في عالم صنّاع الساعات المستقلين التنافسي، تستأثر الأسماء الأوروبية بحصة الأسد من المجد. في دور المزادات ونقاط البيع في مختلف أنحاء العالم، يتسابق هواة الجمع لشراء ساعات أصلية من البريطانيين روجر دبليو سميث وجورج دانيلز، والسويسريين فرانسوا بول جورن وريكسِب ريكسبي، والفنلندي كاري فوتيلاينن، على سبيل المثال لا الحصر.
ولكن في اليابان، حيث أدى تطوير آلية حركة الكوارتز إلى انحدار صناعة الساعات السويسرية في سبعينيات القرن الماضي، أمضت فئة متنامية من صانعي الساعات السنوات القليلة الماضية في إنتاج قطع متفردة مُطعّمة بجوهر الحرفية اليابانية التقليدية، وقد حظيت باستحسان كبير من العارفين بخبايا هذا المجال.
ينحدر هؤلاء الحرفيون من خلفيات متباينة، فبعضهم عمل في صناعة المنتجات الفاخرة قبل دخوله عالم الساعات، فيما درس بعضهم الآخر التصميم أو التحق بمدرسة صناعة الساعات الوحيدة في البلاد.
أما ما يتشاركون فيه، فهو مقدرتهم المتفردة على الجمع بين العناصر المميزة للثقافة اليابانية، مثل قطع الزجاج أو ابتكار الآنية المطلية باللك، ومهارة عالية مُكتسبة ذاتيًا في غالب الأحيان. وهذا بالضبط سبب تمايز أعمالهم عن التصميمات السويسرية والألمانية والفرنسية. لذا ندعوكم في ما يأتي لتتعرفوا رواد الحركة التعبيرية الجديدة في اليابان.
ماساهيرو كيكونو
من غير المرجح أن تفكر أن المنزل المصمم على طراز مساكن الضواحي والقابع في حي سكني هادئ بمدينة فوناباشي هو المكان الذي تُبتكر فيه بعض أكثر الساعات روعة في العالم. لكن عندها ستكون قد أخطأت التقدير.
ففي محترف يحتجب خلف جدران هذا المنزل يتأنى ماساهيرو كيكونو Masahiro Kikuno، البالغ من العمر 39 عامًا، في صقل مكوّنات ساعاته المزخرفة والمميزة وجمعها.
بل إن مخارطه وآلاته الأكبر حجمًا تشغل الحيّز الأكبر من المرآب. يقول كيكونو: "لا أمتلك سيارة، ولكني أستخدم دراجتي أو القطار للتنقل". البيت دافئ ويوحي بالترحاب، تمامًا مثل كيكونو، الذي كان يرتدي في يوم من أيام الصيف الأخيرة ملابس عمل يابانية تقليدية سوداء بالكامل تعرف باسم "ساميو" Samue وتتكوّن من سترة تربط عند الخصر وسروال مطابق.
Ko Sasaki
ماساهيرو كيكونو في محترفه بمدينة فوناباشي.
إن خير مثال على تفاني كيكونو هو أنه قرر، بعد أن تخرج من دورة إصلاح الساعات الممتدة ثلاث سنوات في كلية هيكو ميزونو للجواهر في طوكيو في عام 2008، البقاء عامًا إضافيًا ليحاول بناء ساعة من الصفر.
وفي هذا يقول: "بدأت أصنع ساعتي بنفسي، ماضيًا في طريق التجربة والخطأ" وباستخدام المعدات المتوافرة في الكلية وأدواتها. غير أن كيكونو اقتنى غرضًا واحدًا قبل البدء بمشروعه: كتاب جورج دانيلز الشهير Watchmaking (صناعة الساعات). تمعّن في الصور المرفقة فيما كان يترجم النص بعناء باستخدام قاموس ياباني إنجليزي.
منذ ذلك الحين، التزم كيكونو بمعايير للدقة لم تفارقه قط، وهو يصنع حاليًا ساعة واحدة أو ساعتين فحسب كل عام. وعندما حلت الذكرى العاشرة لانطلاق نشاطه في عام 2021، كان قد أصدر 18 ساعة اقتناها 17 زبونًا.
وقد توقف مؤقتًا عن قبول طلبات جديدة ليركز على إكمال بعض الطلبات التي تعود لأربع سنوات. والجدير بالذكر هو أن كيكونو دائم الابتكار. فقد أبدع ثمانية طرز، باع أربعة منها، ووصف الطرز المتبقية بأنها نماذج أولية. وفي هذا يقول: "ليس الأمر سهلاً، حتى إن كنت أصنع الساعة نفسها مرارًا. فالعملية صعبة بقدر صعوبة تطوير ساعة جديدة".
في عام 2011، صنع كيكونو أول ساعة يدوية من طراز Wadokei (ساعة مُؤقِّتة)، مستندًا إلى ساعة يابانية قديمة كانت تُحصي الساعات بمواقيت الغسق والفجر المتغيرة بتغير المواسم.
يُذكر أن هذا النظام استخدم حتى عام 1873، عندما اعتمدت اليابان التقويم الغربي. ويقول كيكونو: "شاهدت فيلمًا وثائقيًا عن ساعة Wadokei، وهي آلة عمرها 150 عامًا كانت تُصنع يدويًا وقتها.
ويتابع: "إن كان الناس في ذلك العصر قادرين على بنائها دون الحاجة إلى الآلات، فلماذا لا أفعل اليوم مثلما فعلوا بالأمس؟".
ازدان ميناء النسخة التي بناها كيكونو بأرقام كانجي (نظام الكتابة اليابانية المبني على الأحرف الصينية) متطابقة مع الأبراج الصينية، وعقارب زرقاء تشير إلى التوقيت الموسمي التقليدي، وعقارب أرجوانية تشير إلى التوقيت الحديث. كما زوّد نسخته هذه بمؤشر تلقائي، يتغير حسب الموسم.
ويقول كيكونو: "إنها الساعة الوحيدة من نوعها في العالم. فآلية عملها مختلفة عن آلية عمل الساعة المؤقِّتة لأنها أصغر. فقد اضطررت إلى ضغْطها وتكثيفها وتعديلها". استغرق صنع هذه الساعة خمس سنوات، من مرحلة التخطيط إلى الإنتاج، واستُلهمت العلبة المربعة الشكل من علب "إنرو" المزخرفة الصغيرة التي شاع لبسها مع الكيمونو بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر، وكانت في الأصل علبًا تُملأ بالحبوب وتُعلق على منحوتات نيتسوكي، ثم وُضعت فيها الساعات حتى يسهل على الناس معرفة الوقت.
وتتحرك مؤشرات الساعات الست التي تجسّد ضوء النهار والساعات الست التي تؤشر لليل على الميناء مع حركة المواسم، في حين تتعدل آلية الحركة وفقًا لخطوط العرض بما يضمن دقة التوقيت. ويبدأ سعر سعر نموذج من هذه الساعة من نحو 126,000 دولار.
Ko Sasaki
النموذج الأولي لساعة Masahiro Kikuno Orizuru التي تجمع بين معيد للدقائق ورافعة أوريغامي متحركة عند مؤشر الساعة 12.
في عام 2013، جرى قبول كيكونو، المتسلّح بإبداعه، في الأكاديمية السويسرية لمبدعي الساعات المستقلين (AHCI)، وهي جمعية تضم صانعي الساعات المستقلين، وكان دانيلز عضوًا فيها حتى وفاته في عام 2011.
وبالرغم من أعماله المتراكمة، يكرس كيكونو اليوم وقته أيضًا لنقل خبرته إلى الجيل المقبل، ذلك أنه يعطي درسًا أسبوعيًا لطالبين من كليته، قررا إمضاء عام في صنع ساعاتهما الخاصة، مثلما فعل هو قبل أكثر من عقد من الزمن. وفي هذا يقول: "يركّز موضوع هذا الصف الدراسي على حل المشكلات. فعندما يلاقي الطلاب مشاكل في أثناء صنعهم للساعات، أمد لهم يد العون".
تشتمل مختلف الساعات التي صنعها كيكونو على عناصر يابانية، مثل الموانئ المزخرفة بتقنية "موكومي غين" Mokume-Gane، التي تولّد أنماطًا معقدة شبيهة بالخشب من خلال صياغة معادن مختلفة. وتشبه النتيجة النهائية لهذه التقنية خريطة طبوغرافية ثلاثية الألوان.
عندما يتعلق الأمر بصنع الساعات، يرى كيكونو أن لقاء زبائنه والتواصل معهم أمران ضروريان في هذه العملية، ويقول موضحًا: "يَمدّني التحدث معهم بالإلهام الذي يتسرب إلى التصميم. إنها فلسفة من صميم الثقافة اليابانية، كأن ثمة سرًا بيني وبين الزبون". وبمساعدة زوجته، يوثق كيكونو عمليته في ألبوم صور يعطيه للزبون، حتى يستطيع تتبع دورة حياة ساعته من طور ولادتها.
أخيرًا، يقول كيكونو: "أريد لساعاتي أن تدوم، رغم إدراكي أنها قد تزول بغياب مالكيها. ولكنني لا أمانع هذا، لعلمي أنهم استوعبوا قيمة الساعة".
Ko Sasaki
صنع كيكونو يدويًا ساعة Tourbillon 2012 الفريدة المشغولة في علبة بقطر 43 ملليمترًا من الذهب الوردي عيار 18 قيراطًا.
ناويا هيدا
حتى بعد العمل لأكثر من 30 عامًا في صناعة المنتجات الفاخرة في اليابان، وخصوصًا في تصميم طرز محدودة الإصدار من ساعات سويسرية موجهة للسوق اليابانية، لم يعثر ناويا هيدا Naoya Hida على ساعته المثالية.
وفي هذا يقول: "عندما كنت بصدد استكشاف عالم الساعات عتيقة الطراز، تساءلت عما إذا كانت ساعتي المثالية تنتمي لذلك العالم". ويضيف: "لكنني أدركت ألا وجود لساعتي المثالية".
رأى هيدا أن الساعات الصغيرة الحجم التي ألهمته، مثل ساعة Patek Philippe Calatrava البالغ قطرها 31 ملليمترًا والتي تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، لا تناسب نمط الحياة الحديث، فضلاً عن افتقارها إلى خاصية مقاومة الماء. وفي هذا يقول: "كان أمامي خياران: إما الاستسلام وإما صنع ساعتي المثالية".
انتقى هيدا، البالغ من العمر 59 عامًا، الخيار الثاني، ثم أسس بمعية صانع الساعات كوسوكي فوجيتا Kosuke Fujita، الذي لقيه في عام 2007 عندما كانا يعملان في دار إف. ب. جورن، والنقّاش كيسوكي كانو Keisuke Kano، شركة Naoya Hida & Co.
Ko Sasaki
صانع الساعات كوسوكي فوجيتا، مع المؤسس والرئيس التنفيذي ناويا هيدا، والنقاش كيسوكي كانو في محترف شركة ناويا هيدا في طوكيو.
في طوكيو في عام 2018. وسرعان ما تبين أن ثلاثتهم يتقاسمون الحلم نفسه الرامي إلى بلوغ الكمال. أراد فوجيتا صنع ساعة أصلية بعد قضائه سنوات عدة في إصلاح مختلف أنواع الساعات، من الساعات السويسرية الفاخرة إلى الإصدارات الرخيصة. وفي هذا يقول: "نعتقد بأهمية السعي لتحقيق تصورنا عن الجمال، لذا أمضينا الكثير من الوقت في تصوّر تفاصيل التصميم ومدى انسجام عناصره".
تستلهم الشركة تصميماتها من الطرز القديمة، غير أنها تضيف إليها لمسة معاصرة من خلال حجم العلبة البالغ 37 ملليمترًا. وتجمع ساعات الدار أيضًا بين آليات التصنيع عالية الدقة ونقوش كانو المشغولة يدويًا. يقول هيدا: "يرى بعض الزبائن أن هذا الأسلوب مبسّط وشبيه فلسفة الرفاه اليابانية Zen. وربما يُعزى السبب في ذلك إلى كوني من كيوتو".
استخدمت العلامة بشكل رئيس الفولاذ المقاوم للصدأ، ولكن أحد ابتكاراتها لعام 2022، المتمثل بطراز Type 1D-1، يزدان بقرص وعقارب مشغولة من الذهب عيار 18 قيراطًا ويبلغ سعر نموذج منه نحو 19,000 دولار.
وعلى ما هو عليه حال الساعات الأخرى التي أنتجتها الشركة، صيغت علبة هذا الطراز من الفولاذ المقاوم للصدأ عالي الجودة SUS 904L (تستخدم رولكس المعدن نفسه) والمعروف بمقاومته للتآكل وصعوبة تطويع الحرفيين له.
ينقش كانو يدويًا مؤشرات بريغيه العربية على ميناء ساعة Type 1D-1، ويشرح قائلًا: "إنني أستعمل تقنية تُعرف باسم نقش المعادن على الطريقة الغربية، والتي تختلف عن النقش التقليدي الياباني". ويتابع: "لقد عدّلت بنفسي الكثير من الأدوات التي أستخدمها".
فضلاً عن ذلك، تزهو مختلف الطرز بموانئ تتسم بالعمق. ويقول هيدا: "لطالما فتنتني الموانئ ثلاثية الأبعاد التي كانت تُجهز بها بعض الساعات السويسرية الفاخرة القديمة". وقد حققت شركته هذا التأثير عن طريق الجمع بين أحدث آلات التصنيع الدقيق من طراز "بيزاي" Bisai والعمل اليدوي للحرفيين المهرة. وفي هذا يقول: "تجمع هذه العملية بين قطْع كتل سميكة من الفضة الألمانية باستخدام الآلات الدقيقة وبين نقْش المؤشرات يدويًا".
Ko Sasaki
ساعة NH Type 3B من ناويا هيدا في علبة بقطر 37 ملليمترًا مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، ويقتصر إصدارها على 15 نموذجًا بسعر 19,940 دولارًا (يعرض كل نموذج وظيفة أطوار القمر المنقوشة يدويًا).
أما لتشكيل العقارب، فتُقطع صفائح سميكة من الحديد أو الفولاذ المقاوم للصدأ بآلات "بيزاي"، بدون استخدام مكابس. ويقول هيدا: "يتيح لنا هذا المسار الحصول على أشكال جميلة ثلاثية الأبعاد". ويضيف قائلاً: "إن سمك عقارب ساعاتنا أكبر مرتين إلى ثلاث مرات من سمك عقارب الساعات الفاخرة التقليدية".
في عام 2019، سنة الإنتاج الأولى للشركة، طرح الفريق سبع ساعات بيعت في غضون ثلاثة أشهر. وفي عام 2020، بيعت الساعات الخمس والعشرون التي طرحها الشركاء الثلاثة خلال سبعة أشهر. أما في عام 2021، فبيع ما مجموعه أربعون ساعة في ثلاثة أيام فقط. وفي عام 2022، حُجزت سبعون ساعة.
كان مجموع طرز هذا العام خمسة، أحدها صُمم بالتعاون مع علامة ذي أرموري Armoury The للأزياء. حمل هذا الطراز اسم Lettercutter، على اسم الحرفيين الخبيرين في نقش الحروف على الحجر، وازدان بخط جديد مستوحى من أسلوب الآرت ديكو صممته ذي أرموري ونقشه كانو. في هذا العام، أقرّ الشركاء نظام طلبات جديدًا لتجنب فوضى السنوات السابقة الناجمة عن نظام الأسبقية ولإعطاء زبائنهم الأوفياء الأولوية.
بيد أن وتيرة النمو الأخيرة لن تستمر، إذ تعتزم الشركة البقاء في نطاق الحدود التي رسمتها لنفسها. يقول هيدا: "نهدف إلى صنع ساعة مثالية، ولذلك ننفق مبالغ ضخمة على كل مكوّن، من العقارب إلى آلية الحركة والعلبة والميناء". ويستطرد قائلاً: "لقد شاهدت كيف نمت الكثير من العلامات بوتيرة سريعة وفي فترة زمنية وجيزة.
يصبح الوضع جارفًا، وهذا ما يدفعها لاحقًا إلى تغيير أسلوبها. لكني لا أريد أن ينتهي بنا الأمر في وضع مماثل. أريد أن نظل شركة صغيرة تركز على ابتكار المنتج الذي نسعى لابتكاره".
Ko Sasaki
ساعة NH Type 1D من ناويا هيدا في علبة بقطر 37 ملليمترًا، ويقتصر إنتاجها على 20 نموذجًا بسعر 14,870 دولارًا.
دايزو ماكيهارا
في أبريل، عاد دايزو ماكيهارا Daizoh Makihara إلى موطنه ظافرًا بعد مشاركته في حدث سادة صناعة الساعات المنعقد في جنيف. ولم ينحصر ظفره في نيله الثناء على تصميمه الثاني الذي أسماه Kacho Fugetsu، بل تعدّاه إلى نيله العضوية في الأكاديمية السويسرية المرموقة لمبدعي الساعات المستقلين AHCI.
يدمج صانع الساعات الصاعد التقاليد الحرفية المستخدمة في صناعة الساعات الفاخرة بالتقنيات اليابانية، مثل تقنية قطع الزجاج إيدو - كيريكو Edo - Kiriko التي شاعت في القرن الثامن عشر، لابتكار موانئه المعقدة والمنحوتة.
وفي هذه التقنية، يستخدم الحرفيون مِسَنّة ألماسيّة لقطع الأنماط يدويًا، وتشكيل الزخارف بحركة واحدة كل مرة. يقول ماكيهارا: "كان علي مقابلة ثماني شركات مختلفة قبل استجابة إحداها لطلبي"، والسبب هو أن الزجاج الذي يستخدمه أرقّ بكثير مما اعتاده بعض الحرفيين، ويتطلب عملاً دقيقًا للغاية.
كان طرازه الأول الذي حمل اسمKikutsunagimon Sakura يزدان بأزهار الكرز، وكان أول طراز يعتمد تقنية إيدو - كيريكو وقت إطلاقه في عام 2018. ما عدا الزجاج، يصنّع ماكيهارا البالغ من العمر 43 عامًا كل شيء آخر بنفسه، في محترفه الوحيد الغرفة القابع بمنزله في محافظة سايتاما، البعيدة نحو ساعة واحدة عن وسط طوكيو.
Ko Sasaki
صانع الساعات دايزو ماكيهارا.
في ما يخص طراز Kacho Fugetsu (يُترجم الاسم إلى "مفاتن الطبيعة") الذي صدر في العام الماضي، لجأ ماكيهارا ثانية إلى تقنية إيدو - كيريكو، وهذه المرة لتشكيل صور للزهور والطيور. كلا العنصرين، بجانب الريح والقمر، يقابلهما حرف كانجي، أو حرف صيني، ومن اجتماع هذه الحروف يتشكل اسم الساعة. وفي هذا يقول ماكيهارا: "إنها ساعة شاعرية.
إنها وسيط ينقل جوهر الثقافة اليابانية من خلال الشعر". استغرق إتمام هذه الساعة نحو ثلاث سنوات، على أن ميزتها الأروع تتجلى في الآلية الأوتوماتيكية التي تحرك البتلات، إذ إنها تسمح للأزهار النحاسية التي تزين الميناء بالانفتاح والانغلاق على رأس كل 24 ساعة و12 ساعة. ويعلّق ماكيهارا بقوله: "لقد استلهمت هذه الآلية من تصاميم جاكيه - درو".
تتميز الساعة بوظيفة طور القمر الدائم، مع هامش خطأ لا يزيد على يوم واحد في كل 122 عامًا. وقد تكفل ماكيهارا بزخرفة الميناء اللامركزي وصفائح آلية الحركة بنقوش يدوية على هيئة أوراق القنب، التي ترمز إلى نمو الطفل ودوام صحته، وصنع العقارب من الفولاذ الأزرق. أما آلية الحركة يدوية التعبئة، فهي من طراز Cal.DM 02. يبلغ سعر هذه الساعة نحو 154,000 دولار.
كان ماكيهارا يبلغ من العمر 27 عامًا ويعمل طاهيًا في أحد الفنادق لمّا قرر التسجيل في دورة صناعة الساعات بكلية هيكو ميزونو للجواهر في عام 2007. وهو يُدرس الآن في الكلية نفسها، شأنه في ذلك شأن كيكونو).
Ko Sasaki
يزهو الجزء الخلفي من ساعة Kacho Fugetsu بزخرفة تقليدية منقوشة يدويًا على هيئة أوراق.
في عام 2009، وكان لا يزال طالبًا في الكلية، ظهر في برنامج تلفزيوني محلي يجمع المشاركين بشخص مشهور يُقدّرونه. اختار ماكيهارا فيليب دوفور، صانع الساعات السويسري المستقل اللامع. ويتحدث عن هذه التجربة قائلاً: "زرت محترف دوفور في قرية 'لو سوليات' Le Solliat وتعلمت تقنية الصقل على مدار يومين"، مشيرًا هنا إلى تقنية صقل وزخرفة آليات الحركة، المستخدمة في صناعة الساعات الفاخرة.
(خلال رحلة إلى اليابان في عام 2018، شاهد دوفور ساعة ماكيهارا الأولى وأثنى على براعة صقلها، وهو أعظم ثناء قد يُسبَغ على صانع في عالم صناعة الساعات).
يزدحم جدول ماكيهارا بالأعمال، وفي هذا يقول: "ينبغي أن أكمل ثلاثة طلبات أخرى من طرازي الأول بحلول مارس 2023، وبعدها أستطيع بدء العمل على الطراز الجديد"، الذي باع منه نموذجين مسبقًا.
يحتاج هو أيضًا إلى توثيق صلته بزبائنه. ففي أثناء زيارته جنيف في الربيع الماضي، قضى ماكيهارا يومًا واحدًا في باريس، حيث قابل زبونًا طلب نماذج من كلا الطرازين، وتناولا الغداء معًا في مطعم ياباني. وفي هذا يقول: "أحب لقاء الزبائن وجهًا لوجه، فلكل ساعة أصنعها جانب يتصل بالتخصيص. ولهذا لا بد لي من بناء علاقة مثمرة معهم".
Ko Sasaki
تسمح الآلية التي جهز بها دايزو ماكيهارا ساعة Kacho Fugetsu المشغولة في علبة من الذهب بقطر 42 ملليمترًا بانفتاح بتلة الزهرة عند مؤشر الساعة 10 ببطء على مدار 24 ساعة وانفتاح البتلة عند مؤشر الساعة 2 على مر 12 ساعة (السعر عند الطلب).
هاجيمي أساوكا
ما إن تُلقي نظرة خاطفة على محترف هاجيمي أساوكا Hajime Asaoka حتى يتضح لك أن ما يميزه عن أقرانه هو خلفيته الفريدة في عالم التصميم. فعلى عكس المحترفات المعهودة لصانعي الساعات المستقلين، يشبه محترفه مختبرًا عامرًا بالحواسيب. تعلم أساوكا ذاتيًا كيف يستخدم الطرز الأولى من أجهزة ماكينتوش لمّا كان يدرس التصميم في الجامعة، بدعم من أستاذ كان على دراية بهذه التكنولوجيا. ولم يتوقف الطالب العصامي عند هذا الحد، فقد علّم نفسه أيضًا صناعة الساعات.
يُعدّ أساوكا، البالغ من العمر 57 عامًا، رائدًا بين صناع الساعات المستقلين في اليابان، إذ يدير علامتين تجاريتين: علامة "هاجيمي أساوكا طوكيو اليابان" Hajime Asaoka Tokyo Japan التي يتكفل بصنع ساعاتها من الصفر والتي تطرح نحو خمس ساعات سنويًا، وعلامة "كورونو طوكيو" Kurono Tokyo التي تصدر مئات الساعات سنويًا.
Ko Sasaki
هاجيمي أساوكا في محترفه بطوكيو.
بعد تخرجه في قسم التصميم بجامعة طوكيو للفنون في عام 1990، أسس مكتبه في عام 1992. وعن هذا يقول: "كنت أعمل في تصميم منتجات الساعات، ولكنني لم أكن راضيًا عن جودة المنتج النهائي. وهكذا قررت صنع ساعتي الخاصة".
وبعد اكتسابه المعارف الفنية بمفرده، بدأ بصنع الساعات في عام 2005. وفي عام 2009، أصدر أول ساعة يابانية بآلية توربيون معقدة وآلية حركة منزلية الصنع، وهذا ما جذب إليه الكثير من الاهتمام. وبعدها بعامين، بدأ ببيع ساعاته للجمهور في أحد متاجر شركة واكو في منطقة غينزا، ثم أصبح عضوًا في الأكاديمية السويسرية لمبدعي الساعات المستقلين في عام 2015.
Ko Sasaki
من اليمين: ساعة Project-T Tourbillon التي يبلغ قطر علبتها 43 ملليمترًا، وساعة Chronograph من هاجيمي أساوكا في علبة بقطر 38 ملليمترًا، وكلتاهما مشغولتان من الفولاذ المقاوم للصدأ (السعر عند الطلب).
تشمل أبرز ساعات العلامة التي تحمل اسمه ساعة Tsunami التي تمتاز بثلاثة عقارب وآلية حركة محيطية الصفيحة، وساعة Project T المجهزة بآلية توربيون تستخدم محمل الكريات بدلاً من محمل الياقوت، وساعة Chronograph المزودة بآلية حركة مستندة إلى آلية حركة ساعة Tsunami ولكن في نسخة جديدة. تراوح أسعار هذه الساعات بين 35,000 دولار و70,000 دولار.
يسعى أساوكا أيضًا لصنع ساعات حسنة ومتينة بسعر معقول ويمكن ارتداؤها يوميًا. وفي هذا يقول: "بوصفي صانع ساعات مستقلاً ينتج يدويًا ساعات عالية الجودة، فإن تعداد ساعاتي ضئيل. والتكاليف التي ينطوي عليها صنعها في محترفي جد مرتفعة". ولهذا قرر إطلاق علامته الثانية كورونو طوكيو.
تمتاز بعض الساعات التي طرحها أساوكا بموانئ مطلية بطلاء أوروشي (اللّك) وزخارف يابانية تقليدية تتغير ألوانها بمرور الوقت، غير أن عددها محدود وتُصنع بالتعاون مع حرفيين يابانيين بارعين. ويمكن اقتناء الساعات عالية الجودة بسعر ميسور، يبدأ من نحو 1,400 دولار.
وفي هذا يقول أساوكا: "إنها ليست علامة تجارية واسعة الانتشار". ويضيف: "أنا أعمل مع كورونو بصفة مصمم، وعلى الرغم من تفويض الإنتاج إلى جهات أخرى، إلا أني راضٍ عن الجودة. بل إن الطرز الخمسة كلها، التي تأتي في إصدارات محدودة تراوح بين 100 نموذج و999 نموذجًا، تباع في غضون دقائق من طرحها".
Ko Sasaki
استُخدمت في صياغة ميناء ساعة Grand Mori من كورونو، المشغولة في علبة من الفولاذ المقاوم للصدأ بقطر 37 ملليمترًا، تقنية يابانية تقليدية في طلاء اللّك عمرها عشرة آلاف عام، ويساوي سعر الساعة 2,270 دولارًا.
تُجهز كورونو ساعاتها بأجزاء وآليات حركة إما من سيكو أو سيتيزن، فيما ينصب تركيز أساوكا على المظهر الخارجي. ويرى أساوكا أن التركيز على الجانب الجمالي أساسي للحرفيين الصاعدين. ويقول: "من المهم تعلم صناعة الساعات في قاعات الدرس، ولكن امتلاك حس بالتصميم عامل حاسم في تحقيق النجاح".
يشير أساوكا إلى أن الدرب الذي يسلكه المرء ليصبح صانع ساعات مستقلاً في اليابان طريق تكتنفها الصعاب، "على غير ما هو عليه الحال في سويسرا، حيث ثراء ثقافة صناعة الساعات". لكن هذا لم يمنعه من تأسيس شركة Precision Watch Tokyo Co. في عام 2016 وإدارتها حتى أصبحت توظّف 11 عاملاً.
يمتلك أساوكا ثلاثة محترفات منفصلة في مقر الشركة الرئيس في منطقة إدوغاواباشي بالعاصمة، في حي سكني هادئ على بعد بضع دقائق من أضواء النيون المتلألئة في شينجوكو.
وعند سؤاله عن المحطة التالية في جدول أعماله، يتحفظ أساوكا على التفاصيل، لكنه يلمح إلى أن الأمر يتعلق بما هو أكبر من ساعات اليد، إذ يقول: "نحن نفكر في إطلاق علامة جديدة".
نستنتج مما قاله أساوكا أن مساعيه - ومساعي اليابانيين - في عالم صناع الساعات المستقلين ما هي إلا البداية.