عندما أبصرت دار هوبلو النور في عام 1980، كاشفة عن أولى ساعاتها في علبة بخطوط هندسية مبتكرة تستلهم شكل الكوّة في القارب، كانت أول صانع يتجرأ على الجمع بين علبة من الذهب وحزام من المطاط.
وربما يصح القول إن تلك البداية شكلت نواة الثورة التي أحدثتها هوبلو في قطاع الساعات الفاخرة، لا سيّما مع إتيانها لاحقًا بالمفهوم المبتكر لفن الانصهار Art of Fusion الذي كرسّها خيميائيًا من زمن حاضر يتقن فن "توثيق الروابط بين الماضي والمستقبل من خلال ساعات تتلاحم فيها التقاليد مع حس الابتكار" على ما أخبرنا في حديث سابق ريكاردو غوادالوبي، الرئيس التنفيذي لدار Hublot.
وإذا كان فن الانصهار قد تحوّل بمرور السنين إلى التعبير الأصدق عن الخارطة الجينية لهوبلو، فإن الدار نجحت في أن ترسّخ هذا المفهوم منارة تتحدد بها مسارات ابتكار طُرز جديدة، وتطوير آليات وتعقيدات مبتكرة، بل بناء شراكات تتجاوز حدود قطاع الساعات.
ريادة في الابتكار
ربما رسمت ساعة Hublot الأولى ملامح أول سطر في هذه المسيرة، لكن فن الانصهار لم يتجلَّ حقيقة شاهدًا على مستقبل يسبق أوانه إلا عندما تسلم زمام الدار في عام 2004 جان – كلود بيفر، العبقري الذي هزّ قواعد صناعة الساعات وضخّ في عروق هوبلو الكثير من الزخم.
كان بيفر عرّاب مجموعة بيغ بانغ الشهيرة اليوم، والتي استهّلتها الدار سنة 2005 بطراز Big Bang Gold Ceramic الذي جسّد فن الانصهار على نحو مثالي بتصميم متمايز يزاوج بين الزوايا المحددة، والبراغي الست الموزّعة من حول العلبة، وعروات القرص.
لكن بعيدًا عن الانصهار المتقن بين الهوية التصميمية المبتكرة والإتقان الحرفي، يبقى التلاحم غير المسبوق بين المواد في ساعات الدار اللاحقة، وإلى يومنا هذا، في صلب هذا المفهوم الثوري، إن لم نقل نجمه، على ما تشهد ابتكارات تزاوج بين مركّبات الدار الحصرية مثل الذهب الملكي King Gold الذي يجمع بين الذهب والبلاتين، ومركّب هوبلونيوم Hublonium المكوّن من الألمنيوم والمغنيزيوم، والياقوت، والسيراميك الملوّن، وألياف الكربون، والأحجار النفيسة، حتى نسيج الكتان، والمطرّزات والجلود.
في عام 2015 مثلاً، أثمر مشروع التعاون بين هوبلو ودار بيرلوتي عن ساعة Classic Fusion Berluti محدودة الإصدار، وفيها تدثّر الميناء والحزام على حد سواء بجلد فينيتزيا الشهير من بيرلوتي.
تتقن هوبلو فن تحقيق تلاحم غير مسبوق في المواد المختارة لساعاتها، من الألماس والأحجار الملونة إلى الإسمنت والمطاط وغيرهما.
سبق ذلك في عام 2012، وبدافع من شغف هوبلو في اختبار مواد عالية التقنية، بناؤها مسبكًا يتيح استكشاف كامل إمكانيات مساعي الأبحاث والتطوير على أرض الواقع. وإذ ضم المسبك فريقًا متخصصًا في فن الانصهار، تمثّل بوحدة التعدين والمواد Metallurgy and Materials Department، بدأ العمل على إنتاج ذهب Magic Gold الذي طوّرته العلامة بالتعاون مع المعهد الاتحادي السويسري للتقنية، محققة سابقة في عالم المواد الثمينة بابتكارها أول مركب من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا مضاد للخدوش وقادر على الاحتفاظ بجمالياته وبريقه المصقول بمرور السنين.
يُحسب لهوبلو أيضًا براعتها في تطويع الياقوت الصناعي. فبالرغم من أن تصنيع هذه المادة يفرض تحديات جدية، إلا أن الدار نجحت في الارتقاء بمفهوم الشفافية في عالم الساعات إلى مستوى مثير للانبهار عندما كشفت في معرض بازل لعام 2016 عن ساعة Big Bang Unico Sapphire All Black التي صيغت علبتها بالكامل من الكريستال الياقوتي وصُقلت بمادة PVD لتحقيق اللون الأسود الدخاني، فتجلت مأثرة هندسية تكشف في الوقت نفسه عن خبايا المعيار الحركي HUB 1242 Unico الذي جسّد عند طرحه للمرة الأولى سنة 2009 واحدًا من أندر آليات الكرونوغراف التي تظهر فيها العجلة العمودية عبر الميناء.
Fred Merz / Rezo.ch
يضم مسبك هوبلو فريقًا متخصصًا في فن الانصهار، بدأ العمل على إنتاج مركب الذهب المضاد للخدوش Magic Gold الذي يشكل سابقة في عالم المواد الثمينة.
وقد أتبعت الدار هذه الخطوة بإنجازات ثورية في هذا المجال تستحضرها اليوم مجموعاتها من الساعات التي تزهو بإشراقات الكريستال الياقوتي الملوّن، من الأصفر والأزرق إلى الأحمر حتى البرتقالي والبنفسجي.
والحقيقة هي أن الحصول على الكريستال الياقوتي الملوّن يقتضي اتباع المسار نفسه الذي أتقنته هوبلو في سياق أبحاثها حول السيراميك، والذي يتمثل بمزج المادة الخام أي أكسيد الألمنيوم في هذه الحالة بمواد مختلفة، تشمل مثلاً الحديد والتيتانيوم للكريستال الياقوتي الأزرق، والكروميوم للكريستال الياقوتي الأحمر.
ضمن مجموعة بيغ بانغ، ساعة Tourbillon Automatic Purple Sapphire المشغولة في علبة من الكريستال الياقوتي باللون البنفسجي.
بالحديث عن السيراميك الذي وجد طريقه بألوان مختلفة إلى ابتكارات هوبلو، يُذكر أن الدار أبدعت مأثرة جديدة من هذه المادة أخيرًا، مطلقة في شهر أبريل الفائت ساعة Big Bang Tourbillon Cathedral Minute Repeater التي تشكل أول ساعة في العالم تجمع بين تعقيد معيد الدقائق وآلية التوربيون، إلى جانب كونها أول ساعة من السيراميك الأسود تحتضن آلية توربيون، "لتشهد مرة أخرى على أن هوبلو تدفع بعيدًا بحدود الممكن في صناعة الساعات الراقية" على ما صرّح آنذاك ريكاردو غوادالوبي مضيفًا: "لكننا على عادتنا، لا ننظر إلى هذه الساعة باعتبارها إنجاز الذروة، بل هي منعطف مهم يفتح أمامنا آفاقًا جديدة للاستكشاف".
ساعة Big Bang Tourbillon Cathedral Minute Repeater التي تشكل أول ساعة في العالم تجمع بين تعقيد معيد الدقائق وآلية التوربيون في علبة من السيراميك.
صيغت علبة الساعة، التي يقتصر إنتاجها على 18 نموذجًا في نسخة باللون الأبيض وأخرى بالأسود، من السيراميك الذي استُخدم أيضًا لتشكيل السوار والقرص. وإذ تمايزت باحتضانها اثنين من أروع تعقيدات صناعة الساعات، وثّقت مرة أخرى تمرّس هوبلو على مر 20 عامًا تقريبًا في فن ترويض السيراميك، هذه المادة التي يفرض تشكيلها تحديات مكلفة، والتي نجح الصانع في تطويرها في نسخة مقاومة للماء. وما يستحق الثناء هذه المرة هو أن العلامة ضمنت رنينًا صوتيًا بالغ النقاء لمعيد الدقائق في علبة مصنوعة بالكامل من السيراميك.
ساعة Classic Fusion Orlinski Bracelet التي تستعير أشكالها محددة الزوايا من منحوتات أورلينسكي، والمشغولة في علبة من التيتانيوم يميّزها سوار معدني مدمج جديد.
نبض الفنون
قد يختزل التفوق في استكشاف مواد جديدة للساعات أدق تجليات فن الانصهار من هوبلو. لكن الحقيقة هي أن دائرة هذا الفن لا تنفك تتوسّع لتشمل ابتكارات ينخرط فيها فنانون من مختلف أنحاء العالم ليصهروا ملكتهم الإبداعية في نبض الوقت، مكرّسين بذلك عضويتهم في عائلة "هوبلو تحب الفن" Hublot Loves Art.
إلى هذه العائلة ينتمي الفنان الفرنسي ريتشارد أورلينسكي الذي دخل في أول مشروع تعاون له مع هوبلو عام 2017، ما أثمر بمرور السنين عن مجموعة كاملة من ساعة Classic Fusion Orlinski Bracelet التي تستعير أشكالها محددة الزوايا من منحوتات أورلينسكي.
أما أحدث الإصدارات ضمن هذا التعاون، فتمثلت بأربع نسخ جديدة من الساعة مشغولة في علب من التيتانيوم ويميّزها سوار معدني مدمج جديد. يتكوّن السوار، ذو الخطوط الهندسية المشطوبة، من 83 مكوّنًا يتلاعب الضوء بأوجهها المصقولة.
يحضر أيضًا في هذا السياق الفني اسم ماكسيم بليسيا بوتشي، فنان الوشم السويسري المقيم في لندن، والمعروف أيضًا باسم Sang Bleu. فعلى مدى سبع سنوات منذ عام 2016، جسّد مشروع التعاون المستمر بينه وبين هوبلو الانصهار بين فن الوشم وفن صناعة الساعات في ابتكارات تستلهم عالمه.
تشهد على ذلك اليوم ساعة Big Bang Sang Bleu II التي طرحتها الدار لهذا العام في ثلاثة إصدارات جديدة مشغولة من ذهب Magic Gold والسيراميك باللونين الأسود والأخضر.
وقد يكون أكثر ما يميّز هذه الساعة هو الإيحاءات الجلية فيها إلى أسلوب بوتشي القائم على تصاميم ثلاثية الأبعاد يستخدم فيها التأثيرين النافر والغائر، وهو ما تشي به الرسوم الهندسية التي أبدعها الفنان على كامل علبة الساعة والإطار السداسي، والغطاء المشغول من الكريستال الياقوتي، وصولاً إلى العقارب والحزام.
وجدت أيضًا الزهور الباسمة في أعمال الفنان الياباني تاكاشي موراكامي طريقها إلى عالم هوبلو، بداية في عام 2021 عندما طرحا معًا ساعة Classic Fusion Takashi Murakami All Black، ثم الإصدار المحدود من ساعة Classic Fusion Takashi Murakami Sapphire Rainbow.
وفي كلا المشروعين، أتاحت براعة هوبلو الهندسية إعادة تشكيل عمل موراكامي الشهير Field of Smiling Flowers (حقل الزهور الباسمة) في هيئة بتلات اثنتي عشرة زهرة تدور بفضل نظام محمل الكريات حول قلب الزهرة الباسم المثبّت فوق الكريستال الياقوتي، هذه البراعة التي تنصهر بغير تكلف مع موهبة فنان يتفوّق في طمس الحدود الفاصلة بين الفن الياباني الكلاسيكي والثقافة الشعبية اليابانية.
الجدير بالذكر أيضًا أن تعاون هوبلو وموراكامي أثمر عن رمزين غير قابلين للاستبدال NFT يحملان شكل الزهرة الباسمة ويستلهمان الساعتين اللتين تشاركا في ابتكارهما.
الفنان الياباني تاكاشي موراكامي ورمز غير قابل للاستبدال NFT يحمل شكل الزهرة الباسمة في ساعة Classic Fusion Takashi Murakami Sapphire Rainbow.
فن الانصهار في عوالم أخرى
بعيدًا عن الفنون وحتى الموسيقا، نجحت هوبلو في أن تكرّس حضورها في عوالم أخرى شكلت أيضًا منصات للتعبير عن هويّتها وعن مفهوم فن الانصهار الذي تتبناه، بداية من الشراكة التي جمعتها سابقًا بعالم سباقات السيارة من خلال فيراري، وليس انتهاء بمشاريع التعاون التي تطلقها مع رياضيين محترفين في مجالات مثل الغولف والتزلج والبولو وكرة القدم.
وقد بات معلومًا مثلاً أن الدار تواكب اليوم بطولات كأس العالم لكرة القدم للمرة الرابعة متيحة للزبائن والهواة اختبار تجارب متفردة تستلهم ثقافة البلد المضيف للبطولة.
وفيما يخص دورة هذا العام التي ستنعقد في الدوحة في شهر ديسمبر المقبل، كشف الصانع أخيرًا، تحت شعار "هوبلو تحب كرة القدم"، وبوصفه راعي التوقيت الرسمي للحدث العالمي، عن الساعة الذكية Big Bang e FIFA World Cup Qatar 2022™ التي ستتيح تعقب مجريات البطولة في الوقت الحقيقي.
الطاهي أندرياس كامينادا، سفير هوبلو، في مناسبة إطلاق ساعة Limited Edition Big Bang Gourmet.
نجحت هوبلو أيضًا في الانصهار في عوالم أخرى تحتفي بفن الحياة، وفي طليعتها مجال الطهي والذوّاقة. وكان أول حضور لها على هذه الساحة في عام 2017 عندما ضمت الطاهي الشاب أندرياس كامينادا، الحائز ثلاثة نجوم ميشلان إلى قائمة سفرائها في العالم، وتبعه يانيك ألينو وآن – صوفي بيك وغيرهم من الأصدقاء. وفي أحدث تجليات احتفاء هوبلو بهذا الفن، كشفت أواسط الشهر الفائت عن ساعة Limited Edition Big Bang Gourmet المشغولة من الفولاذ الدمشقي والتي يقتصر إنتاجها على 200 نموذج.
وإن كانت هذه الشراكات تدل على شيء، فإنها تؤكد على هوية دار تحررت من أسر التقاليد لتبني من شغفها بالمغامرة عالمًا خاصًا بها يتمايز بتنوعه الحيوي متيحًا فرصًا لا تنضب لاستكشاف أفكار وتصاميم وشراكات جديدة ومبتكرة ترسم وجه المستقبل من دون التنكر لمبادئ صناعة الساعات التقليدية.