يمكن أن تباع الطبعات الأولى من كتب شهيرة مثل "لا تقتل عصفورًا ساخرًا" أو "الشيخ والبحر" بسعر يتعدى 100,000 دولار، لكن ليس إذا كانت أغلفتها الجلدية مهترئة وأغلفتها الورقية مفقودة وصفحاتها الهشة منفصلة. وبالرغم من أن إعادة الكتب الكلاسيكية التالفة إلى حالتها الأصلية ضربٌ من المستحيل، إلا أن تجليدها بدقة يمكن أن يقيَ النسخ العزيزة شرّ سلة المهملات.
على غير ما هو عليه حال القطع العتيقة مثل الأثاث المنزلي وأغراض الزينة المنزلية، والتي يمكن أن تتضاءل قيمتها كثيرًا إذا خضعت للاستعادة، يُسهم التجديد المناسب للأعمال الأدبية في استرداد بعض قيمتها النقدية فضلاً عن إطالة عمرها.
يرتقي مُحترف تشيلسي بايْندري Chelsea Bindery الواقع في منطقة باترْسي بلندن بهذا المسعى إلى أفق جديد، من خلال تحويل طبعات الكتب الأولى إلى إصدارات مُزخرفة أكثر من النسخ الأصلية. وفي هذا تقول مديرة المحترف إيما دويل: "يُؤدي التجليد الجميل أو الفخم إلى زيادة جاذبية الكتاب كونه من النوادر المرغوبة، كما يُضاعف متعة امتلاكه".
قد يستغرق تجليد كتاب واحد نحو 12 أسبوعًا، بأسعار تبدأ من 1,800 دولار تقريبًا، بحسب حجم التصميم وتعقيده. في بعض الحالات، يظل المحترَف مخلصًا لروح الغلاف القديم، وفي حالات أخرى، يُعيد تصوّر التصميم بالكامل.
ويمكن أن تشتمل الأغلفة الجلدية الفاخرة الجديدة على لمسات من الذهب زنة 22 قيراطًا. بل إن حرفيي تشيلسي عمدوا ذات مرة إلى ترصيع إحدى الطبعات الأولى من كتاب Breakfast at Tiffany (إفطار في محل تيفاني) بألماس حقيقي على هيئة تاج.
تتطلب هذه العملية دقة بالغة. وفي هذا تقول دويل: "تدخل العديد من التفاصيل التقنية في هذه العملية. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن تُنقش الحروف بوضوح ودقة، وهذا يستلزم ضغط الجلد بالقدر الملائم، حتى لا تكون النتيجة حروفًا غائرة". وتُتابع قائلة: "ينبغي أن تكون درجة حرارة الأدوات ملائمة، لئلّا يحترق الجلد، كما ينبغي أن تلتقي الأسطر المُذهّبة ولفائف الزينة تمامًا عند زوايا الكتاب".
أطلقت دار بيتر هارينغتون، التي تعد أكبر تاجر للكتب القديمة في أوروبا، محترف تشيلسي بايندري في عام 2000. وكل سنة، يتولى هذا المحترف تجليد نحو 160 إصدارًا أوليًا ومحدودًا وخاصًا لصالح متجري الدار الواقعين في تشيلسي ومايفير.
يستقبل المحترف أيضًا طلبات التجليد المخصصة كما يصنع علبَ خزْنٍ لحماية العناوين النادرة. تقول دويل: "في النهاية، يُعزز الكتاب المُجلَّد بعناية المتعة المتأتية من قراءة حكاية خالدة أو قصة محبوبة، ذلك أن التجليد وسيلة يربط بها المرء بصريًا بين الكتاب المادي والكنوز الدفينة في باطن صفحاته".
1- خياطة كاملة
ينبغي أن تكون الخياطة اليدوية لأقسام الصفحات، المعروفة في قطاع النشر باسم الملزمة، قوية بما يكفي لتثبيت الكتاب بعضه إلى بعض مع الحفاظ على اعتدال سمكه. ويقوم المُجلِّد بخياطة الأوراق معًا باستخدام إبرة متصلة بخيط من القطن أو البوليستر. تستغرق هذه العملية قرابة ساعتين في المتوسط لكل كتاب، على حسب حجم الملزمات وعددها.
Chelsea Bindery
2- تذهيب متقن
ما إن تُثبّت الصفحات معًا حتى يجري صقل حواف الأوراق يدويًا إلى أن تصبح ناعمة، ثم يضاف لِصاق رابِط. عندما يجف، تُكوى صحيفة ذهبية رقيقة على الحواف، ثم يزال الفائض، وتُسمى هذه العملية التذهيب. وتُوضح دويل قائلة: "تحول هذه العملية دون تسلل ذرات الغبار إلى صفحات الكتاب". وتتابع: "في كثير من الكتب القديمة، كان شائعًا تذهيب الحواف العلوية فقط، ولكننا نميل إلى تذهيب الحواف جميعًا".
Chelsea Bindery
3- حان وقت المطرقة
بعدها، يضع المُجلِّد الكتاب المَخيط على طاولةٍ ويضرب عموده مرارًا بمطرقة خاصة لتشكيل تلك الانحناءة المميزة للعمود. ثم يُثبت الكتاب من طرفه العلوي بين صفيحتين في آلة خاصة، حيث يَطرق الحرفي عمود الكتاب مرة ثانية، متنقلاً من وسطه إلى أطرافه، إلى أن يتخذ في النهاية هيئته المميزة.
Dosfotos
4 - قطعٌ على المقاس
تُعد ألواح الكتب عناصر مهمة في هذه العملية، لأنها تؤدي دور الغلافين الأمامي والخلفي. في البداية، تُقاس الألواح الورقية المُقوّاة لضمان ألا يتعدى طولها طول صفحات الكتاب بأربعة ملليمترات، ثم تُقْطع بوساطة آلة لتقطيع الألواح. بعد ذلك، تُلصق هذه الألواح إلى جانبي الكتاب باستخدام غِراء PVA، ثم يُترك الكتاب ليجف بضع ساعات.
Dosfotos
5- وحدة متكاملة
يُخاط شريط ملون إلى الجزء العلوي للعمود باستخدام خيوط متباينة الألوان. وفي هذا يقول رئيس التجليد طوني سميث: "إن ألوان هذا الشريط تتطابق مع ألوان أولى أوراق الكتاب وآخرها، كما تتطابق مع لون جلد الغلاف". وليس هذا الشريط للزينة فحسب، فهو يحمي قمة عمود الكتاب وذَنَبه من التلف عند سحبه من الرف.
Chelsea Bindery
6- جلد مشذّب
يُقطع الجلد - جلد الماعز المغربي في هذه الحالة - بما يلائم حجم الغلاف، ثم يُشذّب باستخدام مِكشطة.
Chelsea Bindery
7- من الغلاف إلى الغلاف
قبل ضمّ الجلد إلى الكتاب، يُنشئ المُجلِّد سلسلة من الأشرطة البارزة التي تمتد أفقيًا على طول عمود الكتاب، وذلك عن طريق تجميع ثلاث قطع منفصلة من الجلد معًا ثم تقطيعها إلى خمس شرائح يراوح طول الواحدة منها بين ثلاثة وأربعة ملليمترات، وتُلصق في الأخير كل ملزمة على حدة. لإلصاق الغلاف الجلدي بالكتاب، يُبلّل جلد الماعز ثم تطلى الألواح باللصاق.
بعدها يُلف الجلد حول الكتاب، وتُستخدم عصا خشبية طويلة من أجل ضغط الجلد بقوة إلى عمود الكتاب. وتساعد القرّاصات على ضم الجلد بإحكام حول الأشرطة البارزة.
Chelsea Bindery
8- زخارف نهائية
عندما يتعلق الأمر بالتشطيبات، تُقرر دويل كيف سيُزخرف الغلاف بناءً على وقت صدور الكتاب ونوعه. في بعض الحالات، تتطلب هذه العملية استحداث خطوط مُسطّرة وزخارف مختلفة بتمرير أدوات نحاسية ساخنة فوق طبقة من الأوراق الذهبية زنة 22 قيراطًا. وفي هذا تقول دويل: "إن ما يصنع الفارق بين محترفات تجليد الكتب هو براعة خبير التشطيب".
Dosfotos
9- اصطلاحات التسمية
باستخدام ورقة ذهبية، يُدمغ عنوان الكتاب وتاريخ نشر طبعته الأولى على عمود الكتاب، في أعلاه وأسفله على التوالي. ويُذكر أن آلة تنضيد الحروف "لينوتايب"، التي تنتج الوحدات الرصاصية المستخدمة في صياغة العنوان، مصدرها شركة "زينزدورف بايندري" Zaehnsdorf Bindery الشهيرة، وعمرها يتعدى مائة عام. ويُعلق سميث على هذا قائلاً: "أفاد المهندس بأنها أقدم آلة من نوعها قيد التشغيل في البلاد".
Dosfotos
10- النهاية
يقْطع المُجلِّد قطعًا منفردة من الجلد الملوّن ويُثبتها على الغلاف لتشكيل الصورة المرغوبة (تُوضح الصورة غلاف كتاب "رقيق هو الليل" للمؤلف فرانسيس سكوت فيتزجيرالد). في الأخير، تُلصق أولى أوراق الكتاب وآخرها داخل الألواح.
Nigel Anthony / Dosfotos
تقول دويل: "يميل معظم المُجلِّدين إلى اختيار نوعية الأوراق الأولى والأخيرة للكتب بناءً على زمن صدورها". وتُضيف: "إذا كان أمامي كتاب مثل 'طيران فوق عش الوقواق'، فقد أختار تصميمًا حديثًا ومعاصرًا. ولكن إذا تعلق الأمر بكتاب أقدم مثل 'كبرياء وهوى' فسأختار الأوراق المرمريّة المرسومة على المياه".