للوهلة الأولى، قد يبدو أن لا علاقة تَجمع بين الهندسة المعمارية وصناعة الجواهر الراقية، ولكن التدقيق في المسألة عن كثب يُظهر التقاطعات القائمة بين المجالين.
فكلاهما يشترك في لغة تصميمية تستند إلى مفاهيم التناسب والتناظر والتوازن. على أن هذه المفاهيم المشتركة تُسفر عن صيغ جمالية مختلفة عادة ما تتجسد في ميدان الهندسة المعمارية على هيئة مبانٍ تنسجم فيها الخطوط والزوايا والمواد والألوان.
أما في قطاع الجواهر الراقية، فتُترجم في تصاميم متقنة الصياغة والترصيع. وهذا على وجه التحديد ما يُفسر اعتماد عدد من الدور البارزة على الأساليب المعمارية الحديثة والمعاصرة لتشكيل جواهر تأسر الألباب، لا سيما العقود التي تتيح مساحة أكبر لتجسيد رؤى طافحة بالإبداع.
Louis Vuitton Coeur de Paris
تزخر قائمة منتجات لويس فويتون بطائفة من الابتكارات المبهرة المستقاة من سائر نواحي الحياة، والمعمار كالطبيعة من المصادر الحاضرة على الدوام في إصداراتها.
وفي عام 2024، تجلّى هذا الحضور في مجموعة "أنامل متيقّظة، أذهان صاحِية" Awakened Hands, Awakened Minds، التي اتّخذت من التقاليد الحِرفية الفرنسية خلال القرن التاسع عشر مرجعًا لصياغة قطع الفصول الثلاثة التي شكّلت المجموعة.
وبالرغم من أن مختلف تصاميم المجموعة، التي تعهّدتها المديرة الفنية لقسم الساعات والجواهر فرانشيسكا أمفيتياتروف بالرعاية، تشهد بصيغة أو بأخرى على اقتدار لويس فويتون في قطاع الجواهر، إلا أن عقد Coeur de Paris يضيء على هذا الاقتدار الحِرفي أكثر من أي قطعة أخرى.
وبمعاينة هذا العقد يَظهر أن مصدر إلهامه ليس سوى برج إيفل. فهيكله المشغول من البلاتين والذهب الوردي يحتضن 26 ألماسة بقَطْع النجمة المميز تتخللها سِهام تتألق بالألماس. تقود سلسلة الضياء هذه إلى ألماسة بقطع الزمرد يختلط فيها اللونان الوردي والبرتقالي وتبلغ زنتها 56.23 قيراط.
تقبع هذه الجوهرة على عرش مرصع بألماس بقَطع الباغيت والقَطع المثلث، في تصميم يُحاكي صورة برج إيفل من الأعلى. جدير بالذكر أيضًا أن خبراء الدار ابتكروا هذا العقد ليكون قسمه المرصع بالألماسة الوردية البرتقالية قابلاً للارتداء على هيئة مشبك.
يتمايز عقد Coeur de Paris المشغول من البلاتين والذهب الوردي والمرصّع بالألماس بقلادته الألماسية التي تحاكي في تصميمها صورة برج إيفل من الأعلى.
Chanel Graphic Line
لطالما كان الطابع الرياضي المتميّز بالفخامة مُلازمًا لإبداعات غابرييل شانيل، والدليل على ذلك أنها أنشأت محترف أزياء راقية يُعلي من شأن الرموز التصميمية الرياضية منذ عشرينيات القرن العشرين.
كان منطلق شانيل في هذا الصدد قائمًا على مبدأ حرية الحركة، وقد ترجمته إلى أزياء فاخرة ينعتق بها الجسم من القيود التي تخلّلت بعض الأزياء الشائعة آنذاك.
بين تلك الحقبة وحقبتنا هذه، أصدرت دار شانيل العديد من الأزياء التي تجسّدت فيها معالم الأناقة الرياضية العالية، لكنها لم تطرق هذا الباب في ميدان الجواهر الراقية إلا في عام 2024، بإطلاق مجموعة Haute Joaillerie Sport.
تولّى باتريس لوغيرو، مدير محترف شانيل للجواهر، تصميم قطع المجموعة، مستندًا في ذلك إلى الرموز البسيطة والتقنيات الجريئة، مع لمسة معمارية لا تُخطئها العين.
وقد تجسدت هذه اللمسة على وجه التحديد في عقد Graphic Line، المشغول من الذهب الأبيض والبلاتين والمرصع بالألماس والياقوت الأزرق والأحمر والعقيق.
يتمايز هذا العقد بنمط "شيفرون" المعروف، الذي يرتسم على هذه القطعة بفضل تناسق الياقوت الأحمر بقطع الباغيت والألماس متعدد القَطع.
ولكن هذا التنسيق المعماري الآسر لا يكتمل إلا بحضور ياقوتة كشميرية بقطع الوسادة زنة 10.15 قيراط، ثم باسم الدار الذي يبرز على القسم الخلفي للعقد.
صيغ عقد Graphic Line من شانيل من الذهب الأبيض والبلاتين ورُصّع بالألماس والياقوت الأحمر والعقيق، فيما أثرت مركزه ياقوتة كشميرية بقطع الوسادة زنة 10.15 قيراط.
Boghossian Wheel of Colour
أن تُغامر في شرف مَروم في قطاع الجواهر يعني أن تضع مختلف الإمكانيات الحِرفية المتوافرة بين يديك لنسج حكايات تنطلق من عوالم الخيال لتنتهي على أرض الواقع.
وهذا ما يتحقق في جواهر دار بوغوصيان، التي ظلّت على مدار ستة أجيال تُقرّب بين الشرق والغرب من خلال قطع تتباهى بأندر الأحجار الكريمة وأعلاها تميّزًا.
تَجسد هذا التقارب أخيرًا في مجموعة Palace Voyages، التي تستكشف الدار فيها بعض أفخم القصور المعروفة حول العالم، من قصر تشيان لونغ في بكين إلى الجناح الملكي في برايتون، بقصد محاكاة تفاصيلها المعمارية الدقيقة لتلائم عاشقات الأناقة الفاخرة.
من بين الأطقم الأربعة عشر التي شكّلت أعمدة المجموعة، برز الطقم المستلهم من قصر الباهية الشهير في مراكش، بسبب قِطعه المتمايزة بالألوان الفسيفسائية البديعة والخطوط الهندسية الرفيعة، على ما يشهد على وجه الخصوص عقد Wheel of Colour الذي يتجلّى تحفة معمارية لا نظير لها.
سيُدرك الناظر إلى العقد على الفور أوجه التشابه بينه وبين أسقف قصر الباهية، حتى إذا فاتته زيارة هذا المعلم، وسينبهر لا محالة بجملة الجواهر الكريمة التي تُرصّعه، ومنها الياقوت الوردي والبنفسجي والتسافوريت والتورمالين بارايبا واللازورد والفيروز وعقيق الديمانتويد والألماس الأبيض والأصفر، فضلاً عن عرق اللؤلؤ المتمايز بلون عاجيّ فريد.
يستلهم عقد Wheel of Colour أسقف قصر الباهية التي أعادت الدار صياغة زخارفها بأحجار نفيسة.
Pomellato Asimmetrico
من ميلانو انطلقت حكاية بوميلاتو، وإليها عادت الدار في مجموعة جواهرها الأخيرة، مستلهِمة التناقضات القائمة في المدينة بين الجوهر الحضَري الثابت والروح الإبداعية الطليقة، لتصيغ قطعًا تجتمع فيها مفاهيم تصميمية حديثة وأساليب على الطراز الميلاني.
ويتبين هذا من الاسم الذي أطلقته الدار على المجموعة، The Dualism of Milan، كما يتبين مما صرّح به فينتشينزو كاستالدو، المدير الإبداعي للعلامة، عندما أكد أن مُراده كان نقل روح المدينة بما تحتضنه من تجليات العمارة العقلانية وناطحات السحاب ومراكز التسوق.
ولهذا السبب تحديدًا، عمدت بوميلاتو إلى تقسيم المجموعة إلى قسمين، يُضيء أحدهما على الجانب الملموس لمدينة ميلانو من خلال جماليات أحادية اللون، فيما الثاني يركّز على جانبها غير الملموس من خلال جماليات زاخرة بالألوان.
يحاكي عقد بوميلاتو المشغول من الذهب الوردي والمرصع بالألماس، الخطوط المعمارية المميّزة لإبداعات سيزار بيلي في ميلانو.
وضِمن القسم الأول يندرج عقد Asimmetrico، الذي ينبع إلهامه من الخطوط المعمارية الانسيابية المميّزة لمباني ميلانو التي صممها المهندس المعماري الشهير سيزار بيلي.
يتمايز هذا العقد المشغول من الذهب الوردي بتصميم يخوّله إحاطة العنق برشاقة، كما تتخلله تشكيلات بديعة تتألق بالألماس، في مزيج لا يشهد على درجة الإتقان التي بلغتها بوميلاتو في ميدان الصياغة فحسب، بل يشهد كذلك على مقدار ما اكتسبته من خبرة في الترصيع.