وجب ابتدار القول بدءًا أن الفن لا يستمد قيمته من ثمنه، ولا هو خاضع لضغط القيمة السعرية، ونحن إذ نتحدث عن أغلى اللوحات في العالم لا نبتغي الإشارة، تصريحًا أو تلميحًا، إلى أن هذه الأعمال تحوز قيمة فنية أعلى وأفضل من غيرها.

فالحق الذي يعرفه متذوقو الفن ومؤرخوه أن كثيرًا من الأعمال الفنية لم تشتهر إلا بعدما بيعت بأثمان عالية.

كما أن ثمة لوحات ونوادر فنية على قدر كبير من البراعة والإتقان لم تدخل ضمن قائمة الأسعار المرتفعة تلك. والأمثلة على هذا أشهر من أن تُذكر، دونك مثلًا لوحة The Dog الممهورة بريشة الفنان الإسباني فرانسيسكو جويا، تلكم اللوحة التي لن تجدوا أبرع ولا أبلغ منها في التعبير عن كائن متورط في قضية وجوده.

وهاكم أيضًا لوحة Nighthawks للفنان الأمريكي البارع إدوارد هوبر، التي أطال كثير من المحللين والمتأملين الوقوف أمامها، في محاولة لتبيان مكامن العظمة فيها، ولم يكن غريبًا أن تفرد لها أوليفيا لاينغ مساحة واسعة من القول والنظر في كتابها «المدينة الوحيدة».

وقد تُعد لوحات آرثر هاكر أبلغ تعبير عن حضور الغياب وكثافة الفقد وفجيعة الانتظار، ومثلها أعمال يوجين دو لابلاس صاحب اللوحات التي تضج رقة وحبًا وحياة على ما هو عليه الحال في لوحة Flirtation at The Well أو حزنًا وألمًا وفجيعة على  ما توحي به لوحة Far away Thoughts، أو إبداعات الفنان الإيراني- رضا رحيمي، سيوّد من تناول الألم والوحدة في أعمال كثيرة أبرزها Anticipation، ومثله ابن بلده مرتضى كاتوزيان، وآخرون يند الذهن عن حصرهم ويضيق المقام عن ذكرهم.

جولة بين أغلى اللوحات في العالم

لإدفارد مونك The Scream

تُعد لوحة "الصرخة" واحدة من أغلى  اللوحات في العالم، كما أنها اللوحة الأكثر شهرة من بين مختلف أعمال مونك. وقد بيعت هذه اللوحة في عام 2012 للملياردير ليون بلاك مقابل 119 مليون دولار.

حظيت لوحة "الصرخة"  بجاذبية عالمية بسبب ألوانها المعبرة وخطوطها المتدفقة وتأثيرها العام المذهل، وهي تصوّر  إطلالة واسعة على مضيق بحري ومدينة وتلال خلفهما، وفي الخلفية على اليسار نرى شخصين يتجولان، وغالبًا ما يُنظر إليهما على أنهما صديقان.

لكن الشخص في المقدمة هو أول ما يلفت انتباه المشاهد، إذ نرى كائنًا يمسك رأسه بين يديه، وفمه مفتوح في صرخة صامتة تتضخم من خلال الحركة المتموجة التي تمر عبر المناظر الطبيعية المحيطة. هذا الكائن غامض جدًا، ويصعب تحديد ما إذا كان رجلاً أم امرأة، صغيرًا أم كبيرًا، أو حتى إذا كان إنسانًا أم مزيجًا ما بين الإنسان وأي كائن آخر.

وعلى ما هو الحال مع العديد من أعمال مونك، يُفترض هنا أيضًا أن نقطة انطلاقه كانت مشاعره وتجاربه الخاصة، لا سيما وأن مذكراته تحتوي على ملاحظات يبدو أنها تشكل خلفية لمحاولة التعبير عن القلق الوجودي الذي اعتراه هو شخصيًا، ويعتري الإنسان بصفة عامة أحيانًا. فقد جاء في مذكرات إدفارد مونك الشخصية ما يلي: «كنت أسير في الطريق مع صديقين - ثم غابت الشمس - تحولت السماء فجأة إلى دماء ودوّت في الطبيعة صرخة عظيمة».

عُرضت هذه اللوحة لأول مرة عام 1893 في معرض مونك الفردي في برلين حيث شكلت عنصرًا مركزيًا وموضوعًا للتحليل والنقد الفنيين وخضعت للعديد من التفسيرات. وثمة نسخة أخرى من هذه اللوحة موجودة في متحف إدفارد مونك.

لإدفارد مونك The Scream

WIKIART

Interchange لويليم دي كوننغ

تنتمي هذه اللوحة الغامضة إلى المدرسة التجريدية، وقد استلهمها الفنان الهولندي الأمريكي ويليم دي كوننغ في أثناء إقامته في نيويورك، وانتهى منها عام 1955.

وفي خريف عام 2015، أمست لوحة Interchange (التبادل) واحدة من أغلى اللوحات في العالم؛ إذ اشتراها الملياردير كين جريفين، مضافًا إليها لوحة  Number 17A لجاكسون بولوك، من رجل الأعمال ديفيد جيفين.

بلغ إجمالي هذه الصفقة 500 مليون دولار، وكان نصيب لوحة ويليم دي كوننغ منها 300 مليون دولار أمريكي. وهي معروضة الآن في معهد شيكاغو للفنون.

Interchange لويليم دي كوننغ

Willem de Kooning

The Card Players لبول سيزان

في أواخر التسعينيات، قدّم بول سيزان سلسلة من  خمس لوحات زيتية تصور موضوع لاعبي الورق.، وكانت أكبر لوحة في هذه السلسلة وأكثرها تفصيلاً تلك الموجودة في مؤسسة  بارنز Barnes Foundation في فيلادلفيا.

صاغ سيزان كل لوحة من هذه اللوحات بعناية فائقة، وتوسّل بالعديد من الرسومات التحضيرية، فضلاً عن دراسته للمزارعين المحليين عن كثب.

ورغم ما يبدو على اللوحة من طابع سكوني، إلا أن الفنان استطاع أن يستنطق كل شيء فيها انطلاقًا من موضوعه أولاً، ثم من مختلف التفاصيل الصغيرة الموجودة في اللوحة، ابتداءً من الرجل الذي يدخن واقفًا، مرورًا بالغليونات المعلقة على الحائط، وصولاً إلى نظرة الطفل المثبتة على الورق.

يركز سيزان هنا على الحياة اليومية، ويصوّر الأشخاص المنخرطين في أنشطة عادية. والحق أنه استقى هذه الفكرة من أعمال هولندية وفرنسية سابقة، استلهمت خلال القرن السابع الموضوع ذاته.
تفتقر لوحات سيزان، إذا ما أردنا مقارنتها بلوحات أسلافه التي تناولت الموضوع نفسه، إلى الدراما والسرد، ولكنها عوضًا عن ذلك تتميز بإعداد بسيط وشخصيات ذاهلة عن وجودها، تدخن غليونها مستغرقة في اللعب.

يُظهر لاعبو أوراق سيزان القليل من التعبير، ويبدون سلبيين ومتحفظين أو منغمسين في المهام الخاصة بهم. وقد صوّرهم الفنان بأقل قدر من تعابير الوجه، حتى لكأنه قد رسم وجوههم ببضع ضربات من الفرشاة المضمخة باللون الأسود لتحدد عيونهم أو شواربهم.

بيعت هذه اللوحة في عام 2011 بسعر تجاوز 250 مليون دولار أمريكي.

The Card Players لبول سيزان

WIKIART

?When Will You Marry لبول غوغان

رسم الفنان الفرنسي بول غوغان هذه اللوحة الزيتية، التي تنتمي إلى مدرسة ما بعد الانطباعية، عام 1892، وهي تأتي ضمن مجموعة أعماله التي أبدعها في تاهيتي.

سافر الفنان إلى تاهيتي لأول مرة في عام 1891، إذ كان يأمل أن يجد فيها جنة عدن حتى يتمكن من خلق فن بدائي نقي، بدلاً من الأعمال المصطنعة التي يقدمها الرسامون الفرنسيون. ولكنه عندما وصل إلى تاهيتي لم يجد فيها فردوسه المفقود، وإنما ألفى مستعمرة من القرن الثامن عشر، قُتل ما لا يقل عن ثلثي سكانها الأصليين بسبب الأمراض، كما قُضي على الثقافة "البدائية" التي جاء بول غوغان ناشدًا إياها.

على الرغم من خيبة الأمل تلك، إلا أن غوغان قدم العديد من الأعمال مستلهمًا إياها من تلك البيئة، ومنها لوحتنا هذه التي تحمل اسم  ?When Will You Marry (متى تتزوّجين أو بالتاهيتية
 ?Nafea Faa Ipoipo).

قوبلت هذه اللوحات التي أبدعها الفنان في تاهيتي بلامبالاة نسبية عندما عاد إلى فرنسا، وحقق معرضه Durand-Ruel الذي أقيم عام 1893 نجاحًا محدودًا، ولم يحظ بمراجعات إيجابية من قبل النقاد، فضلاً عن أنه لم يحقق سوى القليل من المبيعات.

عرض غوغان هذه اللوحة بسعر 1500 فرنك لكن أحدًا لم يقدم على شرائها ولم تجذب انتباه أحد. لكن اللوحة بيعت في جنيف عام 1917 لجامع القطع الفنية رودولف ستايشيلين، ثم أودعت، على سبيل الإعارة، في متحف كونست في بازل بسويسرا لما يقرب من نصف قرن.

بعد ذلك باعتها عائلة رودولف ستايشيلين إلى الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني مقابل ما يقرب من 210 ملايين دولار أمريكي، وكان ذلك في فبراير 2015. وقد ظلت اللوحة معروضة في مؤسسة بيلير Fondation Beyeler، حتى 28 يونيو 2015.

?When Will You Marry لبول غوغان

WIKIART

Number 17 لجاكسون بولوك

أبدع جاكسون بولوك، الفنان التعبيري التجريدي، هذه اللوحة في عام 1948 باستخدام تقنية التنقيط، وذلك عن طريق رش الطلاء على سطح مرصع أفقيًا بطلاء زيتي على لوح ألياف. وتتميز هذه اللوحة بمجموعة من الألوان الجريئة مثل الأصفر والأحمر والأزرق والبرتقالي، جنبًا إلى جنب مع بعض الأبيض والأسود المتناثر في بعض أنحائها.  

اشترى كينيث جريفين اللوحة من ديفيد جيفن في سبتمبر 2015 مقابل 200 مليون دولار، وهي مودعة الآن في معهد شيكاغو للفنون.

Number 17 لجاكسون بولوك

WIKIART

(No. 6 (Violet, Green, and Red لمارك روثكو

تنتمي هذه اللوحة الزيتية إلى المدرسة التجريدية، وقد رسمها الفنان اللاتفي الأمريكي مارك روثكو في عام 1951. وعلى ما هو عليه حال أعمال روثكو الأخرى، تشتهر اللوحة بأشكال مستطيلة ملونة، بعضها نابض بالحياة وبعضها الآخر قاتم، لا يميزه شيء إلا الحدة اللونية.

(No. 6 (Violet, Green, and Red لمارك روثكو

WIKIART

اشترى هذه اللوحة الملياردير الروسي ديمتري ريبولوفليف من تاجر الأعمال الفنية إيف بوفييه. لكن بعد إتمام عملية البيع رفع الملياردير الروسي دعوى قضائية على تاجر الأعمال الفنية يتهمه فيها بأنه خدعه فيما يتعلق بقيمة هذا العمل الفني. ثم بيعت مرة أخرى في عام 2104 بحوالي 186 مليون دولار، مسجلة رقمًا قياسيًا جديدًا في سجل إنجازات الفنان مارك روثكو.