بما أنني أكتب عن الأزياء وأقدم المشورة لطالبيها في هذا الشأن، فإن أكثر شكوى أسمعها من الرجال تدور حول المسألة نفسها: إدراك لما ينبغي ارتداؤه في أماكن العمل وتحيّر حول ما ينبغي ارتداؤه في الخارج. يصعب على كثير من الزبائن التمييز بين مواضع ارتداء البدلات المحيكة حسب الطلب ورابطات العنق الحريرية وبين مواضع ارتداء سراويل الكاكي والقمصان. وقد تعسّرت هذه القضية أكثر في ظل تهاوي قواعد اللباس التقليدية داخل أماكن العمل. على أن الإحباط الناجم عن الإخفاق في استيعاب معالم "الأناقة غير الرسمية" أمر واضح ومفهوم.

فهذا الأسلوب الوسطي يقتضي ارتداء ملابس مريحة وأنيقة في الوقت نفسه، من دون الظهور بمظهر شخص قد قضى النهار كله في تنسيقها. لا عجب إذن في أن يُسلّم الرجال بعجزهم أمام هذه الحيرة ويختاروا الملابس التي ألِفوها.

مع ذلك، ينبغي ألا يكون الأمر بهذه الصعوبة. والخبر السار هو أن هذا الأسلوب ليس جديدًا البتة، شأنه في ذلك شأن غيره من أساليب ارتداء الملابس الرجالية. فقد ظهر لأول مرة في حقبة زمنية ماضية شكلت مفهوم الملابس غير الرسمية كما نعرفه اليوم.

للتحقق من هذا الواقع، ما عليك سوى مطالعة صور الرجال المتأنّقين في ثلاثينيات القرن العشرين، خصوصًا أولئك المنحدرين من الطبقات الثرية الذين كانوا يتوافدون إلى المواقع الشهيرة في الريفييرا الفرنسية. بمعاينة هذه الصور، تَرى الأناقة متجسدة في غياب تام للبدلات. وتتألف هذه الإطلالة التي أسميها "الأناقة العفوية" من قمصان مريحة بياقات ناعمة، وسراويل جميلة من أقمشة القطن أو الكتان، وأحذية خفيفة أو أحذية قماشية بسيطة.

آنذاك، كانت مختلف هذه القطع تندرج ضمن فئة جديدة تسمى الملابس الرياضية، أي الملابس الملائمة لممارسة الأنشطة الترفيهية التي لا حصر لها، بداية من المشي الطويل ونهاية برياضة كرة المضرب. يذكر أن الكثير من القطع الرئيسة في الإطلالات المعاصرة، مثل قمصان بولو والأحذية الخفيفة، اكتسبت شهرتها في تلك الحقبة.

ما يبعث على السرور هو أن هذا الأسلوب قابل للمحاكاة ويمكن اقتناء لوازمه بسهولة. فكل ما يتطلبه الأمر هو الإدراك الجيد للعناصر التي ترتقي بالملابس غير الرسمية: الراحة والفخامة والإتقان.

سمات الأناقة العفوية

الألوان

أول ما ينبغي مراعاته هو الألوان. فمن الضروري أن تكون مُتحفّظة في هذه الحالة. على ما هو عليه الحال مع الأزياء التي تُحاك على المقاس، تميل الملابس المريحة والأنيقة نحو الألوان المتناسقة والخفيفة، مع تغليب اللونين الأزرق البحري والرمادي في الشتاء، والألوان الدافئة والمعتدلة في الصيف. في حال ارتداء قميص ناعم وسروال تشينو حيك على المقاس وسترة قصيرة منضبطة القصة، فالأفضل أن يكون القميص باللون الأبيض أو الأزرق البحري أو الرمادي (بهذا الترتيب). ولكن حتى عند انتقاء الألوان، يظل المبدأ قائمًا: من الأنسب اختيار البيج والرمادي الداكن واللون الزيتوني عوضًا عن الأزرق الملكي والأصفر الحمضي.

نمط الزخارف

تنطبق القاعدة نفسها على نمط الزخارف. فإما أن يكون رفيعًا أو يغيب تمامًا. وتقول القاعدة الرئيسة إن كِبر المربعات وبروز التعرجات يتناسبان مع مستوى "الطابع الرياضي" للسترة أو البدلة، وللسراويل والقمصان الكتانية. إذا كانت الغاية هي الأناقة، فإن البساطة أحسن من البهرجة. أما في ما يخص الملمس، فكلما كان القماش أقل كثافة كان ذلك أفضل. من الأجدى ارتداء قميص بولو يتخذ هيئة سترة حيكت على المقاس ويتمايز بثنيات وتشطيبات رفيعة، بدلاً من ارتداء قميص بولو تقليدي محيك من قطن بيكيه. وعندما يزدان القميص باللون الأسود ويقترن بسروال رمادي من الكتان، تُصبح الإطلالة بعيدة كل البعد عن الرسمية، لكنها تظل متناسقة للغاية.

غني عن القول إن هذه الملابس ينبغي أن تكون على المقاس. أعتقد أن المقاس الملائم أبرز سمة في الملابس الرجالية الجميلة. على موقعي الإلكتروني، Permanent Style، أنصح دائمًا بارتداء السراويل التي تُحاك على المقاس لأنها مثالية لكل من يريد الظهور بمظهر أنيق في المناسبات غير الرسمية، ولأن بساطتها تُسبغ عليها مسحة فورية من الفخامة.

الحياكة الفاخرة

مهما كان ما ترتديه أعلى الحزام، من الأفضل تكميله بسروال يُحاك على مقاسك، على ألّا يكون ضيقًا وأن يتمايز بقصة انسيابية أسفل الساق، وينتهي أعلى الحذاء مباشرة. ليس من الضروري زيارة متاجر الحياكة المخصصة لإضافة هذه القطعة إلى خزانة الملابس، فثمة بدائل أخرى بالجودة نفسها، لكن المهم هو أن يكون السروال مناسبًا تمامًا. ولا بد من الإشارة إلى أن محاولة تعديل سراويل البدلات القديمة لأداء هذا الدور أمر مكروه. 

في ما يتعلق بالجودة، تتمايز فلسفة "الأناقة العفوية" بقواسم مشتركة كثيرة مع مفاهيم أخرى ذائعة مثل "الترف الرزين" و"الفخامة المستترة". وفي غياب الدلائل التي يُمكن التمييز بوساطتها بين هذه المفاهيم، مثل طيات الصدر الملفوفة يدويًا، تكون الفروقات محصورة في جودة القصة والقماش. يعني ذلك أن خزانة الملابس غير الرسمية تتضمن المواد نفسها التي يستخدمها الحائك الذي تتعامل معه: الكشمير الثمين، والجلد المرن، والكتان الأيرلندي الفاخر المثنيّ بإتقان. إن هذه هي السمات المميزة لمفهوم "الأناقة العفوية" بقدر ما هي السمات المميزة للحياكة الفاخرة.

في النهاية، لا ينبغي إغفال طريقة ارتداء هذه الملابس، لأنها من الأهمية بمكان. فالأريحيّة هي الغاية، لذلك يجب أن يختار المرء ملابس يثق عند ارتدائها في الصباح بأنها مناسبة لأي ظرف قد يحمله اليوم، باستثناء حفلات الزفاف أو الجنازات المفاجئة.

في سياق الاستشارات التي أُقدمها، تعاملت في الآونة الأخيرة مع زبون يريد الارتقاء بالملابس التي يرتديها في مقر عمله. لم يكن في حاجة إلى ارتداء بدلة رسمية، غير أن رئاسته للشركة حتّمت عليه الظهور بمظهر أنيق وراق وجاد، وهذا تحديدًا ما أوردناه في الفقرات السابقة. استجابة لهذا الطلب، اقترحت عليه أن يستبدل بقمصان بولو وسراويل تشينو، سراويل قطنية وقمصانًا بياقة، محيكة من الكشمير الاسكتلندي. أشرت عليه أيضًا بطرح حذاء أوكسفورد القديم وتعويضه بحذاء خفيف ومريح وناعم.

كانت ردود أفعال زوجته وزملائه إيجابية للغاية. بل إنه يتجهز اليوم لتنسيق إطلالة صيفية تشتمل على قمصان بولو مشغولة من الصوف المحبوك وسراويل من الكتان وأحذية خفيفة بلا بطانة مصنوعة من الجلد المقلوب. والعجيب في الأمر هو أن العديد من أعضاء فريقه شرعوا في محاكاة أسلوب ملابسه. ومع أن الأمر يثير بعض الريبة لكن الزبون يبتهج كلما طالع هذا المنظر. كان هذا الأسلوب وليد ترقية بسيطة للغاية، إذ كل ما تطلبه الأمر هو قليل من الإدراك لنواحي القصة الملائمة والمواد. 

عمومًا، لا يخرج هذا الأسلوب عن إطار التعريف العالمي للأناقة: الرشاقة والفخامة في المظهر والهيئة، مع التزام البساطة وحسن الهندام. لقد كان هذا الأسلوب ناجحًا في الثلاثينيات، وهو ناجح اليوم أيضًا. 

سيمون كرومبتون مقيم في لندن، وهو مؤسس موقع Permanentstyle.com ومؤلف العديد من الكتب حول الموضة والملابس الرجالية.