يشهد قطاع الطيران الخاص اليوم أكبر تحوّل في تاريخه. وقد يصح القول إنه تحوّل تسارعت وتيرته بسبب الرقمنة، وسهولة الوصول إلى الخدمات، ومزايا الراحة والسلامة التي يعد بها، لا سيّما عقب دخولنا مرحلة التعافي التدريجي من تبعات جائحة كورونا.

والحقيقة هي أن هذا التحوّل يعكس في جوانب كثيرة منه الثورة الصناعية الرابعة، الأهم والأعمق من أي ثورة سابقة في تاريخ البشرية. وما كان لقطاع الطيران الخاص أن يحقق هذه النتائج القياسية لولا كفاءته وقدرته الفذة على التكيف، وخصوصًا على صون الروابط التي تجمع شركاته بالزبائن، والاستمرار في تحفيز رغبتهم في السفر والاستكشاف.

على أثر جائحة كورونا التي تفشت في مطلع عام 2020، قررت العديد من شركات الطيران التجارية والخاصة تعليق الرحلات كافة. ونتيجة لذلك، شهد شهر أبريل من ذاك العام انخفاضًا بنسبة 96% في أعداد المسافرين على متن تلك الخطوط.

وفي ظل تراجع ثقة المسافرين بعالم الطيران التجاري، تحوّل اهتمام كثيرين منهم إلى خدمات الطيران الخاص، ما أدى إلى تحوّل ملحوظ في هذا القطاع. أذكر على سبيل المثال أن شهر يوليو من عام 2021 سجل أكبر عدد من الرحلات الجوية الخاصة منذ مارس من عام 2008، إذ بلغ مجموع الرحلات المسيّرة 12,345 رحلة.

على أن التغيّرات التي اختبرها قطاع الطيران الخاص في عام 2020 خلّفت صدى ظل يتردد في عام 2022. بل من المتوقع أن يحقق هذا القطاع نموًا ملحوظًا بنسبة 10% بعد الجائحة.

في عام 2020، انتقل المسافرون إلى الطيران الخاص لأنه أكثر أمانًا ويُقلل مخاطر تعرضهم للمخاطر الصحية. فمستخدمو الرحلات التجارية يمرون بنحو 700 نقطة تماس، مقارنة بنحو 20 نقطة فقط يمر بها المسافرون على متن الرحلات الخاصة.

فضلاً عن ذلك، كانت بعض شركات الطيران التجاري في العالم قد بدأت بإزالة مقاعد الدرجة الأولى من طائراتها حتى قبل الجائحة، بسبب تراجع الإقبال عليها، لكن الأحداث الأخيرة عجلت أفول نجمها. في سوق الرحلات طويلة المدى، عمدت أغلب شركات الطيران المعروفة إلى تقليل عدد مقاعد الدرجة الأولى في طائراتها على نحو كبير لما يزيد على عقد من الزمان.

واليوم تختار النخبة من المسافرين مواصلة استخدام الطيران الخاص، بدلاً من العودة إلى الدرجة الأولى أو درجة رجال الأعمال، وذلك لأسباب عدة.

لا شك في أن جاذبية خدمات الطيران الخاص والزيادة في عدد مستخدميه قد أحدثتا الكثير من التغييرات أيضًا في قطاع تأجير الطائرات الخاصة، وهي تغييرات مسّت الشركات والزبائن على حد سواء. فعلى سبيل المثال، استثمر العديد من أصحاب الطائرات الخاصة في مساعي الحفاظ على النظافة الصحية على متن الطائرات وتحديث الأنظمة التقنية الرقمية. كما لاحظ الخبراء في القطاع استقطاب مستخدمين جدد وزبائن يسافرون برفقة أطفالهم وحيواناتهم الأليفة.

نتيجة لذلك، ازداد استخدام الطائرات الخاصة على نحو ملحوظ. في عام 2021، بلغ مجموع الرحلات الجوية باستخدام الطائرات الخاصة قرابة 3.3 مليون رحلة في العالم، وهو أعلى رقم سُجل في تاريخ هذا القطاع بحسب شركة أبحاث بيانات الطيران Wingx.

بموازاة ذلك، أدت الأزمة الصحية الأخيرة إلى تحقيق زيادة قياسية في الطلب على الطائرات الخاصة الجديدة والمستعملة، ونحن متفائلون ببروز سوق قوية لمبيعات الطائرات الخاصة.

بل إن الخبراء يستشرفون تسليم ما بين 8,400 و8,500 طائرة رجال أعمال جديدة بين عامي 2022 و2031، بقيمة إجمالية تراوح بين 264 مليار دولار أمريكي و274 مليارًا. وأما في منطقة الشرق الأوسط، فالريادة في هذه الطفرة من نصيب دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ من المتوقع أن ينمو سوق الطائرات الخاصة في البلاد من نحو 150 طائرة خاصة حاليًا إلى 250 طائرة بحلول عام 2025.

وما دامت الفرصة سانحة لجذب مزيد من المسافرين إلى الرحلات الخاصة، فهذا يعني استمرار الجهود الموجهة لاستقطاب الزبائن الجدد، الذين اعتاد أغلبهم السفر في مقصورة الدرجة الأولى أو درجة رجال الأعمال. 

بالإضافة إلى معايير السلامة، يركز قطاع الطائرات الخاصة على مزايا الراحة العظمى التي يتيحها اليوم عدد متزايد من محطات الطيران الخاص الأرضية حول العالم. بل إن بعض هذه المحطات تتجاوز حاليًا بدرجة كبيرة الخدمات المتاحة في أرقى صالات الدرجة الأولى في المطارات، إذ إنها توفر قدرًا أكبر من الخصوصية، ووسائل راحة أفضل ومعاني ضيافة أعلى تميزًا وعروضًا فنية منسقة.

شهدنا أيضًا افتتاح أول متجر لدار لويس فويتون في إحدى محطات الطيران الخاص، فيما أتاحت محطات أخرى عرض أرقى مجموعات الجواهر. وهكذا بات العديد من المسافرين يختارون تمضية وقت أطول، قبل الرحلة أو بعدها، في استكشاف أحدث المنتجات الفاخرة وأكثرها ندرة، فيما كانوا يخصصون لذلك في العادة 15 دقيقة. 

في الغالب، تلجأ شركات الطيران التجاري إلى رحلات الترانزيت لتلبية احتياجات آلاف الركاب، ولكن السفر بالطائرات الخاصة ينفي هذه الحاجة ويتيح للمسافرين الهبوط في المطارات الأصغر والأبعد التي لا تصلها خطوط الطيران التجاري. ويعني هذا التحليقَ مباشرة إلى الوجهات التي يختارها الركاب، سواء كانت كورشوفيل، أو ميكونوس، أو جزيرة استوائية نائية.

وغني عن القول إن السفر على هذا النحو يناسب الأفراد الذين يسافرون بانتظام ولكنهم يرغبون في الحد من حاجتهم إلى رحلات الترانزيت وتقليل المخاطر المتأتية عنها.

بموازاة ذلك، لا بد لنا من الإضاءة على المخاوف البيئية الراهنة المرتبطة بقطاعنا. ففي ظل زيادة الطلب على الممارسات المسؤولة اجتماعيًا، تغيرت أولويات المسافرين وباتت سمة المسؤولية الاجتماعية سارية أيضًا على جوانب أخرى من حياتهم. مع ذلك، لا بد من دراسة التأثير البيئي الحقيقي لصناعتنا.

نشير هنا إلى أن قطاع الطيران العالمي بأكمله يسهم بنسبة 2% فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولكن ما هو نصيب الطيران الخاص من هذه النسبة؟ من اللافت أنها لا تتعدى 0.04%.

لكننا ندعم أهداف اتحاد النقل الجوي الدولي التي ترمي إلى خفض صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050. هذا ما نعاينه حاليًا، إذ تتجه مزيد من شركات الطيران الخاص إلى استخدام الوقود المستدام لتلبية الطلب المتنامي على المنتجات والخدمات الخُلقية والصديقة للبيئة.

يرى الخبراء في الوقود المستدام بديلاً أسلم وأنجع من الناحية البيئية من الوقود الأحفوري. فهو مستخلص من مصادر مستدامة، مثل ثاني أكسيد الكربون غير الأحفوري والمخلفات الزراعية وزيوت النفايات.

ولأن هذا النوع من الوقود صديق للبيئة على نحو أفضل من النوع المستخرج من البترول، تعمد شركات الطيران لاستخدامه من أجل جذب الزبائن المهتمين بالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية.

على أن الزبائن الذين يلتزمون تحقيق أهداف استدامة شخصية سيميلون إلى ركوب الطائرات الخاصة التي تعمل بالوقود المستدام أكثر من ميلهم إلى السفر على متن الرحلات التجارية التي يغذيها البترول.

قدّرت شركة ماكنزي أن 10% فقط من الأشخاص القادرين على تحمل تكاليف السفر بالطائرات الخاصة كانوا يستخدمونها حقيقةً. في المقابل، أظهرت الأبحاث أن 79% من الأشخاص المحسوبين على فئة الموسرين سيميلون إلى السفر بالطائرات الخاصة أكثر من ذي قبل.

بالنظر إلى أن أكثر من نصف المسافرين الجدد (قرابة 53%) يقولون إنهم يخططون لاستخدام الطيران الخاص بانتظام بعد الجائحة، فلا يبدو أن الوتيرة التي يسير بها هذا القطاع ستتباطأ عما قريب.

يتيح قطاع الطيران الخاص مرونة أكبر ووقتًا أوفر ومدى سفر أبعد، ولهذا فإن من المتوقع أن يتزايد الطلب على رحلات رجال الأعمال في العام المقبل، ولهذا نحن مسرورون لأننا جزء من قصة النجاح المذهلة هذه.

______________________________________________________________________________________________________________

عادل مارديني هو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Jetex التي أحدثت ثورة في عالم محطات الطيران الخاص الأرضية، وقدمت نموذج أعمال يستقدم أعلى معايير الضيافة الفندقية إلى قطاع الطيران الخاص.