التصميم العربي الآن

يشتمل البينالي، الذي تنظمه متاحف قطر، المؤسسة الأبرز للفنون والثقافة في البلاد، على ستة معارض متعددة تُقام في مركز M7 بمنطقة مشيرب، القلب الإبداعي النابض في الدوحة، إلى جانب مجموعة من الأنشطة الموازية التي تتوخّى تسليط الضوء على المصممين المبدعين المنحدرين من الخليج والمشرق العربي وشمال إفريقيا.

وإذ يسلط المعرض الرئيس، الذي يرفع شعار "التصميم العربي الآن"، الضوء على مواهب التصميم المعاصر في المنطقة، يبيّن كيف يوازن المصممون المحليون والإقليميون بين أساليب التصميم العصرية والأساليب التقليدية، مع التركيز خصوصًا على القضايا البيئية والتصميم المستدام. وقد أشرفت القيّمة الفنية رنا بيروتي، إحدى مؤسسات أسبوع عمّان للتصميم، على انتقاء أعمال المعرض. 

تقول بيروتي: "يحتفي المعرض بتنوّع الهوية العربية التي تتشكل باندماج الثقافات والتقاليد واللغات والمعتقدات في المنطقة، كما يسعى إلى إبراز القواسم المشتركة بينها. يشمل ذلك الطريقة التي يتفاعل بها المصممون مع الجغرافيا المتفردة للعالم العربي، وسبل إدراكهم للحساسيات المادية والحرفية التي تدور حول قيم عربية مثل الاجتماع والإبداع المشترك، وسبل إحياء الممارسات المستندة إلى التراث وتحديثها باستخدام تقنيات ومواد معاصرة". 

الأعمال المشاركة في معرض بينالي «دوحة التصاميم»

نستعرض في ما يأتي مجموعة من الأعمال المشاركة في هذا المعرض:

"تشكيلات نجمية" لعبير صيقلي

صممت عبير صيقلي، المهندسة المعمارية والباحثة الأردنية الفلسطينية متعددة التخصصات، عملاً مذهلاً باسم Constellations 2.0 (2023). وقد صاغت صيقلي يدويًا هذه المنحوتة المضيئة المعلقة باستخدام أكثر من خمسة آلاف قطعة من زجاج مورانو المصنوع في مدينة البندقية بإيطاليا. يناغم هذا العمل بين التراث غير المادي لإيطاليا والإرث العربي، مثلما يزاوج بين التقنيات التقليدية المستخدمة في البندقية لصناعة الزجاج وممارسات النسج البدوية.

"حلم يقظة" لهبة شاهزادة

يتخذ عمل المهندسة المعمارية والفنانة المقيمة في الأردن هبة شاهزادة، الذي يحمل اسم Rêverie، شكل جناح مائي داخلي يعلوه سقف خشبي معلق يتمايز بتصميم مقبّب وشديد التعقيد، كما يستند إلى أربعة أعمدة خشبية قائمة بذاتها. تنتصب هذه الأعمدة داخل المسطّح المائي العاكس، وتؤدي دور نوافير متدفقة تكاد تقترب من حافة السقف.

يُثير الماء والخشب ذو الألوان الفاتحة مشاعر الصفاء، فيما التشكيلات الهندسية للقبة والأعمدة الطافية بمحاذاة السقف تستثير الإعجاب، ما يحث على التأمل ويعزز الإحساس بالسكينة.

"تواريخ شفافة 2023" لديمة سروجي

أنشأت ديمة سروجي، المهندسة المعمارية والفنانة البصرية الفلسطينية المقيمة في لندن، تركيبًا جداريًا قائمًا بذاته يحمل اسم Transparent Histories 2023. يُعد هذا العمل الفني نسخة لاحقة من العمل الذي أنشأته سروجي العام الماضي بمناسبة بينالي الفنون الإسلامية بجدة.

وفي هذا تقول: "يتصور هذا العمل آثار مدينة القدس المستقبلية بوصفها عاصمة فلسطينية بعد مئات السنين، ويركز في الأساس على تخيل آثار جديدة ورؤية الآثار القائمة". يحاكي هذا التصميم أسلوب المهندس المعماري الإيطالي بيرانيزي، خصوصًا خارطة كامبو مارزيو التي رسمها لمدينة روما في القرن الثامن عشر، والتي تصوّر الضياع الذي نال روح مدينة روما. وهذا ما تشير إليه سروجي إذ تستحضر المشاعر نفسها لتبيّن كيف أن القدس تفقد روحها أيضًا.

"صندوق العروس الأخضر" لمجموعة نقش

تُضيء مجموعة نقش (نسرين ونرمين أبوديل) التي يقع مقرها في الأردن على التقاليد الإبداعية الفلسطينية عبر صندوق العروس الأخضر Green Bridal Chest لعام 2023، المطرّز بزخارف فلسطينية تقليدية مستوحاة من نباتات المنطقة وحيواناتها. وقد جرى تجميع هذه الزخارف بعد عملية بحثية توثيقية دؤوبة للتراث الفلسطيني، وذلك استجابة لمخاطر المحو التي تهدد هذه الحرفة.

"رجولة، راقصة، غزلان" للويس بارتيليمي

يقيم لويس بارتيليمي، الفنان والمصمم متعدد التخصصات بين مراكش والقاهرة وباريس، وتُعد منسوجاته الجدارية Manhood, Dancer, Gazelles، المحبوكة بإتقان على قماش قطني باستخدام خيوط الرافيا والخيوط المعدنية وخيوط الصبار، شهادة على الاندماج بين التقنيات القديمة والرؤى المعاصرة. صُممت هذه الأعمال الفنية الثلاثة بالتعاون مع حرفيين من تونس، وهي تصوّر جمال الأرياف فيما تضيء على السرديات المتعلقة بأدوار الجنسين في شمال إفريقيا.

"بعد ما مضى" لريتشارد ياسمين

تحمل مجموعة الأثاث غير المتكلّفة After Ago توقيع المهندس المعماري والمصمم المقيم في لبنان ريتشارد ياسمين. تحتفي هذه المجموعة بالأقواس المنحوتة التي تتخذ هيئة خطوط متفردة لديها القدرة على استحداث تصاميم متنوعة تصلح لكل زمان. تستكشف الخطوط السوداء والبيضاء المتناوبة على جوانب القطع مفهوم الأضداد المتقابلة، الذي يعزوه ياسمين إلى تاريخ مدينته بيروت التي شهدت ما لا يحصى من التقلبات، وفي هذا يقول: "لطالما تمايزت بيروت بحيوات وطبقات عديدة على مدار القرون، ولهذا تنهض دائمًا من الرماد شوقًا إلى الحياة".

"شعب" لسامر سلباق 

سامر سلباق مصمم فلسطيني مقيم في باريس، ويعكس عمله المعنون Reef (شعب) الصدق والنزاهة في انتقاء المواد والوفاء لخصائصها. باستخدام "ألياف نبتة الليف التقليدية التي كاد يطويها النسيان"، صمم سلباق فواصل للمساحات ومصابيح معلقة تأسر الألباب بألوانها وملمسها.

يدور "مشروع الليف" حول هذه النبتة التي كانت تستخدم في الثقافات العربية منذ قرون للاستحمام. تتعزز القطع بتركيبات فولاذية تُسبغ عليها الهيئة المطلوبة، فيما ألياف الليف المرنة القابلة للتحلل البيولوجي تخضع للمعالجة والتشكيل والتسوية والحياكة حسب التصميم المنشود.

"تأثير الضوء" لفبركة استوديوز الحائز جائزة دوحة التصميم

حاز فبركة استوديوز جائزة دوحة التصميم لهذا العام ضمن فئة تصميم المنتجات. يرأس سامر سعادة، المقيم في بيروت، هذا الاستوديو المتخصص في ابتكار حلول إضاءة مصنوعة يدويًا بالتعاون مع حرفيين محليين. ويتكوّن مشروعه "تأثير الضوء" Light Impact من ثريا منحوتة من الألمنيوم، تلفت الانتباه بسبب تصميمها المستوحى من التكنولوجيا والذي يرمز إلى روح بيروت الراسخة وتطورها المستمر وصمودها في وجه الشدائد. 

سجادة ألياف النخيل لعبد الرحمن المفتاح

تُشيد سجادة ألياف النخيل Palm Fiber Carpet التي ابتكرها المصمم القطري عبد الرحمن المفتاح بالموروث العريق للبلاد في نسج السدو. تُمارس البدويات هذه الحرفة التقليدية، إذ يحبكن الأنسجة الملونة على نمط أفقي باستخدام النول الأرضي. أما هذا العمل الفني الذي يوظف بالأساس ألياف شجرة النخيل، فيستحضر تعقيده الحِرفي المميز الروابط العائلية التي تجمع المصمم بحرفة النسج، ما يُسبغ على القطعة أصالة إضافية.

"أحد عشر" لسهل الحياري

يتكون العمل الفني Eleven (أحد عشر) الذي ابتكره المهندس المعماري الأردني سهل الحياري من مجموعة من الأعمدة الطينية الطويلة المخددة التي جرى نصبها بوساطة القولبة والتشكيل، بدلاً من القطع والنحت التقليديين. أنشأ الحياري الأجزاء العمودية المكدسة للأعمدة يدويًا، وذلك باستخدام تقنية تشبه تقنية صناعة الفخار، محتفيًا في تصميمها بالعيوب، على الرغم من أنها تستلهم الهندسة المعمارية الكلاسيكية.

"همسات من الأعماق" لاستوديو تي ساخي

جمعت الأختان اللبنانيتان البولنديتان تيسا وتارا ساخي، مؤسستي استوديو تي ساخي، بين المعادن المهملة المنتشلة من مصانع منطقة فينيتو بإيطاليا وزجاج مورانو لإنشاء قطع زجاجية عديمة الشكل، مستوحاة من الحياة البحرية. في هذا العمل الذي يحمل اسم Whispers from the Deep، جرى تنسيق هذه القطع فوق رفوف بارزة داخل المصعد الذي يصل بين الطابقين الأول والثاني من معرض "التصميم العربي الآن"، ما أسفر عن تركيب مبتكر يناغم بين بحيرة البندقية وتقاليد نفخ الزجاج اللبنانية.

"سبيل" لدينا حدادين

يتناول العمل الفني Sabil الذي أبدعته دينا حدادين، المعمارية الأردنية وفنانة البصريات ومؤسسة استوديو كين، دور الممارسات المعمارية في ظل التغيرات التي تطول الجغرافيا الحضرية. ليست هذه القطعة العملاقة في الواقع سوى قسم من خيمة مؤلفة من تسع "بتلات" متطابقة مستلهمة من نمط "زهرة الحياة" التقليدي.

يتمايز هذا التركيب بقماش ذي مسامات مشغول من شعر الماعز الخشن الملمس، على غرار المواد المستخدمة في نسج الخيام البدوية التقليدية، ما يعزز مستوى العزل بفضل الجيوب الحابسة للهواء. وبذلك تؤدي الخيمة كاملة دور "سبيل": هيكل عربي تقليدي لا يقتصر دوره على إيواء العابرين وحمايتهم من الظروف الصحراوية القاسية فحسب، بل يؤدي أيضًا دور برج لجمع المياه، وفي هذا تجسيد للجهود المبذولة في الحرفية والاستدامة معًا.

من تاريخ الحرف إلى نسج القصائد.. معارض انضوت تحت بينالي «دوحة التصاميم»

تشمل الفعاليات الأخرى المنضوية تحت مظلة بينالي دوحة التصميم، معرض "حِرف أوزبكستان: تاريخ بين الخيوط"، ومعرض "نسج القصائد" بالتعاون مع منظمة "جبل الفيروز"، ومعرض "100/100 أفضل مائة ملصق عربي"، فضلاً عن معرض "ألوان المدينة: قرنٌ من العمارة في الدوحة" الذي يكشف النقاب عن التطور المعماري لمدينة الدوحة، فيما يسلط الضوء على كُنوز أسلوب "الآرت ديكو"، والأسلوب الكلاسيكي والحديث، ويركّز على الطرق التي تحوّلت وتطبعت فيها هذه الأساليب في قطر. 

حِرف أوزبكستان: تاريخ بين الخيوط

يجمع هذا المعرض، الذي تشرف عليه مؤسسة تنمية الفن والثقافة التابعة لأوزبكستان، بين التاريخ الحافل للحرف اليدوية والتقاليد الأوزبكية وأساليب التصميم المعاصرة في عرض غامر. يركز المعرض تحديدًا على حرف النسيج والخشب من خلال مجموعة مذهلة من المشغولات اليدوية التاريخية والمعاصرة.

على أن أبرز تركيب فيه هو السجادة "البصرية" المشتملة على 31,000 بلاطة عدسية و26,000,000 خيط والمنظومة على نمط مجرّد مستلهم من الزخارف التقليدية، يُحيل الأرضية إلى لوحة قماشية حسية. يشتمل المعرض أيضًا على 50 قطعة حرفية، منها عمل جديد ابتكرته المصممة الشهيرة ندى دبس بالتعاون مع خبير الخشب الأوزبكي سيروج الدين رحماتيلايف: سرير نهاري مفتوح في الهواء الطلق، يقدم تفسيرًا حديثًا للأثاث التقليدي.

نسج القصائد بالتعاون مع منظمة "جبل الفيروز"

أقيم معرض "نسج القصائد"، وهو عمل تركيبي متفرد، في مساحة خرسانية لمسرح غير مكتمل في مركز M7. يحمل التركيب توقيع المصممة الأفغانية المولد والمقيمة في عمان مريم عمر، وقد ابتكرته برعاية منظمة "جبل الفيروز" (مؤسسة خيرية رائدة غير ربحية تدعم الحرفيين). تكتسي المساحات الداخلية الفسيحة للقاعة ببهاء 24 سجادة ضخمة أبدعتها أنامل نسّاجات من منطقة باميان الأفغانية، وتتباهى القطع كلها بألوان الباستيل وأنماط زخرفية آسرة مستوحاة من ألوان الطبيعة وأشكالها.

بالإضافة إلى هذا المشهد البديع، يستطيع الضيوف الاستماع إلى قرقعة الأنوال ومشاهدة مقاطع الفيديو التي تصور النساجات الأفغانيات. إن هذا العمل لا يكتفي بكونه تجربة تأملية تصور فنًا عمره قرون، بل يتجلى أيضًا جسرًا يصل بين ممارسات التصميم التقليدية والمعاصرة.