يحمل مالكوم وود في جعبته خبرة في قطاع المطاعم تمتد أكثر من عشرين عامًا، افتتح في سياقها، من خلال شركته Maximal Concepts، التي أسسها مع شريكه مات رايد، أكثر من 36 مطعمًا مختلفًا، حتى تكرّست شهرته صانعًا للتغيير في هذا القطاع. لكن التغيير في قاموس وود وإنجازاته لا يقتصر على الإتيان بمفاهيم مبتكرة لتجارب الطعام أو على تبني مبادئ الاستدامة في هذه المفاهيم، بل يتجاوز ذلك إلى الاضطلاع بدور مؤثر في تحقيق مستقبل بيئي أفضل للأجيال المقبلة، يساعده في ذلك شغفه الراسخ بالمغامرات الرياضية في الطبيعة.
تزامنًا مع افتتاح مطعمه الأحدث Mott 32 Dubai في دبي، يتشارك مالكوم وود مع قرائنا أسباب نجاح نموذج الأعمال الذي يعتمده فيما يسلّط الضوء على أزمة التغير المناخي ومساعيه للتصدي لها.
متى اكتشفت شغفك بالطعام وما الذي حفّز حقيقة اهتمامك بقطاع المطاعم؟
يرجع هذا الشغف إلى نشأتي في أوساط عائلة من جنسيات متعددة، وارتحالي الدائم من حول العالم وأنا لا أزال في سن صغيرة. كانت جدتي، التي يقع منزلها على مقربة من مدرستي في تايوان، تتقن الطهي وتعد أطباقًا تايوانية رائعة. أما جدي البريطاني، فكان مدخلي إلى أسلوب الطهي الكلاسيكي في الغرب، وقد علّمني أهمية أن أعرف دومًا مصدر طعامي. لطالما كانت وجبة العشاء مناسبة للتواصل مع عائلتي. لذا أعتقد أن العمل في قطاع المطاعم كان دومًا بدافع ذاك الحب الذي يسري في عروقي لهذا العالم.
ما أكثر ما يبهرك في فن الطعام؟
لا شك في أن الشغف بالطهي عامل مهم، لكنك في عالم محترفي فنون الطهي تحتاج أيضًا إلى أن تكون مبدعًا وتقدم مستوى رفيعًا من الابتكار. فالمثابرة عنصر أساسي، وما يهم حقيقة هو طريقتك في التعبير عن مهاراتك في تقديم الأطباق بأسلوب مبتكر.
بداية من ابتكار مفهوم المطعم إلى إعداد الطبق، يتطلب هذا المسار الكثير من التفكير والعمل الجاد. فكل طبق يُعد متفردًا، والارتقاء به يستلزم شغفًا وطاقة. لذا نقارب كل مشروع نقبل عليه بجدية بالغة وأعتقد أن هذا التوجه يتجلى دومًا في قائمة الطعام التي نقدمها للضيوف.
اشتهرتَ على مر مسيرتك بصانع التغيير في قطاع المطاعم. فما هي وصفتك السرية لتحقيق النجاح في سياق نشر ثقافة التغيير؟
لا بدّ من فهم مواطن القصور في السوق ومتطلباته، ومن ثم العثور على فريق عمل يتمتع بالنهج الفكري الضروري لتحقيق التغيير. نجد دومًا أفرادًا متحمسين تلهمهم مشاريعنا بقدرنا، ولذا ننجح في مساعينا. من الضروري أيضًا أن نخرج بأفكارنا عن حدود المتوقع والمألوف، لا سيّما على مستوى المنهجية الإدارية والتطبيق. فالتمتع بحس ابتكار في إدارة الأعمال كفيل بإحداث التغيير المرجو في الثقافة والتوجّه المعتمد في كل موقع.
تشتهر مجموعة Maximal Concepts بمطعمها الرئيس Mott 32 الذي تتوزع فروعه اليوم على سبع وجهات عالمية، وأحدثها في دبي. ما هي المقاربة التي تعتمدها للحفاظ على هوية المطعم المميزة بموازاة الاستجابة لمتطلبات الذائقة المحلية؟
Artur Begel
مطعم Mott 32 Dubai الذي افتتحه وود الشهر الفائت في دبي.
نستقدم إلى كل مطعم من مطاعم Mott 32 ما نسبته 80% من الأطباق الكلاسيكية المدرجة على قائمتنا في هونغ كونغ، فيما نعمل على تكييف النسبة المتبقية بما يتماشى مع السوق المحلي. إننا نفخر بمقدرتنا على إضفاء لمسة محلية على مطاعمنا، واستخدام أفضل المكوّنات، وتخصيص الكثير من الوقت للبحث عن أفضل الموردين في الوجهة المحلية.
فمن المهم لنا ألا نكتفي بتوفير مكوّنات عالية الجودة، بل أن نضمن أيضًا التعامل مع مورّدين يشاركوننا أفكارنا عندما يتعلق الأمر بالممارسات الخُلقية، والاستدامة، والرفق بالحيوان. وبالحديث عن الطابع المحلي للوجهة، يسرّنا أننا دخلنا في شراكة مع سانسيت للضيافة لتحقيق رؤيتنا لمطعم Mott 32 Dubai.
فالمجموعة تمتلك خبرة واسعة في ابتكار تجارب ضيافة متفرّدة في أنحاء مختلفة من العالم، وفي تقديم مفاهيم جديدة رائدة. كما أنها تتبنّى قيمنا نفسها، ويمكنها أن تكون مرشدًا لنا عندما يتعلق الأمر بالتطبيق وبالجانب الاختباري من العمليات.
يوظّف الرياضي وود مغامراته في التحليق المظلي وتسلق الجبال لتسليط الضوء على تأثيرات التغير المناخي.
ما هو أبرز طبق قد توصي الذوّاقة بألا يفوتوا فرصة تجربته عندما يزورون مطعم Mott 32 دبي؟
يتربع على عرش الأصناف التي ينبغي للضيوف تجربتها طبق البط المدخن بالنفحات العطرية الحلوة لخشب أشجار التفاح، والذي يُقدم إلى جانب مكوّنات كلاسيكية تقليدية مثل الفطائر الطازجة المطهوة على البخار، وشرائح الخيار الرقيقة، والبصل الأخضر، وسكر القصب غير المكرر، وصلصة هويزن الخاصة التي نعدها في مطبخنا. نقطّع البط أمام مائدة الضيوف باستخدام تقنية خاصة تتيح حفظ العصائر بداخله. ولا أخفي أننا عملنا على مدى أشهر للإتيان بمسار متقن يتيح الحفاظ على اللحم طريًا مع الإبقاء على الجلد مقرمشًا، ومن ثم فكرنا في الطريقة المثلى التي تتيح للزائرين الانغماس في هذا المسار.
خلفت الجائحة العالمية تداعيات هائلة على قطاع الضيافة. فكيف اختبرتم تأثيرات الأزمة؟
كانت جائحة كوفيد-19 من أكبر التحديات التي واجهتنا في مهنتنا. فأصحاب الشركات كلهم، ومنهم أصحاب المطاعم، اختبروا مشكلات لم يتوقعوا قط أن يضطروا إلى مواجهتها. للصمود في وجه العاصفة، اضطررنا إلى اتخاذ بعض القرارات التي ينفطر لها القلب.
كان علينا أن "نعيد بناء" سفينة قادرة على تحمّل العاصفة وليس الموجة الأولى فحسب. أُجبرنا نتيجة لذلك على إغلاق مطعمنا Brickhouse بعد ثماني سنوات تألقت فيها هذه الوجهة الشهيرة بشطائر التاكو، وأيضًا مطعمنا الحديث John Anthony في خليج كوزواي بهونغ كونغ.
لكن أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي صاحب عمل هو ألا يكون قادرًا على رعاية فريق عمله في مثل هذه الظروف واضطراره إلى اتخاذ قرارات مجبر عليها. كان التصدي للتداعيات مهمة شاقة حقيقةً.
وود في مطعم John Anthony في هونغ كونغ.
انطلاقًا من تجربتك الخاصة، ما هي العوامل التي ترسم اليوم وجه مستقبل قطاع المطاعم؟
لا شك في أن الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية فرضت إيقاعها المتقلب على الناشطين في قطاع المطاعم، ما أتاح للاعبين جدد دخول السوق من باب فرص لم تكن لتسنح لهم في الظروف التقليدية. كما أن أحدًا لم يعد يستطيع النجاة بالاعتماد على مفهوم لا يرقى إلى المستوى المطلوب.
لكن من الضروري أن نذكّر بأن لكل سوق مزاياها، لذا درسنا مطوّلاً سبل تطبيق استراتيجيات مدروسة لكل سوق بما يتماشى مع متطلبات المستهلكين وتوقعاتهم.
وفي أيامنا هذه، لا بد للشركات في قطاع المأكولات والمشروبات من أن يوازنوا بين التكاليف المتزايدة والمقدرة على إدارة التضخم. بات توافر اليد العاملة يطرح أيضًا مشكلة في ظل اختيار عدد أقل من أفراد العمل في هذا القطاع. لكن بالرغم من أن التحلي بالإرادة والحماس للمخاطرة، والجرأة على الخروج على المألوف ليسا بالأمر السهل في أي بيئة، إلا أن المساعي تُكافأ دومًا إذا ما كان التنفيذ صحيحًا.
يشكل مفهوم الاستدامة مبدأ راسخًا تسترشدون به. ما هي أبرز التحديات التي تواجهونها على هذا المستوى؟
منذ انخراطي في مشروع A Plastic Ocean (محيط بلاستيكي)، بتنا أول شركة تُقصي الأدوات البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة. لكن تحقيق الاستدامة في قطاع المأكولات والمشروبات يفرض تحديات أبرزها العثور على مورّدين خُلقيين، والحد من الهدر الغذائي، ومن نفايات التوضيب والمواد التي تُستهلك لمرة واحدة.
من المعروف أن هذا المسار أكثر كلفة، ويستغرق وقتًا أطول وجهدًا أكبر، لكن الحال ليس كذلك دومًا. حرصنا على ألا نستخدم أيًا من هذه الأعذار في سياق التخطيط لمطاعمنا. والحقيقة هي أن استقدام مفهوم الاستدامة إلى مطعم قائم سيكون أكثر صعوبة من تطبيق الاستدامة منذ البداية.
وعندما كنا نعجز عن إيجاد حل لمشكلة ما، كنا نعمد إلى ابتكار الحل. نعمل عن كثب مع مصنّعين يشاركوننا رؤيتنا، ومعًا نطوّر حلولاً للبلاستيك القابل للتسميد. إنه نوع من البلاستيك القابل للتحلل الحيوي بنسبة 100%، والآمن للاستخدام الغذائي، والأشد متانة من البلاستيك التقليدي، والأبخس ثمنًا في غالب الأحيان. إن هذه الفوائد، وما تحققه أيضًا من منافع صحية، تجعل قرارنا باستحداث تجارب طعام مستدامة أمرًا طبيعيًا.
اختير وود للانضمام إلى حملة "أبطال الجبال" بوصفه واحدًا من الرياضيين المؤثرين المناصرين لقضايا التغير المناخي.
تتصدى أيضًا على المستوى الشخصي للمشكلة الكبرى، وأقصد التغير المناخي. فما الذي دفعك إلى الانخراط في المبادرات البيئية؟
تسنت لي الفرصة للتواصل مع عالم الطبيعة منذ صغري. فلطالما اصطحبنا والدي في مغامرات مختلفة شملت عبور إفريقيا على متن مركبة دفع رباعي والإبحار عبر الأعاصير في البحر الكاريبي. وخلال نشأتي في هونغ كونغ، كنت وأفراد عائلتي نقضي كل عطلة أسبوع في الطبيعة، نتنزه في رحابها ونتسلق الجبال.
والآن في شامونيكس أجدني محاطًا بالمشاهد الطبيعية الأشد روعة، لكنني أراها تتلاشى على مرأى من ناظري. أريد لأولادي أن يختبروا خلال نشأتهم العالم بجمالياته كلها، على ما فعلت أنا. لا أريد لهم أن يكبروا محاطين بالنفايات أو يستنشقوا الهواء الملوّث، لذا لا يسعني أن أقف مكتوف اليدين. يحتّم عليّ ضميري أن أفعل ما باستطاعتي لإحداث التغيير، وأنا ممتنّ لأن نشأتي تتيح لي ذلك.
شملت هذه المساعي الفيلم الوثائقي A Plastic Ocean الذي حقق جوائز في عام 2017، وفيلمكم الأخير The Last Glaciers. ماذا تعلمت من هاتين التجربتين وكيف أثرت استكشافاتك على منظورك إلى عالمنا؟
لا أخفي أن العمل على فيلم "محيط بلاستيكي" شكل صدمة لي. كنت أعلم أن المشكلة جدية، لكن الوضع أذهلني حقيقة عندما شاهدت المقاطع المصوّرة. كانت تلك هي اللحظة التي قررت فيها إزالة الأدوات البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة من مطاعمنا وابتكار نموذج أعمال أكثر استدامة للوصول قدر الإمكان إلى تحقيق معدل صفر نفايات بلاستيكية.
أما فكرة فيلم "آخر الأنهار الجليدية"، فخطرت لي ولمخرج الأفلام كريغ ليسون بعد عودته من رحلة تزلج في الألب اكتشف خلالها النقص المهول في كمية الثلوج. وبدافع من فضولنا لمعرفة السبب، لقينا علماء في المناخ من المنطقة واكتشفنا أن المشكلة عالمية ولا تقتصر على جبال الألب.
وغني عن القول اليوم إن الأنهار الجليدية في العالم تتصدر واجهة مشكلة التغير المناخي، لا سيّما أنها تتلاشى بسرعة غير مسبوقة. فذوبان الأنهار الجليدية يخلّف تأثيرًا بالغًا على أنظمة بيئية مختلفة، من ارتفاع مستويات سطح البحر إلى توفير المياه لمليارات الأشخاص من حول العالم.
فالبعض سيعاني الطوفان فيما البعض الآخر سيعاني الجفاف. وبالرغم من أن معدل الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة قد يتفاوت من مكان إلى آخر، إلا أن التأثيرات ستطال العالم كله.
جرى اختيارك أخيرًا سفيرًا للأمم المتحدة. فهلا حدثتنا عن حملة Mountain Heroes البيئية التي أطلقتها المنظمة؟
"أبطال الجبال" حملة عالمية أطلقتها منظمة الأمم المتحدة بمشاركة رياضيين مؤثرين مولعين بمناصرة قضايا التغير المناخي والاستدامة. وفي إطار تمثيلي لهذه الحملة، من واجبي أن أروّج للاستدامة بوصفي رائد أعمال، وأن أسلط الضوء على تأثيرات التغير المناخي بوصفي رياضيًا مغامرًا.
فانطلاقًا من مغامراتي في التحليق المظلي وتسلق جبال الألب، يمكنني أن أقدم منظورًا متفردًا، إذ أستخدم الطائرات الشراعية وأجنحة السرعة لالتقاط صور من زوايا لم تصل إليها آلات التصوير من قبل بهدف تقديم إثباتات على الأزمة المناخية بموازاة تعزيز الوعي بالتغيرات الطارئة والحث على القيام بما يلزم للحد من تدهور المناخ.
إن غايتي المثلى هي الاستمرار في نشر الوعي الثقافي، لأني أعتقد أن أي شخص يتعزز إدراكه لما يحدث من حوله أو حقيقة ما يراه سيرغب في البدء باستخدام موقعه لإحداث التغيير، كبيرًا كان أم صغيرًا. إن من واجبنا نحن البشر أن نتشارك الخبرات والمعارف.
تعاون وود مع شركة Outremer الفرنسية للترويج ليخت Meru والحد من الانبعاثات الكربونية في عالم الإبحار.
هل اكتشفت في أسفارك الكثيرة وجهة مفضلة؟
الحقيقة هي أني أحاول اليوم ألا أسافر كثيرًا بسبب التأثيرات البالغة لحركة الطيران على البيئة. أحرص دومًا على دفع تعويض عن البصمة الكربونية لرحلاتي، وخلال إنتاج فيلم "آخر الأنهار الجليدية" تعاونت على تحقيق ذلك مع شركة Cathay Pacific.
أما إذا كان عليّ أن أختار وجهة مفضلة، فإني سأقول نيبال، ذاك العالم الروحاني والنقي. فالتوجّه إلى جبال الهمالايا يشبه العودة إلى منزلك في الطبيعة. لكن المشكلة هي أن هذه الأماكن باتت اليوم تحتشد بالزائرين وبنفايات قطاع السياحة.
وبالرغم من أن بلدانًا مثل نيبال تبقى الأقل تسببًا في التغير المناخي، إلا أنها تعاني أبلغ تأثيراته، ومن الضروري أن نغيّر طريقتنا في السفر للتعويض عن ذلك. عندما أسافر، أحاول دومًا أن أسهم إيجابيًا في البلد الذي أقصده عبر دعم الشركات المحلية.
ولهذا أيضًا أسسنا مؤسسة ميرو Meru Foundation التي توفّر الدعم لبلدان مثل نيبال. قبل بضع سنوات، ساعدنا على تمويل مدرسة وبنائها في أرناكوت، وكانت تلك المبادرة من التجارب الحياتية التي حققت لي أكبر منفعة.
أين تجد الإلهام وما هو تعريفك للسعادة؟
أجد الإلهام دومًا في الابتعاد قليلاً عن حدود عملي. أما أكبر مصدر للإلهام عندي، فهو الوجود في الطبيعة حيث أستنشق الهواء النقي فيما أرتّب أفكاري وأطلق العنان لمخيلتي الإبداعية. بل إن السعادة برأيي هي تلك اللحظات التي أمضيها مع أولادي مستأنسًا بسكينة الطبيعة.
أفرح لرؤية وجوههم تشعّ بالبهجة فيما يتعلمون التزلج أو صيد الأسماك. فلا شيء يضاهي هذه اللحظات. أتمنى حقيقةً أن نجد لأنفسنا مخرجًا من هذا المأزق الذي تسببنا فيه، وسأستمر في العمل على تحقيق هذه الغاية طالما أمكنني ذلك.