عندما شرعت لاند روفر في تطوير الجيل الثاني من طراز ديفندر Defender، كان من الطبيعي على أصحاب القرار الأول في مجلس إدارتها أن يطلبوا من فريق التصميم العامل تحت إشرافهم اعتماد معايير عصرية في ابتكار الإصدار الجديد، مستندين بذلك إلى حقيقة أنّ ديفندر القرن الحادي والعشرين هو طراز يبني على الإرث التاريخي المجيد لديفندر الماضي، إلا أنه يبقى في النهاية طرازًا ينبغي له أن يستجيب لأجيال الحاضر وليس أجيال الماضي.
على أن المقاربة التي انتهجتها لاند روفر للإتيان بتصميم يحاكي الماضي بالاسم والشكل من دون المضمون لم تنل إعجاب السير جيم راتكليف، رجل الأعمال البريطاني الذي يقف وراء شركة إينيوس Ineos. لذا تقدم راتكليف لإدارة لاند روفر بطلب الحصول على رخصة بناء الجيل الأول من ديفندر، إلا أنّ طلبه قوبل بالرفض.
بعد هذا الرد المخيب للآمال، وفيما كان راتكليف يجلس مع فريق عمله في مطعم غرينادييه Grenadier (ومن هنا أتى اسم المركبة) في لندن، قرر المضي قدمًا لإنتاج السيارة بالاعتماد على نفسه، وبالتعاون مع جهات خارجية، أبرزها شركة بي إم دبليو التي وفّرت له المحركات، وشركة ZF المتخصصة بإنتاج علب التروس، وطبعًا شركة ماغنا ستاير Magna Steyr التي تكلفت بتصميم إينيوس غرينادييه Ineos Grenadier. كانت النتيجة سيارة تحمل خطوطًا تحاكي شكل ديفندر الأصلي ولكن مع بعض الاختلافات التي تعطيها لمسة عصرية من جهة، وما يكفي من الاختلاف الذي يمنع فريق لاند روفر القانوني من عرقلة المشروع من جهة أخرى.
تجربة قيادة سيارة Ineos Grenadier
على متن هذه المركبة التي أتت حاملةً رؤية راتكليف الوفية لإرث لاند روفر ديفندر، كان لنا تجربة قيادة انطلقت من دبي باتجاه حتا عبر مسارات معبّدة في قسمها الأول، ووعرة كثيرة الصخور في قسمها الآخر، قبل العودة مجددًا إلى دبي مرورًا بمراحل صحراوية شديدة الصعوبة.
Ineos Grenadier
استُلهم تصميم المقصورة من عالم الطائرات، على ما يشهد تصميم الكونسول الوسطي المرتفع الذي يحتوي على أدوات تحكم كبيرة الحجم، والكونسول الأعلى المثبّت على السقف.
في بداية الحديث عن غرينادييه، ينبغي لنا أن نذكر أنها سيارة بريطانية من ناحية جنسية الشركة التي تُنتجها والنهج العام الذي تعتمده، ونمساوية التصميم كونها صُممت من قبل ماغنا ستاير، وألمانية المكوّنات الميكانيكية كونها تعتمد على محرك من بي إم دبليو وعلبة تروس من ZF، إلا أنّ إنتاجها يجري في فرنسا، وتحديدًا في مصنع الشركة الخاص الواقع في مدينة هامباخ في شمال شرق فرنسا قرب الحدود الألمانية، وبذلك فهي نتيجة تكاتف خبرات طويلة في مجال صناعة السيارات وليست مجرّد سيارة جديدة من صانع جديد لا تاريخ له في هذا المجال.
قد يكون القول إنّ غرينادييه تعتمد في بنيتها الهندسية على طراز ديفندر الأصلي من دون أي تطوير هو ادعاء خاطئ أو أقله غير دقيق. فالهدف من تطوير هذه المركبة كان الخروج بديفندر عصرية مع المحافظة على السمات الأصلية للمركبة البريطانية الشهيرة، وهذا الأمر تحقق على نحو ملحوظ.
أداء ميكانيكي عالٍ
فتجربة قيادة المركبة - التي تكشف عن أداء ميكانيكي عالٍ، لا سيّما في ظل وجود نظام توجيه يفرض على السائق إعادة المقود للوضعية المستقيمة إلى الأمام بنفسه عند الخروج من أي منعطف - تبقى تجربة قيادة مريحة نسبيًا بالمقارنة بما توفّره سيارة ديفندر الأصلية.
هذا ما خبرناه عند القيادة عبر المسارات المعبّدة. أما المناطق الوعرة، وتحديدًا المسارات الصخرية التي قطعناها في القسم الأول من الرحلة، فقد تمكّنت السيارة من اجتيازها بكل ثقة بعد ضبط وضع القيادة المناسب، علمًا أنّ بنيتها القائمة على هندسة الجسم المثبّت فوق الهيكل تساعدها على اجتياز أصعب العوائق.
وباختصار، تتطلب منك غرينادييه انخراطًا أكبر في عملية القيادة، وهذه هي أبرز ميزة فيها. فهي قد لا تكون السيارة متعددة الاستخدامات الأكثر رقيًا في انسيابها على الطرقات المعبدة، أو التي توفّر أعلى مستوى من السهولة في القيادة عبرها، إلا أنها بلا شك واحدة من مركبات الدفع الرباعي المتوفرة حاليًا الأكثر إثارةً للقيادة على مختلف المسارات.
Ineos Grenadier © Stan Papior
"تمكّنت السيارة من اجتياز الطرقات الوعرة والمسارات الصخرية بكل ثقة بعد ضبط وضع القيادة المناسب، علمًا أنّ بنيتها القائمة على هندسة الجسم المثبّت فوق الهيكل تساعدها على اجتياز أصعب العوائق".
وعلى ما ذكرنا آنفًا، تستخدم إينيوس غرينادييه محركًا من بي إم دبليو، يتألف من ست أسطوانات سعة 3.0 لترات لإنتاج قوة 282 حصانًا وقوة عزم دوران قصوى تبلغ 450 نيوتن متر، ينتقلان إلى العجلات الأربع عبر علبة تروس أوتوماتيكية من ثماني نسب، الأمر الذي يسمح للسيارة بالتسارع من صفر إلى 100 كيلومتر/الساعة في غضون 8.7 ثوان، وتحقيق سرعة قصوى تبلغ 160 كيلومترًا/الساعة.
تصميم إينيوس غرينادييه
تتشابه سيارة غرينادييه مع طراز ديفندر الأصلي، ولكنها تتمايز عنه بعدد من الاختلافات التي تتركز بنسبة كبيرة في المقدمة حيث شبكة التهوية المعزّزة بمصابيح إضافية وغطاء المحرك ذي التصميم الهرمي، وفي القسم الجانبي الذي يتفرّد باحتوائه على نقاط تثبيت لمعدات التخييم أو التجهيزات التي تساعد على الخوض في مغامرات بعيدة عن معاني الحضارة. أما في الخلف، فأكثر ما يلفت الأنظار مصابيح التوقف الدائرية التي تضفي لمسة من الحداثة والروح الرياضية على مركبة كلاسيكية التصميم.
في المقابل، استُلهم تصميم مقصورة إينيوس غرينادييه من عالم الطائرات، على ما يشهد تصميم الكونسول الوسطي المرتفع، الذي يحتوي على أدوات تحكم كبيرة الحجم يمكن استخدامها من قبل السائق بسهولة حتى عند ارتداء القفازات، ومن خلال الكونسول الأعلى المثبّت على السقف، والذي يحتوي على أدوات للتحكم بالأنظمة المتعددة، بما في ذلك نظام المساعدة على نزول المنحدرات، علمًا أنّ مختلف أدوات المقصورة تأتي مع عازل للمياه كي يتمكن المالك من تنظيفها بكل سهولة عبر خراطيم الماء ذات الضغط العالي.
هذا ويُسجل للمقصورة خلوّها من أي لوحة قيادة مرتفعة تعيق الرؤية إلى الخارج والاستعاضة عنها بشاشة صغيرة تُعطي السائق ما يحتاج إليه فحسب من معلومات خلال القيادة. أما المعلومات الأخرى، فيمكن أن تتوفر له عبر الشاشة الكبيرة المثبّتة أعلى الكونسول الوسطي.
بعد أن أمضينا يومين على متن إينيوس غرينادييه، يمكننا القول إنّ هذه السيارة التي أتت مطابقة لرؤية السير جيم راتكليف قادرة بمواصفاتها الكلاسيكية على أن تنال استحسان أجيال الماضي بقدر ما تستحق ثناء أجيال الحاضر.