عندما دعا جان - كلود بيفر، أحد كبار رجالات عالم الساعات، ريكاردو غوادالوبي للانضمام إليه سنة 2004 في دار هوبلو، كانت المهمة التي سينطلق فيها الرجلان طموحة: إعادة إحياء علامة هوبلو.
منذ ذلك الحين، وإلى ما بعد تسلّم غوادالوبي زمام الإدارة في عام 2012 ليكون خلف بيفر في منصب الرئيس التنفيذي للدار، عرفت هوبلو إنجازات مهمة ارتقت بها، على حداثة سنها – وهي التي أبصرت النور سنة 1980 - إلى مصاف دور عريقة يمتد تاريخها عبر مئات السنين.
بدءًا من إطلاق ساعة الكرونوغراف الثورية "بيغ بانغ" Big Bang، وما تبع ذلك من تحقيق نمو اقتصادي للدار التي وسّعت أيضًا دائرة حضورها في قطاع الساعات مع إنشاء مصنعها الخاص في مقاطعة نيون السويسرية، الأمر الذي أتاح لها بمرور السنين الإتيان بابتكارات تحتفي بفن الانصهار الملازم لهوية الدر وتعكس مقدرتها على تطوير آليات حركة معقدة، بموازاة بناء شبكة من سفراء العلامة والشراكات العالمية حتى إطلاق أول محطة تلفاز لهوبلو على شبكة الإنترنت، يكفي أن يقلّب المرء في سجلات تلك الإنجازات ليتعرّف مسيرة النجاح التي كان غوادالوبي جزءًا لا يتجزأ منها.
وُلد الرجل الإسباني الأصل في نوشاتيل، مهد صناعة الساعات السويسرية الراقية، واكتسب سنوات من الخبرة في هذا القطاع من خلال عمله قبل هوبلو في دار بولغري ثم في دار بلانبان مع جان – كلود بيفر الذي جمعته به صداقة وطيدة.
في إطار الكشف مؤخرًا عن إصدارات هوبلو لعام 2022، كان لنا في "العالم الافتراضي" حديث خاص مع ريكاردو غوادالوبي اكتشفنا في سياقه أن الخبرة المديدة ليست وحدها سرّ نجاح الرئيس التنفيذي للعلامة في مساعيه. فإلى ذلك يُضاف شغف راسخ بالإبداع، ورؤية متبصّرة، ومقاربة واضحة للأهداف المستقبلية التي تضمن لهوبلو الحفاظ على موقع ريادي في مجال الابتكار.
انضممتم إلى هوبلو في عام 2004 وفي جعبتكم خطة طموحة لبث حيوية جديدة في الدار. ما هي أبرز الإنجازات التي تفاخرون بتحقيقها على مر هذه المسيرة؟
مرّ وقت طويل حقيقةً. انقضت 18 سنة! هل تتخيّلين ذلك؟ أشعر بفخر كبير لأني شاركت في ترسيخ هوية هوبلو من حيث كونها علامة بارزة في قطاع الساعات السويسرية. حتى عام 2004، لم تكون هوبلو علامة شهيرة على نطاق واسع. عندما انضممت إلى الدار آنذاك، ورحت أتحدث إلى بعض الأصدقاء هنا في سويسرا عن هوبلو، كان يتّضح لي أنهم لا يعرفون العلامة.
أما اليوم، فيكفي أن نذكر اسم هوبلو ليدرك الآخرون أن الحديث عن علامة أفخر بأنها تندرج اليوم ضمن قائمة أضخم العلامات في قطاع الساعات السويسرية وأبرزها.
في حديث سابق إلى مجلتنا، قلتم إن هوبلو توثّق الروابط بين الماضي والمستقبل، وبين أصالة التقاليد والابتكار. فكيف يتجلى فن الانصهار هذا في إصدارات عام 2022 من الساعات؟
يجسّد فن الانصهار خارطتنا الجينية، لذا نحرص دومًا على تطوير ساعات تتلاحم فيها التقاليد مع حس الابتكار. ولا شك في أن طراز Bing Bang Integral Time Only الذي نكشف عنه اليوم يشكل خير مثال على ذلك. بل إننا نتوقع أن يكون لهذا الطراز دور في تعزيز نمو هوبلو من دون تقويض طابع الندرة المميز لعلامتنا. ابتكرنا ساعة بسوار مدمج، وسعينا جاهدين للإتيان بسوار يعكس فن الانصهار من المنظور التصميمي ويتفرّد بهوية متمايزة.
وغني عن القول إن السوار يطرح التحدي الأكبر في الساعة عندما يتعلق الأمر بالإتيان بتصميم أيقوني متفرّد. بل إني قد أقول إن عدد الطُرز التي تزهو حقيقة بسوار أيقوني في قطاع صناعة الساعات لا يزيد على خمسة طُرز. رأيت أيضًا أن نعتمد للساعة ميناءً مفتوحًا يتيح للناظر التأمل في الآليات الميكانيكية للمعيار الحركي، وهذا أيضًا يعكس حسّ ابتكار متميز، علمًا بأن دورًا أخرى قد شرعت تحذو هذا الحذو.
أما في يخص خيار المواد، فإن السيراميك، الذي كان لهوبلو دور ريادي في استقدامه إلى صناعة الساعات، يعكس مرة أخرى في إصدارات هذا العام فن الانصهار. وفي حين تميل كثير من الدور إلى استخدام الفولاذ، نؤثر في هوبلو مادة التيتانيوم الأخف وزنًا والتي توفّر قدرًا أكبر من الراحة لصاحب الساعة، وإن كان إنتاج علب الساعات المصنوعة من هذه المادة يطرح صعوبات أكبر. أما في ساعة Sang Bleu، فهذا الفن يتجسّد في التصميم المستلهم من فن الوشم. إنها بلا شك ساعة جديدة مبتكرة توظّف حداثة فن الوشم في تصميم لا مثيل له. وعلى ما يقتضيه حس الابتكار، نقدم هذه الساعة في نسخة من "الذهب السحري" Magic Gold المرّكب من الذهب والسيراميك، وفي نسختين من السيراميك باللون الأخضر واللون الأسود. نسعى دومًا للإتيان بمنتجات نعبّر من خلالها عن فن الانصهار.
للذهب الأصفر أيضًا حضور طاغ في إصدارات هذا العام. فما الذي حفّز اختيار هذه المادة وهل لديكم ساعة مفضلة ضمن المجموعة الجديدة؟
يُعد الذهب الأصفر مادة تقليدية تستخدمها كثير من الدور في ابتكاراتها، لا سيّما وأن هذا المعدن بالغ القدم. لكننا اليوم نرجع باستخدامنا له إلى جذورنا. ففي عام 1980، طرحنا أول ساعة من طراز Fusion في علبة من الذهب الأصفر تتكامل مع سوار من المطاط، ما يعكس مجددًا روح فن الانصهار. ولأننا لم نطلق على مر السنوات العشرين الأخيرة أي ساعة من الذهب الأصفر، فكرت أن نعيد تقديم هذا المعدن هذه السنة في ابتكار جديد. ارتأيت أن الوقت قد حان لذلك، واتبعت حدسي وإحساسي. ثمة دورة للتوجهات في عالم الأزياء والأناقة على ما تعلمين.
قد تستمر الدورة في ما يخص بعض التوجهات عشر سنوات، فيما أخرى تدوم خمس سنوات أو ربما عشرين سنة. وقد ساورني شعور بأن الذهب الأصفر سيعود ليشكل توجهًا سائدًا. لذا قررنا استخدام هذه المادة في كل من مجموعاتنا، من Big Bang Unico وSpirit of Big Bang إلى Classic Fusion وBing Bang Integral Time Only. أما الساعة المفضّلة عندي، فهي ساعة Big Bang Unico لأنها تجسّد حقيقة هوية هوبلو اليوم. إنها تجمع بين آلية حركة الكرونوغراف الخاصة بالدار من طراز Unico وتصميم ساعة Big Bang التي تمثّل بالطبع مجموعتنا الأيقونية.
ينظر كثيرون إلى هوبلو من حيث كونها رائدة في تحديد التوجّهات السائدة عندما يتعلق الأمر باختيار مواد الساعات. فالدار كانت السبّاقة أيضًا إلى استخدام السيراميك ثم السيراميك الملوّن. فماذا بعد؟
يُعد السيراميك مادة ذات أهمية خاصة لدار هوبلو التي كانت الرائدة في استخدامه في الساعات الفاخرة، واليوم تعتمد دور أخرى هذه المادة في ابتكاراتها. كنا أيضًا أول من أدخل الكريستال الياقوتي إلى عالم الساعات سنة 2016، ونجحنا منذ ذلك الحين في تطوير هذه المادة في ألوان وأشكال مختلفة سنكشف عن مجموعة جديدة منها هذه السنة في معرض واتشز أند وندرز Watches and Wonders (ساعات وعجائب) الذي ينعقد أواخر شهر مارس.
إننا نعمل على تطوير مركّبات مختلفة من خلال قسم الأبحاث والتطوير الذي نوليه اهتمامًا بالغًا ونستثمر مبالغ طائلة فيه لنحافظ على موقعنا الريادي عندما يتعلق الأمر بابتكار مواد جديدة بل آليات حركة جديدة. لكن العمل على مواد جديدة قد يستغرق شهورًا أو سنوات. باختصار، الابتكار الأحدث لهذا العام على هذا المستوى سيكون لونًا جديدًا من الكريستال الياقوتي.
Fred Merz | lundi/حديث خاص مع ريكاردو غوادالوبي الرئيس التنفيذي لدار هوبلو
صرّحتم مرة بأن قطاع الساعات يحتاج دومًا إلى إعادة ابتكار نفسه. فكيف تصفون رؤيتكم لمستقبل هوبلو على هذا المستوى؟
لا بد لنا في هوبلو أن نعيد دومًا ابتكار أنفسنا. فهوبلو علامة حديثة العهد نسبيًا إذا ما قارناها بالدور التقليدية التي يمتد تاريخها نحو 200 عام. لذا لا نستطيع الإتيان بساعات مشابهة لتلك التي تبتكرها دور أخرى. يتمثّل التحدي الرئيس لنا بالابتكار، سواء على مستوى المواد أو آليات الحركة. لذا أنشأنا على سبيل المثال هذا المصنع في منطقة نيون بسويسرا ليتسنّى لنا إنتاج آليات حركة خاصة بنا. قد يستغرق تطوير آلية حركة جديدة من الصفر خمس سنوات، أو ست سنوات، أو ثماني سنوات. ويمكنني القول إننا نعمل حاليًا في أقسامنا التقنية، وخصوصًا في ما يتعلق بآليات الحركة، على مشاريع للسنوات الخمس والعشر والعشرين المقبلة.
نعمل جاهدين على الإتيان بآليات حركة ذات مزايا ميكانيكية مبتكرة على ما شهدنا مثلاً في إصداراتنا المتميزة مثل طراز Big Bang MP-11 حيث دمجنا في آلية الحركة براميل عدّة للطاقة توفّر احتياطًا يدوم 14 يومًا. نسعى إلى البقاء في الطليعة عندما يتعلق الأمر بالابتكار، وهذا ما ننوي تحقيقه من خلال عشرات المشاريع التي نعمل عليها اليوم على مستوى التصميم، والمواد، وآلية الحركة.
انطلاقًا من تجربتكم الخاصة، ما هي برأيكم أبرز العوامل التي تحدد اليوم وجه مستقبل صناعة الساعات؟
قبل 100 عام، كانت الساعة تُعد ضرورية لقراءة الوقت، وربما التاريخ. لكننا لم نعد نحتاج إلى ساعة لتحقيق مثل هذه المعرفة. فأجهزتنا الإلكترونية، من الهاتف إلى الحاسوب، تغنينا عن ذلك. تحوّلت الساعة في المقابل إلى غرض للزينة، أو عمل إبداعي يجسّد حلمًا، وبتنا في قطاع الساعات الميكانيكية نبتكر فنًا.
في دار هوبلو، لا يقتصر الأمر على فن صناعة الساعات، بل يتجاوزه إلى بناء علاقات وثيقة مع عالم الفنون الأوسع، على ما تشهد مثلاً شراكتنا مع الفنان تاكاشي موراكامي، وساعات Sang Bleu، حيث ترقى كل ساعة إلى مرتبة عمل فني يحافظ على قيمته للمستقبل. لذا أعتقد أن المستقبل هو لتطوير أعمال فنية في هيئة ساعات.
لا تقتصر شراكات هوبلو على عالم الفنون. فقد أثبتت رعاية العلامة بطولات كرة القدم فعالية في توفير منصة ذات جدوى. ما هي مخططاتكم اليوم فيما يتعلق بتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم للمرة الأولى في الشرق الأوسط والعالم العربي؟
لكل بطولة من بطولات كأس العالم هويتها المتفرّدة، ونحن في هوبلو نواكب هذا التفرّد. في دورة عام 2014 في البرازيل، احتفينا بهذه الشراكة عبر افتتاح فندق هوبولو بالاس Hublot Palace عند شاطئ كوبا كابانا في وسط ريو دي جينيرو متيحين لفريقنا والزبائن والهواة اختبار تجربة متفرّدة.
وفي عام 2018، اعتمدنا للحدث مقاربة تتناغم مع الثقافة المحلية في روسيا التي استضافت البطولة آنذاك. أما هذا العام، فسنركز بالطبع على أن نوفّر تجربة عربية تقليدية بامتياز من خلال بناء قرية في عمق الصحراء تتناثر فيها المضارب التقليدية ومواقد النار. نخطط لاستضافة نحو ألف شخص نريد لهم الاستمتاع بالطبع بمباريات كرة القدم، ولكن الانغماس أيضًا في تجربة أصيلة تحتفي بالثقافة العربية وتقاليدها.
ساعات Hublot
كيف اختبرتم في هوبلو تأثيرات الجائحة العالمية وهل اعتمدتم استراتيجيات خاصة للتخفيف من وطأتها والتكيف مع المتغيرات التي فرضتها؟
شكلت الجائحة صدمة للجميع. في عام 2020، اضطررنا إلى إقفال المصنع طيلة ثلاثة أشهر، وفي مرحلة ما، أغلقنا متاجرنا حول العالم. لذا كان لا بد لنا من أن نعيد ابتكار قنوات التواصل. وبالرغم من أن العالم الرقمي كان قد بدأ يكتسي أهمية بالغة حتى قبل ذلك، إلا أنه بات عاملًا رئيسًا للتواصل مع زبائننا الذين كان يصعب الوصول إليهم في العالم الواقعي. لذا قررنا تعزيز حضورنا على الشبكة الرقمية.
لكني أعتقد أن المقاربة الرقمية لا تقتصر على البيع عبر الإنترنت. إنها توفّر منصة للتواصل مع الزبائن بما يتيح لنا أن نقدم لهم تجربة متميّزة من منظور رقمي عبر موقعنا الإلكتروني وحساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي. أرى أن العالم الرقمي والعالم الواقعي يتكاملان. فحتى بعد رفع القيود التي فرضتها الجائحة، تشكل المنصة الرقمية وسيلة فاعلة، لا سيّما وأننا في بعض المدن لا نمتلك نقاط بيع. تتمثل الفكرة الرئيسة إذًا بالتواصل رقميًا مع الزبون لتحويل تجربته الرقمية في النهاية إلى تجربة حسية في أحد متاجرنا.
ساعات Big Bang Integral Time Only
ما هو أعظم درس تعلّمته من العمل مع جان - كلود بيفر؟
أعرف جان - كلود بيفر منذ 28 عامًا، وقد تعلمت منه الكثير. إنه بالطبع مرشدي ويُعد من كبار الشخصيات في قطاع الساعات. تعلمت منه خصوصًا تلك الفلسفة التي نعتمدها اليوم في دار هوبلو - وإن كانت تصلح لأي دار وأي شخص – التي يجوز اختصارها بالآتي: احرص دومًا على إيجاد سبيل إلى التفرّد. كن متمايزًا، وكن في الطليعة دومًا في أي عمل تحققه.
ما أكثر ما يثير شغفك في مهنتك؟
أكثر ما يفتنني هو الإبداع في سياق تطوير ساعة جديدة. كنت من الذين شاركوا في ابتكار ساعة بيغ بانغ التي شكلت ربما أكبر إنجاز لنا في عام 2005. كان من الرائع بعد تطويرها أن أرى كثيرين يتزيّنون بنماذج منها. وأنا مولع اليوم باستمرار العمل على تطوير هذا الخط.
HUBLOT/ساعة Big Bang Unico Sang Bleu II
هل تستهويك عوالم أخرى؟
أحب الحياة عمومًا، ويستهويني فن الطهو. بل إني أجد أوجه شبه كثيرة بين هذا الفن وصناعة الساعات، وهذا ما حفّز دخولنا في شراكة مع فريق من كبار الطهاة حاملي ثلاث نجوم ميشلان. فنحن نتشارك الشغف نفسه. عندما يبتكر الطاهي طبقًا ما، من الضروري أن يكون أيضًا شغوفًا بعمله. يُعد الوقت ومعايير الجودة أيضًا من العناصر المهمة في كلا المجالين.
ما هي السعادة عندكم؟
إنها برأيي أن يكتشف المرء في عمله مكمن شغف. يعمل كثيرون بهدف كسب قوتهم، لكنهم لن يختبروا السعادة الحقيقية إلا عندما لا يعود ما يقومون به وظيفة فقط، بل مسيرة شغف وحياة.