يشهد عالم اليوم ابتكارًا يتجاوز حدود المألوف. فقد كشفت شركة لايف ويف Lifeweave عن تجربة تحول الحمض النووي إلى نسيج يحمل البصمة الجينية في أبهى صورها، وهو مشروع انبثق من قلب معهد برود Broad العريق، المرتبط بجامعتي هارفارد وMIT، ليعيد صياغة العلاقة بين الهوية الإنسانية والفن في صورة لم يعرفها العالم من قبل.
وراء هذه الرؤية يقف الفنان والمفكر الإيطالي إميليو فافاريلا، الذي تجاوز حدود السينما والوسائط ليغوص في تاريخ النسيج والحوسبة.
ففي عام 2019، وخلال بحثه بجامعة هارفارد، اكتشف الرابط العميق بين آلة جاكار Jacquard، التي أحدثت ثورة في فن النسيج بالقرن التاسع عشر، وبطاقاتها المثقبة التي شكّلت أساسًا لفكرة الحوسبة لاحقًا.
ومن هذا التوازي التاريخي انطلقت فكرته التي تقول: إذا كانت تلك البطاقات قد ألهمت ولادة العصر الرقمي، فلماذا لا يُحوَّل الحمض النووي إلى خيوط نسج تحكي هوية صاحبها؟
Lifeweave
من تلك الرؤية التاريخية التي مزجت بين الخيوط المادية والكود الرقمي، وُلدت تجربة تحمل في طياتها وعدًا بإعادة صياغة الهوية الإنسانية في شكل ملموس.
رحلة لايف ويف تبدأ بخطوة تبدو متواضعة: عينة لعاب يرسلها المشارك. غير أن ما يحدث بعدها هو سلسلة معقدة من التحولات؛ إذ تُفكك الخوارزميات البيانات الجينية وتحوّلها إلى أنماط زخرفية دقيقة، تتناغم فيها الألوان والأشكال لتنتج لوحة لا نظير لها. كل مربع في هذا النسيج هو فصل من سيرة خفية، وكل تفصيل يُمثل خيطًا من هوية لا يمكن تكرارها.
Lifeweave
ولأن هذه التجربة تمس أعمق خصوصيات الإنسان، فقد صُممت بمنظومة أمان دقيقة، إذ تُعالج البيانات بشكل مجهول الهوية، وتُرسل مشفرة إلى منصة Terra.bio المتخصصة في الأبحاث الطبية الحيوية، مع التزام صارم بعدم بيع أو مشاركة المعلومات، وإتاحة خيار حذفها نهائيًا أو الحصول على نسخة شخصية منها.
أما النتيجة، فهي عمل فني مهيب، بقياس 82 × 62 إنشًا، يُقدَّم في خيارين جماليّين: تصميم مستوحى من الزهور المتفتحة، أو زخارف هندسية تستحضر صرامة البنية الرقمية. وفي كلتا الحالتين، لا يقتصر الأمر على مجرد قطعة فنية فاخرة تصلح لمعرض أو صالة تصميم داخلي؛ بل هو انعكاس مادي لجوهر الإنسان نفسه، منسوج بخيوطه الخاصة.