على الطرقات الملتوية من بريشا Brescia في إقليم لومبارديا إلى روما، تستأثر بالأبصار والأفئدة مفاتن تخالها انبثقت عن تلاحم متقن بين الطبيعة والتاريخ وضربت جذورها في عمق أودية تزهو وادعة بخضرتها، وفي خفاء قرى وبلدات من زمن مضى ما فتئت حجارة بيوتها وساحاتها العتيقة المرصوفة بالحصى تهمس بعبق الأصالة.
هذه اللوحة الآسرة بتفاصيلها وألوانها تنبعث أكثر حيوية وفرحًا مرة كل عام، ومنذ نحو قرن من الزمن، إذ يزيدها ثراء مشهد سيارات نادرة تتنافس عبر مسافة ألف ميل في ما بات يُعرف بالسباق الأجمل في العالم.
إنه سباق الألف ميل 1000 Miglia، السباق الأشهر للسيارات عتيقة الطراز، والذي تكرّس على خارطة أهم الأحداث في العالم تجربة سنوية للاحتفاء بإرث من الشغف بالقيادة، واستكشاف الأرض والفن والعمارة، واختبار أسلوب عيش أنيق، وبالطبع أطايب مطبخ إيطالي أصيل.
وعلى ما هو متوقع، لم يكن المشهد مغايرًا في دورة عام 2022 من السباق الذي يحتفي بمعاني الأصالة.
تاريخ مجيد
في كل دورة، يبدأ سباق الألف ميل من بلدة بريشا الإيطالية، وفيه تنطلق سيارات غير معدلة من الطُرز المخصصة للإنتاج على نطاق واسع عبر الطرقات الريفية المفتوحة ومرورًا بالبلدات والقرى العريقة وصولاً إلى روما قبل أن تعود أدراجها إلى نقطة الانطلاق.
إنه المسار نفسه الذي عبرته في عام 1927 السيارات المشاركة في الدورة الأولى من المنافسة الإيطالية الأسطورية التي انبثقت آنذاك عن رؤية أربعة إيطاليين عُرفوا بالفرسان الأربعة، وهم فرانكو مازوتي، وأيمو ماغي، ورينزو كاستانييتو وجيوفانو كانستريني.
لكن المنافسة انطلقت في الأصل في هيئة سباق للسرعة الخارقة عبر طرقات إيطاليا المقفلة. وفيما عُلّق السباق لست سنوات عندما دارت رحى الحرب العالمية الثانية في أوروبا، عاد لينطلق مجددًا عام 1947.
404 مركبات نادرة ترجع إلى ما قبل عام 1957 خاضت السباق الذي امتد على مسافة 1,600 كيلومتر عبر الطرقات الريفية والبلدات العتيقة.
وقد يكون السباق الأشهر من تلك الحقبة هو ذاك الذي نُظّم عام 1955 عندما أنهى السائق البريطاني الشهير ستيرلينغ موس ومعه الصحفي دنيس جنكينسون السباق في زمن قياسي لم يُحطمه أي متسابق إلى يومنا هذا، وبلغ 10 ساعات و7 دقائق و48 ثانية، بمعدل سرعة غير متوقع قدره 97.96 ميلاً/الساعة.
وكان موس يقود آنذاك سيارة من طراز Mercedes – Benz 300 SLR.
ستيرلينغ موس ودنيس جنكينسون على متن سيارة Mercedes – Benz 300 SLR في سباق عام 1955.
أُلغي السباق سنة 1957 من حيث كونه منافسة للسرعة في أعقاب حادثي اصطدام مأساويين تسبب أحدهما في مقتل تسعة أفراد (بينهم خمسة أطفال) من الجماهير المحتشدة على الطرقات لمتابعة الحدث، وذلك عندما انفجر إطار في سيارة من طراز Ferrari 335 S كان يقودها ألفونسو دي بورتاغو، فاندفعت المركبة باتجاه الحشد عند جانب الطريق. وبعد مرور عقدين من الزمن، استعاد سباق الألف ميل مجده الغابر ولكن هذه المرة في هيئة رالي تقليدي يقوم على قياس السرعة والوقت على حد سواء.
سيارة O.M. 665 Superba التي قادها فرديناندو مينوخا للفوز في السباق الأول سنة 1927.
لكن هذا لم يعنِ تجريد الحدث من جيناته الأصيلة. فإلى يومنا هذا، ينطلق السباق على الطرقات العامة وتشارك فيه حصريًا مركبات ترجع إلى ما قبل عام 1957، ويُشترط في قبولها أن تكون قد خاضت في الماضي على الأقل واحدًا من سباقات الألف ميل عندما كان هذا الحدث سباقًا للسرعة.
وبالرغم من أنها سيارات عتيقة الطراز، إلا أنها ترسم مشهد منافسة قاسية وجدية على الطرقات المتعرّجة فيما تتسابق بسرعات "بطيئة جدًا" بحسب مقاييس اليوم وبأنظمة تناظرية تثقل كاهل السائقين تقريبًا طيلة 12 ساعة يوميًا.
Greg Funnell
على الطريق من روما إلى بارما في اليوم الثالث والأصعب من السباق، وتظهر في المقدمة سيارة من طراز Porsche 356 1500 من عام 1953.
من بريشا إلى روما مرة جديدة
في الخامس عشر من شهر يونيو الفائت، وقفت بعد ظهر اليوم القائظ شاهدة على ألق سباق لا يشيخ كرّسته عند خط الانطلاق في بريشا 404 مركبات مصدرها 63 صانعًا تشارك في دورة عام 2022 من الحدث الأسطوري.
وكانت السيارات تنطلق من الأقدم إلى الأحدث بفارق دقيقة واحدة بين مركبة وأخرى، مغادرة منحدر "فيالي فينيسيا" الشهير المحفوف بالأشجار لتسلك مسارًا يمتد بطول 1,609 كيلومترات (1005 أميال رومانية) في اتجاه عقارب الساعة (وذلك خلافًا لدورة العام الماضي التي شهدت تغيير اتجاه المسار ليصبح بعكس عقارب الساعة على ما كان عليه الحال في النسخة الأصلية من السباق).
كانت الوجهة الأولى انطلاقًا من بريشا - أو "لبوة إيطاليا" كما يسمّونها، والتي يتباهى أهلها بكونها معقل رياضة سباقات السيارات الإيطالية، لا سيّما أنها احتضنت في الماضي سباق الجائزة الكبرى في إيطاليا قبل أن تسلبها إياه مونزا سنة 1922 – بحيرة غاردا التي تغتسل في مياهها أقدام جبال الألب، مرورًا ببلدتي سالو وسيرميوني، ووصولاً، بعد مسافة تزيد على 300 كيلومتر ولكن تستغرق ما لا يقل عن ست ساعات على متن مركبات من زمن مضى، إلى بلدة مانتوفا حيث أمضى المتسابقون أولى ليالي السباق.
خمسمائة كيلومتر أخرى قطعتها الفرق المشاركة في اليوم التالي في سياق رحلة لم تخلُ من التحديات على الطريق المتعرّج عبر القمة الجبلية لبلدة نورتشا وصولاً إلى روما، المدينة الأبدية التي لا تنفك تتدثر بثوب غُزلت خيوطه من عبق تاريخ مهيب.
ذاك الصخب الذي رافق رحلة الذهاب إلى روما عبر بلدات تحوّلت ساحاتها إلى مهرجان للاحتفاء بوصول سيارات تكبر ولا تشيخ قابله في مسيرة الإياب إلى بريشا التأهب لليوم الأصعب في السباق والممتد مساره على 500 كيلومتر أخرى باتجاه أجمل معاقل عصر النهضة، مدينة سيينا التاريخية، قبل أن تعرج منها السيارات غربًا لتمضي بمحاذاة الساحل في بلدة فيارِيدجيو ثم إلى الجهة الشمالية الشرقية باتجاه الممر الجبلي "باسو ديلا سيزا" الذي يشكل اختبارًا جديًا للسائقين ولسيارات تخالها تكافح لالتقاط أنفاسها عبر الطريق الملتوي صعودًا حتى ارتفاع يزيد على 1000 متر فوق سطح البحر، ثم نزولاً من الجانب الآخر باتجاه مدينة بارما.
أما اليوم الأخير من سباق العودة، والممتد مساره لمسافة 150 كيلومترًا تقريبًا، فتخللته محطة في حلبة مونزا لاجتياز اختبار صعب في وقت محدد، قبل التوجه إلى مدينة بيرغامو التي تستأثر طبيعتها الأخاذة بالأنظار، ومنها عبر المنحدر المفضي إلى خط النهاية في بريشا.
من بريشا إلى روما ذهابًا وإياباً، حشود تصطف على جانب الطريق لاستقبال أو وداع الفرق المشاركة، وتبدو هنا سيارة الفريق 248 وهي من طراز XK140 OTS Roadster من جاغوار من عام 1956.
مآثر من الماضي على الطريق
في نسخة عام 2022 من الحدث المهيب، المعروف أيضًا باسم سباق السهم الأحمر Freccia Rossa، كان الفوز من نصيب الفريق رقم 46 المكوّن من أندريا فيسكو وفابيو سالفينيللي على متن سيارة Alfa Romeo 6C 1750 SS ZAGATO من ألفا روميو ترجع إلى عام 1929.
إنه الفوز الثاني على التوالي للصديقين اللذين حققا المركز الأول العام الماضي أيضًا، والفوز الثالث لفيسكو الذي قاد سيارته إلى منصة التتويج سنة 2020 مع والده روبيرتو.
Greg Funnell
الفائزان في السباق أندريا فيسكو وفابيو سالفينيللي على متن سيارةAlfa Romeo 6C 1750 SS ZAGATO من عام 1929.
أما في المركز الثاني، فحلّ فريق أندريا بيلوميتي وجيانلوكا بيرغومي على متن مركبة من طراز Lancia Lambda Spider Type 221 من لانسيا من عام 1929، فيما كان المركز الثالث من نصيب لورينزو وماريو توريللي اللذين وصلا إلى خط النهاية على متن سيارة OM 665 S MM Superba 2000 من سنة 1929 أيضًا.
لكن المركبات الفائزة الثلاث لم تكن الوحيدة التي استأثرت بأبصار هواة السباق والجماهير التي احتشدت على جانب الطرقات وفي ساحات البلدات وأزقتها الضيقة لمتابعة الحدث عن كثب. فالسيارات المشاركة كلها تقريبًا كانت بجاذبية تصاميمها العتيقة تستلب الأفئدة إلى حقبات ذهبية في تاريخ صنّاعها.
Greg Funnell
سيارة من طراز Bugatti T40 من بوغاتي تعود إلى عام 1927.
تشهد على ذلك مثلاً سيارة من طراز Bugatti Type 23 Brescia من عام 1925 مجهزة بمحرك من أربع أسطوانات في خط مستقيم (كانت بوغاتي قد أطلقت اسم "بريشا" على سلسلة هذا الطراز احتفاء بإنجازاتها في سباق الجائزة الكبرى بإيطاليا سنة 1921)، ومركبة من عام 1934 من طراز Aston Martin Le Mans الذي أسكنته أستون مارتن في ثلاثينيات القرن الفائت محركًا بقوة 70 حصانًا ولم تصنّع منه سوى 130 نموذجًا، حتى سيارة من طراز Fiat 1100 Derby by Bertone من عام 1944.
وكان هذا الطراز نسخة جديدة من طراز Fiat 508C من مرحلة ما قبل الحرب، صُنع في 48 نموذجًا فقط قبل أن يذيع صيت بيرتوني بعد نحو عقد من الزمن مع سيارة Alfa Romeo Giulietta Sprint.
سيارة Patriarca Giannini gilco 750 Siluroمن عام 1950.
كان أيضًا للحصان الجامح حضور لافت في السباق من خلال مجموعة من السيارات المشاركة تمايزت بينها سيارة Ferrari 195 Inter Coupe by Motto من عام 1951، تُمثل، من أصل 28 نموذجًا من هذا الطراز، النسخة الوحيدة التي زهت بهيكل خارجي من الألمنيوم من ابتكار روكو موتو.
ويحتجب تحت غطاء السيارة محرك V-12 بسعة 2.3 لتر ضخ الحياة في عدد من أعظم المركبات الرياضية عبر التاريخ.
قد نرى هذه السيارات مجددًا هذا العام إلى جانب فرائد أخرى، ولكن هذه المرة في منطقة الشرق الأوسط مع انطلاق النسخة الأولى من سباق الألف الميل في دولة الإمارات العربية المتحدة 1000 Miglia Experience UAE.
تحدد موعد السباق المنتظر في مطلع شهر ديسمبر المقبل، وفيه ستنطلق مجموعة من 100 مركبة كلاسيكية وسيارة معاصرة من العصر الحديث عبر الإمارات السبع لتغطي، على ما تقتضيه تقاليد الحدث التاريخي، مسافة ألف ميل.
Greg Funnell
سائق السباقات الشهير جاكي إكس وكارل – فريدريك شوفوليه إلى جانب سيارة العائلة من طراز Mercedes – Benz 300 SL من عام 1955.
شوبارد والسباق.. شراكة عمرها 35 عامًا
منذ عام 1988، تكرّس اسم دار شوبارد في إرث سباق الألف ميل بوصفها الراعي العالمي لهذا الحدث ومسجّل التوقيت الرسمي فيه. بل إن السباق نفسه تحوّل إلى ما يشبه تقليدًا راسخًا عند العائلة.
فهذا العام أيضًا، وللمرة الرابعة والثلاثين على التوالي، انضم كارل – فريدريك شوفوليه، الرئيس المشارك في شوبارد، إلى المتسابقين على متن سيارة العائلة من طراز Mercedes – Benz 300 SL من عام 1955 تشتهر بلون طلائها الكرزي.
وفي التعليق على هذا الحدث قال رئيس شوبارد: "إنها السيارة نفسها التي شاركت بها للمرة الأولى في سباق الألف ميل عام 1988 برفقة المتسابق جاكي إكس، أسطورة سباقات السيارات وسفير علامة شوبارد والصديق القديم للعائلة.
ومنذ ذلك الحين، شاركنا في القيادة معًا في السباق مرات عدة". لكن في دورة هذا العام، رافق شوفوليه في رحلته ابنته كارولين- ماري التي سبق لها المشاركة في سباق عام 2019 بدور مساعد السائق. أما جاكي إكس، فكان حاضراً عند خط بداية السباق في بريشا حيث وقف ملوّحاً ومشجعاً لصديقه.
إصدار شوبارد من ساعة الكرونوغراف لدورة عام 2022 من السباق في علبة من الفولاذ المقاوم للصدأ وقد نُحت اسم السباق على جهتها الخلفية.
Chopard Mille Miglia 2022 Race Edition
إصدار خاص
أثمرت شراكة شوبارد مع سباق الألف ميل سلسلة إصدارات حصرية من ساعات الكرونوغراف التي تعكس في كل دورة احتفاء متجددًا، ولكن متمايزًا، بالحدث الأجمل للسيارات الكلاسيكية.
ولعام 2022، خصّت الدار الدورة الأربعين من السباق بساعة كلاسيكية الطابع تزهو باللونين الأزرق والرمادي فيما تزاوج بين الرموز الجمالية المميزة لهذه المجموعة الرياضية، لا سيّما الخطوط التصميمية المستوحاة من السباق، والدقة الميكانيكية والأداء العالي لآلية الكرونوغراف.
وعلى ما هو عليه حال إصدارات Mille Miglia السابقة، كرّس الصانع سمة الوضوح في القراءة، الضرورية للسباقات على الطرقات المفتوحة، من خلال ميناء أنيق اعتُمد فيه تصميم ممشوق باللون الأزرق الداكن للعقارب المشغولة في حجم كبير شأنها في ذلك شأن نافذة عرض التاريخ التي جرى تكبيرها بوساطة عدسة مصقولة عند الجانب السفلي من الغطاء الزجاجي الكريستالي للساعة.
إصدار شوبارد من ساعة الكرونوغراف لدورة عام 2022 من السباق في علبة من الفولاذ المقاوم للصدأ وقد نُحت اسم السباق على جهتها الخلفية.
تجلّى توخّي الوضوح أيضًا في التمييز بين المواقع المخصصة لعرض كل وظيفة، فبرزت عدادات الكرونوغراف عند مؤشري الساعة 6 والساعة 12 بنمط زخرفي حلزوني لامركزي يتباين بأناقة مع اللمسات الزخرفية لعداد الثواني المصغّر عند مؤشر الساعة 9. كما تمايز عقرب الثواني المركزي الكبير الدوّار الذي يزهو باللون الأحمر في إشارة إلى اللون المميز للسباق، والذي يساعد على قراءة معدل السرعة فوق مقياس السرعة الذي صيغ في هيئة إطار باللون الأزرق يحيط بالميناء.
أما قلب الساعة، فينبض بآلية حركة ذاتية التعبئة تعمل بوتيرة 4 هرتز وتوفر احتياطيًا للطاقة يدوم 48 ساعة.
وقد طرحت شوبارد ساعتها في نسختين: نسخة في علبة من الفولاذ المقاوم للصدأ اقتصر إنتاجها على 1,000 نموذج، ونسخة جمعت علبتها بين الفولاذ والذهب الوردي الخُلقي واقتصر إنتاجها على 250 نموذجًا.