في مدينة جدة الساحلية، وتحديداً على ضفاف البحر الأحمر، أُسدل الستار على النسخة الخامسة من سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا 1، الحدث الذي بات مرآة واضحة لطموحات المملكة تحت مظلة رؤية 2030.
ومع تتويج الأسترالي أوسكار بياستري، سائق فريق ماكلارين، بالمركز الأول، لم يكن هذا السباق مجرد منافسة رياضية بقدر ما كان عرضاً عالمياً باذخاً ومركّباً، يأسر الحواس ويعيد رسم حدود الترف والابتكار في استضافة الأحداث الكبرى.
بياستري، الذي سبق له الفوز في البحرين والصين هذا الموسم، دخل التاريخ كأول أسترالي يتصدر الترتيب العام منذ مارك ويبر عام 2010، وأول سائق يحصد فوزين متتاليين في موسم 2025، في لحظة امتزجت فيها الإنجازات الفردية بالإنجازات الوطنية التي تسعى المملكة إلى ترسيخها على خارطة الرياضات العالمية.
جدة تتلألأ تحت سماء الفورمولا 1
سماء جدة لم تكن شاهدة على السرعة الفائقة للسيارات فحسب، بل تألقت بألوان الألعاب النارية، والعروض الضوئية المتقنة، التي زيّنت سماء المدينة احتفالاً بالسباق الليلي الذي بات أحد أبرز محطات بطولة الفورمولا 1.
وهذا التوقيت ليس عشوائيًا بل اختيار مدروس يعكس إيقاع الحياة في المملكة، حيث تبدأ الحركة الحقيقية بعد غروب الشمس، في مشهد يجمع بين المناخ المحلي وضرورات البث العالمي. السباق الليلي هنا ليس لتفادي حرارة النهار فحسب، بل ليُعرض بأسلوب بصري يوازي عروض التلفاز العالمية الأكثر تطورًا.
Saudi Arabian GP
ما بعد الرياضة.. الفن والثقافة والاقتصاد
على أن الحدث لم يكن رياضياً فحسب، بل هو جزء من مشهد أوسع يتناغم مع تطلعات المملكة في أن تكون حاضنة للفن والثقافة، إذ يجسد مهرجان MDLBEAST المصاحب للسباق هذا التوجّه بمختلف تفاصيله.
فمن عروض جينيفر لوبيز وآشر إلى إبداعات مايجور ليزر وبيغي غو، وصولاً إلى فنانين إقليميين استقطبوا تفاعلاً لا يقل حرارة عن السباق نفسه، بدا المشهد كأنه كرنفال عالمي بامتياز. أقيم المهرجان في ساحة مفتوحة تتسع لنحو 50 ألف متفرج، وفيها امتزجت العروض الموسيقية بالاستعراضات النارية والشاشات العملاقة، ما منح الجمهور تجربة حسية متكاملة تمتد من النهار إلى ما بعد منتصف الليل، حتى في يوم الأحد الذي يمثل بداية الأسبوع العملي في المملكة.
Saudi Arabian GP
بين جدة والرياض.. هندسة الفخامة على الأسفلت
ومع أن مضمار جدة يُشيّد سنويًا لهذا الحدث، إلا أن السعودية تمضي قُدماً على طريق بناء حلبة جديدة خارج العاصمة الرياض، في إشارة إلى التزام طويل الأمد تجاه سباقات الفورمولا 1.
وقد صُمّم مضمار جدة بالشراكة مع الفورمولا 1، ليُحقق رقماً قياسيًا كأسرع حلبة شوارع في تاريخ البطولة، بمتوسط سرعة يصل إلى 155 ميلاً في الساعة، متجاوزاً مختلف حلبات الشوارع الأخرى، ولا ينافسه في هذه السرعة سوى مضمار مونزا الشهير.
Saudi Arabian GP
نحو كأس العالم 2034
منذ إطلاق أول نسخة من سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا 1 في ديسمبر 2021 خلال ذروة جائحة كورونا، أصبحت هذه الفعالية جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية المملكة للتحول الشامل.
فرؤية السعودية 2030 لا تسعى لجذب الأحداث الكبرى فحسب، بل تهدف إلى إحداث تغيير في جودة حياة الأفراد، وفتح آفاق جديدة في قطاعات السياحة، الثقافة، والترفيه.
Saudi Arabian GP
كل هذا ليس إلا مقدمة للحدث الأكبر الذي تستعد له المملكة، وهو استضافة كأس العالم 2034. فبعد أن أصبحت ثالث دولة آسيوية تنال هذا الشرف بعد كوريا الجنوبية واليابان في 2002 وقطر في 2022، تخطط المملكة لبناء 11 ملعبًا جديدًا لتكون على مستوى التوقعات العالمية.
وتؤكد بطولة الفورمولا 1 أن توسعها نحو أسواق جديدة هو "قوة إيجابية" تحقق فوائد اقتصادية، ثقافية، واجتماعية، وهو ما يظهر جليًا في البنية التحتية المتطورة، وتنظيم الأحداث، وإعادة تعريف تجربة الترفيه في المنطقة.