منذ أن أبصرت دار بوتشيلاتي Buccellati النور في عام 1919، اشتهرت بصياغة جواهر قادرة على الجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل بسبب تصاميمها التي تتباهى بمعاني الأناقة المعاصرة، والتقنيات التقليدية التي تعتمدها في صياغة الذهب. وقد يكون هذا الإتقان هو ما دفع بغابرييلي دانونتسيو، أحد الكتاب والشعراء الإيطاليين الأشد تأثيرًا في القرن العشرين، إلى وصف ماريو بوتشيلاتي في عام 1936 بأنه "أمير صائغي الذهب"، مشيدًا بذلك بمهارته في ابتكار مآثر فنية تتخطى حدود الزمن.

وإذ تحتفي دار بوتشيلاتي بهذا الإرث العريق، تسلّط الضوء على إتقانها الحرفي فيما تعيد استكشاف أثر الموضوعات الأشد تميزًا التي قاربتها في إبداعاتها، وذلك في سياق معرض خاص تنظّمه تحت عنوان "أمير صائغي الذهب" Prince of Goldsmiths. 

معرض "أمير صائغي الذهب".. إضاءة على مفهوم الكلاسيكية 

انطلق معرض "أمير صائغي الذهب"، الذي تولّى ابتكار مفهومه الإبداعي وتنفيذه استوديو Balich Wonder، في الثامن عشر من شهر أبريل الفائت بالتزامن مع افتتاح معرض بينالي البندقية للفنون، وهو يستمر حتى الثامن عشر من الشهر الجاري في جزيرة جوديكا بمدينة البندقية الإيطالية.

جانب من المعرض يحتفي بتقنية الدانتيل التي تشتهر بها الدار.

Buccellati

جانب من المعرض يحتفي بتقنية الدانتيل التي تشتهر بها الدار.

هناك تعيد بوتشيلاتي استكشاف القيمة الكلاسيكية للإبداع فيما تستعرض جماليات إبداعات متقنة الصياغة تتخطّى حدود الزمن.  وفي هذا يقول أندريا بوتشيلاتي، المدير الإبداعي والرئيس الفخري للدار: "تتيح الكلاسيكيات متعة إعادة الاستكشاف، وتستحضر عوالم خالدة من الأناقة والفن والطبيعة، وإعادة تفسيرها تعني إعادة تفسير التقاليد والأشكال وإضفاء مظهر حديث عليها.

بل إن هذا هو الهدف من المعرض، وهو هدف يشكّل قيمة مضافة بالنسبة لنا، خصوصًا من خلال استضافة هذا الحدث في مدينة البندقية. فالكلاسيكيات تمثّل جسرًا يمتد بين الماضي والمستقبل، وهي دليل دامغ على أصالة الأسلوب الذي سيستمر مواكبًا القادم من الأيام".

سوار من الذهب مشغول باستخدام تقنية الدانتيل.

Buccellati

سوار من الذهب مشغول باستخدام تقنية الدانتيل.

يرسم المعرض مسارًا لاستكشاف روائع الجواهر والفضيّات، والإضاءة على الأحداث والمقترحات التي طبعت تاريخ الدار. وفي هذا تقول أمينة المعرض ألبا كابيلييري، أستاذة تصميم الجواهر في كلية الفنون التطبيقية في ميلانو: "هذا المعرض آلة زمنية رائعة تحملنا في رحلة عبر السنين إلى بداية القرن العشرين، الحقبة التي ابتكر فيها ماريو قطعًا من الجواهر الراقية لغابرييلي دانونتسيو وملهميه، مرورًا بالسبعينيات، عندما عزز جيانماريا تقنيات صياغة الذهب في عصر النهضة من خلال استخدامه الألوان في جواهره الراقية، ووصولاً إلى الوقت الحالي الذي يفسّره أندريا في التصاميم المعاصرة للأساور المميزة والمجموعات الناعمة. فعلى ما تثبت بوتشيلاتي، لا مستقبل من دون الماضي". 

صناديق صغيرة في حجرة Manmade Wonders تلخص الأناقة المميزة للقرن العشرين.

Buccellati

صناديق صغيرة في حجرة Manmade Wonders تلخص الأناقة المميزة للقرن العشرين.

فراشة بوتشيلاتي المتلألئة بالضياء

إذ يحتفل المعرض بتاريخ بوتشيلاتي، تتداخل الإبداعات التي يحتضنها مع موضوعات الفن الإيطالي الكلاسيكي وروائعه التي تبث الحيوية فيها أعمال تركيبية تعتمد تقنية الفيديو. وتتوزّع الرحلة الاستكشافية على أربع حجرات، يقدم كل منها منظورًا متمايزًا للإرث الإبداعي للدار.

أما أيقونة المعرض، فهي فراشة بوتشيلاتي البندقية Buccellati Venice Butterfly التي ابتكرت خصوصًا لهذه المناسبة. تجسّد هذه الفراشة روح بوتشيلاتي وتمثل نموّ الدار في خطوات متطورة، إلى جانب كونها دليلاً يوجه الزوّار عبر حجرات المعرض. 

رُتبت الابتكارات الأيقونية في صالة The Gallery of the Icons في أقسام شفافة تخترق الأعمدة.

Buccellati

رُتبت الابتكارات الأيقونية في صالة The Gallery of the Icons في أقسام شفافة تخترق الأعمدة. 

في الغرفة الأولى التي تحمل عنوان The Buccellati Generations (أجيال من بوتشيلاتي)، تتوالى صور أجيال بوتشيلاتي على أجنحة الفراشة التي تتباهى بتصميم راق ودقيق، ليتبلور هذا العرض مجسدًا تطور أسلوب بوتشيلاتي على مدى قرن من التاريخ.

أما الغرفة الثانية Manmade Wonders (عجائب من صنع الإنسان)، فتكشف عن إبداعات فضيّة ثمينة تلخص الأناقة المميزة للقرن العشرين، بما في ذلك الصناديق الصغيرة وحقائب اليد، وكلها شهادات على براعة الدار الحرفية.

فبإيحاء من الفنون الإيطالية، ومن العناصر الزخرفية التي ميّزت العمارة في عصر النهضة ومن ثراء الأقمشة المزركشة، حاول ماريو بوتشيلاتي أولاً ثم جيانماريا بوتشيلاتي ابتكار روائع صغيرة، مصنوعة بعناية فائقة ومهارة لا تضاهى. وكان دانونتسيو أحد أشد المعجبين بفن بوتشيلاتي، فطلب صنع مئات قطع الجواهر والفضيات ليزيّن بها مقر إقامته في فيتوريالي، وأحيانًا لتكون هدايا لأصدقائه المقربين. 

تجسّد حجرة Natural Wonders الإبداعات المستوحاة من الطبيعة، بما في ذلك الحيوانات والنباتات والأصداف.

Buccellati

تجسّد حجرة Natural Wonders الإبداعات المستوحاة من الطبيعة، بما في ذلك الحيوانات والنباتات والأصداف.  

تعرض الغرفة الثالثة التي تحمل اسم Natural Wonders (عجائب طبيعية) الروائع الفضيّة الفريدة التي تعكس أسلوب بوتشيلاتي الذي يتميّز بما كان يشار إليه في عصر النهضة باسم Arte Sottile، أو فن البراعة في صناعة الفضة.

وتجسّد هذه الفسحة الإبداعات المستوحاة من الطبيعة وبراعة حرفيي بوتشيلاتي في توظيف التقنيات القديمة، مثل النقش والنحت بالإزميل، وفي ابتكار روائع تحتفي بالحيوانات والنباتات وأوراق الشجر والبراعم والأصداف والمخلوقات المترفة، بما في ذلك القشريات، والحيوانات ذات الفراء التي أعيد ابتكارها ببراعة باستخدام تقنية Furry.

وفيما تمتزج الأحجار شبه الكريمة مع الفضة في إبداعات راقية، يجري الجمع بين مواد مثل الخيزران وقرون الحيوانات، والبورسلين وزجاج المورانو لتكوين أشكال منحوتة في تصاميم أخرى. 

حقيبة أيقونية من ابتكارات الدار التي تستلهم ثراء الأقمشة المزركشة والعناصر الزخرفية المميزة للعمارة في عصر النهضة.

Buccellati

حقيبة أيقونية من ابتكارات الدار التي تستلهم ثراء الأقمشة المزركشة والعناصر الزخرفية المميزة للعمارة في عصر النهضة.

أما في غرفة The Gallery of the Icons (صالة الابتكارات الأيقونية)، فتدبّ الحيوية في التصاميم التي تتحوّل إلى أعمال فنية أصيلة في معرض يغلب عليه اللون الأبيض بالكامل، ويكاد يكون غير متناهٍ. تميّز هذه الواحة سلسلة من الأعمدة ذات الطراز الكلاسيكي المحدث، رُتبت في صفّين متوازيين ومتقابلين لاستحداث تأثير بصري مضاعف.

مشبك على هيئة فراشة، مشغول من الذهب ومرصّع باللؤلؤ الباروكي والزمرد والألماس.

Buccellati

مشبك على هيئة فراشة، مشغول من الذهب ومرصّع باللؤلؤ الباروكي والزمرد والألماس.

في هذه البيئة السريالية، تُعرض الإبداعات في قسم شفاف يخترق الأعمدة على مستوى العين، فتبدو كأنها كائنات عائمة فيما توفّر لمحة عن الابتكارات الأيقونية لمختلف أجيال عائلة بوتشيلاتي. تصوّر الأعمدة الأربعة في وسط الغرفة التقنيات الرئيسة الأربع المميزة للدار وهي التول Tulle، والدانتيل Lace، والنقش Engraving، والسلسلة Enchainment، التي تحوّل الذهب إلى سطح حيوي لاستحضار تركيبة الأقمشة الفاخرة، مثل الدانتيل والتول والتطريز، مع أصالة جمالية لا مثيل لها.

أما الأعمدة الجانبية، فتتيح استكشاف ابتكارات أيقونية مثل قلائد Ombelicali الطويلة وخواتم Eternelle وجواهر Cocktail الاحتفالية الراقية، فيما مجموعات مثل Macri وHawaii وToilée وOpera تُعرض في الأعمدة المقابلة، في مشهد يحتفي بالجماليات الطبيعية والهندسية.