لطالما اقترن اسم بانيراي بعالم البحار، فبعدما افتتح جيوفاني بانيراي متجره في عام 1860، متخذًا منه محترفًا ومدرسة لتعليم صناعة الساعات، توسعت لائحة المستفيدين من ابتكاراته شيئًا فشيئًا حتى باتت تشمل القوات البحرية الملكية الإيطالية.
وقد تَعزز التعاون بين الطرفين مع اكتشاف مادة الراديوم في عام 1898، لأنها كانت منطلقًا لاستحداث أجهزة دقيقة تسهل قراءة مقاييسها عند حلول الظلام.
وإذ أتاح هذا الاكتشاف لدار بانيراي سبْر استخدامات هذه المادة عن كثب، تفتقت مساعيها عن اختراع مادة "راديومير" Radiomir التي توجت أعوامًا من الإبداع الجاد.
على أن نجاح بانيراي في توظيف هذه المادة المشعة لقراءة الوقت في أثناء الغوص لم يتحقق إلا بعد أعوام، وعلى وجه التحديد في عام 1935، عندما استجاب جوزيبي بانيراي لطلب البحرية الملكية الإيطالية وطور أول نموذج لساعة معززة بهذه المادة.
وتوالت الابتكارات المستندة إلى مادة راديومير، حتى أفردت لها الدار خط ساعات قائمًا بذاته، ثم أتبعتها بابتكار مادة "لومينور" Luminor القائمة على عنصر التريتيوم في عام 1949، فأطلقت اسمها على خط ساعات آخر.
ومن دون كلل، لزمت بانيراي درب الابتكار، مهما تطلب من جهد جهيد وبحث رصين، وبذلك نجحت في عام 1966 في اختراع مادة "إيلوكس" Elux التي دخلت حيز الاستخدام سريعًا على مهابط الطائرات المروحية التابعة للبحرية الإيطالية.
بالتزامن مع تطوير المواد المشعة المبتكرة، واظبت بانيراي على تثبيت أركان فلسفتها التصميمية من خلال مجموعة متنوعة من الساعات، منها ساعة الغوص Egiziano ذات الرقم المرجعي GPF 2/56.
على أن أهمية هذه الساعة لا تنبع من كونها أول ساعة تُجهزها بانيراي بأداة حماية التاج المعروفة فحسب، بل أيضًا من كونها ألهمت خط ساعات Submersible الذي خصصته الدار حصرًا لمستكشفي البحار المغاوير.
إذ نسلط الضوء في ما يأتي على هذا الخط، نرصد تمايز بانيراي في ميدان ساعات الغوص القادرة على تحمل أقسى الظروف البحرية والتزامها بأرقى معايير الابتكار في صناعة الساعات الفاخرة.
إنجاز يتوهج بالضياء
في العام الفائت، بدا جليًا أن بانيراي تواصل السير قدمًا بخطى ثابتة على طريق الدفع بحدود الممكن عندما يتعلق الأمر بابتكار ساعات وضاءة تشع في عتمة الأعماق.
فقد كشفت الدار في عام 2024 عن ساعة جديدة في خط Submersible، كل تفصيل في مينائها يتوهج بالضياء. إنها ساعة Submersible Elux PAM01800 التي تطلب إنتاجها أربع براءات اختراع واستغرق ثماني سنوات من البحث والتطوير.
سبقت الإشارة إلى أن اختراع مادة "إيلوكس" Elux يعود إلى عام 1966، لكن توظيف بانيراي لهذه المادة في مجموعة Submersible لم يتحقق إلا أخيرًا في الساعة الجديدة التي قد تبدو للوهلة الأولى كسابقتها، لكن هذا الانطباع بعيد كل البعد عن الحقيقة.
فالعلبة التي يبلغ قطرها 49 ملليمترًا مشغولة من مادة "تي-سيراميتك" Ti-Ceramitech المبتكرة التي تجمع بين التيتانيوم والسيراميك من خلال عملية شديدة التعقيد، تُسهم في تعزيز الصلابة والخفة وتستطيع مقاومة الضغط المرتفع والإجهاد الحراري العالي.
وعلى ما جرت العادة، قرنت الدار هذه العلبة بقرص يدور عكس اتجاه عقارب الساعة وأداة لحماية التاج، ولكنها أضافت زرًا ضاغطًا عند مؤشر الساعة 8 يتيح بنقرة بسيطة إضاءة العقارب والمؤشرات ومؤشر احتياطي الطاقة وعداد الثواني الصغيرة.
هذا الإنجاز الذي سبقت إليه بانيراي منافسيها يستند إلى أربعة براميل تستمد طاقتها من آلية الحركة، ثم ترسلها إلى مولد دقيق يحولها إلى طاقة كهربائية تشغل مصابيح LED الصغيرة لمدة 30 دقائق.
إلى جانب هذا الابتكار الذي ينضم إلى سلسلة طويلة من ابتكارات بانيراي المقترنة بالضياء، تتمايز الساعة التي طرحتها الدار في 150 نموذجًا فقط (بمعدل 50 نموذجًا سنويًا حتى عام 2026) بآلية الحركة ذاتية التعبئة P.9010/EL، التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 3 أيام حتى بعد نفاد الطاقة الموجهة لإضاءة عناصر الميناء، ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 500 متر.
Panerai
ساعة Submersible Elux PAM01800 في علبة بقطر 49 ملليمترًا مشغولة من مادة "تي-سيراميتك" المبتكرة.
بداية الحكاية
بالعودة إلى بدايات ساعات Submersible، فإن بانيراي طرحت هذا الخط على أعتاب الألفية الثالثة، وتحديدًا في عام 1998، فاتحة بذلك صفحة جديدة في تاريخها المتجذر في الضياء المستند إلى أرقى المواد المبتكرة.
كانت البداية مع طرح ساعتين تستوفيان المعايير المرغوبة من هواة الغوص: ساعة Luminor Submersible Automatic Acciaio PAM00024 وساعة Luminor Submersible Titanio PAM00025.
وقد صيغت كلتا الساعتين في علبة بقطر 44 ملليمترًا، على هيئة الشطيرة التي أصبحت من الرموز التصميمية المتصلة بساعات بانيراي، مع قرص دوار متدرج لحساب مدة الغوص. ومع أن الهيئة التي اتخذتها العلبتان كانت واحدة، غير أن المعدن المستخدم فيهما كان مختلفًا، إذ تمايزت ساعة PAM00024 بالفولاذ المقاوم للصدأ، فيما تمايزت ساعة PAM00025 بالتيتانيوم.
ولم يقتصر الاختلاف بين الساعتين على مستوى المواد، بل امتد أيضًا إلى الميناء الذي احتضن نافذة لعرض التاريخ عند مؤشر الساعة 3 وعدادًا للثواني الصغيرة عند مؤشر الساعة 9، فضلاً عن العقارب المخرومة: تجلى هذا الفارق في تمايز ساعة PAM00024 بميناء يزدان بالأسود فيما تفرد ميناء ساعة PAM00025 بنقوش مسمارية على نمط Clous de Paris.
وبالرغم من الفروقات التي أعلَت شأن الطرازين في ظهورهما الأول على ساحة ساعات الغوص، إلا أن كلاهما تعزز بآلية الحركة ذاتية التعبئة OP III التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 42 ساعة ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 300 متر.
Panerai
ساعة Luminor Submersible Titanio PAM00025 المشغولة في علبة من التيتانيوم.
أعماق مبهرة
بعدها بستة أعوام، عادت بانيراي لتؤكد وقوفها في صف مستكشفي الأعماق المغاوير، وذلك بطرحها ساعة Luminor Submersible 2500m PAM00194 التي تعززت بمزايا تتيح لها مقاومة ضغط الماء حتى عمق مبهر يبلغ 2,500 متر.
جاءت الساعة في علبة من التيتانيوم بقطر 47 ملليمترًا، مع قرص يدور عكس اتجاه عقارب الساعة ويشتمل على مقياس متدرج لقياس مدة الغطس، بالإضافة إلى أداة حماية التاج المسجلة باسم الدار.
وعلى ما هو عليه حال سابقتها الأولى، احتضنت الساعة ميناء أسود تميزه نافذة لعرض التاريخ عند مؤشر الساعة 3 وعداد للثواني الصغيرة عند مؤشر الساعة 9 وعقارب ومؤشرات مطلية بمادة وضاءة.
تنبض هذه الساعة، التي حصرت بانيراي إنتاجها في 1,000 نموذج فقط، بآلية الحركة ذاتية التعبئة OP III التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 42 ساعة وتثريها آلية لمقاومة الصدمات.
Panerai
ساعة Luminor Submersible 2500m PAM00194 التي توفّر مزاياها مقاومة لضغط الماء حتى عمق 2,500 متر.
زمن البرونز
بعد نجاح الإصدارات الأولى من مجموعة Submersible، وجهت بانيراي أنظارها إلى مادة لطالما ارتبط ذكرها منذ القدم بعالم البحار، وهي البرونز.
على أنها لم تختر هذه السبيكة المعدنية كيفما اتفق، بل حرصت على أن تتمايز بأعلى درجة من مقاومة التآكل الناتج عن المياه والظروف الجوية، ولذلك وقع اختيارها على سبيكة برونز تجمع في تكوينها بين النحاس والقصدير الخام.
انعكس استخدام هذه المادة في ساعة Luminor Submersible 1950 3 Days Automatic Bronzo PAM00382 على مظهر العلبة التي يبلغ قطرها 47 ملليمترًا، إذ إن الناظر إليها قد يُشكك في تاريخ إصدارها، بل قد يذهب إلى القول إنها غنيمة تلقفها أحد الغواصين خلال استكشافه لأعماق البحر.
فالمظهر العتيق للعلبة، المقترنة بقرص دوار أحادي الاتجاه ومقياس لاحتساب مدة الغوص على غرار سابقاتها، عرضة للتغير بمرور الوقت، ما يطبع كل نموذج من النماذج الألف التي طرحتها بانيراي بلمسة خاصة.
ولم تخرج بانيراي في ساعة PAM00382 عن التنسيق الذي اعتمدته في الطرز السابقة، إذ احتضن الميناء الأخضر نافذة لعرض التاريخ عند مؤشر الساعة 3 وعدادًا للثواني الصغيرة عند مؤشر الساعة 9، بالإضافة إلى العقارب والمؤشرات المطلية بمادة مشعة.
في المقابل، جهزت الدار الساعة بآلية الحركة ذاتية التعبئة P.9000 التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 3 أيام ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 300 متر.
Panerai
صيغت ساعة Luminor Submersible 1950 3 Days Automatic Bronzo PAM00382 من سبيكة برونزية.
حس ابتكار
لم يتوقف لاحقًا استنطاق بانيراي لملَكات حرفييها الإبداعية في فئة ساعات الغوص، بل تعزز أكثر مع كل ابتكار جديد تطرحه.
تجلى هذا التوجه خصوصًا في ساعة Submersible Marina Militare Carbotech™ PAM02979، التي تحقق فيها الجمع المتقن بين الأداء الوظيفي والبعد الجمالي من خلال استخدام مادة Carbotech التي تتمايز بخفة فائقة ومتانة شديدة ومقاومة عالية للصدمات.
بحكم اشتمال هذه المادة على ألياف الكربون الدقيقة، تتمايز العلبة التي يبلغ قطرها 47 ملليمترًا بطابع متفرد يختلف من نموذج إلى آخر، وتحتضن ميناءً أسود مشغولاً من المادة نفسها.
على أن بانيراي لم تكتف في هذا الإصدار بتطويع مادة Carbotech، بل كملته أيضًا بحزام مبتكر مصنوع من الكاوتشوك لتحقيق التناغم في طابع الساعة الرياضي.
وجدير بالذكر أن هذه الساعة تنبض بآلية الحركة ذاتية التعبئة P.9010 التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم ثلاثة أيام ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 300 متر.
Panerai
ساعة Submersible Marina Militare Carbotech™ PAM02979 في علبة من مركّب "كربوتيك".
أبعاد جديدة
في دورة عام 2022 من معرض واتشز أند وندرز (ساعات وعجائب)، كشفت العلامة عن ساعة Submersible QuarantaQuattro PAM01595، التي ترسخ اسمها لاحقًا بين هواة الغوص بوصفها واحدة من أهم الساعات في مجموعة Submersible.
وتُعزى هذه المكانة بشكل رئيس إلى الجماليات التي تناغمت فيها، بداية من العلبة المشغولة من الفولاذ المقاوم للصدأ ونهاية بالميناء الأبيض الخافت اللمعان.
على أن الأمر لا يتوقف عند الطابع الجمالي أو عند تنسيق الميناء المألوف بين هواة هذا الخط من الساعات، بل يتعداه إلى الحجم الصغير للعلبة، التي أصبح قطرها 44 ملليمترًا. إلى ذلك، تعززت الساعة بآلية الحركة ذاتية التعبئة P.900 التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 72 ساعة ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 300 متر.
Panerai
ساعة Submersible QuarantaQuattro PAM01595 في علبة بقطر 44 ملليمترًا.
جماليات فاخرة
قد يصح القول إن تثمين بانيراي لذائقة هواة الغوص، وخصوصًا أولئك الراغبين في أن توائم ساعاتهم بين المزايا الوظيفية والجماليات الفاخرة، بلغ أشده مع إصدار ساعة Submersible Goldtech™ PAM02164.
يُعزى ذلك إلى استخدام مادة Goldtech التي سبكها خبراء الدار من الذهب والبلاتين والنحاس بحيث تكون أصلب وأعلى مقاومة من الذهب الوردي والأصفر.
وإلى جانب مادة Goldtech المستخدمة في العلبة التي يبلغ قطرها 42 ملليمترًا، تَعزز القرص المتدرج الذي يدور عكس اتجاه عقارب الساعة بمادة السيراميك، التي تناغم لونها مع لون الميناء الأسود وتنسيقه التقليدي.
أما قلب الساعة، فأسكنته الدار آلية الحركة ذاتية التعبئة P.900 التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 3 أيام ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 300 متر.
Panerai
ساعة Submersible Goldtech™ PAM02164 في علبة من مادة Goldtech المسبوكة من مزيج الذهب والبلاتين والنحاس.
إصدار حصري
لئن كانت دار بانيراي قد كرست اسمها جنبًا إلى جنب البحار ومستكشفيها، فإن مايك هورن بدوره قد رسخ اسمه بوصفه واحدًا من أهم المستكشفين المعاصرين.
لذلك، لم يكن من المفاجئ أن تتعاون معه العلامة على إصدار ساعة Submersible GMT Titanio Mike Horn Experience Edition PAM01670 التي فتحت الباب أمام هواة المغامرات لخوض غمار رحلة مدهشة إلى بوتان رفقة المستكشف السويسري المغوار.
Panerai
ساعة Submersible GMT Titanio Mike Horn Experience Edition PAM01670 التي يميزها ميناء هيكلي.
صيغت الساعة في علبة من التيتانيوم بقطر 47 ملليمترًا، ترافقت مع قرص دوار متدرج مشغول من مادة Carbotech، فضلاً عن أداة حماية التاج الشهيرة.
وقد نحتْ الدار منحى مغايرًا في تصميم هذه الساعة، استجابة لما ستقبل عليه من تحديات، إذ جاء الميناء هيكليًا يحتضن نافذة لعرض التاريخ، وعدادًا للثواني الصغيرة، ومؤشرًا لليل والنهار، إلى جانب عرض المنطقة الزمنية الثانية.
يعود الفضل في التعقيد الطاغي على هذه الساعة، التي اقتصر إصدارها على 30 نموذجًا فقط، إلى آلية الحركة ذاتية التعبئة P.4001/S، التي توفر مقاومة لضغط الماء حتى عمق 500 متر واحتياطيًا للطاقة يدوم 3 أيام ويمكن مطالعة مؤشره عبر غطاء الجزء الخلفي المشغول من البلور الياقوتي.