قد تكون رحلة إنزو فيراري في عالم "الساحرة ذات العجلات الأربع" المثال الأبرز على أنّ أفضل السيارات الرياضية هي تلك التي تنبثق عن مخيّلة رجل وهب حياته في سبيلها، وليس تلك التي يُتخذ قرار إنتاجها ضمن اجتماع مجلس إدارة، لتكون أداة لتحقيق الأرباح المادية، أو على سبيل الترويج للصانع بهدف بيع مزيد من الطرز الأخرى الأقل أهميةً. على أنّ إنزو ليس العبقري الوحيد الذي دفعه الشغف بالتسابق إلى تأسيس شركة تُعنى بإنتاج السيارات الرياضية.

فإرث "السيارة الحلم" يزخر بروايات أخرى لا تقل أهميةً، روايات أبطالها كُثر إلى حدٍ قد لا يسعنا تعدادهم جميعًا هنا. لذا نستعرض في ما يأتي مسيرة ثلاثة حالمين كان شغفهم بسباقات السيارات وسعيهم إلى تحقيق أعلى درجات التميّز وراء بروز أسماء علامات وازنة في عالم السيارات، والحديث هنا عن رومانو أرتيولي، وهوراسيو باغاني وغوردان موراي.

من اليمين : رومانو أرتيولي و غوردون موراي و هوراسيو باغاني

Richard Pardon \ Francesco Ferrarini Studio
من اليمين : رومانو أرتيولي و غوردون موراي و هوراسيو باغاني

رومانو أرتيولي في مقاربته المتفرّدة لإرث بوغاتي

بعد النجاح الكبير الذي عرفه رومانو أرتيولي من خلال إدارة أكبر وكالة بيع لسيارات فيراري في العالم (خلال سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته) ومن ثم استحواذه على وكالة سيارات سوزوكي في إيطاليا، وبتشجيع من فيوروتشو لامبورغيني، مؤسس العلامة الشهيرة، قرر رائد الأعمال الإيطالي تأسيس شركة International  Bugatti التي استحوذت بدورها على اسم بوغاتي لتبدأ رحلة إحياء العلامة التجارية العريقة التي أسسها إيتوري بوغاتي، والتي عرفت نجاحات بارزة على صعيد رياضة السيارات حتى توقف إنتاجها عام 1956.

في البداية، كلّف أرتيولي المهندس المعماري جيامباولو بينيديني بتصميم وبناء مصنع خاص للشركة الجديدة في كامبوجاليانو بمودينا الإيطالية في عام 1988. وبحلول عام 1989، جرى تقديم خطط إحياء بوغاتي الجديدة من قبل باولو ستانزاني ومارسيلو غانديني، اللذين صمما طرازي Diablo وCountach من لامبورغيني. 

أرتيولي يركب درّاجته أمام مصنع بوغاتي.

Bugatti
أرتيولي يركب درّاجته أمام مصنع بوغاتي.


ومع بدايات عملية تطوير أول سيارة بوغاتي تحمل رؤية أرتيولي، اختلف رجل الأعمال الإيطالي مع باولو ستانزاني في ما يتعلق بالمنهج الهندسي الواجب اعتماده، لذا ترك ستانزاني المشروع ليستبدل أرتيولي به نيكولا ماتيراتزي في يونيو من عام 1990. وقد سارع الأخير إلى الاستغناء عن الهيكل المصنوع من الألمنيوم والاستعانة بهيكل من ألياف الكربون أوكل مهمة تصنيعه إلى شركة أيروسبيال المتخصّصة بصناعات الطيران والفضاء.

توازيًا وعلى صعيد التصميم، طلب أرتيولي من فريق العمل أن يسلك الطريق الأصعب الذي كان يتمثل آنذاك بتصمم سيارة عصرية إلى أقصى الدرجات، سيارة لا تشبه أي مركبة رياضية أخرى، شرط أن تحمل في الوقت نفسه تراث بوغاتي العريق وتعكس ارثها الرياضي، رغم أنّ هذا التراث كان يعود لسيارات أحدثها أُنتج في النصف الأول من القرن الماضي. وكان هذا يفرض استلهام تصميمها من سمات تعود لبدايات عصر السيارات في سياق الإتيان بخطوط عصرية تحاكي تلك التي ظهرت لاحقًا على طراز EB110.

بعد تنفيذ التصميم الأولي، لم يُعجب رئيس بوغاتي بالنتيجة التي خرج بها غانديني، ولا سيما أن السيارة حملت لغة التصميم ذات الزوايا الحادة التي اشتهر بها المصمم الإيطالي، لذا طلب منه أن يعدّل التصميم. وبعد أن أتى غانديني بنسخة ثانية من التصميم مع خطوط أكثر نعومة، ومصابيح أمامية وخلفية منقّحة وأبعاد متناغمة لأقواس العجلات الخلفية، لم يوافق أرتيولي على ذلك وأراد المزيد من التغييرات التفصيلية التي رفض غانديني إجراءها فترك المشروع. وهكذا كلّف أرتيولي جيانباولو بينيديني (المهندس المعماري نفسه الذي صمّم المصنع) بإجراء التغييرات المطلوبة.

جرى الكشف عن سيارة Bugatti EB 110 GT في 15 سبتمبر 1991، أي بعد 110 سنوات على تاريخ ميلاد إيتوري بوغاتي.

Bugatti
جرى الكشف عن سيارة Bugatti EB 110 GT في 15 سبتمبر 1991، أي بعد 110 سنوات على تاريخ ميلاد إيتوري بوغاتي.


بعد كل هذا الأخذ والرد، والتصميم وإعادة التصميم، انتصرت رؤية أرتيولي مع طراز EB110 الذي حمل خطوطًا لا تزال عصرية حتى بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا على الظهور الأول للسيارة، وأيضًا مع كثير من السمات التصميمية الوفية لتراث بوغاتي.

ولم يكتف أرتيولي بذلك، بل قرر أيضًا تعزيز السيارة بتجهيزات ميكانيكية تعكس العظمة الإيطالية من خلال محرك كبير من اثنتي عشرة أسطوانة سعة 3.5 لتر وخمسة صمامات لكل أسطوانة مع أربعة أجهزة شحن هواء توربيني، وعلبة تروس بست نسب تنقل قوة المحرك البالغة 560 حصانًا (رقم كبير جدًا في زمانه) إلى نظام دفع رباعي.

جرى الكشف عن Bugatti EB 110 GT في 15 سبتمبر 1991، أي بالضبط بعد 110 سنوات من ميلاد إيتوري بوغاتي، وهذا هو السبب في تسمية السيارة، إذ يشير الحرفان EB إلى الأحرف الأولى من اسم المؤسس Ettore Bugatti، فيما اختير الرقم 110 بسبب توافق موعد إطلاق السيارة مع الذكرى 110 لميلاد إيتوري.

وخلال عام 1992، قُدمت السيارة في نسخة أخف وزنًا بمقدار 150 كيلوغرامًا وأقوى بنحو 52 حصانًا. حمل هذا الإصدار اسم EB 110 Super Sport وتمكن من الوصول إلى سرعة قصوى تبلغ 355 كيلومترًا/الساعة، وتحقيق التسارع من صفر إلى 100 كيلومتر/الساعة خلال 3.2 ثانية.

لم يكتف أرتيولي بابتكار خطوط مميزة لسيارة EB110، بل قرر تزويدها أيضًا بمواصفات ميكانيكية تعكس العظمة الإيطالية.

Bugatti
لم يكتف أرتيولي بابتكار خطوط مميزة لسيارة EB110، بل قرر تزويدها أيضًا بمواصفات ميكانيكية تعكس العظمة الإيطالية.


في أوائل عام 1994، اشترى سائق الفورمولا 1 مايكل شوماخر نسخة صفراء اللّون من طراز EB 110 Super Sport، ما أعطى الشركة قدرًا كبيرًا من الدعاية. ولكن بعد فترة وجيزة، حظيت سيارة شوماخر بدعاية أوسع نطاقًا ولكن بشكلٍ سلبي. فقد اصطدم البطل الألماني وهو على متن سيارته EB110 بشاحنة، ليلقي باللوم على "المكابح غير الفعّالة" في الحادث. ولكن رغم ذلك، جرى إصلاح السيارة واحتفظ شوماخر بها حتى عام 2003.

أما على صعيد المشاركات في السباقات، فقد شارك ديريك هيل، نجل بطل الفورمولا 1 الأمريكي فيل هيل، مع ثلاثة سائقين في فريق نافس ضمن سباق 24 ساعة دايتونا بنسخته لعام 1996 على متن نسخة من طراز EB 110 معدّلة للسباقات. 

وفي عام 1995، ونتيجةً لاستحواذ أرتيولي الطموح للغاية على شركة Lotus Cars (التي أطلق اسم حفيدته إليزا على أحد طرزها) بالإضافة إلى سعيه لتطوير مركبة السيدان الفاخرة EB112 ذات الأبواب الأربعة، جنبًا إلى جنب مع بروز مشاكل بينه وبين الموردين الذين يزودون بوغاتي بما يلزمها لإنتاج السيارات، تعرضت العلامة لأوقات عصيبة أدت إلى إفلاسها وتوقفها عن الإنتاج.

أسدل الستار بذلك على واحدة من أجمل القصص في عالم السيارات وأكثرها شاعرية. فوحده الشغف كان يدفع أرتيولي في عالم السيارات، هذا الشغف الذي ربما لم يكافئه على الصعيد المادي، إلا أنه كافأه بالتأكيد من خلال حفر اسمه في تاريخ الساحرة ذات العجلات الأربع، كما في تراث علامة بوغاتي التي لا تزال بصيغتها الحالية تحتفظ بأطيب الذكريات عنه وعن سياراته.

صورة لغوردون موراي ومن خلفه السيارة التي تعكس رؤيته الخاصة.

Richard Pardon
صورة لغوردون موراي ومن خلفه السيارة التي تعكس رؤيته الخاصة.

غوردون موراي ومفهوم البساطة المتفوّقة

كان الشغف بعالم السباقات هو الدافع الأول أيضًا لانتقال المصمم الجنوب إفريقي المتحدر من أصول اسكتلندية غوردون موراي إلى بريطانيا سعيًا وراء وظيفة لدى فريق لوتس Lotus الرائد في سباقات الفورمولا 1. لكن فرصة العمل الحقيقية تحققت مع فريق برابهام Brabham الذي كلّف موراي بتصميم العديد من سيارات الفورمولا 1 وتطويرها. ولدى برابهام تعلّم موراي أصول ابتكار سيارة قادرة على الفوز بالرغم من ميزانية تطويرها المتواضعة نسبيًا بالمقارنة مع ميزانية الفرق الكبيرة آنذاك.

وقد كانت BT46B، أو "السيارة ذات المروحة"، من أبرز السيارات التي صممها موراي لصالح برابهام، والتي أتت، على ما يوحي به الاسم الذي اختاره لها المراقبون، مزوّدة بمروحة مثبّتة في الخلف ضمن تقنية أراد موراي من خلالها الرد على تصميم سيارات لوتس المعزّزة بالمؤثرات الأرضية التي تعمل على سحب الهواء من تحت السيارة، ومن ثم خفضها نحو الأرض وتوفير مزيد من التماسك خلال الانعطاف. ورغم ادعاء برابهام أنّ مروحة موراي هي للتبريد فحسب، إلا أنّ الأخيرة كانت تقوم بالمهمة نفسها (أي سحب الهواء من أسفل السيارة) ولكن مع فارق صغير يصنع نتيجة كبيرة، وهي أن استخدام المروحة يتيح التحكم بمستويات سحب الهواء من تحت السيارة، وذلك على غير ما هو عليه حال المؤثرات الأرضية التي تخضع لضرورات التوفيق بين عدد المنعطفات وخصائصها في كل حلبة، وبين عدد المقاطع المستقيمة وطولها كي لا تُعيق الطريقة التي تُثبّت فيها العواكس الهوائية انسيابية السيارة على السرعات العالية.

اصطدمت رؤية غوردون موراي الثاقبة هذه، والتي انعكست من خلال أداء محسّن بشكلٍ واضح للسيارة على الحلبة، بالمصالح الضيّقة لبرني أكلستون مالك فريق برابهام الذي كان يُنشئ جمعية صانعي سيارات الفورمولا 1 ويُعد نفسه لاستلام رئاستها، فلم يكن يريد إغضاب باقي فرق الفورمولا 1 من خلال السماح لسيارة BT46B بالمشاركة في موسم 1978 بأكمله، وقرر سحبها من المنافسة بعد سباق واحد فقط في جائزة السويد الكبرى عندما حقق نيكي لاودا الفوز على متنها.

بعدها، استمر موراي بتصميم سيارات الفورمولا 1 المتفوقة التي أحرزت العديد من البطولات لدى كل من برابهام وماكلارين، ثم انتقل في عام 1991 إلى Mclaren Automotive كي يقود فريق تصميم أول سيارة مخصّصة للطرقات بتوقيع الصانع البريطاني، أي طراز F1، والذي كان بمنزلة السيارة الرياضية الخارقة السابقة لأوانها بفضل ما تتمتع به من تقنيات عالية سمحت لها بأن تكون أسرع سيارة في العالم في زمانها مع سرعة قصوى وصلت إلى 386 كيلومترًا/الساعة.

تتمايز سيارة  T.50  بتصميم خارجي مبسّط تخلى فيه غوردون عن التفاصيل التجميلية التي لا تخدم الأداء.

Richard Pardon
تتمايز سيارة T.50 بتصميم خارجي مبسّط تخلى فيه غوردون عن التفاصيل التجميلية التي لا تخدم الأداء.


رغم تلك النجاحات كلها، إلا أنّ فرصة غوردون موراي لتصميم سيارة تحمل رؤيته حصرًا، وتجسد منظوره للشكل الذي ينبغي على السيارة الخارقة أن تكون عليه، لم تأت إلا عندما قرر إطلاق علامته الخاصة Gordon Murray Automotive (GMA) وتطوير طراز T.50.

مع GMA T.50 أو Gordon Murray Automotive Type 50، طبّق غوردان موراي رؤيته بشكلٍ كامل، الأمر الذي جعل السيارة تتشابه إلى حدٍ بعيد مع السيارات التجارية الأولى التي صمّمها، أي Mclaren F1، على مستوى الابتعاد عن التفاصيل التجميلية التي لا تخدم الأداء العام للمركبة ووضعية القيادة الوسطية مع ثلاثة مقاعد مثبّتة جنبًا إلى جنب في المقصورة، بموازاة تقدّم المقعد الوسطي المخصّص للسائق بشكلٍ طفيف نحو الأمام.

وتتابع رؤية موراي على السيارة من خلال تصميم خارجي بسيط تؤدي فيه الانسيابية العالية دور البطولة الثانوية ليس لقلة أهميتها، بل لأن البطولة الرئيسة هي للمروحة المثبّتة في مؤخرة السيارة، والتي تعمل بالمبدأ الذي لم يتمكّن الرجل من تطبيقه في عالم السباقات. يبلغ قطر هذه المروحة 40 سنتيمترًا، وهي تعمل بمحرك كهربائي بقدرة 48 فولت. بالإضافة إلى ذلك، تتميز السيارة بمحرك من تطوير كوزوورث Cosworth يتألف من 12 أسطوانة سعة 4.0 لترات ويعمل بالسحب الطبيعي فيما يولّد قوة 663 حصانًا تأتي على سرعة دوران محرك تبلغ 11,500 دورة في الدقيقة، علمًا أنّ هذا المحرك قادر على الدوران بسرعةٍ قياسية تصل إلى 12,200 دورة في الدقيقة.

بفضل هذا المحرك المدمج، الذي لا يولّد قوة عالية (نسبيًا ومقارنة بالمحركات الحديثة المكوّنة من 12 أسطوانة)، وتلك المروحة التي تلغي الحاجة إلى تزويد السيارة بعناصر دعم للأداء الانسيابي أو مؤثرات أرضية للحفاظ على التماسك، تمكّن موراي من الإتيان بمركبة مدمجة الأبعاد ومنخفضة الوزن مع طول يبلغ 4,352 ملليمترًا مقابل عرض يساوي 1,850 ملليمترًا وارتفاع يصل إلى 1,164 ملليمترًا ضمن قاعدة عجلات بحجم لا يزيد على 2,700 ملليمتر ووزن أقصى يبلغ 986 كيلوغرامًا.

على صعيد الأداء، تتسارع سيارة  T.50من 0 إلى 100 كيلومتر في الساعة في غضون 2.8 ثانية وتحقق سرعة قصوى تبلغ 363 كيلومترًا في الساعة. وإذا ما أخذت في الحسبان هذه المواصفات الذكية كلها، والتي تتكامل مع علبة تروس يدوية من ست نسب، فإنك ستجد نفسك خلف مقود سيارة T.50 توفر تجربة قيادة أقل ما يقال فيها إنها مختلفة عمّا تتيحه أي سيارة أخرى على الطريق. إنها سيارة تحمل بكل فخر توقيع غوردون موراي ونهجه.

وعلى غير ما كان عليه الحال مع رومانو أرتيولي وسيارته الرائعة EB110، فإنّ خطط موراي لبناء 100 نسخة فقط من  T.50نُفذت أو في طور التنفيذ حاليًا في مصنع الشركة الخاص الذي يتخذ من مدينة سوري في المملكة المتحدة مقرًا له. تبلغ كلفة كل نسخة حوالي 12 مليون ريال سعودي، علمًا أنه جرى بيع النسخ المخصّصة للطرقات كلها في غضون 48 ساعة من العرض الأول للسيارة عالميًا قبل بضع سنوات.

جُهزت السيارة بمحرك من تطوير Cosworth يتألف من 12 أسطوانة وقادر على الدوران بسرعةٍ تصل إلى 12,200 دورة في الدقيقة.

Richard Pardon
جُهزت السيارة بمحرك من تطوير Cosworth يتألف من 12 أسطوانة وقادر على الدوران بسرعةٍ تصل إلى 12,200 دورة في الدقيقة.

هوراسيو باغاني من وراء البحار إلى القمة

 فيما لم يسمح الطموح المبالغ فيه والظروف الاقتصادية الصعبة لرؤية أرتيولي أن تستمر مع بوغاتي، نجح شاب أرجنتيني خجول في أن يؤسس علامة تمكّنت في زمن قياسي من أن تحجز لنفسها مكانة متقدمة في عالم السيارات الرياضية الفاخرة.

إنه هوراسيو باغاني الذي دفعه الشغف بهذا العالم أيضًا إلى الانتقال من الأرجنتين إلى أرض السيارات الرياضية الخارقة في شمال إيطاليا ليعمل في شركة لامبورغيني بعد فترة وجيزة أمضاها لدى رينو.

أتت فرصة العمل لدى لامبورغيني بعد زيارة قام بها هوراسيو إلى سانت أغاتا في عام 1982 ولقائه هناك المدير الفني للشركة جوليو ألفيري. وفي أعقاب تلك المقابلة، جرى تعيينه في البداية ليقوم بمهام متواضعة، لكنه كان قادرًا على الارتقاء إلى أعلى مستويات الشركة حتى أصبح كبير المهندسين وأوكلت إليه مهمة تطوير طراز Countach Evoluzione الذي حقّق معه نجاحًا لافتًا.

صورة لهوراسيو في مصنعه.

Francesco Ferrarini Studio
صورة لهوراسيو في مصنعه.


متسلحًا بهذا النجاح ومستفيدًا من الخبرة التي جمعها خلال تطوير سيارة Countach Evoluzione، حاول هوراسيو إقناع لامبورغيني بشراء آلة تصنيع ألياف الكربون، ولكن الإدارة رفضت مقترحه. دفعه هذا الأمر لاقتراض رأس المال لشراء آلة خاصة به في أواخر عام 1987. ثم في عام 1991، انفصل عن لامبورغيني وأسس شركته الاستشارية الخاصة التي أطلق عليها اسم مودينا ديزاين Modena Design ونشط من خلالها في تصنيع أجزاء ألياف الكربون التي تُستخدم في سيارات الفورمولا 1 مع لائحة زبائن تضمنت كلاً من دايملر، وفيراري وأبريليا.

وبعد ذلك، أسس باغاني شركة Pagani Automobili في عام 1992 ليبدأ مسيرة ابتكار ما بات يُعرف باسم طراز Zonda الذي استغرق تطويره سبع سنوات.

أبصر النموذج الأولي من السيارة النور في عام 1993 تحت اسم Fangio F1، تيمنًا بأسطورة سباقات الفورمولا 1 الأرجنتيني خوان مانويل فانجيو. جرى اختبار السيارة في نفق الرياح الخاص بدالارا وأتت النتائج إيجابية، الأمر الذي ساهم بجعل مرسيدس توافق على تزويد السيارة في عام 1994 بمحركها الشهير المكوّن من 12 أسطوانة، فاكتملت بذلك التركيبة الهندسية التي سمحت بوصول السيارة إلى الطرقات بكلفة تبلغ 8.5 مليون ريال سعودي للنسخة الواحدة. وعندما عُرضت السيارة لأول مرة في معرض جنيف للسيارات عام 1999، جرى إسقاط اسم Fangio F1  احترامًا لذكرى خوان مانويل فانجيو الذي توفي في عام 1995 لصالح اسم Zonda.

في محاولة لبناء سيارة الأحلام، ارتكز هوراسيو في ابتكار مفهوم Utopia إلى ثلاثة عوامل هي البساطة والوزن الخفيف ومتعة القيادة.

Paolo Carlini
في محاولة لبناء سيارة الأحلام، ارتكز هوراسيو في ابتكار مفهوم Utopia إلى ثلاثة عوامل هي البساطة والوزن الخفيف ومتعة القيادة.


نظرًا لما تتمتع به سيارة Zonda من مواصفاتٍ عالية، فضلاً عن جودة بنائها واهتمام هوراسيو بأدق التفاصيل داخل السيارة وخارجها مع كثير من العناصر التي تبدو تحفًا فنية راقية أكثر من كونها أدوات تحكّم بالسيارة أو أجزاء ميكانيكية موجودة للضرورة فحسب. حقّقت السيارة نجاحًا كبيرًا في سوق النخبة، لتتوجه لاحقًا إلى الحلبات، حيث تمكّنت من تحطيم الرقم القياسي لأسرع سيارة إنتاج على حلبة نوربورغرينغ في 30 يونيو 2010 مع فئة Zonda R التي دارت حول الحلبة الألمانية الشهيرة بزمن بلغ 6 دقائق و47 ثانية، متغلبة بذلك على سيارة Ferrari XX599.

بعد النجاح الكبير الذي حققته Zonda، والتي ثبتت أقدام باغاني في عالم السيارات الرياضية الفاخرة ضمن ظاهرة فريدة من نوعها، قدم هوراسيو الطراز التالي الذي حمل تسمية Huayra في عام 2011، والذي جرى الكشف عنه رسميًا في معرض جنيف للسيارات من العام نفسه.

وبالإضافة إلى المواصفات العالية والمحرك المؤلف من 12 أسطوانة، والذي تبلغ قوته 740 حصانًا (يسمح بالانطلاق من صفر إلى سرعة 100 كيلومتر في الساعة بزمن لا يتجاوز 3.4 ثانية ثم الوصول إلى سرعة قصوى تبلغ 378 كيلومترًا في الساعة)، تميّزت Huayra أولاً بتصميم مختلف تمامًا عن Zonda، ولكنه يحمل سمات تشابه مع روح تصميم باغاني، خصوصًا أنّ هوارسيو اعتمد فيها على مبدأ الاهتمام بالتفاصيل وجمالياتها، هذا المبدأ الذي أصبح مرادفًا لكلمة Pagani.

توثّق سيارة Utopia دخول الشركة عقدها الثالث من العمر، وتتمايز بخطوطها الأكثر انسيابية ومنحنياتها الأبسط، بعيدًا عن أي بهرجة زائدة.

Paolo Carlini
توثّق سيارة Utopia دخول الشركة عقدها الثالث من العمر، وتتمايز بخطوطها الأكثر انسيابية ومنحنياتها الأبسط، بعيدًا عن أي بهرجة زائدة.


وثانيًا والأهم من ذلك هو أنها حملت منظومة ديناميكية هوائية عبارة عن جنيحات مثبّتة ضمن جسم السيارة يجري التحكم بها بشكلٍ إلكتروني تبعًا لظروف القيادة وحاجة كل جهة من جهات السيارة الأربع إما إلى الضغط الهوائي من أعلى إلى أسفل، أو إلى القدرة على الانسياب وسط الرياح التي تضرب السيارة.

أما مأثرة باغاني الثالثة، فتتمثّل بسيارة Utopia التي كُشف عنها الشهر الفائت في دبي بعد عرضها لأول مرة خلال عام 2022. تخطط الشركة لإنتاج 99 نسخة من هذا الطراز في النسخة مغلقة السقف، ويتميز نمط التصميم العام للسيارة بكونه أكثر بساطة مقارنةً بما هو عليه الحال في طرازي Zonda وHuayra، مع مقدمة تحمل مصابيح أمامية بيضاوية متداخلة، وقسم جانبي تميّزه المرايا الجانبية المثبّتة على أقواس العجلات، فيما تكمل المشهد الأبواب التي تُفتح على شكل أجنحة الفراشة.

بذلك وبعد طرازين عرفا نجاحًا كبيرًا وثالث يعد بنجاح أكبر، تمكّنت باغاني بعد أقل من 25 عامًا على طرحها أول سيارة تحمل شعارها من بناء شخصية متمايزة تضمن لها اليوم مكانة مرموقة في عالم السيارات الرياضية الفاخرة.