في عام 1943، وفي إحدى زوايا متحف موما MoMA للفن الحديث بنيويورك، وقف ألكسندر كالدر أمام الجمهور، لا ليعرض عملاً فنيًا، بل ليُعلن عن فصل جديد في سردية الحداثة الأمريكية. تحت إشراف جون جيمس سويني وبمساهمة فكرية من مارسيل دوشامب، تحوّل معرض كالدر الفردي إلى حدث مفصلي، جعله أصغر فنان يُمنح هذا الشرف في تاريخ المتحف، وسط أكثر من مئة عمل شكّلت ملامح رؤيته الثورية.
من بين تلك الأعمال، برزت منحوتة متحركة تحت اسم Painted Wood (الخشب الملون)، تنتمي إلى سلسلة Constellation (الكوكبة) التي ابتكرها كالدر، والتي تتسم بتراقص الأشكال في فضاء من التوازن والخيال. هذه القطعة، التي كانت شاهدةً على لحظة التحوّل، تستعد الآن للعودة إلى دائرة الضوء بوصفها حدثًا فنيًا منتظرًا. فمن المقرر أن تُطرح هذه القطعة في مزاد القرن العشرين المسائي الذي تنظمه دار كريستيز في نيويورك بتاريخ 17 نوفمبر 2025، بسعر تقديري يراوح بين 15 مليون دولار و20 مليون دولار أمريكي، وهو الرقم الأعلى في تاريخ مزادات أعمال كالدر.
Christie’s
يبلغ ارتفاع العمل نحو مترين، ويتكون من 11 عنصرًا منفصلاً، تتوزع بتناسق بين أشكال تشبه الأسماك وأخرى تجريدية. هذا التوزيع الدقيق يعكس توازنًا هندسيًا فريدًا، ويبرز ببراعة مهارة كالدر في دمج الفن والهندسة في تركيب واحد متناغم. وعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود، ظل هذا العمل النادر محفوظًا ضمن مجموعة خاصة، بعيدًا عن أعين الجمهور، ما زاد من غموضه وقيمته التاريخية. واليوم، يُعرض للمرة الأولى في السوق بعد خروجه من مجموعة باتريسيا فيلبس دي سيسنيروس، إحدى جامعات الأعمال الفنية الأبرز في أمريكا اللاتينية، وقد عُرفت بذوقها الرفيع وحرصها على اقتناء الأعمال التي تمثل لحظات مفصلية في تاريخ الفن الحديث.
يكتسب هذا العمل قيمة إضافية بالنظر إلى تاريخه الفريد، إذ لم يكن مجرد قطعة فنية محفوظة، بل يحمل في طياته قصة انتقال ثقافي وفني عميق. فقد كان في الأصل هدية من كالدر إلى المعماري البرازيلي إنريكي إي. ميندلين، الذي أدى دورًا محوريًا في توسيع تأثير الفنان في أمريكا الجنوبية، من خلال علاقاته ومشاريعه المعمارية التي احتضنت الفن الحديث.
Christie’s
لاحقًا، انتقل العمل إلى مجموعة باتريسيا فيلبس دي سيسنيروس، التي كرّست حياتها لدعم الفنون في أمريكا اللاتينية، وأسست مؤسسة تحمل اسمها لاقتناء أعمال فنية تركّز على خمس فترات تاريخية، من بينها الفن الحديث والمعاصر، وفنون الشعوب الأصلية في حوض نهر أورينوكو، وأعمال الفنانين الذين زاروا أمريكا اللاتينية في القرون الماضية.







