في الآونة الأخيرة، بات اقتناء سيارة، حتى من إحدى العلامات الفاخرة، مهمة صعبة، والسبب في ذلك يُعزى إلى الضربة القاصمة التي سددها إلى قطاع السيارات الاندفاع المحموم والمتمدد، سبب جائحة كورونا، إلى التسوق، وتعثر سلاسل التوريد.

وفيما يختبر الصانعون المرموقون مشكلة نقص في المخزون، على ما هو عليه الحال في القطاعات الأخرى، وتعاني نقصًا حادًا في مكوّنات مثل أسلاك التوصيل والرقائق الدقيقة التي عرقلت عمليات التصنيع وقلصتها إلى حد كبير، فإن النخبة من العلامات الأعلى تميزًا تواجه مشكلة سيمتد أجلها لفترة أطول: كيف يمكن إسعاد الزبائن من كبار الشخصيات في ظل ازدياد الثروات في العالم، والارتفاع المهول في عدد المشترين المحتملين بالرغم من ثبات أرقام الإنتاج. لقد صارت مشكلة عويصة، إلى حد أن بعض العلامات توقفت عن تلقي الطلبات، لأنها بلغت حدها الإنتاجي الأقصى المقرر للسنوات المقبلة.

لطالما كانت الندرة المصطنعة معضلة مربكة في عالم السيارات، ولهذا اعتمدت علامات مثل فيراري وبوغاتي ولامبورغيني استراتيجية التوزيع المتأني لإبقاء طرزها حصرية، حتى مع قدرة فئات أكثر من المشترين على اقتناء تلك المركبات.

ولكن الطلب المتنامي وصل حدًّا بدأت تظهر معه تصدعات عدة، تمثلت في تزايد عدد الجامعين الذين يستغربون استبعادهم من قوائم المستفيدين من الإصدارات بالغة الحصرية، وشكوى آخرين من تلقي الزبائن الجدد محاباة غير مستحقة.

يتذكر جامع سيارات من الجنوب الأمريكي، يمتلك مستودعًا مليئًا بأحدث المركبات الإيطالية والألمانية والبريطانية، التجربة السيئة التي كانت له مع فورد في عام 2016، عندما كشفت الشركة عن الجيل الثاني من سيارتها الخارقة جي تي، معلنة حصر إنتاجها في ألف نموذج على مدى أربع سنوات.

وفي هذا يقول: "قررت فورد جعل المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي زبائنها الرئيسين ومالكي النماذج الأولى، متجاهلة المولعين الحقيقيين مثل مالكي فورد جي تي 2005".

لطالما اكتنف الغموض عملية اختيار المستفيدين من النماذج الحصرية، غير أن الزبائن المؤهلين يعرفون متى يتعرّضون للتجاهل. ويتابع جامع السيارات قائلًا: "في النهاية، ينبغي للشركة أن تتعاطى مع نخبة زبائنها بطريقة تُكرم ولاءهم والأموال التي ينفقونها على مركباتها".

أخيرًا، قررت بضع علامات الكشف عن بعض الجوانب التي تؤثر على طريقة اختيارهم للمستفيدين. أوضحت بوغاتي أن سيارتها الجديدة "ميسترال رودستر" Mistral Roadster التي يبلغ سعرها 5 ملايين دولار لن تكون متاحة إلا للمالكين الحاليين لطراز شيرون Chiron.

وفيما لا يزيد عدد سيارات شيرون في العالم على 500 نموذج، أعلنت بوغاتي عن إنتاج 99 نموذجًا فقط من طراز ميسترال، ما يعني أن عملية الفرز لم تُحسم البتة.

سيارة Bugatti W16 Mistral من بوغاتي، البالغ سعرها 5 ملايين دولار، والتي يقتصر إنتاجها على 99 نموذجًا فقط.

Bugatti
سيارة Bugatti W16 Mistral من بوغاتي، البالغ سعرها 5 ملايين دولار، والتي يقتصر إنتاجها على 99 نموذجًا فقط.

يقول سيدريك ديفي، مدير عمليات بوغاتي في القارتين الأمريكيتين، إن عملية انتقاء كبار الشخصيات كانت موضوع نقاشات "حامية" مع الزبائن. في النهاية استقرت بوغاتي على حل "في منتهى البساطة: إن أعدل إجراء هو جمع إجمالي ما أنفقه كل زبون على طُرز العلامة" على ما يقول.

تقر فيراري أيضًا باعتماد نظام تختار بموجبه من يحصل على سياراتها، ولكنها لا تفصح عن تفاصيله. ويقول إنريكو غالييرا، الرئيس التنفيذي للتسويق والتجارة في الشركة: "إننا نقدر العلاقة التي تربطنا بزبائننا، ثم نجري حساباتنا بما يتيح تقديم زبائن على آخرين كلما أطلقنا منتجًا جديدًا". ويتابع قائلًا: "إننا نتبع نظامًا دقيقًا، لأننا لا نريد بناء تقييمنا على معطيات ذاتية".

بالرغم من ذلك، يعتقد جامع السيارات الأمريكي المذكور آنفًا أن العلامة الإيطالية تفصح عن تفضيلاتها وإن لم تعلن عنها صراحة. وفي هذا يقول: "إنه نظام بسيط جدًّا. ينبغي أن تمتلك أغلب الطرز التي ظهرت على مدار سنوات، وتتسابق دوريًا في سباقات التحدي التي تنظمها الشركة، وتحضر الأحداث السنوية، ولا تبيع سياراتك. إذا كنت ثريًا ووليًا للعلامة، فإنك ستكافأ".

وفيما يقرر بعض الصانعين من سيحصل على الطرز الجديدة، يلقي آخرون بعبء الاختيار على التجار، ولكن النتيجة قد تعني ابتزاز الزبائن.

تمنع العديد من العلامات المميزة (إن لم يكن كلها) بيع طرزها الجديدة بسعر أعلى من سعر التجزئة المقترح من الصانع، ولكن الوكلاء الجشعين لا يبالون بذلك، فيطالب بعضهم الزبائن بدفع قدر كبير من المال لنيل السيارات المرغوبة.

سيارة Ford GT المرغوبة للغاية من فورد، والتي انحصر إنتاجها في ألف نموذج على مدى أربع سنوات.

Ford GT
سيارة Ford GT المرغوبة للغاية من فورد، والتي انحصر إنتاجها في ألف نموذج على مدى أربع سنوات.

يقول جامعٌ من كاليفورنيا يمتلك مستودعًا مليئًا بسيارات بورشه من طُرز حديثة ومنشودة: "إن أغلب وكلاء بورشه حصلوا على نموذج واحد فقط من طراز 992 سبورت كلاسيك، وبعضهم لم يحصل على أي نموذج. وقرر أولئك الذين حظوا به إجراء مزاد سري لأثرى زبائنهم، ليروا من سيدفع مبلغًا طائلاً فاق في بعض الحالات السعر المحدد من الصانع بأكثر من 200,000 دولار".

ويوضح الجامع أن حرب المزايدات هذه "تخلف بلا شك انطباعًا سيئًا للغاية عن الوكلاء، والانطباع نفسه ينطبق على الصانع. ولا يصب هذا الوضع في مصلحة أي جهة من الجهات" على ما يقول.الكل خاسر دومًا في هذا الوضع المحموم.

بروس كانيبا، مالك شركة Canepa Motorsports، هو الموزّع المعتمد في أمريكا الشمالية للسيارة الخارقة T.50 الأولى من غوردون موراي أوتوموتيف، التي يبلغ سعرها 3 ملايين دولار.

بيعت نماذج السيارة الحصرية كلها فور إطلاقها في عام 2020، ويقول كانيبا: "كنا نظن أن عدد الراغبين في الحصول على سيارة T. 50 لن يتعدى مئة شخص، لكن أكثر من 200 شخص أبدوا رغبتهم في اقتناء نموذج منها بعد أسبوع من الإعلان عنها"، مضيفًا: "لا أحد يستفيد من هذا الوضع".

ويقول كانيبا: "في عالمنا اليوم، ثمة هواة مستعدون وقادرون على شراء كل سيارة خاصة ومتفردة، وهذا ما يضع صانعي السيارات في موقف مربك: إما زيادة عدد النماذج المصنّعة ومن ثم إفقادها سمة الحصرية التي تجعل الجامعين يرغبون في امتلاكها، وإما تقليص عددها وحرمان الزبائن المحتملين منها".