يبدو أن سحر التميّز وحده ما عاد كافيًا. ففيما تعود العلامات الكبرى المتخصصة في ابتكار منتجات فاخرة إلى دوائرها الحصرية الآمنة التي لطالما شكّلت هويتها، يتزايد الضغط من الجيل الرقمي الجديد، الذي يرى في كل لحظة فرصة للمشاركة والتعبير.
إنها معادلة صعبة تحاول الدور تحقيق التوازن فيها: كيف تحتفظ بهالتها النادرة، وهي في الوقت نفسه بحاجة إلى زبائن لا يتوقفون عن التصوير والبث والمقارنة؟
رفاهية على المحك
بالتوازي مع رصدها العميق لتحولات الأسواق العالمية، كشفت شركة بين آند كومباني Bain & Company المتخصصة في الاستشارات الإدارية وتحليل قطاعات الرفاهية، عن ملامح تباطؤ ملحوظ في أداء الصناعة الفاخرة.
فبعدما بلغ إجمالي قيمة القطاع نحو 1.7 تريليون دولار في عام 2024، تشير تقديرات الربع الأول من 2025 إلى انكماش بنسبة 3% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في دلالة على مرحلة تحوّل دقيقة تمر بها هذه الصناعة اللامعة.
حتى سوق السلع الفاخرة الشخصية، وهي عادةً الأكثر استقرارًا، شهدت تراجعًا لأول مرة منذ 15 عامًا (باستثناء فترة الجائحة)، إذ هبطت قيمتها من 369 مليار يورو في 2023 إلى 364 مليار يورو في 2024.
ورغم أن بعض العلامات تواصل الصعود، إلا أن الفجوة بين الفائزين والخاسرين في السوق تتسع بوتيرة مقلقة. وفقًا للبيانات، تضاعف الفارق بين الشريحة العليا والدنيا بنسبة 1.5 مرة خلال الربع الأول من 2025 مقارنة بالعام السابق، ما يشير إلى أن السوق لا يرحم العلامات التي تفشل في التجديد.
فخامة بلا جمهور
لكن الأزمة أعمق من أرقام، فهي ترتبط بسؤال بسيط من الزبائن: "هل ما أدفعه يعكس تجربة تستحق هذا المبلغ؟ فكما توضح خبيرة القطاع كلوديا داربيتزيو لمنصة فورتشن Fortune، بالغت العلامات في محاولاتها لتوسيع قاعدة زبائنها في السنوات الأخيرة، من خلال منتجات مثل الأحذية الرياضية ومستحضرات التجميل، استهدفت الشباب وذوي الدخل المحدود نسبيًا.
لكن هذه الاستراتيجية بلغت حدًا مفرطًا من التبسيط، ما أدّى إلى انخفاض الابتكار، ومن ثم تراجع ولاء الزبائن. والنتيجة؟ خسارة نحو 50 مليون زبون خلال العام الماضي، معظمهم من فئة الشباب، إلى جانب تراجع حاد في حماس الزبائن للتوصية بهذه العلامات. واليوم، تحاول الدور الفاخرة إصلاح هذا الشرخ، من دون أن تتنازل عن طبيعتها الانتقائية.
غير أن المشكلة تكمن في كون الجيل الجديد لا يعيش الفخامة بصمت. فالكاميرات باتت تُرافقه إلى صالات العرض، وتوثّق تجاربه في ثوانٍ.
تقول داربيتزيو: " لطالما كانت الفخامة استعراضًا؛ لكن الاستعراض اليوم لم يعد محصورًا بالمال فحسب، بل بات يمتد إلى الذوق والأسلوب ونمط الحياة".
وتضيف أن الجيل Z يملك رغبتين متناقضتين: التعبير عن الذات، والبحث عن الانتماء. وهنا تكمن الفرصة أمام قطاع الفخامة: منح الزبون شعورًا بالتماهي بموازاة إعطائه حرية التنسيق والإبداع ضمن هذه الهوية الجامعة.