في ظل ما تضعه الكاميرات الرقمية الحديثة بين أيدي المصوّرين من مزايا وفيرة على مستوى الجودة والدقة والوضوح، ما الذي تقدمه العلامة الألمانية لايكا Leica، التي تُعد من أبرز الأسماء العريقة في عالم التصوير الفوتوغرافي، في أحدث إصدار لها؟
الجواب هو كاميرا تستخدم تقنية الفيلم. ما قرأته صحيح. ولكنها ليست آلة تصوير جديدة، بل نسخة مستعادة من طراز M6 الذي أطلقه الصانع في عام 1984. يعني ذلك ألا شاشة تتيح لك مراجعة صورك، ولا زر لتحميل صورتك الذاتية عبر شبكة الواي فاي، كما أن نظام التركيز البؤري فيها يدوي. فهل فقدت الشركة صوابها؟
الأمر أبعد ما يكون عن ذلك، على ما يؤكد ستيفان دانيال، نائب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا والعمليات في لايكا. وفي هذا يقول: "إن أسعار كاميرا M6 في سوق السلع المستعملة آخذة في الارتفاع باستمرار، وغالب الزبائن الذين ينشدونها من الجيل الأكثر شبابًا". ثمة جيل جديد يميل اليوم إلى التصوير الفوتوغرافي التناظري، وإلى أقراص الفينيل، ويبدو أن لايكا كانت تستعد لهذه اللحظة.
يقول أندريا باسيلا، مدير التسويق والإعلام الدولي في لايكا: "لم نتوقف قط عن صناعة آلات التصوير التي تعمل بتقنية الفيلم، حتى عندما كانت مبيعاتها معدومة، وكنا نبيع كاميرا واحدة فقط يوميًا على مستوى العالم، فيما أي شركة أخرى كانت لتوقف خط الإنتاج هذا". أما اليوم، وفي ظل ظهور سوق مزدهرة لهذا الطراز، فكان إعادة إصدار كاميرا M6 خيارًا طبيعيًا.
على مر الأعوام الثمانية عشر الأولى من تاريخ إصدار هذه الآلة، بيع منها نحو 175 ألف وحدة، ما يجعلها واحدة من أشهر الكاميرات التي تبتكرها الشركة.
لكن ما هو سبب الطلب القوي على كاميرا M6؟ ترى لايكا أن السبب يكمن في البساطة، إذ يقول دانيال: "تخلو هذه الآلة من الزوائد ولا تعاني أي نقص. فمزاياها تقتصر فحسب على ما تحتاج إليه لالتقاط صور رائعة ولا شيء غير ذلك. إنها تعيد إحياء تقليد التصوير بالكاميرا عديمة المرآة التي تستخدم نظامًا منفصلاً لتحديد المدى".
عندما تجد نفسك مستقبلاً منشغلاً بفرز 5,000 صورة رقمية التقطتها في عطلتك، فكر كيف أن كاميرا M6 كانت لتجعل الأمور أسهل. وفي هذا يقول دانيال موضحًا: "عند التصوير بكاميرا تستخدم تقنية نظام الفيلم، عليك التفكير قبل الضغط على الزر. فالأمر مكلف ولديك 36 فرصة متاحة فقط لالتقاط الصور. ولكن هذا ما يجعل صورك ثمينة وأصيلة. ربما كنا بحاجة إلى هذه الثورة الرقمية لتقدير تقنية الأفلام مرة أخرى".
زرنا مقر لايكا الرئيس في مدينة فيتسلار بألمانيا لنطلع عن كثب على ما يفعله فريق التصنيع في سياق إعداد هذا الإصدار الجديد من الكاميرا الكلاسيكية.
من البرتغال إلى ألمانيا
تبدأ كاميرا M6 رحلتها في منشأة لايكا في البرتغال، حيث نقلت الشركة أجهزتها القديمة التي كانت تستخدمها لإنتاج أجزاء من الكاميرات التي تعمل بنظام الأفلام. يقول باسيلا: "الحمد لله أننا لم نتخلص من هذه الأجهزة".
يخصص الفنيون أكثر من 16 ساعة للاهتمام بأدق التفاصيل في كل نموذج من هذا الطراز، إذ يصنعون الكاميرا من أكثر من 1,100 قطعة، ويختبرونها بدقة ويضبطون أي تعديلات قبل شحنها إلى فيتسلار. ويضيف باسيلا: "على ما هو الحال عند ابتكار أي ساعة راقية، يجري تركيب كل قطعة وفحصها يدويًا."
Mark Mann
عيون خبيرة
يتمثل أحد المكوّنات الأكثر تعقيدًا في كاميرا M6 في نظام تحديد المدى، الذي يستخدم سلسلة من الموشورات وعناصر العدسة بما يساعد المصوّر على تحديد إطار اللقطة وتركيزها. في البرتغال، يتناوب فريق البصريات والفريق الميكانيكي على بناء هذا النظام بتأن من حوالي 150 مكوّنًا.
بعد ذلك، في ألمانيا، يعمل خبير بصريات على ضبط محدد المدى باستخدام "عين" رقمية أكثر دقة تتيح له النظر عبر منظار الرؤية. وتُعد هذه الإجراءات المرحلة الأكثر أهمية في مسار تصنيع الكاميرا.
Mark Mann
تحذير: ليست مقاومة للماء
يبقى تصميم نظام الغالق القماشي هو نفسه الذي تستخدمه لايكا منذ منتصف القرن العشرين. كانت الشركة تشتري المادة المكسوة بالمطاط في الماضي من شركة معاطف واقية من المطر ولكنها الآن تشتريها من مورّد قياسي. في البرتغال، تُمرر الأقمشة عبر الآلات القديمة يدويًا لحياكتها، وهو تقليد حافظ عليه الحرفيون في وقت لم يعد مطلوبًا في إنتاج الكاميرات الرقمية.
في ألمانيا، يجري فحص الغالق على السرعات المختلفة، من ثانية واحدة إلى 1/1000 جزء من الثانية.
Mark Mann
الصورة المتكاملة
يُصنّع الهيكل الرئيس لكاميرا M6 من مركّب المغنيسيوم، فيما تُصاغ اللوحة العلوية، التي تغطي نظام تحديد المدى وإلكترونيات الكاميرا، من النحاس الأصفر. يُعالج كل من الهيكل واللوحة بتقنية السفع الرملي ويُصقل يدويًا لإزالة الحواف الخشنة، ثم يُغطى بطلاء أسود مؤكسد. عند اجتياز الآليات الداخلية للكاميرا عملية الفحص، يجري تثبيتها في الداخل ثم تُثبّت اللوحة العلوية إلى الهيكل.
Mark Mann
أزرار ومزايا إضافية
بعد ذلك، يُثبّت زر الغالق ورافعة تقديم الفيلم وقرص ضبط سرعة الغالق وذراع لف الفيلم في الجزء العلوي من الكاميرا. يجري فحص عدّاد الصور للتأكد من دقته بما يضمن لك أن تعرف دومًا العدد المتبقي من الصور الست والثلاثين المتاحة.
Mark Mann
بطل محلي
يرصف أحد أفراد فريق التجميع النهائي الكسوة الجلدية التي ستغطي بنية الكاميرا على آلة طباعة خضراء قديمة، وذلك لوسمها بختم "صنع في ألمانيا". فلطالما كانت الجودة مفتاحًا لشهرة لايكا، وهي ما يبيّن السبب الذي يجعل الكاميرات والعدسات الخاصة بها محط تقدير بمرور الوقت.
وهذا هو السبب نفسه الذي يجعل العديد من المصورين لا يمانعون في الاستثمار في نظام تصوير من لايكا بدلاً من شراء منتجات علامات أخرى.
Mark Mann
كسوة أنيقة
تُزال بعض الأجزاء، مثل وصلة العدسة، مؤقتًا من الهيكل الرئيس لتثبيت الكسوة الجلدية (أي مكوّن قد يقتضي التعديل يبقى في مكانه حتى لا يقوّض نتائج الاختبارات السابقة). يجري سحب الغطاء الذاتي اللاصق من الخلف، ثم توضع الكسوة الجلدية في المنتصف فوق فتحة العدسة، وبعد ذلك تُضغط بعناية إلى أسفل باتجاه الحواف الخارجية.
Mark Mann
العودة إلى نقطة البداية
أسس إرنست ليتز الشركة التي تحمل اسمه في عام 1869 لتصنيع المجاهر. ولم يتم تغيير الاسم إلى لايكا (الجزء الأول من اسمه والجزء الأول من كلمة Camera) إلا في عام 1986، وذلك بسبب الشهرة التي حققها أكثر منتجاته شهرة.
هنا، على ما هو عليه الحال في كاميرا M6 القديمة، كُتب اسم لايتز على النقطة الحمراء الشهيرة، والتي، جنبًا إلى جنب مع الشكل المميز للكاميرا، تتيح تمييز العلامة على الفور.
Mark Mann
معقدة بقدر هاتف بقرص دوّار
في نهاية هذا المسار، يجري تركيب نسخة اختبارية من فيلم بحجم 35 ملليمترًا داخل الكاميرا وتجربتها للتأكد من أن كل شيء يعمل بشكل صحيح. تمر الكاميرا باختبار لذراع لف الفيلم واختبار ضغط للتأكد من أن الفيلم يضغط ويتحرك على طول اللوحة الخلفية بشكل صحيح.
وتعرض بعض مقاطع الفيديو الأكثر شيوعًا على حساب الشركة في يوتيوب مقتطفات توضح كيف يجري تركيب الفيلم داخل الكاميرا، وهي مهارة من المحتمل أن الأجيال الشابة اليوم لا تمتلكها.
Mark Mann
تركيز عالٍ
Mark Mann
تسعى لايكا إلى أن تكون M6 أكثر من مجرد كاميرا حديثة من طراز عتيق. وفي هذا يقول باسيلا: "أعرف شخصًا تخلى عن كل شيء ليتبع الدالاي لاما. الشيء الدنيوي الوحيد الذي يملكه هو كاميرا لايكا، ويستخدمها لتوثيق حياته. بالإمكانيات المحدودة والتركيز اليدوي يتحقق نوع من اليقظة. ولا شك في أن الاضطرار إلى المخاطرة بعض الشيء طريقة رائعة لتحفيز قدراتك العقلية".