلاً في تخصيص هذه القوارب، مثلما يفعل الحائك مع بدلة مفصلة حسب الطلب".
تتمتع شركة أبريا ماري، التي يقع مقرها في خليج نابولي، بأغنى إرث في أوساط بناة القوارب المتخصصين في الحفاظ على استمرارية قوارب غوتزو. ولأنها تمثّل أول حوض بناء استطاع تزويد قوارب غوتزو بهيكل انسيابي الخطوط، فقد كانت أكثر استعدادًا لتبني أساليب تصميم حديثة. يمتاز قارب أبريا ماري الشهير، الذي يبلغ طوله 35 قدمًا، بخطوط منحنية، لكنه صورة طبق الأصل عن القوارب التي تتوسطها قمرة القيادة. ومع ذلك، تظل منصة السباحة شبه الدائرية والمقدمة المستديرة تفاصيل تَشِي بأصله.
يُعد قارب الشركة الجديد الذي يحمل اسم Gozzo 45 قارب رحلات مناسبًا لقضاء عطل نهاية الأسبوع، وهو مجهّز بثلاث مقصورات ومحركين من طراز Cummins بقوة 600 حصان وقمرة قيادة بمجلس على هيئة حرف U، فضلاً عن حجرة طعام صغيرة تتسع لثمانية أشخاص وأرائك للاستلقاء تحت أشعة الشمس.
تبلغ السرعة القصوى لهذا القارب 30 عقدة، وتزدان جنباته كلها بتفاصيل من الخشب، إحياءً لذكرى ذلك العهد الذي كانت فيه القوارب تُصنع حصريًا من هذه المادة. ومع ذلك، تزهو المساحات الداخلية بتصميم حديث، فيما تغلب على المقصورات ألوان محايدة تمزج بين لون الخردل واللون الفيروزي.
وفي ما يشبه ترجمة أكثر عصرية لهذا الأسلوب في التصميم، ابتُكر قارب Gozzo 35 Speedster الجديد بناء على متطلبات السوق الأمريكية التي تفضل إبقاء المحركات في أقصى مؤخرة القوارب. جُهز هذا القارب بثلاثة محركات من طراز Mercury Verados تنتج قوة تساوي 300 حصان وتحقق سرعة قصوى تبلغ 40 عقدة، وهذا معدل يفوق بكثير سرعة سلفه الذي كانت الرياح تقوده على مهل على طول مياه ساحل ليغوريا الصخري.
تثبت شركة فراتيلي أبريا Fratelli Aprea، التي يشرف عليها الجيل السادس من العائلة، أن هذه الفئة من القوارب تصلح لتفسيرات متعددة. وبالرغم من أن قرابة وثيقة تجمع العائلة التي تدير حوض بناء السفن هذا في سورينتو، بمؤسسي أبريا ماري، إلا أن الفوارق بين قواربهما من طراز غوتزو فوارق هائلة.
Alberto Cocchi
قارب Apreamare 45 التقليدي والمعاصر في آن.
فعلى سبيل المثال، تمتاز قوارب فراتيلي أبريا بهياكل حديثة مصنوعة من الألياف الزجاجية، لكن استخدام خشب الماهوغاني بوفرة لتزيين المساحات يعكس التزامها بإرثها الممتد في صناعة القوارب الخشبية. بل إن الشركة تمتلك منشأة لقطع الألواح الخشبية الكبيرة المختارة بعناية وفق أحجام محددة، يطابقها لاحقًا النجارون بعضها ببعض بما يضمن تحقيق التناسق.
يقول مايكل سيناكولا، رئيس فرع شركة فراتيلي أبريا في الولايات المتحدة: "نتحدث هنا عن فلسفة بناء عتيقة، يستخدم فيها النجارون معدات يدوية لتسوية الأسطح الخشبية بعناية وهم جالسون على كراسٍ عمرها 150 عامًا. إذا غيّرنا هذا الأسلوب، ستفقد القوارب قيمتها الحِرفية".
يقضي سيناكولا شهورًا كل عام في حوض بناء السفن ليتأكد من أن القوارب المستوردة مصممة وفقًا للمواصفات الأمريكية التي تتضمن شاشات ملاحة كبيرة الحجم على الدفة، وأنظمة لتكييف الهواء، ومكبرات صوتية إضافية في قمرة القيادة. لكن البراعة الحرفية التي تجلت في المقصورتين اللتين احتضنهما قارب 36 Hardtop هي ما يحدث الفارق الأبرز، إذ تزدان أسطحها بخشب الساج، وتتدثر مساحاتها الخارجية بخشب الماهوغاني اللامع، فيما جدرانها تتزيّن بألواح كرزية اللون من الماهوغاني المخصص.
أما أرضيتها، فمغطاة بألواح مخططة من الساج والهولي. يقول سيناكولا: "أردنا للتشطيبات أن تكون على نسق تلك التي تزهو بها مقصورات الطائرات الخاصة".
قد لا يضاهي إرث شركة كانتييري ميمي Cantiere Mimì إرث عشيرة أبريا، ولكن حوض بناء السفن هذا، الذي يديره جيل العائلة الثاني، متمرس في صناعة قوارب غوتزو. أطلقت الشركة التي يقع مقرها في نابولي أول قارب بطول 15 قدمًا في عام 1975.
أما أحدث طرزها، الذي حمل اسم Libeccio 13.5 Cabin، فيبلغ طوله 44 قدمًا، وقد طليت أسطحه الخارجية بمادة مركبة باستخدام تقنية التفريغ الهوائي، بقصد زيادة القوة وتخفيف الوزن. يوحي مظهر القارب بأنه من ستينيات القرن العشرين، ولكن مساحاته الداخلية عصرية وبسيطة، تزدان بأبواب خشبية مخططة وطلاء سيينا المحروق. وفي المؤخرة تبرز منصات نصف دائرية متعددة المستويات، للتشديد على انتماء هذا الطراز إلى القوارب من فئة غوتزو.
يقول دومينيكو سينيزي، الذي يدير المحترف الذي أسسه والده: "يتركز اهتمامي بشدة على مؤخرة القوارب، لأنها فسحة مريحة وقابلة للتحويل، وهي ميزة غير مألوفة في القوارب من هذا الحجم".
هنا يكمن جمال قوارب غوتزو. فحتى بعد نحو 175 عامًا، يظل شكلها المنحني رائدًا ومثيرًا للدهشة.