تقول ماريا بورو، مديرة معرض Salone del Mobile Milano في ميلانو: "التصميم لغةٌ مشتركة بين ثقافات العالم كلها، وأولئك الذين يواظبون على زيارة الصالون لا يقصدونه بهدف استكشاف أحدث التصاميم المبتكرة فحسب، ولكن للمشاركة أيضًا في نقاشات جادّة حول لغة التصميم العالمية ولبناء الروابط في عالم تحكمه هذه اللغة المشتركة.
فالأعمال التركيبية الملهمة والابتكارات التصميمية الجديدة الرائعة المعروضة هنا تُصبح في ما بعد مرجعًا لمجتمع التصميم بأكمله". والحقيقة هي أن أسبوع ميلانو للتصميم يُعد واحدًا من أعظم معارض التصميم في العالم.
وبعد أن عاد هذا المعرض إلى موعده الربيعي المعهود بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، أتيحت الفرصة أمام زوّار هذا الصالون في دورته الحادية والستين للانغماس في برنامجٍ غني بالأحداث والأعمال التركيبية والمشاريع الجديدة.
للاحتفاء بهذا الحدث الراسخ، نستعرض مجموعة من روائع الابتكارات التي تمخضت عنها مواهب المبدعين في عالمي الموضة والتصميم.
ثلاثة مشاريع مبتكرة من لويس فويتون
في شارع كورسو فينيتزيا الصاخب، لم تقصّر أعمال لويس فويتون، المُنتظرة دائمًا بفارغ الصبر خلال هذا المعرض، عن إثارة الإعجاب مرة أخرى. فعبر المساحات المترامية الأطراف والقاعات المزخرفة في قصر بلاتزيو سيربيلوني، عرضت العلامة ثلاثة مشاريع متمايزة تجمعها روعة التصميم وأناقة الإبداع.
LOUIS VUITTON
مجلس تتدلى فوقه مصابيح Capeline التي ابتكرها للعلامة مارسيل واندرز.
في المشروع الأول، عرضت العلامة 11 قطعة جديدة من مجموعتها الدائمة Objets Nomades التي تشتمل على قطع أثاث وأدوات منزلية مستلهمة من عالم السفر، وتُبتكر بالتعاون مع مصممين مشهورين من مختلف أنحاء العالم. وقد حملت التصاميم في دورة هذا العالم من الصالون توقيع محترفات Atelier oï، وRaw Edges، وAtelier Biagetti، ومارسيل واندرز، وزانيلاتو/بورتوتو، وكامبانا، واستوديو لويس فويتون. وفيما ساد اللون الأبيض في دورة هذا العام، مع إضافاتٍ باللون الأحمر، برز صندوق لويس فويتون الشهير في مختلف القاعات على هيئة طاولة للقهوة.
LOUIS VUITTON
المقعد الأرجوحة Disco Cocoon من تصميم فيليب لاكومب.
وفي فناء القصر المذهل، استُحدث رُواق متلألئ من الألمنيوم من تصميم المعماري مارك فورنيس الذي أبرز تقاليد الدار في "العمارة البدوية". ويشبه هذا التركيب التشكيلات العضوية للشعاب المرجانية، إذ تتخلله فراغاتٌ يمكن للزوار المشي داخلها وحولها.
أما مشروع العرض الثالث، فقد جاء على هيئة صندوق عجائب قابل للتخصيص ومحدودِ الإصدار، أطلقت عليه الدار على نحو ملائم اسم "خزانة العجائب". وقد أقيم هذا العرض في الحدائق الهادئة للقصر، وسط بناءٍ لافت يشبه سفينة فضائية.
LOUIS VUITTON
رُواق متلألئ من الألمنيوم صمّمه المعماري مارك فورنيس على نسق التشكيلات العضوية للشعاب المرجانية.
لورو بيانا تسلّط الضوء على الاستدامة
حوّل المصمم الأرجنتيني كريستيان موهاديد مقرّ لورو بيانا في ميلانو، كورتيلي ديلا سيتا، إلى مكان هادئ وأثيري. بسقف زجاجي خلاب، بدت الردهة الخاصة بالعلامة الفاخرة، التي افتتحت العام الماضي بعد أن جددها المصمم البلجيكي البارع فينسينت فان دويسِن، خلفية مثالية لإبداع موهاديد الذي استوحى عمله هذا من تقاليد أمريكا الجنوبية المتمثلة في تأشير المسارات عبر جبال الأنديز بأبراج حجرية تُسمى "أباتشيتاز" Apachetas، وهي أكوام من الحجارة تُكرّم روح الأرض وتُعلّم المسارات التي بناها الأسلاف المسافرون على مر القرون حتى يتسنى لمن يأتي بعدهم أن يُميز الطريق.
يتشارك المصمم الأرجنتيني ودار لورو بيانا شغفًا بالمواد الطبيعية والاستدامة، والتزامًا بالحرفية والجمال. وُلد موهاديد في كاتاماركا في شمال غربي الأرجنتين، وهو الموقع نفسه الذي تستمد منه العلامة صوف فيكونيا الذي تستخدمه في مختلف مجموعاتها والذي يعد أغلى الأنسجة الحيوانية في العالم وأكثرها حصرية.
جرى تغطية اثني عشر برجًا، تمتاز بأحجام متفاوتة وجوانب بارزة وارتفاعٍ يبلغ ثمانية أمتار، بالمنسوجات الفاخرة المأخوذة من المجموعات السابقة للدار الإيطالية. وتُذكّر ألوان هذه الأبراج بالألوان الترابية المحايدة وألوان البحيرات الأرجنتينية الحمراء المذهلة.
كما صُممت الأرائك والمقاعد والكراسي والطاولات بما يحاكي هيئة الأحجار، واقترنت بأقمشة لورو بيانا الطبيعية، والقطع الخشبية المنحوتة يدويًا، والتفاصيل الخزفية. وهكذا أصبح مشهد أبراج "أباتشيتاز" دعوة لمناقشة موضوع الاستدامة وتدارس إمكانية إعادة تدوير المواد.
Loro Piana
بإيحاء من تأشير المسارات عبر جبال الأنديز، استحدث كريستيان موهاديد في مقر لورو بيانا أبراجًا حجرية مختلفة الأحجام تتدثر بكسوات ملونة من منسوجات الدار.
مشروع تبادل فني من دولتشي أند غابانا
قدمت دولتشي أند غابانا كازا مشروع "GenD - Generation Designers"، وهو مشروع إقامة فنية دعت العلامة من خلاله عشرة فنانين ومصممين دوليين ناشئين لإعادة تفسير رموزها الحرفية بأساليبهم المتفردة.
Mattia Aquila©Dolce & Gabbana
بيت الدفيئة Limonaia a Milano (صوْبة الليمون) الذي صمّمه أنطونيو أريكو على نسق تعريشة باهرة بتفسيرات فخارية مرحة.
يهدف هذا المشروع إلى بناء جسور ثقافية بين نهج الدار المبتكر والروابط التي تجمعها بإيطاليا وبقية العالم. وقد انتقت أمينة مشروع الإقامة فيديريكا سالا مصممين من مناطق جغرافية مختلفة، أعادوا تصوّر رموز العلامة، من مطبوعات وألوان وزخارف وغيرها، وذلك باستخدام وسائط وتقنيات عدة.
Mattia Aquila©Dolce & Gabbana
منضدة RAYTOID من استوديو Sayar & Garibeh، ابتُكرت باستخدام تقنيات صياغة الجواهر.
شملت الوسائط المستخدمة الفخار الصِقلي وزجاج مورانو المنفوخ، فيما تمثّلت التقنيات بالنجارة، وصناعة الأدوات المعدنية، ونحْت تماثيل من الصلصال، وتجميع قصب السلال، وتشكيل الحديد المُطاوع، وسبك المعادن، فضلاً عن تقنية نادرة لطلاء المعادن بالمينا.
يجسّد مشروع Gen-D "تبادلاً إبداعيًا مع جوهر العلامة"، ويعكس بموازاة ذلك التزامها بتوسيع نطاق تقاليدها الحرفية الجريئة عن طريق استقطاب رؤى جديدة وتقنيات إنتاج مبتكرة.
وخير مثال على ذلك بيت الدفيئة Limonaia a Milano (صوْبة الليمون) الذي صمّمه الفنان أنطونيو أريكو على نسق تعريشة باهرة بتفسيرات فخارية مرحة وقطع أثاثٍ خارجي يشع بتدرجات متألقة من اللون الأخضر اللامع.
Mattia Aquila©Dolce & Gabbana
آنية ملونة من زجاج مورانو بتوقيع لوسيا ماساري.
إرث هيرميس المستمر في لا بيلوتا
داومت هيرميس على المشاركة في هذا المعرض المخصص للتصميم والأثاث منذ عام 2011. وفي هذه الدورة، عرضت العلامة ابتكاراتها مرة أخرى في لا بيلوتا La Pelota، الوجهة التاريخية الواقعة في منطقة بريرا العصرية.
Hermes © Maxime Verret
السجاد الذي صممه بيار شاربان نجم العرض الذي قدّمته هيرميس داخل نوافذ مصنوعة من الفولاذ المقوّى.
بيد أن المشهد اختلف هذه المرة إلى حد كبير عمّا كان عليه الحال في الدورات السابقة، إذ إن الدار عرضت ابتكاراتها داخل شبابيك مصنوعة من الفولاذ المقوّى المستخدم عادةً في بناء الهياكل الخرسانية، وثبّتت القضبان الفولاذية الصدئة رأسيًا وأفقيًا وقطريًا لإنشاء شبكة معدنية يمكن من خلالها رؤية المعروضات من مختلف الزوايا.
وكان السجّاد الفاخر الذي صممه بيار شاربان نجم العرض، وقد استخدم المصمم في صياغته تقنية Cordélie التي تقتضي تطريز حبل قطني في قاعدة من الكتان.
Hermes © Maxime Verret
كرسي بقاعدة جلدية من تصميم سيسيلي مانز.
كما قدّمت هيرميس في دورة 2023 العديد من التصاميم الجديدة مثل أريكة Contour d’Hermès التي يغلب عليها طابع عملي وشكل كلاسيكي، والمصنوعة من الصوف اللامع والقماش القطني المزخرف بأشرطة جلدية.
كلّفت هيرميس أيضًا المصمم الشهير جاسبر موريسون بتحديث كُرسي Conservatoire الذي طرحته العلامة لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي. أضفى موريسون طابعًا عصريًا على هذا الكرسي بتخفيف قاعدته وإعادة صياغة شكله وأبعاده.
Hermes © Maxime Verret
قطع خزفية تولّى زخرفتها جوكن غيرنر.
وفيما ابتكر المصمم الفنلندي هاري كوسكينين لصالح هيرميس سلسلة من المصابيح المصنوعة من الزجاج المنفوخ المتباين الألوان، والمتصلة بقاعدة جلدية، صممت سيسيلي مانز كرسيًا صغيرًا بمسندين، يتألف من قاعدة جلدية رقيقة تعلو هيكلاً خشبيًا صلبًا.
فضلاً عن ذلك، اشتملت مجموعة الآنية الفخارية هذا العام على قطع خزفية لتناول الفطور، زخرفها المصمم الفرنسي جوكن غيرنر برسوماته اليدوية المستوحاة من مسابقة هيرميس للخيول Saut Hermès.
Hermes © Maxime Verret
مصابيح من الزجاج المنفوخ من ابتكار هاري كوسكينين.
ميسوني تتبنّى تجديد الأشكال والألوان
تشتهر علامة ميسوني الإيطالية الفاخرة بأسلوبها الفني النابض بالحياة، وقد أثْرت أسبوع التصميم في ميلانو بمشاريع متنوعة تُعبر عن روح الدار الوثّابة والمرحة. فتحت إشراف روزيتا ميسوني، تمايزت مجموعة الابتكارات المنزلية من Missoni Home التي أبدعها المدير الفني ألبيرتو كاليري، بلغة بصرية مستحدثة ركزت على تجديد الألوان والأشكال، من دون التنكّر للعناصر والأقمشة المميزة للعلامة، وخصوصًا النسيج، الذي يُعد الناطق باسم ميسوني وجوهرها.
في مشروع "العيش بالداخل والخارج"، اسم العرض المُقام في فيوري صالون، أرادت العلامة إبراز أسلوب عيش جديد تنطمس فيه الحدود بين الداخل والخارج، ولهذا أطلقت الدار مجموعة جديدة من قطع الأثاث والإكسسوارات.
على أن أبرز قطع هذه المجموعة كانت الوسائد التي تشكلت على هيئة فطائر سيامبيلوني وخبز بانيتوني. غُطّيت التركيبات المنصوبة بقماش الجاكار المتعرج، وأقمشة متعددة الألوان، وفسيفساء عاكسة، وطلاء المينا، فضلاً عن نسيج Nastri المُنضم حديثًا إلى قائمة منسوجات العلامة.
يتكوّن هذا الطراز من ستة تشكيلات لونية مختلفة تندمج لإنشاء تأثير ثلاثي الأبعاد، وقد استخدم في المقاعد وفي مجموعة جديدة من أدوات المائدة التي كُشف عنها لأول مرة خلال أسبوع ميلانو للتصميم.
Missoni
وسائد على هيئة فطائر سيامبيلوني وخبز بانيتوني تزهو بقماش الجاكار المتعرج والأقمشة متعددة الألوان لتعكس مفهوم "العيش بالداخل والخارج" من ميسوني.
فلسفة أصيلة للعيش وعُقد رمزية من فيزيونير
في سياق المعرض، أطلقت علامة فيزيونير Visionnaire الإيطالية الفاخرة مجموعتها الرائعة Volare التي تجسّد مفهومًا مبتكرًا يبرز فلسفة أصيلة للعيش فيما يوثّق قدرة الدار على الإتيان بقطع متفردة بالاستناد إلى خبرتها الكبيرة في صناعة المفروشات.
وقد ابتكر هذا المفهوم فريقٌ من المصممين الرواد، ومنهم أليساندرو لا سبادا، وستيف لونغ، وماورو ليباريني، ودراغا أند أوريل، واستوديو بيبي، وما أتولييه، وغوبيكا.
Visionnaire
مجلس Babylon Rack متعدد الوحدات.
الجدير بالذكر أيضًا أن Volare هو في الأصل مشروع سكني تحقق نتيجة للتعاون بين دار فيزيونير وشركة التطوير العقاري "فولاري". وتُعد الفيلا الرائعة التي صممها أليساندرو لا سبادا على شاطئ مجمّع بولغاري في دبي أول مشروع للدار في عالم العقارات.
Visionnaire © Lorenzo Pennati
كرسيا Shibari وتركيبة الإنارة Parade.
تشتمل مجموعة "فولاري" على قطع أثاثٍ وأدوات إضاءةٍ وأعمالٍ فنية مناسبة للمعيشة الفاخرة، ترتقي بأماكن تناول الطعام وغرف النوم والمساحات الخارجية. وتُجسد هذه المجموعة لغة التصميم الفريدة للدار ومنتجاتها المتطورة واهتمامها البالغ بالتفاصيل، فضلاً عن تقاليدها الحرفية الإيطالية المتجذرة.
فضلاً عن ذلك، كان كرسي "شيباري" Shibari الذي صممه استوديو بيبي لصالح علامة فيزيونير أحد أبرز ابتكارات أسبوع ميلانو للتصميم، إذ تجسدت فيه الرمزية التي توحي بها العُقد.
Visionnaire
تشتمل مجموعة "فولاري" على قطع أثاثٍ وأدوات إضاءةٍ وأعمالٍ فنية مناسبة للمعيشة الفاخرة.
وعرض الاستوديو هذا الكرسي في صالة Empire of the Senses (إمبراطورية الحواس) الخاصة بدار فيزيونير، وهو يبرز ما للرموز من أهمية شديدة بصفتها وسائط تعبير قوية. تنضمّ العُقد وتتصل وتجتمع في تناغم مستمر، وعقدة كرسي "شيباري" ناعمة ومتصلة بدون قيود، وعندما تمتد أفقيًا يشبه شكلها رمز اللانهاية، في تصوير بديع لمعاني الالتزام واتحاد الروابط.