زعمت دراسة حديثة نُشرت في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية (PNAS) أن تلوث الهواء كان هو المادة التي ألهبت خيال كلود مونيه، ومن ورائه الحركة الانطباعية، لرسم كثير من اللوحات الضبابية المشهورة حاليًا.
الضباب لمحاكاة مشهد السماء
تناولت الدراسة أعمال مونيه بالإضافة إلى أعمال جوزيف مالورد وويليام تيرنر، وكلاهما كان نشيطًا خلال الثورة الصناعية التي شهدت انتشار المحركات البخارية والمصانع التي كانت تعمل بالفحم، وتنبعث منها كميات وافرة من الدخان.
وقد درس عدد من الباحثين، الذي سطّروا هذه الدراسة، أكثر من 100 لوحة من أعمال مونيه وتيرنر ابتغاء الحصول على دليل مادي ملموس يثبت أن الضباب، الذي أصبح سمة مميزة للمدرسة الانطباعية، كان في الواقع محاولة من الفنانين لمحاكاة مشهد السماء الملوثة في لندن وباريس، وهما المدينتان اللتان أقام بهما كل من تيرنر ومونيه، بل ووجدها هذا الأخير الأكثر إلهامًا له.
Wikiart
قالت آنا ليا أولبرايت، باحثة ما بعد الدكتوراه في Laboratoire de Météorologie Dynamique بجامعة السوربون في باريس والمؤلفة المشاركة في الدراسة: "أعمل على تلوث الهواء، وفي أثناء مشاهدة لوحات تيرنر ويسلر ومونيه في مؤسسة تيت بلندن ومتحف أورسيه في باريس، لاحظت أن ثمة تحولات أسلوبية في أعمالهما".
وأضافت أولبرايت: "أصبحت ملامح لوحاتهما أكثر ضبابية، وظهرت اللوحة على نطاق أوسع، وتغير الأسلوب من المجازية إلى الانطباعية: هذه التغييرات تتفق مع التوقعات المادية لكيفية تأثير تلوث الهواء على الضوء".
Wikiart
وفقًا لأولبرايت، فإن تلوث الهواء "يجعل الأشياء تبدو أكثر ضبابية"، ويؤدي إلى تشويش حوافها؛ ولأن التلوث "يعكس الضوء المرئي لمختلف الأطوال الموجية" فإنه يجعل المشهد يبدو أكثر بياضًا.
درس الباحثون صلابة الحواف وكمية اللون الأبيض في اللوحات وقارنوا هذه المقاييس بتقديرات لتلوث الهواء في وقت رسم اللوحات بين عامي 1796 و1901.
وتشير الدراسة إلى أن ثمة ارتباطًا يتجاوز "التطور الفني والأسلوب". فاللوحات تعكس الاختلافات في كمية تلوث الهواء في لندن وباريس، وذلك مع الأخذ في الحسبان أيضًا اختلاف توقيتات رسم هذه الأعمال الفنية.
Wikiart
تسترشد الدراسة أيضًا، في محاولة لإثبات صحة فرضيتها، بنص كتبه كلود مونيه إلى زوجته عام 1901، يتحسر فيه على وجود نقص في الدخان المنبعث من القطارات، والتي «تحفّز الإلهام قليلًا»، حسب قوله.
ومن جانب آخر، يقول جوناثان ريبنر، أستاذ الفن الأوروبي في جامعة بوسطن: "كل من تيرنر ومونيه فنانان كان عليهما الذهاب إلى أماكن مختلفة لرؤية ظروف ومشاهد معينة".
يتحدث ريبنر عن ظاهرة يسميها "سياحة الضباب" وهي التي جلبت الرسامين الفرنسيين مثل مونيه إلى لندن "عمدًا لرؤية الضباب؛ لأنهم أحبوا تأثيرات الغلاف الجوي". وكان ريبنر من أوائل مؤرخي الفن الذين أسسوا للنظرية الذاهبة إلى أن تلوث الهواء كان له تأثير على كل من مونيه وتيرنر.
على الرغم من هذه الأدلة، إلا أن ثمة من يرفض الاعتراف بإمكانية ربط ولادة الانطباعية بالدخان الذي يملأ السماء. فقد انتقد الناقد الفني سيباستيان سيمي فرضية الدراسة بأن التلوث وليس الإبداع هو ما يفسر "التطور الأسلوبي" للفنانين. وقد كتب يقول: "أنا لا أجادل في أن مونيه لم يكن يستجيب للمؤثرات البيئية المحيطة به، ولكني أقول إن هذه النظرية مليئة بالثغرات التي تجعلها عديمة القيمة".