قد يبدو للوهلة الأولى ألا قواسم مشتركة بين الطائرات الخاصة والطائرات العسكرية، غير أن ثمة تاريخًا ثريًا يمكن تبيّنه في المنطقة الرمادية الكامنة بين الفئتين والتي تلتقي فيها الرفاهية والكفاءة العالية في صورة ابتكارات متبادلة أسهمت في تأمين السبق لكلتا الفئتين في قطاع الطيران.

بدأ هذا التوجه في عام 1909، عندما اقتنى سلاح الإشارة بالجيش الأمريكي طائرة "رايت ميليتري فلاير" Wright Military Flyer من الأخوين رايت مقابل 30,000 دولار. تنامى هذا التوجه طيلة ما يزيد على قرن، إذ جرى تعديل العشرات من الطائرات لصالح القوات المسلحة. أما اليوم، فيشهد القطاع انتقالاً متسارعًا للتكنولوجيا العسكرية إلى السوق المدنية، ويتجلى هذا بوضوح في جيل الطائرات الكهربائية الأحدث الذي يخضع لاختبارات الطيران تمهيدًا للحصول على التراخيص في السنوات القليلة المقبلة.

إن الحيز الشاغر الذي نفذت إليه الطائرات الكهربائية القادرة على الإقلاع والهبوط عموديًا فتح المجال أمام ابتكار أنظمة جديدة للتحكم بالطيران تكون أكثر سلاسة وأمانًا. يُبيّن بيتر ويلسون، مدير قسم معايير الطيران والتدريب في شركة "جوبي أفييشن" Joby Aviation، هذا الأمر بقوله: "كنا نبحث عن أفضل طريقة لتوجيه هذه الفئة من الطائرات، وقد خلصنا إلى أن أدوات التحكم الموحّدة أنسب بكثير من غيرها".

وهو يشير في ذلك إلى الأنظمة التي تتيح الإقلاع والهبوط عموديًا بيد واحدة. لقد استثمرت البرامج العسكرية أموالاً طائلة لتطوير هذه التكنولوجيا، على ما هو عليه حال برنامج طائرة لوكهيد مارتن F-35B، لكن شركة جوبي أفييشن ومنافستها آرتشر أفييشن Archer Aviation أدخلتا عليها تعديلات تسمح بإدماجها في الطائرات الكهربائية القادرة على الإقلاع والهبوط عموديًا، لتتخذ بذلك هيئة أدوات تحكم مصغرة تلائم الهياكل المدمجة لهذه الطائرات. تُرسل هذه الأنظمة المتطورةُ الأوامرَ في أجزاء من الثانية بالاستناد إلى مدخلات الطيار، وهو ما يسهم في أتمتة القيادة والدفع قدمًا نحو جيل من الطائرات سهلة التوجيه وعالية الأمان.

من الأمثلة الدالة على التبادل التكنولوجي بين قطاع الطيران العسكري وقطاع الطيران الخاص مقاتلةُ رافال من شركة داسو.   تشتمل طائرة رجال الأعمال Falcon 6X على شاشات عرض رأسية متماثلة وأنظمة تحكم رقمية في الطيران.

VALMANSA

من الأمثلة الدالة على التبادل التكنولوجي بين قطاع الطيران العسكري وقطاع الطيران الخاص مقاتلةُ رافال من شركة داسو. تشتمل طائرة رجال الأعمال Falcon 6X على شاشات عرض رأسية متماثلة وأنظمة تحكم رقمية في الطيران.

يؤدي تبادل تكنولوجيا الطيران إلى تطوير قدرات طائرات رجال الأعمال. لنأخذ على سبيل المثال أجهزة التحكم السلكي بالطيران التي ظهرت لأول مرة في مقاتلة F-16 التي طورتها شركة جنرال دايناميكس General Dynamics. لقد عززت أنظمة التحكم الرقمية في الطيران (DFCS) سرعة الطائرات المقاتلة وخفّتها، كما رفعت مستوى ثبات الطيران أكثر مما كانت تفعل أدوات التحكم التقليدية. ظهرت هذه التقنية لاحقًا في طائرة Mirage 2000 من داسو، وأصبحت ميزة أساسية في طائرة Falcon 7X، وقد باتت الآن معتمدة في خط طائرات فالكون. كما تبنّت بومباردييه وغلفستريم أنظمة التحكم الرقمية في الطيران لتعزيز أمان قمرات قيادة طائراتها وتأمين راحة الركاب.

لقد طبقت داسو الدروس المستفادة من تطوير جناح ألياف الكربون في طائرتها المقاتلة رافال على طائرتها التجارية Falcon 10X، التي تتهيأ لاختبارات الطيران. ويرى كارلوس برانا، نائب الرئيس التنفيذي لقسم الطائرات المدنية في داسو، أن استخدام تكنولوجيا ألياف الكربون جنّب الشركة "البداية من الصفر" وتصميم جناح جديد. يستشهد برانا أيضًا بمثال آخر على التبادل التكنولوجي، لكن في الاتجاه المعاكس، إذ جرى استخدام شاشة العرض الرأسية التي ظهرت لأول مرة في الطائرة التجارية ميركور Mercure لاحقًا في مقاتلة Mirage F1.

النموذج الأولي لطائرة بومباردييه Global 6500 التي خضعت للتعديل ضمن برنامج جديد يتوخى تطوير طائرات التجسس والاستطلاع.

Sail GP

النموذج الأولي لطائرة بومباردييه Global 6500 التي خضعت للتعديل ضمن برنامج جديد يتوخى تطوير طائرات التجسس والاستطلاع.

تتوقف مثل هذه التطبيقات التكنولوجية على وجود سجل إنجازات موثق، وفي هذا يقول ستيف باتريك، نائب رئيس شركة بومباردييه ديفينس Bombardier Defense: "يحتاج القطاع العسكري إلى هذه التقنيات سريعًا، وبعد تطويرها تظل في الخدمة أمدًا طويلاً. ولذلك يشيع بيننا استخدام عبارة المقدرة على قدر الملاءمة". يُردد باتريك رأي برانا إذ يؤكد أن "القواسم المشتركة بين سلسلة التوريد والعمليات الهندسية" تُغني عن الحاجة إلى التجديد المستمر.

تقع الطائرات المتينة المعززة بالأنظمة الاحتياطية في بؤرة اهتمام القطاع العسكري، والشاهد على ذلك أن الجيش الأمريكي يستثمر بكثافة في منصة طائرة غلوبل Global لغاية الاستطلاع. لقد عززت بومباردييه طائرة Global 6500 بوساطة محركات Rolls-Royce BR710 التوربينية التي تشتمل على أربعة مولدات كهربائية قياسية، وهو تركيب يندر حتى في الطائرات الفاخرة. بالإضافة إلى المردود المرتفع، تتمايز طائرة Global 6500 بسرعة ومدى يضعانها في قلب اهتمام القطاع العسكري لكونها قادرة على استيعاب أنظمة الرادار ومحطات المشغّلين وأجهزة الاستشعار الكهربائية الضوئية (استُخدم المحرك نفسه في طائرة Nimrod MRA4 البريطانية الموجهة للدوريات البحرية).

مع ذلك، يظل المثال الأبرز على التلاقح المتبادل بين الفئتين هو طائرة الرئاسة الأمريكية. إن طائرة بوينغ 747 هذه، المصنوعة في الولايات المتحدة، تشتمل على نظام اتصالات آمن ومقصورة بأنظمة ترفيه مخصصة ونظام دفاع صاروخي، ما يجعلها طائرة رجال الأعمال الأكثر أمنًا التي تحلق في السماء، فضلاً عن كونها أفخم طائرة عسكرية على الإطلاق.