في واحدة من أكثر اللحظات الدرامية في سوق الفن هذا الموسم، فشل تمثال الرأس النحيل الكبير Grande tête mince للنحات السويسري ألبرتو جياكوميتي في اجتذاب أي مزايد خلال عرضه في دار سوذبيز بمدينة نيويورك، رغم انطلاقه بتقدير افتتاحي بلغ 59 مليون دولار ووصول العروض إلى 64.2 مليون دولار، من دون بلوغ الحد الأدنى المطلوب لإتمام البيع. وهكذا، بقي العمل بلا صفقة، رغم مكانته: أحد أبرز القطع في المزاد.
العمل الذي أُنجز عام 1955 يُجسّد رأس شقيق الفنان، دييغو، وقدّمته للمزاد مؤسسة سولوفياف Soloviev Foundation الأمريكية، التي أسسها ستيفان سولوفياف نجل جامع الأعمال الشهير شيلدون سولو. وكان من المقرر أن تُوجّه العائدات إلى مؤسسات خيرية، ما أضفى على المزاد بُعدًا إنسانيًا إضافيًا لم يشفع للعمل أمام مزاج السوق المتوجّس.
رهان بلا مظلة حماية
عُرض العمل النحتي يوم الاثنين 13 مايو 2024 من دون أي ضمان بيع، في خطوة تُعد مجازفة كبيرة في سوق يمرّ بمرحلة تذبذب. وعلى خلاف ما تتبعه دور المزادات الكبرى عادة لضمان بيع القطع البارزة..
اختار البائع نموذج "العمولة المحسّنة"، التي تتيح له استرداد جزء من العمولة في حال تجاوز العمل مبلغًا محددًا.
لكن الرهان هذه المرة لم يكن رابحًا. وعلى الرغم من محاولات مدير المزاد أوليفر باركر تحفيز الحضور بعروض رمزية، خيّم الصمت على القاعة في لحظة مشحونة بالتوتر، وانتهى الأمر بإعلان فشل البيع، وسط ذهول واضح بين المتابعين.
ورأى عدد من المتخصصين أن سبب الإخفاق لا يعود إلى قيمة التمثال الفنية، بل إلى تقديره السعري المرتفع. فقد رأى بول غراي، مدير معرض ريتشارد غراي، أن التقدير الواقعي للعمل يجب أن يراوح بين 40 مليون و60 مليون دولار، مشيرًا إلى هشاشة الثقة في سوق القطع الفنية من هذه الفئة.
أما المستشارة الفنية يوكي تيراسي، المؤسسة المشاركة في شركة آرت إنتليجانس غلوبال Art Intelligence Global، فأكدت أن غياب الضمان أضعف ثقة المشترين، في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات اقتصادية وتقلبات في المزاج الاستثماري. وقالت: "هذا ليس الزمن المناسب لعقد صفقات من دون مظلة حماية".
Sotheby’s
تمثال "الرأس النحيل الكبير".. تراث كبير يخفق في لحظة
يُعد تمثال "الرأس النحيل الكبير" من أبرز منحوتات جياكوميتي، ويحمل أبعادًا إنسانية وشاعرية، إذ يعكس الفنان ملامح شقيقه دييغو ضمن تكوين متقشّف يُميّزه التجريد المكثف والخطوط الحادة. ومع ذلك، لم يُسعف هذا التاريخ العريق العمل في تجاوز حاجز التقدير الطموح.
فشل بيع تمثال بهذه القيمة وفي دار مرموقة مثل سوذبيز يعكس تحوّلًا واضحًا في المزاج العام لسوق الفن. فبعد سنوات من النمو السريع والمبيعات القياسية، بات السوق يُبدي حذرًا متزايدًا تجاه التقديرات المرتفعة، ويميل إلى تفضيل الأعمال المسعّرة بعناية والمحمية بضمانات واضحة.
يُذكر أن الرقم القياسي لأعمال جياكوميتي لا يزال مسجلًا باسم تمثال "الرجل المشير" Pointing Man الذي بيع عام 2015 مقابل 141.3 مليون دولار، متجاوزًا حينها التقديرات بأكثر من الضعف. لكن السوق اليوم يختلف كثيرًا، وسط تقلبات جيوسياسية ومالية تجعل حتى أبرز الأعمال الفنية عُرضة لعدم التيقن.