منذ نحو 155 عامًا بدأت قصة دار IWC في شافهاوزن، حيث تدفقت سطورها الإبداعية منذ ذلك الحين بلا توقف، مثلما تتدفق مياه شلالات الراين على بعد بضعة كيلومترات منها، واندفعت بنجاح متجاوزة مختلف العقبات والصعاب، تمامًا كما تندفع مياه الراين بكميات هائلة فوق الصخور العملاقة، لتكمل مسيرتها منسابة أمام نوافذ محترفات العلامة الرائدة على ضفاف ذلك النهر الشاهد على تاريخها.
فكيف كانت بداية آي دبليو شافهاوزن، وما هي قصتها؟ وكيف استطاعت الدار الاحتفاظ على مدى أكثر من قرن ونصف قرن من الزمان بذلك السحر الخاص والتفرد الملازم لاسمها في عالم الساعات الراقية؟
قصة نستعرضها في السطور التالية فيما نجيب عن هذه الأسئلة.
الروح المغامرة
كانت البداية مع صانع الساعات الأمريكي المهندس فلورنتين أريوستو جونز، الذي عمل مديرًا لشركة E. Howard Watch and Clock Co في بوسطن، والذي قرر في سن السابعة والعشرين أن يعبر باتجاه شرق المحيط الأطلسي حيث القارة الأوروبية، على عكس شباب جيله الذين اندفعوا آنذاك لتجربة حظهم في الاتجاه المعاكس.
ولكن الحلم الكبير لهذا الشاب الذي امتلك روحًا ريادية مغامرة كان واضحًا ومحددًا أمامه، إذ خطط على مدار عمره للجمع بين الحرفية المتميزة للساعات السويسرية وتقنيات الهندسة المتقدمة، لإنتاج ساعات عالية الجودة للسوق الأمريكية.
ولسوء الحظ قوبلت أحلام جونز بشكوك من بعض العاملين في منطقة جنيف ووديان غرب سويسرا، حيث مركز صناعة الساعات الأبرز. ولكن ذلك لم يمنعه من المحاولة والاستمرار في رحلته حتى وجد الظروف المثالية في شافهاوزن، حيث منشآت المصانع الحديثة، ومصنع الطاقة الكهرومائية على نهر الراين، وكذلك تقاليد صناعة الساعات التي امتدت لقرون عديدة في تلك البقعة.
وهناك أسّس في عام 1868 شركته International Watch Company، المعروفة اختصارًا بحروفها الثلاث المميزة IWC ، معتمدًا على مساعدة بعض أمهر صانعي الساعات السويسريين، المطلعين بشكل كبير على التكنولوجيا الحديثة لتصنيع حركات ساعات الجيب بأعلى جودة ممكنة.
IWC
في البداية استأجر فلورنتين أول منشأة لمصنعه في مجمع موزر الصناعي، وبعد فترة وجيزة استأجرت شركته مساحة إضافية في أوبرهاوس، إحدى أقدم البنايات في شافهاوزن. وبحلول عام 1875، جرى بناء مصنع الشركة ومقرها حتى الآن في بومغارتن، بجانب ضفتي نهر الراين مباشرةً، وهو المقر الأيقوني للشركة الذي جرت توسعته بعد أكثر من 130 عامًا على إنشائه في عامي 2005 و2008 بإضافة الجناحين الشرقي والغربي.
كانت خطوة فلورنتين لبناء المصنع مهمة، خاصة بعد أن حققت شركته نجاحًا مبشرًا، فيما وصل عدد موظفيها إلى نحو 196 موظفًا. وقد اكتسبت الشركة سمعتها في البداية من خلال أول آلية حركة خاصة بها. وفي غضون عام واحد، تمكن المصنع من تصدير نحو 10,000 ساعة للسوق الأمريكية، إلا أن الزيادة في رسوم الاستيراد بالولايات المتحدة الأمريكية أجبرت دار IWC آنذاك على البحث عن أسواق أخرى لبيع إنتاجها، وهنا ركزت بشكل خاص على التصدير لألمانيا ربما لسهولة الوصول إلى أسواقها من دون عوائق.
ومع استمرار الأوضاع على المنوال نفسه اتخذ جونز أخيرًا قراره بالعودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1880، وهنا استحوذت عائلة روشينباخ الصناعية الشهيرة في شافهاوزن على شركة IWC، خلال سنواتها الأولى التي لم تكن قد تجاوزت آنذاك 12 عامًا، ليقودها يوهانس روشينباخ-فوغل. ورغم أن القدر لم يمهل يوهانس الكثير من الوقت، إلا أنه استطاع خلال عام واحد فقط أن يعيد بناء علاقات جيدة وعابرة للمحيط، مثلما نجحت الدار تحت قيادته في إنتاج ساعات الجيب مع العرض الرقمي للوقت.
IWC
ابتكارات خالدة
برحيل الأب في عام 1881، تولى الابن يوهانس روشينباخ-شينك رئاسة الدار، حيث استمرت في إظهار روحها الابتكارية المغامرة، وقدمت عددًا كبيرًا من الساعات المبتكرة والأكثر تميزًا للجنسين، مثل ساعات الجيب بالويبر وعرضها الرقمي الثوري للساعات والدقائق، فيما شهدت نهاية القرن التاسع عشر ظهور ساعات اليد الأولى للعلامة، وساعة الجيب النسائية الصغيرة المزودة بعروات لسوار المعصم، كما قدمت الكثير من الابتكارات حتى رحيل يوهانس في عام 1905.
برحيل يوهانس آلت الدار إلى ابنتيه إيما ماري وبيرثا مارغريتا، اللتين تزوجتا في حياة والدهما إلى كل من الطبيب النفسي كارل جوستاف، ورجل الصناعة المعروف إرنست جاكوب. وقد تولى الأخير بدوره قيادة الدار نيابة عن الورثة بعد رحيل يوهانس.
والحقيقة أن قيادة إرنست شهدت ولادة ساعات لا تزال تمثل أيقونات حقيقية للعلامة حتى يومنا هذا، إذ أسس الرجل لتقاليد إنتاج ساعات Pilot's، التي لا تزال تحظى بشعبية في مختلف أنحاء العالم اليوم، مع آليات حركة صممتها IWC خصيصًا لساعات اليد.
جاء عام 1929 وهو العام الذي استحوذ فيه إرنست على كامل حيازة صهره ليصبح المالك الوحيد للعلامة، فيما استمر في طريقه لتطوير وابتكار طُرز جديدة بأحجام وآليات حركة مختلفة، مثل ساعة Special Pilot's Watch التي تميزت بإطار دوار مع مؤشر رأس السهم الذي يمكن استخدامه لتسجيل أوقات الإقلاع، والتي زُوّدت أيضًا بميزان مضاد للمغناطيسية، مع عدد من الإصدارات العسكرية المتنوعة، كتلك التي اعتمدت عليها القوات الجوية الملكية البريطانية لأكثر من ثلاثين عامًا، وكذلك الساعات المقاومة لنفاذ الماء. كما قدمت الدار العديد من ابتكارات ألبرت بيلاتون، الذي انضم للعلامة ليصبح المدير الفني في آي دبليو سي شافهاوزن.
وفي عام 1946 أخذ هانز ابن إرنست موقعًا خاصًا بالشركة بصفته الوريث القادم للعلامة، ليضع بصمته الخاصة على بعض إنتاجها. عمل هانز على إعادة تصميم الساعات الرياضية لتتخذ الشكل الدائري البسيط ، الذي أصبح مميزًا لهذا النوع من الساعات لسنوات، فيما أطلق أول ساعة Aquatimer ليخط الفصل الأول في قصة النجاح المستمر لـساعات الغوص من شافهاوزن. وفي هذه الفترة كان للعلامة دور رئيس في تطوير أول حركة كوارتز سويسرية الصنع، وقد سجلت عددًا كبيرًا من براءات الاختراع، كالتعبئة الأوتوماتيكية الأولية التي قدمت نظام التدوير المبتكر ليحل محل التروس التبادلية التقليدية.
IWC
الإرث الملهم لعلامة IWC
تولى الابن هانز رسميًا قيادة العلامة برحيل إرنست عام 1955، واستمر في إدارة سلسلة النجاحات الكبيرة بتقديم المزيد من الابتكارات في الساعات الرجالية والنسائية. وبمرور السنوات ثبتت العلامة قدميها في عالم التفرد.
وفيما تفاقمت أزمة الكوارتز، ركزت IWC على تقديم روائع مختلفة ومتفردة في فن صناعة الساعات، إذ إنها طرحت أول علبة مصنوعة من التيتانيوم، كما قدمت عددًا من أهم وأبرز تعقيداتها الكبرى التي تطورت حتى عام 1978، إلى أن استحوذت شركة VDO Adolf Schindling AG الألمانية على العلامة، لتخط بدورها سطورًا إضافية في تاريخ IWC، من دون المساومة على ذلك الإرث الملهم، كما لم تتوقف عن البحث لتقديم كل ما هو جديد ومبتكر.
قدمت العلامة آنذاك أول ساعة كرونوغراف في العالم في علبة من التيتانيوم، كما أطلقت للغواصين ساعة Ocean 2000 المقاومة لضغط الماء حتى 200 بار، واستخدمت أكسيد الزركونيوم المقاوم للخدش. كما أنها حققت نقلات نوعية مبهرة في صناعة الساعات الدقيقة، مع تطوير كبير في الأشكال والحركات الخاصة بالعلامة، إلى أن أصبحت آي دبليو سي IWC جزءًا من مجموعة ريتشموند Richemont Group في عام 2000.
IWC
بانضمام العلامة إلى المجموعة العملاقة، ركزت على الاستثمار في توسيع خطوط إنتاجها الستة: Pilot وPortugieser وIngenieur وAquatimer وDa Vinci وPortofino، القائمة على تقاليد عريقة تشهد على إبداع مهندسي العلامة على مدار أربعة أجيال، مع الخبرة الواسعة التي اكتسبتها في صناعة الساعات، بداية من الساعات المتينة للاستخدام اليومي، وصولاً إلى ساعات الرياضات الاحترافية والساعات الفاخرة المعقدة بأرقى مظاهرها، إلى جانب الساعات ذات التعقيدات الكبرى ومجموعة آي دبليو سي العتيقة.
تحقق ذلك كله لدار آي دبلبو سي من خلال الاستثمار في الهندسة الدقيقة، والبحث المتواصل لتقديم تصاميم حصرية مصنعة بدقة فائقة وجودة تدوم لأجيال، فضلاً عن استخدام مكوّنات متفردة، بأساليب مبتكرة ممهورة ببصمة العلامة الرائدة، لتحظى بمزيد من الإعجاب المستحق من عشاقها.
والحقيقة أن مختلف ساعات علامة IWC حظيت بالإعجاب من هواة الأناقة والتفرد، فيما لا تزال ساعاتها الاختبارية القديمة تحظى بقدر كبير من الشهرة بين هواة الجمع، لما عُرف عنها من تميز وإتقان في بناء التفاصيل الدقيقة التي استندت إلى أبحاث طويلة، والتي دعمتها قائمة كبيرة من براءات الاختراع والأسماء الأسطورية في صناعة الساعات الأكثر تعقيدًا، ممن عملوا تحت مظلة IWC، ليستمر نفوذ العلامة في النمو وصولاً إلى ما هو عليه اليوم، في ظل مؤشرات تتوقع المزيد لحلم دائم التجدد.