جزيرة سردينيا، دون أدنى مبالغة، فردوس أرضي بالمعنى الكامل والكثيف للكلمة. فهناك تجد المياه الصافية، والشواطئ ذات الرمال البيضاء الناعمة، والصخور الجرانيتية. ليس هذا فحسب، بل إنك أمام وجهة سياحية مفعمة بآلاف التناقضات، ومن ثم فهي قادرة على إغرائك وخلب لُبَك بتراثها الفريد وحسن ضيافة أهلها.
تحتفظ هذه الجزيرة الإيطالية الرائعة، رغم توافد كثير من السائحين إليها خلال السنوات الأخيرة، بجمالها البري الخلاب، ولذلك يستمتع زوارها بتجربة أصيلة دائمًا. ولعل أبرز ما يميز السياحة في جزيرة سردينيا وفرة الأنشطة التي يمكنكم القيام بها هناك، بدءًا من الإقامة في الفنادق التقليدية، إلى الاسترخاء والسكنى في الملاذات والمنتجعات الريفية، وصولاً إلى المبيت والإفطار في بيوت ريفية عتيقة.
فضلاً عن كون الجزيرة صغيرة، وهو الأمر الذي يغريك بمخر عباب مجاهيلها، واستكشاف خباياها، فمع كل وطأة قدم ستكون على موعد مع الدهشة، والمناظر التي تخلب الألباب وتحبس الأنفاس، من السلاسل الجبلية الرائعة إلى الشواطئ الريفية البديعة، والمناظر التي تملأ الأفق، وصولاً إلى السهول المنبسطة المغطاة بالزهور البرية في الربيع. هناك حقًا شيء مناسب لكل ذائقة في هذه الجزيرة القديمة والساحرة.
أما عن جمال سماء جزيرة سردينيا في الليل، فحدّث ولا حرج، إذ إنها عادة ما تبدو أشبه بلوحة فنية آسرة رسمها فنان ذو مزاج رائق. ويمكنك معاينة هذا المشهد من الشاطئ أو من الريف، حيث تمنح نفسك فرصة لتَشَرُّب هذا الجمال على مهل.
ودونك طبعًا المناطق الساحلية المذهلة التي تزخر بها جزيرة سردينيا مثل: سانتا مارغريتا دي بولا وبورتو كونتي وبايا سردينيا وفيلاسيميوس وكوستا ري، وكلها وجهات فاخرة وشهيرة يمكنك أن تقضي في ظلالها أوقاتًا لا تُنسى.
ماذا تفعل في جزيرة سردينيا؟
عسيرة هي الإجابة عن سؤال كهذا، والصواب أن نقول ما الذي لا يمكنك القيام به في سردينيا؟! فالجزيرة تزخر بالمباهج، وأينما يممت وجهك ألفيت شيئًا ممتعًا وفريدًا يمكنك تجربته أو الانخراط فيه. وعلى أي حال، سنلتقط نُتفًا من الأماكن التي يمكنك زيارتها أو الأنشطة التي قد تستهويك تجربتها في جزيرة سردينيا.
جنة هواة بالتاريخ Sulcis Iglesiente
في هذه المنطقة من جزيرة سردينيا تعاين الطبيعة البرية البكر، والمواقع الأثرية النوراجية والفينيقية والرومانية والبيزنطية.
ومن نافلة القول أن Sulcis Iglesiente هي منطقة جغرافية تقع في أقصى الجنوب الغربي لجزيرة سردينيا وتشتهر بأصولها وتقاليدها القديمة. ولقد كانت المنطقة مأهولة بالفعل منذ 5000 عام، وكانت مفضلة من قبل الفينيقيين والقرطاجيين الذين كانوا أول من اكتشف رواسبها المعدنية الغنية واستخرجها.
تشكل هذه الرواسب شهادة مهمة على البعد الأثري والتاريخي المهم لهذه المنطقة، وقد أُدرجت في القائمة المؤقتة لمركز التراث العالمي لليونسكو.
وبخلاف ذلك، فهاهنا وفرة في المناظر الطبيعية الخلابة من متنزه سولسيس الطبيعي إلى بان دي زوتشيرو الشهير، ومن غابة بورتو بينو الصنوبرية إلى خليج بالماس، ومن مناجم سانت أنتيوكو الملحية إلى جزيرة سان بيترو، والتي تسمى "الجزيرة الخضراء" نظرًا لطبيعتها النباتية الخصبة والمزدهرة.
يمكن لعشاق المياه والطبيعة السباحة في البحر، أو حتى التنزه على طول خليج غونيزا بمياهه الصافية. كما أن الخليج مركز مفضل لركوب الأمواج. ليس فقط ركوب الأمواج، ولكن ثمة العديد من الرياضات المائية التي يمكن الاستمتاع بها في مختلف أنحاء المنطقة كالغوص والإبحار وشتى الأنشطة المناسبة لمنطقة غنية جدًا بالرياح.
ومع ذلك، فإن المناطق الداخلية هي التي تحكي عن الماضي القديم والنبيل الذي يجعل هذه المنطقة مثيرة للذكريات بشكل خاص. كما تجعل الاكتشافات الأثرية العديدة من الحضارات النوراغية والفينيقية والرومانية والبيزنطية من سولسيس إجليسينتي جنة حقيقية لهواة التاريخ. فهناك الكثير من القصور الملكية القديمة، والآثار التي تعبق بتواريخ أزمان غابرة في Villaperuccio في جنوب جزيرة سردينيا تحديدًا، تقع أهم قبور نيكروبولي، دوموس دي جاناس أو ما يسمى بـ «بيت الجنيّات أو الساحرات».
ويعود تاريخ المقابر المحفورة في الصخر إلى ما يقرب من 5000 عام، فضلاً عن أن هناك العديد من المواقع التي تحتوي على أدلة على الاستيطان البوني في المنطقة، مثل الحصن الفينيقي باني لوريجا بالقرب من سانتادي، وفي مقدمتها مدينة سانت أنتيوكو (سولسيس سابقًا)، التي تضم مجموعة من الاكتشافات من عصور متفاوتة.
كالياري والمشاهد التي لا تفوت
كالياري هي عاصمة جزيرة سردينيا التي تهيمن على Golfo degli Angeli (خليج الملائكة) مع معاقلها البيضاء وأبراجها المنتمية إلى العصور الوسطى وواجهات قصورها الأرستقراطية المطلة على الميناء، والتي ستغزوك منذ الوهلة الأولى.
غالبًا ما ستتمكن من إلقاء النظرة الأولى على هذه المدينة من نافذة الطائرة التي تهبط على ارتفاع لتقترب من مطار جياكومو ماميلي وأنت تحلق على ارتفاع منخفض فوق بحيرة سانتا جيلا، وهي جزء من واحدة من أهم الأراضي الرطبة في أوروبا، مع المياه التي لا يزيد عمقها على مترين والتي يسكنها مالك الحزين، وطيور النحام الوردي الرائعة، والتي تختار العيش هنا وكذلك في حديقة مدينة Molentargius.
ومثل روما، تنهض كالياري على سبعة تلال هي: كاستيلو وتوفيكسدو ومونتي كلارو وسيلا ديل ديافولو وكولي دي بوناريا وكولي دي سان ميشيل ومونتي أوربينو. تتوافق هذه النتوءات الآن مع عدد الأحياء نفسه، وتجعل الحيز الحضري تعاقبًا لطيفًا للصعود والنزول، والتلال والمنحدرات.
حي كاستيلو
هذا حي قديم ذو موقع مركزي يوفر إطلالة بزاوية 360 درجة على مدينة كالياري، كما يميزه الثراء الفني والثقافي المختبئ في شوارع المدينة الضيقة.
أعلى نقطة في كاستيدو، التي يسميها سكان كالياري مدينتهم، هي برج سان بانكرازيو الذي يصل ارتفاعه إلى 130 مترًا فوق مستوى سطح البحر.
بنى هذا البرج سكان بيزا في بداية القرن الرابع عشر، واستخدمه الجنرال البيدمونتيني ألبرتو ديلا مارمورا نقطة مرجعية لرسم خريطة جزيرة سردينيا في القرن التاسع عشر؛ لذلك فهو يتيح نظرة بانورامية على المدينة ككل.
مقابر العمالقة من الآثار إلى الروحانية
لطالما أطلق السكان المحليون على هذه المقابر اسم «مقابر العمالقة» نظرًا لحجمها الهائل، وهي مقابر جماعية تعود إلى العصور القديمة.
يمكنك، عبر جولة في هذه المقابر في جزيرة سردينيا، اكتشاف التقاليد الجنائزية لأقوام خلت دورهم، وبعض الآبار المقدسة، وستجد نفسك هائمًا في عوالم مختلفة من العصور القديمة، يلفها الغموض والروحانية.
حديقة أرزاشينا الأثرية
تزخر حديقة Arzachena، الواقعة في البلدة الرئيسة لساحل سميرالدا، في غالورا، شمال شرق جزيرة سردينيا، بالعديد من الكنوز الأثرية الفريدة إلى جانب بحرها الرائع.
وتشمل هذه الآثار مقابر ومجمعات حضارة Nuragic، وكلها بمنزلة شواهد على أقدم السكان الذين عاشوا في الجزيرة. وستتعلم عبر جولة في هذا المتنزه الكثير عن الطقوس والعادات القديمة بينما تشعر بإحساس الروحانية البدائية في كل مكان.
جداريات Orgosolo
جزيرة سردينيا هي موطن الرسم الجداري الإيطالي وأورجوسولو هي عاصمة هذا الفن وحاضنته. ومن المعروف أن سردينيا هي أرض التناقضات والألوان شديدة الجرأة والتباين.
تفتخر الجزيرة بفنونها الجدارية الخاصة، والتي تعد مدينة Orgosolo مركزًا لها. ففي هذه المدينة، وهي بلدة في منطقة بارباجيا التاريخية، هناك ما يقرب من 150 لوحة جدارية تزين الشوارع وتستقطب الآلاف من السياح الإيطاليين والأجانب كل عام.
وُقعت اللوحة الجدارية الأولى في Orgosolo بوساطة Dioniso في عام 1969، وكان Dioniso الاسم الجماعي لمجموعة من الفوضويين. وبعد بضع سنوات فقط، تخليدًا لذكرى المقاومة وتحرير إيطاليا من النازية والفاشية، قام مدرس مدرسة سينيزية الإعدادية وطلابه برسم لوحات جدارية إضافية، أضاف إليها العديد من الفنانين والمجموعات المحلية تدريجيًا إبداعاتهم الخاصة.
على الرغم من أن Orgosolo كانت المكان الذي بدأ فيه تقليد الرسم الجداري الإيطالي، إلا أن مدنًا أخرى مثل San Sperate و Villamar و Serramanna قد طورت هذا الفن لسنوات، وهي ظاهرة ثقافية واجتماعية تعبر عن الموضوعات العالمية والدولية التي لا تزال راهنة حتى اليوم.
تزين العديد من الجداريات العديد من المجتمعات في مقاطعات جزيرة سردينيا الداخلية، وهي تصور بلغتها الجميلة ثقافة السكان المحليين وعاداتهم.