لا شك في أن البدلات التي تُحاك في شارع سافيل رو تُعد منتجات جميلة، ولكنها منتجات تقليدية للغاية. فأكبر الحائكين في دور الحياكة حسب الطلب في هذا الشارع، على غرار محترفي هانتسمان وهنري بول، اللذين يُشير إليهما أصحاب الذائقة الرفيعة بكثير من الاحترام والتبجيل، يلتزمون أساليب دُورِهم بصرامة، ويقدمون لزبائنهم في بعض الأحيان تجربة قد تبدو في بعض الأحيان مهيبة حد المبالغة، أو بعيدة كل البعد عن المرح.
في السنوات الأخيرة، نَحَت الأزياء الرجالية بعيدًا عن الرسمية، ولكن كبار الحائكين في شارع سافيل رو استمروا في إعطاء الأولوية للملابس الرسمية ولِبدلات رجال الأعمال، بدلاً من مواكبة العصر. وهذا وضعٌ كان من شأنه إحباط الحائكين الشباب، لا سيّما الذين التحقوا بهذه الصناعة مدفوعين برغبة في العمل في أشهر شوارع صناعة الأزياء، والتوّاقين في الوقت نفسه إلى مواكبة العصر الحديث على مستويي الملبس والثقافة.
تصف كيمبرلي لوتون، التي غادرت سافيل رو لإطلاق شركتها الخاصة في عام 2018، هؤلاء الحائكين الشباب بأنهم "أشخاص يريدون أن يُطلقوا العنان لإبداعاتهم، لا أن يحيكوا طيلة الوقت بدلات زرقاء وخضراء من قماش التويد".
لكن لوتون ليست الوحيدة التي غادرت الشارع اللندني الشهير، وبفضلها هي ومجموعة من رواد الأعمال الذين يمتلكون الرؤية نفسها، لم تعد بحاجة إلى زيارة محلات سافيل رو لحياكة أزياء يُبدعها بعض ألمع الحائكين حسب الطلب في لندن.
فاليوم يعرض عدد من الحائكين المستقلين، الذين يعملون في مُحترفات مستقلة في أنحاء رائعة من المدينة، على زبائنهم شراكة جذابة وإبداعية تفوق ما تُقدمه معاقل الحياكة البريطانية التقليدية. وسواء أكان الزبائن يُفصّلون بدلات فاخرة جذابة، أو بدلات بخطوط مبسطة لتناول الغداء، أو سترات غير رسمية من الجلد المقلوب، فإن هذا الجيل الصاعد من الحائكين قد حوّل ساحة الحياكة في العاصمة البريطانية إلى "استوديو" نابض بالحياة يعم أرجاء المدينة، بعد أن كانت الرقعة محصورة في شارع منفرد ومنعزل.
نستعرض هنا خمسة من أفضل هؤلاء الحائكين الشباب:
Harry Mitchell
تُلقب كيمبرلي لوتن بالمتمردة خارج سافيل رو ويستلهم أسلوبها موسيقى الروك في سبعينيات القرن الفائت وثمانينياته.
TAILLOUR
تخيّل معي دارًا نموذجية للحياكة حسب الطلب. مهما كان ما تخيلته، فإنه لن يبدو مثل الدار التي أنشأها لِي ريكِرْت البالغ من العمر 48 عامًا، وفْرِيد نيدُّو البالغ من العمر 36 عامًا في ثلاثة استوديوهات شُيّدت من الطوب الأحمر على النمط الفيكتوري في شرق لندن. يكتسي المكان بتصميم مُبتكر وجذاب، بداية من الجدران البيضاء المزدانة بقطع فنية معاصرة، بعضها بريشة فنان وشم محلي، ونهاية بأُصصِ النباتات والسترات الزاهية غير المكتملة المنسدلة على العلّاقات.
يلتقي ريكرْت ونيدّو مع الزبائن في واحد من الاستوديوهات، فيما الآخران يشتملان على حجرات لقصّ القماش وتفصيل التصاميم. هناك يعمل فريق صغير (وكلب أصغر يطوف في الأرجاء) على بثّ الحياة في ابتكارات دار تايّور.
يحمل اسم العلامة المأخوذ من اللغة الفرنسية دلالةً واضحة على التميز. فكلمة Taillour الفرنسية القديمة تعني "صانع الملابس"، وهكذا يرى ريكرْت ونيدّو نفسيهما، لا أكثر ولا أقل. وفي هذا يقول ريكرْت: "يتعلق الأمر بصنع منتجات بهيّة لأشخاص ودودين، لكي يشعروا بالراحة عند ارتدائها".
في السابق، عمل ريكرت ونيدّو معًا في دار حياكة تيموثي إيفرست. وفيما شغل نيدّو منصب خبير قصّ لخمس سنوات، أدار ريكرت الشركة بوصفه مديرًا للمبيعات والتسويق. وفي عام 2018، اتجه نيدّو للعمل لحسابه الخاص، قبل أن يُلم شمل الثنائي في عام 2022 لتأسيس شركة تايّور. وقد اشتهر نيدّو خلال سنوات عمله مستقلاً بقصّ ملابس تجمع بين الأناقة والخفّة والراحة. وفي هذا يقول: "لولا لإبداع، لظللنا نتبع نظامًا يصبح بمرور الوقت مُضجرًا للغاية".
Harry Mitchell
من اليمين: فريد نيدّو وشريكه لي ريكرت اللذان ابتكر محترفهما أزياء شخصيات مسلسل The Crown الشهير من نتفليكس.
يجمع أسلوب تصميم الملابس الخاص بالدار بين التدريب الذي تلقّاه نيدّو في سافيل رو (إذ كان يعمل خبير قص في ماير ومورتيمر قبل انضمامه إلى تيموثي إفريست) وجذوره الإيطالية. ويُترجم هذا إلى أسلوب مميز تمتزج فيه الخطوط البريطانية الحادة عبر مقدمة السترة - طيّة الصدر العريضة والحواف المستقيمة - مع قصة إيطالية مريحة، أي بين أفضل ما في العالمين. يمكن لقصة الأكتاف أن تكون إما مرتخية تمامًا أو خفيفة البطانة، فيما السراويل تضيق بإتقان من الورك إلى الأطراف، فلا تبدو ضيقة جدًا ولا فضفاضة جدًا.
يقول ريكرت: "نستمد الإلهام من التصميمات التقليدية والعتيقة الطراز، ونُضفي عليها شغفنا بالحرفة حتى نجعلها مُواكِبة للعصر". والنتيجة هي ملابس عصرية وأنيقة يسهل ارتداؤها، سواء أكانت بدلات أنيقة من الصوف الخفيف أو معاطف رياضية مرتخية الأكتاف من الكشمير.
علاوة على هذا، تتلقّى دار تايّور طلبيّات عدة في غاية الخصوصية. فإلى جانب قائمة الزبائن المتنامية (بالإضافة إلى الزبائن الأوروبيين، يُقيم الثنائي عروضًا خاصة في نيويورك من ست إلى سبع مرات في السنة)، تحيك الدار الأزياء لبعض أشهر الأفلام والمسلسلات.
Harry Mitchell
حجرة لقصّ القماش وتفصيل التصاميم في استوديوهات دار تايّور.
على سبيل المثال، ابتكر نيدّو الملابس الرجالية لكل موسم من مواسم مسلسل The Crown (التاج) الذي تنتجه نيتفلكس، كما صمم ملابس شخصية "إم" التي أدّى دورها الممثل رالف فينيس في أفلام جيمس بوند بطولة دانيال كريغ.
ومن بين مشاريع الأفلام المستقبلية التي ستعمل عليها دار تايّور الجزء الثاني من فيلم "إنديانا جونز"، وفيلم "وونكا" المقتبس من روايات رُوَالد دال، بطولة الممثل تيموثي شالاميه.
راوحت هذه الإبداعات التي ظهرت على الشاشة بين بدلات تقليدية مفصلة بدقة حسب مقتضيات الحقبة التي تدور فيها الأحداث، إلى بدلات تزلجٍ على طراز أزياء الثمانينيات، مكوّنة من قطعة واحدة تُحاك من أقمشة مُعالجة تقنيًا، وسترات سفاري من الجلد المقلوب (باتت مرتبطة باسم تايّور بعد ظهور السترة التي حاكها نيدّو في مسلسل The Crown فحظيت بفيض من عبارات الثناء).
يقول الثنائي إن جزءًا كبيرًا من عملهما يتمثل في "استكشاف أفكار جديدة وطرق عمل جديدة"، وهذا النهج القائم على المقدرة والجودة العالية هو ما يجعل أزياء تايّور مرغوبة للغاية.
Harry Mitchell
يجمع أسلوب تايّور في الحياكة بين الخطوط البريطانية الحادة والقصة الإيطالية المريحة.
OLLIE'S
يُعد أوليفر كروس شخصًا استثنائيًا، وبأكثر من طريقة. فهذا الشاب المنحدر من شعوب الفايكنغ، والبالغ من العمر 37 عامًا، يجول لندن مرتديًا معطفًا رياضيًا من التويد، ولكنه طيّب القلب ومفعم بالنشاط. كما أن الاستوديو الخاص به، القائم في مبنى خرساني أنيق كان مخصصًا للصناعة أسفل برج أوكسو بلندن، له طابع مميز.
ملأ كروس المساحة بأثاث من منتصف القرن العشرين، وفيها يعرض أفلامًا كلاسيكية على الحائط المقابل لطاولة القصّ التي يعمل فوقها (هذا إذا لم تكن أنغام الموسيقى تصدح من مجموعة أسطوانات الفينيل التي يمتلكها).
تبدأ الزيارة إلى مقرّه بمصافحة دافئة، يليها حديث ودي عن الحياة لنصف ساعة. وفي هذا يقول: "أخبرني حائك ذات مرة أن أُبقي مسافة بيني وبين الزبائن. ولكني كنت أظن دومًا أنه مخطئ. فما أريده هو أن أعقد صلات مع أصدقاء يأتون لزيارتي بين الحين والآخر". الجدير بالذكر هو أن علامة أوليز علامة جديدة نسبيًا، إذ أسس كروس الشركة في ديسمبر 2021. ولكنه استطاع في غضون فترة قصيرة أن يستميل زبائن كثيرين يروق لهم نهجُه المريح في الحياكة.
Harry Mitchell
يميل أوليفر كروس إلى حياكة سترات على طراز "ويست إند"، تمتاز ببنية خفيفة في منطقة الصدر والكتفين.
على أن مسيرة كروس ازدهرت في وقت متأخر. فقد قرر متابعة شغفه بالأزياء بعد سنوات قضاها في تقديم الخدمات المالية ولم يباشر مسيرته المهنية في الحياكة إلا في عمر السابعة والعشرين. بعد فترة قضاها في ماير ومورتيمر، انضم إلى دار بنسون وكليغ، التي توقفت أعمالها الآن، بوصفه خبير قص. ولكنه شَقِي بما عدّه مغالاة في الرسمية والتقليدية. لذلك، عندما أفلست الشركة في نوفمبر من عام 2021، شق كروس لنفسه طريقه الخاصة.
يَميل كروس إلى حياكة سترات على طراز "ويست إند"، تمتاز ببنية خفيفة في منطقة الصدر والكتفين، لكنه يُسرّ بتجربة قصات وأشكال مختلفة. وما إن تحادثه لبعض الوقت حتى تدرك أنه يستمتع بتفاصيل الحياكة الدقيقة. ولذلك، لا غرابة في أن يستغرق الأمر 20 دقيقة حتى يستقر على القياس المناسب لزاوية طية الصدر، أو ينهمك في تحديد مقدار التفاف رؤوس الأكمام. وكل هذا يرتقي بالتجربة ويعزز الانطباع بأنك في أيد أمينة.
يقول كروس موضحًا: "ليس ثمة مظهر تعكسه ملابس أوليز. أظن أن أصعب جزء في العملية هو فهم الفرد. فعندما يقف الزبائن أمام المرآة، أعلم أن ثمة فروقًا دقيقة قد أرغب في إزالتها أو إضافتها إلى الزيّ بما يعكس تفرد شخصياتهم". ولتحقيق هذا الغرض، يقصّ كروس العناصر الأساسية لتصاميمه، مثل الحواف الأمامية للسترة والطيات، بالاستناد إلى عينه الخبيرة، أو ما يُسميه الحائكون "العين البصيرة".
غالبًا ما يستخدم خبراء قصّ التصاميم قوالب جاهزة لتحديد طيات الصدر، ولكن كروس يفضّل اتباع حدْسه. وفي هذا يقول: "لا يهمني الجانب التجاري كثيرًا، لأن كل ما أريده هو أن أعبر عن نفسي وأرتاح في بيئة عملي. ذلك أن الحصول على أفضل النتائج لا يتحقق إلا بهذه الشروط".
Harry Mitchell
يقصّ كروس العناصر الأساسية لتصاميمه، مثل الحواف الأمامية للسترة والطيات، بالاستناد إلى عينه الخبيرة وحدسه.
LAWTON
في سبعينيات القرن العشرين، كان الحائك الشهير تومي ناتّر، الذي صمم برفقة شريكه إدوار سيكستون أزياء نجوم تلك الحقبة، مثل فرقة البيتلز وإلتون جون، يُلقب باسم "المتمرد في سافيل رو". أما اليوم، فقد يكون أفضل لقب يُطلق على كيمبرلي لوتون، البالغة من العمر 28 عامًا، هو "المتمردة خارج سافيل رو"، وذلك لأن أزياءها مبتكرة ومذهلة من الناحية الجمالية. وتحيك لوتون سترات جريئة مزدوجة الصدر من أقمشة مخططة، تمتاز بطيات واسعة، فضلاً عن سراويل فضفاضة عند الكاحل بِثَنْيات سميكة.
تقول لوتون: "أريد حياكة ملابس تُشعر مرتديها بالثقة وتلفت إليهم الأنظار وهم يعبرون الشارع. وأستمتع جدًا إذا أخبرني أحد الزبائن بأنه ظل يفكر بأن ملابسه تبدو أفضل بكثير من محاوره الذي ظل يلقي على رأسه سيلاً من الأسئلة".
Harry Mitchell
بين يناير وأكتوبر من عام 2022، قصّت كيمبرلي لوتون وفصّلت 29 بدلة، وهو إنجاز عظيم لحائكة شابّة تحلق منفردة.
والحقيقة هي أن أسلوب علامتها، المستلهم من موسيقى الروك في سبعينيات القرن الفائت وثمانينياته (تُشير إلى تأثرها بديفيد بوي، وبلوندي، وميك جاغر)، يثير الانبهار على نحو ملحوظ: بنية بارزة عند الكتفين وأطراف أكمام مشدودة وخصر نحيل. وتجتمع مختلف هذه العناصر في بدلات شبيهة ببدلات ناتّر التقليدية، ولكن من دون أن تكون نسخة عنها.
لإبراز هذه الأبعاد المثيرة، تُضيف لوتون إلى تنانير ستراتها شريطًا أفقيًا من قماش شعر الخيل، يُلبَس حول الورك ويسهم في صياغة شكل محدد شبيه بالساعة الرملية، وهو ابتكار متجذر في الملابس النسائية الراقية.
في الواقع، ليس مفاجئًا أن تتمتع لوتون بسمعة طيبة في صنع بدلات استثنائية للنساء. وفي هذا تقول: "أيام نشأتي، كان يعتريني غضب شديد وأنا أبحث عن ملابس تُشعرني بالقوة، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بالأزياء المصممة حسب الطلب. الآن، عندما أحيك ملابس لزبونة ما، فإني أطالعها واقفة في ثقة. ويعجبني أن أرى هذا، وأن أكون شاهدة على تألقها".
تضيف لوتون أن المفتاح لتحقيق ذلك يرجع إلى إدراكها أشكال أجساد النساء والرجال على حدٍ سواء، وتوضح قائلة: "إنها ليست بدلة رجالية على مقاس امرأة، بل هي بدلة نسائية بلمسات رجالية".
Harry Mitchell
مؤلفات عن تاريخ صناعة الأزياء تثري محترف لوتون.
بالرغم من أن لوتون لا تزال في ريعان شبابها، إلا أنها تتمتع بخبرة وطموح كبيرين. لقد درست في كلية لندن للأزياء، وعملت خبيرة قص متدربة في دار هانتسمان، قبل إطلاق علامة دوبريك أند لوتون في أبريل من عام 2018 مع زميل لقيته في شارع سافيل رو. غادر دوبريك الشركة لخوض غمار مشاريع أخرى، ثم أعادت لوتون إطلاق العلامة باسمها في سبتمبر من عام 2021.
بين يناير وأكتوبر من عام 2022، قصّت لوتون وفصّلت 29 بدلة، وهو إنجاز عظيم لحائكة شابّة تحلق منفردة. إنها تعمل حاليًا في استوديو صغير في شمال شرق لندن، جدرانه مطلية بالأسود ورفوفه مليئة بعينات مختلفة من القماش.
تزور لوتون وسط لندن حيث تقابل الزبائن في البيوت والفنادق والمكاتب، ولكنها تخطط لتوسيع مقرها في القريب العاجل. وفي هذا تقول: "أعتقد أن هدفي المقبل هو حياكة 60 بدلة سنويًا. فهذا ما سيتيح لي امتلاك متجر في مكان ما في لندن، ومن ثم مواصلة النمو".
Harry Mitchell
تعمل لوتون في استوديو صغير في شمال شرق لندن، جدرانه مطلية بالأسود ورفوفه مليئة بعينات مختلفة من القماش.
ATELIER ARENA
توم أرينا دائم الانشغال: كان يعمل لحسابه الخاص منذ عام وبعض عام (افتتح متجره في سانت جيمس في سبتمبر من عام 2021)، ومع ذلك، تسنّت له الفرصة لحياكة أزياء لممثلين مشاهير مثل غاري أولدمان، وستيفن غراهام، وكونور سويندلز، وجاك لودين. يبلغ أرينا من العمر 45 عامًا، وقد يكون من بين حائكي الموجة الجديدة المستقلين الأكبر سنًا، غير أن أسلوبه في تصميم الملابس الرجالية شبابيّ على نحو واضح. وفي هذا يقول: "لا بد من إضفاء بعض التألق والتميز على الملابس. فما تريده هو أن ينظر الناس إليها ويستوقفوا مُرتديها ليعرفوا منهم مصدرها".
ينقل أرينا هذا الإحساس بالتميز عن طريق استخدام أقمشة عتيقة غير معهودة (مثل قماش الكشمير المخطَّط، وقماشٍ أسود ذهبي بأشكال مربعة مائلة مع نسيج معدني) أكثر مما ينقله في أسلوب القصّ المستند إلى طابع جمالي كلاسيكي، ولهذا تمتاز بدلاته بطيات صدر معتدلة وخطوط أنيقة.
تدرب أرينا على يد مسؤول القصّ بريان هول - اسم يعرفه المترددون على متجر ريتشارد أندرسون - في محل هانتسمان خلال تسعينيات القرن الفائت. لذلك، فهو يقوم بالقصّ على طريقة ثورنتون: أسلوب قصّ نشأ في ثمانينيات القرن التاسع عشر، مُستمدّ من معطف ركوب الخيل الذي يعود إلى العصر الفيكتوري.
تمتاز سترات أرينا بثنْيات أمامية تمتد من الصدر، وتمر عبر الجيوب الجانبية، وصولاً إلى أطراف الثوب، وهذا تصميم غير مألوف في الحياكة البريطانية (عادةً ما تمتد الثنيات الأمامية من الصدر إلى الجيب الجانبي، حيث تتوقف)، ولكنه يتيح مساحة أكبر لتشكيل الجزء الأمامي للسترة. بعد تدربه في هانتسمان، واصل أرينا تشذيب أسلوبه في القص على امتداد 18 عامًا قضاها مسؤولاً عن قص التصاميم حسب الطلب داخل شركة بول سميث.
Harry Mitchell
توم أرينا في مقدمة ألمع الحائكين الذين غادروا سافيل رو في لندن.
بالرغم من هذا التاريخ الحافل، إلا أن المعروف عن أرينا تصميمه لأزياء حسب الطلب مصنوعة من الجلد والجلد المقلوب، وأبرزها معطف Navona المزدوج الصدر، والمصنوع من الجلد المقلوب، والمؤلف من قطعة واحدة تمتد إلى الركبة، مع ياقة كبيرة، وجيوب ضخمة، وحزام سميك في الخلف (تمامًا مثل المعاطف التي كان يرتديها سيرج غينسبور).
يقول أرينا: "أحاول دائمًا عرض ملابس جديدة في الاستوديو حتى يراها الزبائن، سواء أتعلق الأمر بمعطف من الجلد المقلوب، أو سترة جلدية قصيرة، أو سترة مصممة حسب الطلب". وهو يشير إلى أنه يَروم جذب انتباه زبائنه فور دخولهم المحل، على النقيض مما يحدث في محلات الحائكين الأخرى التي تكتفي أحيانًا بعرض "سترات لا سمة لها".
وعلى ما هو عليه حال لوتون، تأثر أرينا بستينيات القرن الماضي وسبعينياته، ويقع محل عمله في سرداب على شارع سانت جيمس، قريبًا من شارع سافيل رو، يشعر الداخل إليه بالراحة، كأنه في ناد حصري.
يمتلئ الجدار الذي يقابل طاولة القصّ بخليط من الصور الفوتوغرافية القديمة وأغلفة الألبومات ولقطات الأفلام، وأبرزها صور جيمس بالدوين وشارلوت رامبلينغ. يقول أرينا: "قد أرى صورة شخص ما، أو سترة عتيقة الطراز، وسرعان ما أشعر بالتحفيز. إنني أعشق تعديل الأشياء، وأحب الاستلهام من الأفلام والموسيقى".
Harry Mitchell
تشمل الابتكارات التي يحيكها أرينا حسب الطلب سترات ومعاطف من الجلد والجلد المقلوب.
SPECIALE
يبدو متجر سبيسيال المُتقادِم في شارع بورتوبيللو، والمزدان بلوحات زيتية وأكوام من الأقمشة القديمة، أقرب إلى مفهوم تصوري لمتجر منه إلى محترف للحياكة. ومع ذلك، ما إن تخطو عبر المدخل الطيني اللون إلى قلب المتجر حتى تجد نفسك في رحاب مُحترف المالك جورج مارش، حيث يبدع الفنان ابتكاراته.
على قضبان نحاسية ممتدة على الجدران، تتدلى معاطف غير مكتملة، وأكمام تنتظر الانضمام لستراتها، وقُصاصات من القماش.
اختيرت مختلف القطع المتناثرة في متجر سبيسيال لتحاكي محترفات الحياكة في فلورنسة. يهتم مارش، الذي يبلغ من العمر 31 عامًا بحياكة الملابس، فيما يتكفل شريكه المؤسس بيرت هاميلتون ستوبر، الذي يبلغ من العمر 29 عامًا، بإدارة الشركة، وقد عملا معًا في لندن لأربع سنوات، قبل الانتقال إلى دور حياكة فلورنسية مختلفة.
Harry Mitchell
يقص مارش مختلف بدلات سبيسيال ويضيف إليها اللمسات النهائية بنفسه.
وفي تلك المرحلة، كان مارش قد أمضى عامين يتعلم تحت إشراف عرّاب الحياكة الفلورنسية أنطونيو ليفيرانو. يقول هاميلتون ستوبر: "يتميز هذا الأسلوب بإمكانيات تعبيرية كبيرة. فلمسة المصمم ظاهرة بوضوح، لأن الخياطة اليدوية تشغل جانبًا كبيرًا منه".
يعود اسم "سبيسيال" إلى خياط فلورنسي راحل لم يُخلّف بعده وريثًا يُبقي الاسم حيًا. وفي هذا يقول هاميلتون ستوبر: "آخر متدرب له كان شابًا يُدعى لورينزو ألبريغي، وهو من علّم جورج. ولهذا قرر إحياء الاسم بما أنه يستخدم طريقته تلك".
Harry Mitchell
على قضبان نحاسية ممتدة على الجدران في متجر سبيسيال، تتدلى معاطف غير مكتملة، وأكمام تنتظر الانضمام لستراتها، وقُصاصات من القماش.
تلتزم علامة سبيسيال بطريقة المعلم الأصلية في حياكة البدلات، التي تختلف كثيرًا عن طريقة حائكي لندن التقليدية. على أن التركيز حاليًا يتجه إلى تجميع السترات والسراويل يدويًا. يقول هاميلتون ستوبر موضحًا: "إن ما يميز البدلة الإنجليزية هو طريقة القص، ولا أهمية تذكر لطريقة حياكتها. وأما الحياكة الفلورنسية فإنها تعتمد طريقة قص بسيطة للغاية، تستند إلى قطعة تصميم مُعلّمة واحدة، وذلك لأن طريقة حياكة البدلة هي ما يمنحها الحياة والتمايز".
يُسند معظم الحائكين الإنجليز تفصيل البدلات إلى حرفيين خارجيين، غير أن مارش يقص ويُفصّل ويضيف اللمسات النهائية بنفسه على مختلف بدلات سبيسيال. كما يهتم مارش اهتمامًا شديدًا بالتفاصيل، ويحيك الطيات يدويًا خياطة ظاهرة جميلة، ويعمد إلى جعل مخارج الجيوب فائقة الدقة. ولهذا، يحتاج إلى نحو 160 ساعة لإكمال طلب واحد.
قد يكون أصدق ما يُقال عن بدلات سبيسيال هو أنها تعكس فخامة مبسطة. يقول مارش متحدثًا عن ابتكارات محترفه: "إنها سترة صوفية تُحاك بعناية، أو بدلة تُلبس لتناول الغذاء، أو لأي وقت في يومك يستدعي مظهرًا مسترخيًا".
Harry Mitchell
من اليمين: جورج مارش وبيرت هاميلتون ستوبر، مؤسسا متجر سبيسيال.
نظرًا لعدد ساعات العمل ومستوى الدقة اليدوية المطلوبة من أجل إكمال هذه البدلات، فإن العلامة تحيك حاليًا ما بين 15 إلى 20 بدلة مُخصصة سنويًا، على أنها تتدارك ما تحتاج إليه من مبيعات القمصان المصنوعة يدويًا والنسخ المحدودة من الملابس المحبوكة.
لأن عدد البدلات التي يستطيع مارش حياكتها جد محدود، فإنه انتقائي بخصوص ما يصممه. وفي هذا يقول: "أنا في غاية الصرامة. لذلك، فالعامل الرئيس الذي يُحدد اختياراتي هو شخصية الزبون، ومحاولة اكتشاف الأجزاء التي لا يعلم أنه يريدها، والأجزاء التي يعتقد أنه يريدها وأعلم أنا أنه في الواقع لا يريدها. إن الأمر يشبه إجراء مقابلة عمل".
تستحق النتيجة النهائية الوقت المصروف عليها. فسترات مارش من ذلك النوع الذي تلاحظه في الشارع، ليس لأنها مبهرجة، ولكن لأنها تعكس بوضوح نوعًا محددًا من الأناقة. ولا شك أن السنيور سبيسيال كان ليفخر بما حققه الثنائي.