كما لو أنها تفتح صفحة جديدة في سجل رؤيتها الإبداعية، أعلنت علامة شانيل عن تأسيس منصة مستقلة تحمل اسم نيفولد Nevold، وهو اختزال لعبارة "never old" أي "لا يشيخ أبدًا"، في إشارة إلى وعد بالاستمرارية والتجدد.
غير أن "نيفولد" لا تُعد حملة تسويقية ولا فصلًا من فصول تقارير الاستدامة، بل تجسد ما وصفه برونو بافلوفسكي، رئيس قسم الأزياء في شانيل، "بالنشاط الثالث" ضمن هيكل الدار، إلى جانب قسم الأزياء وقسم الأعمال الفنية Métiers d’Art الذي يجسّد براعة الحرفيين.
على امتداد السنوات الأخيرة، لم تكن شانيل بعيدة عن مقاربات الاقتصاد الدائري، بل كانت تُجري تجاربها في صمت: خيوط معاد تدويرها تنسج بها نسيج التويد الأيقوني، ونفايات جلدية تُستعاد لتأخذ مكان البلاستيك في دعم الحقائب والكعوب.
غير أن منصة نيفولد لا تكتفي بكونها امتدادًا لهذه المبادرات، بل ترسي لبنة جديدة في صرح فلسفةٍ ترى في الاستدامة إبداعًا، وفي تدوير المواد فرصة لاكتشاف طبقات أعمق من الجمال.
يشرح بافلوفسكي خلفية هذا التوجّه قائلًا إن البدايات انطلقت من تساؤل بسيط لكنه جوهري: ما مصير المواد التي لا تجد طريقها إلى المنتج النهائي؟ أو تلك التي تستنفد دورتها الأولى؟ لم تكن شانيل تلجأ إلى تدمير ما لم يُبع.
لكنها، في المقابل، لم تمتلك منظومة تكشف الإمكانيات الكامنة في تلك الموارد. ومن هنا تحديدًا وُلدت فكرة "نيفولد": منصة تعيد تنظيم العلاقة بين المادة والغاية، وتمنح ما كان يُعد فائضًا فرصة لحياة ثانية أكثر نبلًا.
من المخلفات إلى الإمكانيات
لا تشبه منصة "نيفولد" برامج إعادة البيع أو التدوير التي تكتفي بإطالة عمر المنتج الجاهز، بل إنها تنطلق من عمق سلسلة التوريد لتعيد تشكيل جوهر المادة.
هنا، تُصاغ مكونات جديدة من عناصر قديمة، وتُدمج الخيوط المعاد تدويرها مع الألياف الجديدة لصنع مواد هجينة، وتحفظ هوية الفخامة من دون التفريط في المعايير التقنية الدقيقة التي تتطلبها صناعة الرفاهية.
في قلب هذه المنظومة، يقف محترف المواد L’Atelier des Matières الذي أسسته شانيل لتفكيك المنتجات المنتهية وتصنيف المواد بحسب نوعها. ما بدأ بوصفه خلاً داخليًا لتدبير نفايات الدار، سرعان ما تحوّل إلى خدمة مفتوحة لعلامات أخرى ضمن مشهد الموضة العالمية.
وعلى هذا المسار، نسجت "نيفولد" شراكات استراتيجية مع شركة فيلاتور دو بارك Filatures du Parc الفرنسية لصناعة الغزل، وشركة أوثنتيك ماتيريال Authentic Material المتخصصة في ابتكار المواد، فضلًا عن تعاونات أكاديمية مع جامعات مرموقة مثل جامعة كامبريدج وجامعة بوليتكنيكو دي ميلانو.
وفي يناير 2025، انضمّت صوفي بروكار، المهندسة والمديرة التنفيذية السابقة لدار باتو Patou الفرنسية إلى شانيل لتتولى قيادة "نيفولد". وبقيادتها، لم يعد المشروع حكرًا على الدار، بل تحول إلى منصة أعمال مفتوحة تستقطب شركاء من مختلف أطياف الصناعة.
على الرغم من الانتقادات الموجّهة إلى برامج الاستدامة، والتي ترى أنها لا تعالج جوهر المشكلة طالما استمر الإفراط في الإنتاج، فإن شانيل ترى في "نيفولد" استجابة استراتيجية لأزمة المواد الخام التي تلوح في الأفق.
تشكل خمسة مواد أساسية: القطن، والصوف، والكشمير، والحرير، والجلد ما نسبته 80% من حجم استخدام المواد في شانيل، وجميعها مهددة بسبب التدهور البيئي وصعوبة التتبع والتوترات الجيوسياسية. يرد بافلوفسكي مؤكدًا: "لسنا بصدد استبدال ما تمنحه لنا الطبيعة، بل نبحث عن سُبل تضمن لنا الجودة والشفافية في زمن يزداد فيه الحصول عليهما صعوبة".