تصدرت شركة إمبراير Embraer عناوين الأخبار في الصيف الماضي عندما كشفت عن رؤيتها المستقبلية التي توائم بين الجرأة والإرث القديم: طائرات مجهزة بمحركات دفع توربيني.

وصرحت الشركة آنذاك أن طائراتها المنتمية إلى الجيل الجديد Next Generation ستكون الحل للزيادة الهائلة في عدد الرحلات الجوية الإقليمية خلال العقدين المقبلين، موضحة أن التصميم الجديد سيشتمل على محركات مثبتة أعلى الأجنحة الخلفية، بغرض تعزيز الهدوء في المقصورة وزيادة كفاءة استهلاك الوقود على نحو يجعلها تتفوق في هاتين الميزتين على باقي منافسيها.

يستهدف هذا الجيل الجديد الأسواق التجارية، غير أنه يظل مثالاً جيدًا على تمايز السلالة الجديدة من الطائرات المجهزة بمحركات دفع توربيني عن الطائرات القديمة المزودة بمراوح عملية ثقيلة. ويبدو أن طائرات هذه السلالة تتحوّل سريعًا إلى مرادف للفخامة والبراعة التقنية. بل إنها قد تحل محل الطائرات الخاصة الصغيرة أو المتوسطة الحجم.

يقول فيليب دي سيغوفيا، مدير الترويج لسلسلة الطائرات المجهزة بمحركات دفع توربيني TBM في شركة "داهر" Daher التي طرحت أخيرًا طراز TBM 960: "لقد استُخدمت الطائرات المجهزة بمحركات توربينية للطيران الخاص والتجاري". ويضيف قائلاً: "نشهد اليوم إقبالاً متزايدًا على هذا النوع من الطائرات، خصوصًا من قبل الأشخاص الذين تتأخر رحلاتهم أو تلغى، وأولئك الذين لا يرغبون في مشاركة رحلاتهم مع الآخرين، أو الذين عليهم اللحاق بمواعيدهم البعيدة بسرعة ومن دون إنفاق أموال طائلة".

ينبثق هذا التطور عن تغيّر الأجيال، إذ يولي الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا اهتمامًا أكبر بوسائل الراحة والاستدامة. ويقول دي سيغوفيا: "تبدو الطائرات المجهزة بمراوح قديمة الطراز، فيما تبدو الطائرات النفاثة رائعة ورمزًا للحداثة. غير أن الجيل الجديد لا يلقي بالاً إلى تصورات الآخرين، ما دامت الكفاءة المنشودة تتحقق في نهاية المطاف".

كانت شركة بيتش كرافت Beechcraft تصنّع المحركات التوربينية منذ 90 عامًا، وقد دفعها التوجّه الجديد إلى إعادة ابتكار علامتها الجليلة King Air التي بدأت أولى رحلاتها في عام 1964.

وتشير كريستي تاناهيل، كبيرة نواب رئيس قسم تجربة الزبائن في مجموعة "تيكسترون أفياشن" Textron Aviation التي تنضوي تحتها شركة "بيتش كرافت"، إلى أن الطرز الحديثة مثل King Air 360 وKing Air 260 لم تعد تشبه الأجيال السابقة من طائرات الخدمات. وفي هذا تقول: "لقد تحسنت تجهيزاتها على نحو ملحوظ"، مشيرة إلى أن الترقيات استُلهمت من سيارات الدفع الرباعي الفاخرة.

يعني ذلك خزائن أعيد تصميمها، ومناضد للعمل قابلة للسحب، ومنافذ USB لشحن الأجهزة، فضلاً عن استخدام مواد أعلى جودة. وما كانت عناصر مثل حاملات الأكواب المضيئة والمصابيح المثبتة على طول الجدران الجانبية لتشق طريقها إلى الطائرات القديمة المجهزة بمحركات الدفع التوربيني، ولكن الأمور تغيرت اليوم، إذ صارت معاني الفخامة متاحة.

تقول تاناهيل: "أعيد تصميم كل شيء، بداية من المقاعد والنوافذ الكبيرة، ووصولاً إلى الإضاءة البارزة والجدران الجانبية التي أعيد تشكيلها بغرض توفير مساحة أكبر".

في الجانب التقني، أدخلت شركة بيتش كرافت نظام الخانق التلقائي إلى المقصورة، بالإضافة إلى النظام الرقمي لخفض معدل الضغط داخل المقصورة بما يضمن رحلة أكثر راحة. يُذكر أن طائرة King Air 360 التي تضم 11 مقعدًا تسافر بسرعة 312 عقدة وتحقق مدى يصل إلى 1,806 أميال بحرية، وهي الأرقام نفسها تقريبًا التي سجلها طراز King Air 260 المجهّز بتسعة مقاعد.

طائرة داهر الجديدة من طراز TBM 960 تزهو بكسوة خارجية ومساحات داخلية توحي بالفخامة.

Daher TBM 960
طائرة داهر الجديدة من طراز TBM 960 تزهو بكسوة خارجية ومساحات داخلية توحي بالفخامة.

من الواضح أن هذه السرعات لا تقترب بأي حال من سرعات الطائرات النفاثة، ولكن دي سيغوفيا يجادل بأن الطائرات المزودة بمحركات دفع توربيني لها أفضلية، إذ إن الوقت الذي تقضيه في التفاعل مع مسؤولي الحركة الجوية أقل بكثير مما هو عليه الحال عند السفر بالطائرات النفاثة.

فضلاً عن ذلك، تبلغ هذه الطائرات الفاخرة سرعتها القصوى في غضون مدة أقصر مقارنة بالطائرات النفاثة لأن كفاءتها أعلى عند الارتفاعات المتوسطة. ويزعم دي سيغوفيا أن "ميزة الطائرات النفاثة تنعدم في المجالات الجوية المزدحمة".

تفوق سرعة طائرة TBM 960، التي تعمل بمحرك توربيني أحادي، 300 عقدة، وقد جُهزت قمرة القيادة فيها بنظام إلكترونيات مدمج للطيران، من نظام الهبوط التلقائي إلى نظام كشف تكوّن الجليد وإزالته.

كما تشتمل المقصورة على خصائص شبيهة بتلك المتوافرة على متن الطائرات النفاثة، مثل الإضاءة الشريطية المحيطة المدمجة في السقف والنوافذ القابلة للتعتيم إلكترونيًا والتي يمكن تعديلها من خلال "شاشة عرض إعدادات راحة الركاب".

ولا ينبغي أن ننسى تكاليف التشغيل. يحكي دي سيغوفيا كيف وفّر زبون كان يسافر قرابة 500 ساعة سنويًا مبلغًا قدره 400,000 دولار من تكاليف التشغيل عندما قرر استخدام الطائرات المجهزة بمحركات دفع توربيني والتخلي عن بعض وسائل الرفاهية.

وفي هذا يقول: "لا مجال للمقارنة بين الوضع الراهن وما كان عليه الحال قبل عشر سنوات. تتضمن الطائرات المجهزة بمحركات دفع توربيني وسائل راحة تلائم مختلف الركاب، إلى جانب مظهرها الجذاب".