بخطوطها المشذّبة وكيانها الرمزي الذي لا يُخطئه البصر، تجسّدت منحوتة "الطائر" Oiseau للفنان السويسري ألبرتو جياكوميتي بوصفها أبرز علامات التحوّل في مسار النحت الحداثي، في عمل يوازن بين التجريد والتعبير، بقدر ما يعبّر عن الرؤية المعاصرة.

منحوتة "الطائر" لألبرتو جياكوميتي

بيعت هذه المنحوتة الجصّية النادرة أخيرًا ضمن مزاد نظمته دار كريستيز في نيويورك بتاريخ 12 يونيو 2025، مقابل 2.95 مليون دولار، متجاوزة التقديرات الأولية التي راوحت بين مليونين و3 ملايين دولار.

لا تُعدّ هذه النتيجة المالية مجرّد رقم في سجل المزادات..

 بل تعكس الحضور المستمر لمنحوتات جياكوميتي في السوق العالمية، بوصفها رموزًا بصرية لفترة كانت الحدود فيها تتلاشى بين الفن الرفيع والزينة المعمارية. 

فمنذ ظهرت منحوتة "الطائر" للمرة الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي، حظيت بمكانة خاصة بين جامعي الفن الحديث، نظرًا لما تحمله من توازن دقيق بين الرهافة الشكلية والصرامة الرمزية.

من التعبيرية إلى التجريد

العمل المصنوع من الجص يُجسّد قدرة جياكوميتي على المواءمة بين التجريب الفني والدقّة الزخرفية. 

فمنحوتة "الطائر"، على ما يشير اسمها الفرنسي، تتخطى التجسيد الحرفي للمخلوق، لتُعيد تأويله في قالب طليعي أقرب إلى التمثال الطقسي، بما يحمله من رمزية ووقار، وبنية انسيابية صارمة، تُختزل فيها ملامح الرأس والجسد في تناغم تجريدي بديع.

طائر ألبرتو جياكوميتي يُحلّق عاليًا في مزاد كريستيز محققًا 2.95 مليون دولار

Christie's

ويعود هذا العمل إلى المرحلة التي خرج فيها جياكوميتي من عباءة السريالية، ليؤسس أسلوبه الشخصي الذي تحرر فيه من التفسير المباشر، واتجه نحو صناعة قطع فنية وظيفية تُجاري مفاهيم الزينة المعمارية. 

ومن أبرز سمات تلك المرحلة، تعاونه مع المصمّم الفرنسي الشهير جان-ميشيل فرانك الذي كان يُعدّ من أبرز الأسماء في مشهد الديكور الداخلي الباريسي في ثلاثينيات القرن الماضي. 

من خلال فرانك، عرض جياكوميتي أعماله من مصابيح وطاولات وآنية زهر على جمهور النخبة في متجره في شارع فوبور سانت أونوريه في باريس، وهي التجربة التي ستُفضي لاحقًا إلى لقائه بالمصمّمة الأمريكية فرانسيس إلكينز التي نقلت فنه إلى الداخل الأمريكي، وأسهمت في ترسيخ حضوره في مشهد التصميم الحديث عبر الأطلسي.