أقف شبه عارٍ في غرفة الغسل بخراطيم المياه وأنا مغطى بالطين الأخضر، ثم يرشني مضيفٌ يرتدي نظارات طبية وينتعل خفًا أبيض من طراز Crocs بدفق مائي قوي بما يكفي لإخماد حريق مهول.

لكن المضيف لا يغسلني فحسب: صُمم هذا الإجراء لتحفيز مسارات الطاقة في جسدي، شأنه في ذلك شأن جلسة الوخز بالإبر ولكن ضغط الماء مرتفع حدّ الإيلام.

إنه اليوم الثاني فقط من برنامج التخلص من السموم الذي أخضع له طيلة أسبوع كامل، وصبري بدأ ينفد. قد يكون الصداع الناجم عن الشعور بالجوع هو ما يصيبني بالذعر.

أو رائحة الطين النباتي الممتزج بالمذاق الترابي لشاي جذر الهندباء الذي يملأ أنفاسي هي التي تفقدني صوابي. بغض النظر عن الأسباب، أعتقد أنني أرى مسحة شماتة في عيون المضيف.

بالرغم من أني أشعر أحيانًا بأنني داخل فيلم درامي يتناول قصة واقع مرير، إلا أني في الحقيقة داخل المنشأة السويسرية شينو بالاس فيغيس Chenot Palace Weggis.

وفيما أنشئت منتجعات شينو في إيطاليا واليونان ودول أخرى منذ عقود، لم تبصر هذه الوجهة الرئيسة للعلامة، والواقعة عند ضفاف بحيرة لوسيرن، النور إلا في يونيو 2020.

يتألف المنتجع هنا من فندق يشغل بناء خشبيًا مُجدّدًا شُيّد في الأصل في عام 1875، وأضيف إليه قسم جديد بالكامل مبني من الطين وألواح خشبية بيضاء ويضم أجنحة حديثة ومنشأة طبية تشبه متاهة.

لا تُستخدم كلمة "عيادة" هنا، ولكن أي شخص يتوق إلى عالم المصحات القديم سيشعر بالانتماء في هذا المكان.

فعلى سبيل المثال، تعد غرف الغسل بخراطيم المياه أحد طقوس برنامج التخلص من السموم المتقدم Advanced Detox الشهير من شينو والذي يدوم أسبوعًا كاملاً.

إنه في الأصل برنامج استُحدث في سبعينيات القرن الفائت ويجري تخصيصه بناء على اختبارات تشخيصية صارمة لتلبية الاحتياجات الفردية لكل زائر.

وعلى ما هو عليه حال البروتوكولات الأخرى المتاحة هنا، يعتمد هذا البروتوكول على طريقة شينو Chenot Method التي طورها هنري شينو في السبعينيات لإخراج الفضلات والسموم الأيضية من الجسم وترميم الأنسجة المَعيبة واستعادة التوازن الهرموني.

وقد جذب هذا المزيج المتفرد من الإجراءات العلمية المبنية على النتائج وفسحات الإقامة الفاخرة مختلف الشخصيات، مثل لوتشيانو بافاروتي وناعومي كامبل.

وعلى ما هو عليه حال برامج التخلص من السموم التي تقدمها النوادي الصحية، تظل أصعب اللحظات هي تلك التي يضطر فيها المرء إلى التخلي عن أمور يحبها.

أحد الاختبارات التي تجرى في منتجع شينو لقياس مستويات الأكسجين، والهدف منه وصف نظام تدريبي مناسب.

Alex Teuscher
أحد الاختبارات التي تجرى في منتجع شينو لقياس مستويات الأكسجين، والهدف منه وصف نظام تدريبي مناسب.

فعلى مرّ الأسبوع، يستغني الضيوف كافة عن الملح والسكر ومنتجات الألبان واللحوم والكافيين.

ويلتزم الضيوف كافة، بغض النظر عن البنية الجسمانية أو الجنس، بنظام غذائي يقتصر على 850 سعرة حرارية في اليوم، وهو رقم تزعم شينو أنه يدعم وظائف الجسم الحيوية ويحفّز في الوقت نفسه تجديد الخلايا.

ونتيجة لذلك، يصاب أكثر الضيوف بالصداع، وعادة ما يبلغ هذا الشعور ذروته في اليوم الثاني أو الثالث.

وأقول هنا ما قاله صديق جرّب قبلي برنامج التخلص من السموم المتقدم الذي يقدمه منتجع شينو" "إن اليوم الثالث لا يطاق، ومع ذلك عليك بالمثابرة".

لقد استطعت أن أخمّن نوعًا ما اليوم الذي وصل إليه الضيوف الآخرون في برامجهم.

في ردائهم الموحد ذي اللون البيج، ابتدأ الضيوف الألمان والفرنسيون واليونانيون وشخصيات هوليوود أسبوعهم بالتذمر للعاملين في المنتجع (الذين تعاملوا مع شكاواهم بهدوء)، قبل أن يذعنوا أخيرًا مثل قطط مطيعة ابتداءً من اليوم الرابع.

على ما يبدو، حتى المغترون بأنفسهم يخضعون أمام خراطيم المياه.

أما أكثر ما أثار إعجابي، فهو تنوع الفحوصات الطبية وكيف أنها مكنتني من فهم جسدي ونقاط ضعفه على نحو أفضل.

في البداية، يُعيّن طبيب عام واختصاصي في التغذية وخبير تدليك ومختص في الطب الصيني التقليدي لكل ضيف.

وينضبط الأسبوع الذي أقضيه في المنتجع على إيقاع نظام مجدول بدقة من المواعيد الطبية وجلسات التدليك اليومية.

كما يمكن للضيف الخضوع لعلاجات تجميلية إذا ما أراد ذلك. لكن النقطة الأهم هي أن العلم يبقى أساس كل ما يفعله منتجع شينو.

أظهر أحد الفحوصات، وهو اختبار المعادن الثقيلة، أن جسمي به كميات كبيرة من الزئبق والألمنيوم، وكميات منخفضة من السيلينيوم والفوسفور واليود وبعض الفيتامينات.

يفاجئني هذا الخبر، لأنني أتناول المكملات الغذائية وأتبع نظامًا غذائيًا غنيًا بالأعشاب البحرية والمعززات الحيوية.

وفيما كشفت اختبارات قياس التنفس أن سعة رئتي أقل من المتوسط، بيّنت فحوصات القلب واللياقة البدنية أن مستوى الأيض في حالة الراحة لجسمي مرتفع بشكل غير عادي (يبلغ 2,414 سعرة حرارية على وجه الدقة)، أي أنني بحاجة إلى استهلاك هذا القدر على الأقل يوميًا لتحقيق التعادل.

وتقيس اختبارات أخرى جلستي وحركتي ووظائف الأوعية الدموية والشرايين وكثافة العظام.

أخيرًا، يقيس اختبار الارتجاع البيولوجي الخاص بمنتجع شينو مؤشرات الجهاز العصبي اللاودي، التي تشير إلى قدرة الجسم على تخفيف التوتر. اكتشفت أن مؤشراتي سيئة للغاية، ما استدعى زيارة الطبيب وحضور جلسة خاصة لمعرفة احتمالات إصابتي بأمراض القلب.

وشُجعت أيضًا على تنظيم مستويات توتري بممارسة تمارين التنفس العميق والتأمل. تُعد ساحات المنتجع الزاخرة بأشجار بونساي التراثية أفضل مكان للقيام بها. لقد غيرت هذه المعلومات حياتي كليًا، وحصلت على نسخة من النتائج كلها لكي أتمكن من متابعة حالتي بنفسي لفترة طويلة بعد مغادرتي المنتجع.

تشمل أيضًا أبرز الفحوصات المتاحة في منتجع شينو تحليل تكوين الجسم الذي يقيس، من بين أمور أخرى، نسبة نوعين من الدهون توجد في أجسامنا جميعًا: دهون الأوعية الدموية الضارة المتوارية حول أعضائنا، والدهون السهلة الحرق الموجودة تحت الجلد.

تخبرني أخصائية التغذية ماريا آن خلال الاستشارة: "أنت محظوظ لأن الدهون بمعظمها في جسمك محلّها تحت الجلد، وتضيف موضحة: "تزورنا العديد من عارضات الأزياء اللواتي يبدو أن أجسادهن لا تحتوي على أي دهون، ولكن سرعان ما يفاجأن بعد إجراء الاختبار بأن مستويات الدهون المتوارية في أوعيتهن الدموية مرتفعة للغاية".

 حلوى بودينغ بالكينوا والتوت، وهي جزء من نظام غذائي منخفض السعرات الحرارية مصمم بعناية.

Alex Teuscher
حلوى بودينغ بالكينوا والتوت، وهي جزء من نظام غذائي منخفض السعرات الحرارية مصمم بعناية.

لأن الضيوف يتناولون سعرات حرارية محدودة، لا تشجع شينو على الإكثار من التمارين الرياضية في أثناء الخضوع لبرنامج التخلص من السموم المتقدم.

فهذا ليس معسكر تدريب. ومع ذلك، أسبح في البحيرة كل يوم، وأجرّب بعض صفوف اللياقة البدنية الخاصة بالمنتجع، ومن بينها التدريب على جهاز الجري المضاد للجاذبية والتمارين الرياضية المائية، وكلاهما مثالي لصحة الركبتين عند أمثالي من المنتمين إلى الجيل إكس.

يساعدني مدرّبي على قياس المعدل الثابت لمقدرتي على ممارسة التمارين أو "عتبة الجهد" التي يستفاد منها في تحديد معدل ضربات القلب الأمثل لحرق الدهون في التدريب المتقطع عالي الكثافة، وهي معلومة أواصل الإفادة منها في الصالة الرياضية بعد مرور أشهر على زيارتي.

فضلاً عن ذلك، دخلت في إحدى الأمسيات غرفة العلاج بالتبريد Cryotherapy التي تصل الحرارة فيها إلى -166 درجة فهرنهايت، والتي يُزعم أنها تساعد على تحسين النوم وتخفيف التهاب المفاصل. لكنها لم تساعدني كثيرًا في أي منهما.

على مدار الأسبوع الذي قضيته في المنتجع، اختبرت عددًا من العلاجات الحديثة المميزة.

أمضيت ثلاثين دقيقة في غرفة مظلمة مرتديًا سماعات للرأس، وذلك لتجربة العلاج الصوتي العصبي الذي يستخدم الإشارات السمعية لخفض استجابة الجهاز العصبي اللاإرادي بالكر أو الفر، ورفع استجابة الجهاز اللاودي.

يُقال إن هذا العلاج يهدئ الجسم ويدخله في حالة استرخاء عميق، ولكن انفعالي يزداد بعده.

كما جرّبت اختبارات التعديل الضوئي الحيوي، وهي شكل من أشكال العلاج بالليزر المركّز الذي يُظهر بدقة مواضع الالتهابات في الجسم، فطاب لي أن أرى صورة دقيقة للمناطق المُجهَدة في جسدي.

تمتلك شينو أيضًا مختبرًا داخليًا حيث تُجري الأبحاث وتطور علاجات مخصصة للغاية تناسب التركيب الجيني لكل فرد.

إذا كان الخضوع لهذه التقييمات كلها على معدة شبه فارغة يبدو أمرًا شاقًا، فاعلم أن محدودية السعرات الحرارية لا تعني أن الطعام ممل، ذلك أن المأكولات النباتية التي تقدمها شينو ممتازة.

فالأطباق صغيرة ولكن طريقة عرضها منمّقة، ويجري التركيز فيها على الألوان والمذاقات والقوام، كما أنها تبعث على السكينة. أطباق اللازانيا والسوشي والنيوكي والريزوتو والرافيولي والباذنجان بجبنة البارميزان تعتمد على زبدة المكسرات وعلى بدائل حبوب المعكرونة التقليدية، وذلك لضمان المذاق الشهي للطعام وعدم تحفيز أي نوبات حساسية، ما يعني أنه من غير المرجح أن يسبب الطعام التهابات ومشاكل في الجهاز الهضمي.

كما أن الطهاة وخبراء التغذية يختارون المكونات التي تخدع الجسم ليحْسب أنه في حالة صوم، على الرغم من الاستمرار في تناول وجبات خفيفة. ولقد حاولت إعداد بعض تلك الأطباق في المنزل بعد أسبوع أكثرتُ فيه من الأكل والشرب.

أغادر المنتجع في اليوم السابع مغمورًا بإحساس متجدد بجسدي وقدرته على شفاء نفسه. وأحس أن طاقة شبابية مركزة، لم أستشعر مثلها منذ أن استولت الهواتف الذكية على العالم، تفيض في داخلي. بل إني خسرت أيضًا نحو أربع كيلوغرامات ونصف من وزني.

أما سؤال المليون دولار فهو: هل بقي وزني مثلما كان عليه عقب مغادرتي المنتجع؟ ليس تمامًا. لقد زدت نحو كيلوغرام واحد في الشهر التالي عندما طبقت سويسرا، حيث أعيش، إجراء الإغلاق الجزئي. ولكنني أبقيت على هذا الوزن ثابتًا لأشهر عدة.

أصبحت أفهم الآن كيف يمكنني حرق السعرات الحرارية بكفاءة عن طريق تحسين الأطعمة التي أتناولها وكيف أسترخي بطريقة أذكى.

بت أعي أيضًا كيف يعمل جسدي من الناحية العلمية وألاحظ علامات الخطر مبكرًا، بما في ذلك الانتباه إلى مستويات توتري والتأكد من تناولي القدر الكافي من الطعام، لا أكثر ولا أقل. لقد جعلت من طريقة شينو طريقتي، ومن حين لآخر، بِتُّ أكافئ نفسي بشرب شاي الهندباء (يبدأ السعر من 8,300 دولار للفرد).