"ستظل الرفاهية تشكل جزءًا لا يتجزأ من تجارب الضيافة. لكن المستقبل يقتضي تبنّي مقاربات مختلفة في طليعتها التركيز على الاستدامة".
لا يمكن لأحد أن يقدّر أن تكون مهمة باسكال كاميا سهلة. فابن موناكو الذي يتولى إدارة عمليات الفنادق والمطاعم والمرافق الترفيهية في مجموعة مونتي - كارلو سوسييته دي بان دو مير Monte-Carlo Société des Bains de Mer بموناكو يشرف على محفظة ضخمة تشمل أربعة فنادق وما يزيد على 33 مطعمًا يحمل أربعة منها ما مجموعه سبع نجوم ميشلان.
لكن كاميا، الذي تخصص في العلوم الاقتصادية قبل أن يحوز شهادة في إدارة الفنادق وشهادة ماجستير في عالم الشركات، والذي انضم إلى المجموعة منذ عام 1994، يحمل في جعبته زادًا من الخبرات التي تدعم إدارته المتقنة لملّفاته.
وإلى هذا الزاد يُضاف شغف راسخ بعالم الضيافة وما يتيحه له من فرص استكشافية، ورؤية واضحة تستلهم إرث موناكو والمقاربة التقدمية الريادية التي تتبنّاها المجموعة في مونتي – كارلو لرسم ملامح مستقبل الغلبة فيه لتجارب حصرية تلبي توقعات الضيوف وتتجاوزها على ما يخبرنا في سياق حديث خاص لمجلة Robb Report العربية.
متى اكتشفت شغفك بعالم الضيافة وما الذي حفّز اهتمامك بهذا القطاع خصوصًا؟
صحيح أن والديّ لم يمتهنا العمل في قطاع الفنادق، لكني أدركت رغبتي في الالتحاق بهذا العالم منذ أن كنت في عمر المراهقة. بوصفي ابن موناكو، وبالرغم من أني لم أكن من ضيوف ملكياتها الفندقية الفاخرة، من أوتيل دو باري إلى فندقي إيرميتاج مونتي - كارلو ومونتي - كارلو بيتش، إلا أنها كانت مألوفة لي كونها تشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية موناكو.
وقد يكون الدافع وراء رغبتي تلك هو ميلي المبكّر إلى لقاء أشخاص من جنسيات مختلفة واستكشاف الثقافات المتنوّعة. كنت لا أزال في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من العمر عندما قررت أن أطمح إلى بلوغ منصب مدير لأحد الفنادق.
وفي سياق بحث والديّ عن وسيلة لمساعدتي على تحقيق طموحي، اكتشفا أن المسيرة الدراسية في مدرسة لوزان السويسرية لإدارة الضيافة تستغرق وقتًا طويلاً، فتقرر أن أتابع تحصيلي العلمي في مجال علوم الاقتصاد، وقد حزت شهادة ماجستير في هذه العلوم، لأنتقل بعد ذلك لمتابعة برنامج دراسات في الضيافة من معهد غليون للدراسات العليا في سويسرا لمدة 18 شهرًا.
وتدرّجت في سياق ذلك مدة سنة كاملة في منصب مدير للأغذية والمشروبات في أحد فنادق روما وسنة أخرى في لندن. رسّخت تلك التجربة اهتمامي بقطاع الضيافة وطموحي لبناء مسيرتي المهنية فيه.
Philippe Fitte
كيف تقيّم التحديات التي ينطوي عليها دورك في ظل إدارتك لمحفظة ضخمة تضم أربعة فنادق، وأكثر من 30 مطعمًا، والعديد من مرافق الترفيه والرفاه الصحي؟
يكمن التحدي اليوم في أن نواصل إعادة ابتكار أنفسنا واستشراف توقعات ضيوفنا، لا سيّما أن كثيرين منهم يعودون في زيارات متكررة، وفي طليعتهم مواطنو دول الخليج العربي الذين يشكلون نسبة كبيرة من ضيوفنا في موسم الصيف.
لذا من الضروري ألا نبقى مقيّدين بما نقدّمه وأن نسعى دومًا إلى فهم تطلّعاتهم، وهذه مهمة راسخة لدينا وهي قد تبدو سهلة وصعبة في الوقت نفسه.
إنها سهلة لأن موناكو بلد صغير وهذا يجعل ترتيب الأمور والمستلزمات هيّنًا لكنها صعبة أيضًا للسبب نفسه لأننا نحتاج دومًا إلى النظر خارج حدود موقعنا بحثًا عن تجارب مثيرة يمكننا استقدامها إلى هذه الوجهة.
ونحن نركّز في هذا السياق على أربعة مجالات هي الثقافة، والترفيه، والرياضة، وتجارب الطعام. ولا حاجة لأن نقول إننا في المجموعة نتميّز بدورنا الريادي على مستوى التأسيس لتوجّهات جديدة.
بل إن مونتي - كارلو استُحدثت لهذه الغاية. لذا نحرص على تبنّي مقاربة منفتحة في هذا القطاع الذي يتيح لنا تجارب استكشافية مختلفة تساعدنا على تحسين أنفسنا باستمرار.
YANN SASPORTAS
ينُظم سباق جائزة موناكو الكبرى للفورمولا 1 عبر طرقات الإمارة وليس في حلبة مغلقة.
تشتهر مجموعة مونتي - كارلو سوسييته دي بان دو مير بحكاية تاريخية أصيلة ترجع بداياتها إلى أكثر من 150 عامًا. ما هي المقاربة التي تعتمدونها لتحقيق التوازن بين هذا الإرث والزخم للحفاظ على موقع المجموعة الريادي في سوق السياحة الفاخرة بموناكو؟
عندما قرر الأمير تشارلز الثالث في عام 1863 إنشاء مونتي - كارلو بهدف توفير وجهة ترفيهية متكاملة لأبناء الطبقة الأرستقراطية، أطلق ما شكل بداية لحقبة جديدة في تاريخ إمارة موناكو. ومنذ ذلك الحين يتواصل العمل على تعزيز هذا الإرث، ويُخط فصل جديد كل 20 عامًا أو 25 عامًا في هذه الحكاية العريقة.
استقدمنا مثلاً قبل الحرب العالمية الأولى عروض الباليه الروسي إلى موناكو، وبعد الحربين العالميتين نشأت قصة الحب الأسطورية بين الأمير رينييه والنجمة غرايس كيلي، فشكلت موناكو وجهة لنجوم هوليوود وباتت محط أنظار العالم. توالت المشاريع بعد ذلك، بما في ذلك استحداث المباني والشواطئ، وتوسيع الأراضي، وبناء مدرج للمنافسات.
لا ننسى أيضًا أن موناكو كانت أول وجهة تستضيف في عام 1991 سباق الفورمولا 1 على طرقاتها وليس في حلبة مغلقة. لطالما كنّا أصحاب رؤية تقدمية، ونحن حريصون على صون هذا الإرث.
بل إن أهدافنا اليوم مع فريق التسويق تتمثل بابتكار فنون حياتية جديدة واستشراف ما يلبي توقعات ضيوفنا في عام 2025 وفي عام 2030 فيما نلحظ الفوارق الثقافية بين الضيوف من الجنسيات المختلفة لنتيح لهم تجارب تُبتكر على قياس ذائقتهم. من الرائع أن نلبي توقعات الضيوف، لكن الأروع والأفضل هو تجاوز هذه التوقعات.
فندق إيرميتاج مونتي – كارلو الذي تستلهم تفاصيله طابع الحقبة الجميلة.
ما هي أولوياتكم لهذا العام؟
في مرحلة ما بعد الجائحة، نحتاج إلى توفير مجموعة متنوعة من التجارب لضيوفنا، ونركّز خصوصًا على مجالين أولهما تجارب الطعام. افتتحنا في مطلع شهر أبريل الفائت مطعم أم شريف الذي يثري مرافق فندق أوتيل دو باري مونتي - كارلو بوجهة تحتفي بالمذاقات الأصيلة للمطبخ اللبناني المتوسطي.
أما في فندق إيرميتاج مونتي - كارلو، فاستقدمنا من خلال مطعم Le Pavyllon Monte-Carlo المفهوم المبتكر للطاهي العالمي يانيك ألينو، الحائز ثلاث نجوم ميشلان، القائم على مطبخ مفتوح وابتكارات متقنة تستحضر تجارب الطعام الراقية إلى وجهة عصرية غير متكلفة.
كما أننا قمنا بتعيين طاهية في فندق مونتي - كارلو بيتش، واستقدمنا أيضًا المطبخ البيروفي إلى موناكو من خلال مطعم كويا. إننا نركز دومًا على استحدث أساليب حياتية جديدة، وتجارب الطعام تشكل العنصر الرئيس فيها. أما العنصر الثاني، فهو العروض والحفلات الموسيقية، وسيشمل برنامج هذا العام عروضًا لنخبة من الأسماء العالمية، بما في ذلك حفل لتوم وجونز وجيمس بلانت، وآخر لبينك مارتيني.
بموازاة ذلك، نستضيف في شهر يوليو المقبل الحفل الشهير Bal de la Rose بعد أن قررت الأميرة كارولين تأجيله عن موعده السنوي في شهر مارس بسبب ظروف الجائحة (أطلق هذا الحفل الذي تحضره كبار الشخصيات للمرة الأولى سنة 1954 ببادرة من غرايس أميرة موناكو واليوم تُخصص عائداته لدعم مشاريع إنسانية وخيرية).
يعقب ذلك في الشهر نفسه حفل الصليب الأحمر التاريخي الذي اعتدنا تنظيمه منذ عام 1974 في قاعة Salle des étoiles والذي قرر الأمير ألبرت هذا العام تغيير صيغته الرسمية، لذا سيجري تركيب مسرح خارجي ضخم لهذا الغرض في باحة الكازينو ويلي ذلك حفل عشاء حصري يحضره 200 إلى 300 ضيف في شرفة Terrace du soleil.
يأتي هذا التعديل ليشهد على تبنّي مقاربات أكثر حداثة، وهذا توجّه تبرع فيه موناكو. باختصار، إننا نركز دومًا على التجارب الحصرية المتفرّدة، ومثال على ذلك تنظيم سباق جائزة موناكو الكبرى عبر طرقات الإمارة وليس في حلبة مغلقة. بل إن ضيوف الأجنحة الألماسية يحظون بتراخيص تتيح لهم متابعة السباق من شرفات خاصة وامتيازات حصرية للحضور في موقع غرفة العمليات الخاصة بالسباق.
يحتكر مطعم La Vigie المتخصص في لحوم الشواء، والتابع لفندق مونتي – كارلو بيتش موقعًا متفردًا على مشارف البحر.
في بدايات الجائحة العالمية، بدا أن قطاع الضيافة يواجه المجهول. كيف اختبرتم تداعيات الأزمة؟
كانت الاستراتيجية التي اعتمدناها تقوم بداية على حماية ضيوفنا وموظّفينا. اقتصر الحظر التام في موناكو على نحو شهرين ونصف شهر في عام 2020 فحسب.
وعندما أعدنا فتح أبواب مرافقنا، اتبعنا الإجراءات الوقائية اللازمة. لا شك في أن الأزمة قيّدت الحركة في عالم الترفيه لكننا استطعنا على الأقل إعادة تشغيل مرافقنا بدءًا من يونيو 2020، وذلك خلافًا لما كان عليه حال دول أخرى كثيرة فُرض فيها الإقفال لفترات طويلة.
كيف ترى مستقبل قطاع الضيافة؟ وما هي برأيك أبرز العناصر التي ترسم وجه هذا المستقبل؟
لا شك في أن الرفاهية ستظل تشكل جزءًا لا يتجزأ من تجارب الضيافة. لكن المستقبل يقتضي تبنّي مقاربات مختلفة في طليعتها التركيز على الاستدامة، سواء في ما يخص المستحضرات والمستلزمات المستخدمة في الملكيات الفندقية، أو تجارب الطعام التي تقوم على استخدام الموارد المحلية على ما يشير مفهوم "من المزرعة إلى المائدة".
أما العنصر الثاني، فيتمثّل بالحاجة إلى التركيز دومًا على ابتكار تجارب أصيلة للضيوف، وهذا عمل متجذّر في هوية موناكو وخارطتها الجينية منذ ولادتها. فموناكو ليست ديزني لاند. إنها وجهة تتقن فن ابتكار اللحظات الحصرية التي تترسّخ في الذاكرة. تُضاف إلى ذلك بالطبع مساعي اعتماد التقنيات الرقمية.
ما أكثر ما تحبّه في مهنتك؟
عندما يكون المرء شغوفًا بعمله يتفانى في أدائه. وقد يكون أكثر ما يستهويني في مهنتي هو أن كل يوم يحمل لي تجربة جديدة ويتيح لي لقاء أشخاص آخرين وتبادل الأفكار معهم، واستكشاف ثقافات وتوجهات وأنماط حياتية جديدة ومتنوّعة.
هل تستهويك عوالم أخرى؟
أحرص على ممارسة الجري للتخفف من ضغوط العمل. لكن جدول أعمالي المزدحم لا يتيح لي التفرّغ لأنشطة أخرى. أحبّ السفر أيضًا.
فندق مونتي – كارلو بيتش الشاطئي الذي يحمل توقيع المعماري إنديا مهدفي.
هل اكتشفت في أسفارك الكثيرة وجهة مفضلة؟
في كل وجهة أزورها أختبر تجربة استكشافية جديدة. فالاستكشاف في السفر مثير للاهتمام إذا كنت منفتح الذهن. دبي على سبيل المثال وجهة مُلهمة جدًا، لا سيّما أنها تتيح لنا في مجال عملنا نقاطًا مرجعية لقياس التميّز.
ما هي السعادة عندك وكيف يختبر المرء ذروة الرفاهية؟
تسنّت لي الفرصة مؤخرًا لاختبار قائمة الطعام الجديدة لموسم الصيف في مطعم لويس الخامس عشر Le Louis XV من آلان دوكاس (الحائز ثلاث نجوم ميشلان).
كانت تجربة رائعة يتلاقى فيها الطعام الذي يسمو بالذائقة مع الخدمة المميزة. تذوّقت آنذاك الروبيان المطهو بلا زيت أو زبدة. كان كل شيء بسيطًا، وهذا برأيي ما يجسّد المعنى الحقيقي للرفاهية.
فالأمر يتعلق دومًا باختبار لحظات أصيلة. شعرت أني أشبه بممثل في فيلم سينمائي ومشاهد له في الوقت نفسه. والسعادة عندي تكمن في أدائي عملاً أحبه وفي السفر مع عائلتي. أشعر بسعادة غامرة عندما أجلس مثلاً في مقهى صغير في بلد ما وأنغمس في تفاصيله. زرت وعائلتي العام الفائت الإكوادور وقضينا عطلة صيفية في جزر غالاباغوس. كان من الرائع أن نجد أنفسنا في مكان يُعتقنا إلى سكينته وعزلته.