لما رُفعت القيود المفروضة على السفر جرّاء جائحة كورونا قبل بضع سنوات، فوجئ بروس باسك، الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير قسم الأزياء الرجالية في بيرغدورف غودمان ونيمان ماركوس، بتهافت زبائن العلامة الشهيرة على البدلات الرسمية وملابس السهرات. بعد التفكر في الأمر، تبين له أن السبب في ذلك يرجع إلى عودة الحياة إلى مجاريها بعد أشهر من تأجيل حفلات الزفاف وأعياد الميلاد وغيرها من الاحتفالات.
يُسلّم كثيرون باستحالة تهميش الكنزات الرياضية من خزائن الملابس، لكن كلما حانت مناسبة خاصة (كثيرة هي هذه المناسبات) امتدت أيدي معظم الرجال بتلقائية إلى أقرب بدلة مؤلفة من قطعتين، وذلك بالرغم من مختلف المحاولات الرامية إلى إحالتها إلى التقاعد. آخر هذه المحاولات كانت الهجمة الثلاثية التي تلقّتها من ملابس الشارع والملابس المريحة ذات الطابع الرياضي والتوجهات التي تحضّ على البقاء في المنازل بعيدًا عن التجمعات. لقد قهرت البدلة هذه المحاولات كافة، وعلى ما يبدو فإنها ستعمّر طويلاً.
لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن أساليب الحياكة ظلت رتيبة، بل على العكس، ذلك أن فاعلية البدلة تكمن في مرونتها وقدرتها على مواكبة العصر، وهو ما يتجلى اليوم في احتضان الإبداع.
الأساليب الحديثة للأزياء الرسمية
في هذا يقول باسك الذي يشغل اليوم منصب مدير التحرير الأول في نيمان ماركوس: "في السابق، كان ارتداء بدلة سهرة بلون بحري مرادفًا للجرأة". لكن أساليب الأزياء الرسمية الحديثة تختلف جذريًا عما كان عليه الحال في السابق، وهذا ما لاحظه باسك أخيرًا في الملابس الرجالية التي باتت "متخففة من الزوائد وفضفاضة". يشير باسك إلى أن هذه الملابس "أنيقة ومتقنة"، ولكن "المقصد منها مختلف، فهي مريحة للغاية".
Giorgio Armani
إطلالة جورجيو أرماني المستلهمة من البدلات مزدوجة الصدر ذات اللون البحري.
ويتردد صدى هذا الرأي عند إيلاريا أوربيناتي، مصممة الأزياء الشهيرة التي تُنسق ملابس دونالد غلوفر ورامي مالك وباري كيوغان، رجل الموضة لهذا العام، والتي تضمن تربعهم على عرش قوائم أفضل الأزياء. وفي هذا تقول: "يُعجبني التلاعب بالأبعاد، لذلك أستمتع بالتنسيقات التي تتضمن السترات القصيرة أو السترات الطويلة أو السراويل الفضفاضة".
الملابس الفضفاضة
يؤكد استطلاع سريع أن البدلات باتت فضفاضة هذه الأيام، بالمعنى الحرفي والمجازي. من عهد قريب، أصدرت لويس فويتون مجموعة ملابس رسمية تشتمل، بالإضافة إلى البدلات التقليدية، على بدلة مزدوجة الصدر تتباهى بزخارف بارعة على نمط شعار العلامة الشهير وطية صدر مدبّبة تزدان بنثرات من الترتر (يُذكّر بريقها بسقف سيارة رولز - رويس الذي يحاكي مشهد سماء تتلألأ بالنجوم).
من جهة أخرى، خفّفت علامة زينيا من حضور الرموز التصميمية التقليدية في بدلاتها، إذ عمدت إلى حياكة قطع فضفاضة متطابقة من الكتان بألوان رمادية داكنة وخضراء نعناعية وبنية. وفيما تبنّت دار بريوني في مجموعاتها السترات مزدوجة الصدر، طعّمت غوتشي مجموعة أزيائها الربيعية بأجواء السبعينيات المبهرة. أما جورجيو أرماني، الذي يجوز القول إنه أول من أصدر هذه الإطلالة المسترخية قبل نحو أربعة عقود، فسار على النهج نفسه ولم يخرج عن النص.
LOUIS VUITTON
إطلالة مسائية باللون الأبيض ضمن مجموعة لويس فويتون الجديدة New Formal.
يرى باسك أن أنسب طريقة لإضفاء لمسة عصرية على الملابس الرسمية يكون بارتداء سروال فضفاض، وفي هذا نوع من المفارقة لأن هذه الإطلالة ليست جديدة. في هذا يقول: "بالعودة إلى أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته، يتبين مدى شيوع السراويل العالية عند الخصر والسراويل المرتخية المقترنة بسترات على المقاس".
بالرغم من أن السجادة الحمراء تكون في العادة منبع الإطلالات الجريئة، على ما هو عليه حال بدلة "فير أوف غاد" رملية اللون التي ارتداها دونالد غلوفر أو بدلة زينيا الناعمة الطبقات التي تألق بها رامي مالك، إلا أن أوربيناتي تؤكد أن هوليوود تظل مصدرًا عظيمًا للإلهام. ولذلك تقترح ارتداء سراويل ذات طيات أو سراويل بأبعاد ثابتة تكون مرتفعة عند الخصر، بجانب سترات مفصّلة على المقاس.
بالنسبة للعالقين في مرحلة البدلات الضيقة والجاهلين بأمر الدور التي تصدر ملابس فضفاضة وفاخرة في الوقت نفسه، توصي أوربيناتي بزيارة متجر "آمي" Ami في باريس أو متجر "ستوفا" Stòffa في نيويورك أو متجر "أميري" Amiri في لوس أنجليس.
الإطلالات متطابقة اللون
Gucci
معطف رسمي من الصوف الأسود بتوقيع غوتشي.
على أن بقية عناصر الإطلالة مهمة أيضًا. فبدلاً من القمصان الرسمية البيضاء التي سادت في الماضي، قد يكون من الأنسب ارتداء قميص يطابق لونه لون القطع الأخرى. وفي هذا تقول أوربيناتي: "أنا أعشق الإطلالات متطابقة اللون. يُمكن على سبيل المثال ارتداء بدلة زرقاء جميلة مع قميص يزهو بدرجة مختلفة من اللون الأزرق، أو يمكن ارتداء قطع متماثلة تزهو باللون البني الذي يُعد أحبّ ألوان الخريف إلى نفسي".
للارتقاء أكثر بهذه الإطلالة، لا داعي لارتداء رابطة العنق، إذ من المفضل الاستعاضة عن ذلك بقميص عديم الياقة مستدير عند العنق أو بقميص بولو. لا ينبغي إكمال الإطلالة بحذاء رياضي. فقد أصبح هذا الخيار مستهلكًا بعد أن ظل لفترة طويلة ملاذ الباحثين عن مفارقة الرسمية. ينبغي عوضًا عن ذلك انتعال حذاء كلاسيكي خفيف. تقول أوربيناتي: "أفضّل الأحذية المستديرة والمنحنية والسميكة"، وتستشهد بأحذية تودز و"أديو" Adieu بصفتها التجسيد الأبرز لهذا الأسلوب. حتى الأحذية الجلدية الخفيفة أصبحت تكتسب زخمًا مهمًا.
في الختام، يقول باسك: "ما يعجبني في اللحظة الراهنة أن أسلوب ارتداء الأزياء ليس موحدًا. فالأمر يتوقف على إيجاد أسلوب التنسيق الذي يُشعر الزبون بالارتياح ويعكس هويته. وثمة مسالك كثيرة يمكن للرجال استكشافها في هذا السياق".